مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

الزكاة والصدقات

مدونة الزكاة والصدقات

الأربعاء، 2 يونيو 2021

الصدقة وكونها برهان

 بقلم الدكتور النابولسي

بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم

رياض الصالحين - باب الصبر - الصدقة برهان.., سيرة التابعي: طاووس بن كيسان


 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

ماذا تعني الصدقة برهان ؟

 أيها الأخوة المؤمنون, مع الدرس العاشر من دروس الحديث النبوي الشريف، ومن كتاب رياض الصالحين، ومن باب الصبر، الحديث الشريف الذي نحن بصدده, هو قول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أَبو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ, وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأانِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ, وَالصَّلَاةُ نُورٌ, وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ, وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ, وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ, كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو, فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 وصلنا في الدرس الماضي إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

((وَالصَّلَاةُ نُورٌ))

، واليوم بتوفيق الله أشرح لكم:  


     ((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))  

 الحقيقة: أن الإنسان حينما يؤمن بالله عز وجل، ماذا فعل؟ يعني إذا آمنت أن هذه الآلة تعمل على الطاقة الكهربائية، أنت إذا آمنت بهذه الحقيقة، ماذا فعلت؟ ماذا قدمت؟ ماذا أحدثت؟ إذا آمنت بالحقيقة لا تكون قد فعلت شيئاً إلا أن تأخذ منها موقفاً، لذلك حينما يكتفي الإنسان بالإيمان بما هو حقيقي، بما هو واقع, من دون أن يكون له موقف دقيق، من دون أن يكون ذا عمل, يترجم إيمانه، فإيمانه لا قيمة له.
 في بالإسلام تشريعات كثيرة، هناك بعض التشريعات تتوافق مع طبيعة النفس، فلو أن الإنسان ذهب في الشتاء إلى العمرة، يستمتع بالحرمين المقدسين المكي والمدني، وقد يكون له أهل وأقارب هناك يرحبون به، ويمضي أياماً لطيفة جداً في الرحاب الطاهرة، طبعاً العمرة واجبة بنص الكتاب والسنة:

 

﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾

 

[سورة البقرة الآية: 196]

 لكن الذهاب إلى العمرة، وأخذ إجازة بعيداً عن مشاكل الحياة، والإقامة في الحرمين المقدسين، والتمتع بما عند المضيف من إكرام، هذا يتوافق مع طبيعة النفس، وقد يقدم الإنسان على الزواج، ويقول: أنا أطبق سنة النبي عليه الصلاة والسلام، طبعاً كان يدخل إلى البيت, ولا أحد يؤنس وحشته، بعد الزواج صار له زوجة ترغب به، ويرغب بها، تؤنسه ويؤنسها، ويقول: أنا أطبق السنة، شيء جميل طبعاً، فتطبيق هذه السنة توافق مع رغبتك، لا يعد الزواج برهاناً على إيمان الإنسان، لأن كل الناس يرغبون في الزواج، ولا تسمى العمرة في الشتاء إلى الديار المقدسة برهاناً على الإيمان، لأنه شيء ممتع، ولكن الشيء الذي يؤكد إيمانك، ويكون دليلاً عليه، هو أن يكون الشيء متناقضاً مع حاجاتك الأساسية.
فربنا سبحانه وتعالى أودع في قلب الإنسان حب المال لقوله تعالى:

 

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾

 

[سورة آل عمران الآية: 14]

 فالمال ذهباً، أو فضة، أو ورقاً, شيء أودع الله حبه في النفوس، فإذا بذل, يكون بذل المال متناقضاً مع حرص النفس عليه، إذاً: عندئذٍ يكون بذل المال شيئاً مؤكِّداً للإيمان، ربنا سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾

 

[سورة آل عمران الآية: 133]

 المتقون ما صفاتهم؟ لهم آلاف الصفات، المتقون لهم صفات كثيرة، ولكن الصفة التي بدأ الله بها هي قوله تعالى:

 


 { ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾                                  

[سورة آل عمران الآية: 134]

لماذا بدأ الله تعالى بهذه الصفة؟ لأن هذه الصفة تؤكِّد تقواهم، فالإنسان إذا جاءت الأوامر الإلهية متوافقةً مع طبيعة النفس، لا تكون هذه الأوامر برهاناً على إيمانه، ولكنها إذا جاءت متناقضةً مع طبيعة النفس، عندئذٍ تكون الصدقة برهان.
 أنت إذا أنفقت ألف ليرة أو مئة ليرة, إنك بحاجة ماسة إليها، إنك تقضي بها بعض الحوائج، إنها شيء محبب، إنها جهدك، إن المال تعبير عن قيمة مطلقة، إنها رمز الجهد، إنها رمز العمل، إنها بذل رمز الطاقة التي أودعها الله في الإنسان، فإذا أنفقتها, أنفقت جزءً من طاقتك، أنفقت جزءًا من عملك، أنفقت جزءًا من جهدك، أنفقت جزءًا من وقتك، الوقت إذا بذلته تكسب به المال، فإذا أنفقت المال أنفقت وقتك، وأنفقت خبرتك، وأنفقت عملك، وأنفقت جهدك، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))

 الإنسان أحياناً يأتيه الشيطان، ويقول له: أنت لست مؤمناً، أنت منافق، الشيطان يوسوس للإنسان، فإذا دفع الإنسان مبلغاً من المال, من دون أن تعلم شماله ما أنفقت يمينه, فإن هذا الإنفاق, يلقم الشيطان حجراً يسكته، دفعت المال، وقد حبب إليك، دفعته، ولم يدرِ بهذا الدفع أحد، إنك بهذا ترجو الله عز وجل، لذلك من كان في شكٍ من أمره، من كان في شك من إيمانه، مَن كان في شك من حبه لله عز وجل، فلينفق دون أن يذكر إنفاقه، فإن في هذا الإنفاق قطعاً لوسوسة الشيطان، إن في هذا الإنفاق برهاناً.
 فأحياناً الإنسان يكون له صديق، فيزوره، يحتفل فيه، يدعوه لزيارته، فيرد الإكرام بإكرام مثله، عواطف جيَّاشة، وكلمات لطيفة، كلمات حارة، عبارات أنيقة، يعلق على العلاقة، يقول له: أنا أحبك، أنت جزء من كياني، أنا أتعاطف معك، هذا كله كلام، والسهرات متع, والرحلات فيها متع أيضاً، ولكن إذا جاءك هذا الصديق، وقال: هل معك مبلغ تقرضني إياه، فأنا في أشد الحاجة إليه؟ هنا تظهر المحبة الحقيقية، ما دام الأمر لا يوجد فيه بذل، في مجاملات، في عبارات دافئة، في كلمات رنَّانة، في تعليقات عاطفية، في تعبيرات عما في النفس من عواطف جياشة، ما دام الأمر على مستوى الكلام، فكله كلام بكلام، ولكن حينما يأتيك طالباً منك بعض المال، حينما تعطيه هذا المال، وأنت حريص عليه، فذا الدفع يؤكد إخلاصك له, صدق القائل:

 

إن الصديق الحق مَن كان معك  ومن يضر نفسه لينفعك
ومَن إذا ريب الزمان صدعـك  شتت فيك شمله ليجمعك

 فلذلك:

 

((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))

 ، برهان على أنك تحب الله ورسوله، برهان على أنك واثق بما عند الله من خيرٍ كبير، برهانٌ على أن الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام, من دعوة إلى الإنفاق؛ في قلبك, وفي سمعك, وأنت مصدق النبي العدنان، فلذلك ربنا عز وجل قال:

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

 

[سورة التوبة الآية: 103]

 من يقرأ القرآن الكريم في ثماني آيات فيما أذكر على سبيل الحصر, يؤكد الله سبحانه وتعالى أن كل شيء تنفقه الله سبحانه وتعالى يخلفه, قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾

 

[سورة سبأ الآية: 39]

 فإذا قرأت القرآن، وصدقت الله سبحانه وتعالى, عندئذٍ تنفق، فإذا أنفقت، فإنفاقك تصديق وبرهان على أنك مصدق لكلام الله، هذا معنى آخر، إنفاق المال في حد ذاته برهان على طاعتك لله، برهان على إيمانك، برهان على محبتك، ولكن إنفاق المال أيضاً؛ دليل على أنك مصدق لوعد الله، إذا أنفقت المال, فالله سبحانه وتعالى لابد من أن يخلفه عليك، من هنا تأتي كلمة:

((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))

 ذاق طعم القرب من أنفق ماله ابتغاء وجه الله، إن الصدقة لتقع في يد الله عز وجل قبل أن تقع في يد الفقير، إن الله سبحانه وتعالى يمكن أن يسترضى بالصدقة، باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها، فإذا سنحت من الإنسان سانحة لا ترضي الله عز وجل؛ وقع في مخالفة، وقع في تقصير، وقع في غيبة، خطفت نفسه صورة امرأة من دون أن يشعر، لم يكتف بالنظرة الأولى، زلت قدمه، زلَّت عينه، خانته عينه، وشعر أن الله ليس رضياً عنه، وشعر بالحجاب، وشعر بالتقصير، شعر بالمخالفة، إذا أسأت فأحسن، ادفع من مالك الذي كسبته حلالاً استرضاءً لله عز وجل.
والله الذي لا إله إلا هو, لا يعلم هذه المعاني إلا من ذاقها، إذا الإنسان وقع في غفلة، وقع في حجاب، وقع في مخالفة صغيرة عن غير قصد، وكانت هذه المخالفة حجاباً بينه وبين الله، بإمكانه أن يبادر في دفع صدقة, تزيل هذه الجفوة بينه وبين الله، تذيل هذا الحجاب الذي كان بينه وبين الله.
لذلك:

((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))

 ، لا أعتقد في واحد من الأخوة الحاضرين, لا يعرف عشرات, بل مئات, بل ألوف القصص التي تؤكد: أنك إذا أنفقت المال عوض عليك ما أنفقه أضعافاً مضاعفة، فالله سبحانه وتعالى يسترضى بالصدقة، غضب الله عز وجل يطفأ بالصدقة، البلاء يرد بالصدقة، المرض يعالج بالصدقة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((داووا مرضاكم بالصدقة))

 يعني إذا أردت أن تتقرب إلى الله عز وجل، فالمال جعله الله بين يديك مادةً للتقرب إلى الله عز وجل، يقول لك: فلان كيف مفتاحه؟ كيف نجعله يوافق على هذه الشيء؟ يقال لك: فلان مفتاحه ويوجهه توجيه معين، فالله سبحانه وتعالى إذا تصدقت, فإن هذه الصدقة تطفئ غضب الرب، إن هذه الصدقة تمنع البلاء، إن الصدقة تمحو السيئة،

((اتق الله حيث ما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن))

 ودرهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك، لا تعلم قد يبدو للورثة أن يتهموا أباهم بالجنون، ويقولون: هذا أبونا يحتاج إلى حجر صحي، يريد حجرًا على عقله، ربما لا تنفذ وصيتك، وقد يحتال في تنفيذها، أما إذا قدمت مالك أمامك سرك اللحاق به، أما إذا تركته خلفك آلمك تركه، لذلك:

((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))

 مرة ثانية, قال تعالى:

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

 

[سورة التوبة الآية: 103]

والذي لا إله إلا هو, إذا أنفقت من مالك الحلال, لا تبتغي سمعة، ولا رياء، ولا ضجيجاً، ولا مكانة، ولا علواً في الأرض، ولا تألقاً، لا تبتغي إلا أن يرضى الله عنك، كان هذا المال مطهراً لنفسك، مزكياً لها، مقرباً لك من الله عز وجل، والإنسان لا يقول: ليس معي، قال عليه الصلاة السلام، وقد أنفق بعضاً من ماله، قال: ((يا رب هذا جهد من مقل ))، لأن رُبَّ درهم سبق ألف دهم، إذا الإنسان دفع عشرة ليرات، ولا يملك غيرها, فقد دفع ماله كلها.
شاب، له مخصصات أسبوعية، خمس وعشرون ليرة، لو أنه دفع منها خمس ليرات، ما معنى خمس ليرات؟ أي دفع خمس ماله، رب درهم سبق ألف درهم.
شيء آخر: درهم تنفقه في إخلاص خير من مئة ألف درهم ينفق في رياء.
 فهذه الصدقة برهان، أخوة كثيرون, يروون عشرات القصص, كيف أنها تطفئ غضب الرب؟ كيف أنها تمنع البلاء؟ كيف أنها تقي مصارع السوء؟ صنائع المعروف تقي مصارع السوء، كيف أنها تقرب من الله عز وجل؟ كيف أنها تطهر النفس؟ كيف أنها ترقى بصاحبها؟.
فلذلك آيات الإنفاق التي وردت في القرآن الكريم أكثر من أن تعد، كثيرةٌ جداً، والأحاديث الشريفة التي بينت فضل الإنفاق، أكثر من أن تحصى، وإذا أردت أن تتعامل مع الله بهذه الأحاديث، لا أقول لك: جرب, لأن الله لا يجرب، الله سبحانه وتعالى لا يجرب ولا يشارط، ولكن زوال الكون أهون على الله من أن تنفق نفقة من مالك الحلال، ولا يعوضها الله عليك بعشرات الأمثال في الدنيا قبل الآخرة، لذلك الحديث القدسي:

((عبدي أَنفق أُنفق عليك ))

 ، بل للصدقة معنى آخر، يقول عليه الصلاة والسلام:

((استنزلوا الرزق بالصدقة))

 أخ كريم, حدثني أن عمله أوشك أن يقف، ولا مورد له آخر، فاستمطر الرزق كما قال عليه الصلاة والسلام بالصدقة, صار ينفق من ماله كل يوم مبلغاً يسيراً، فالمبيعات كثرت إلى أن صار ينفق كل يوم مبلغاً كبيراً جداً, يتناسب مع حجم مبيعاته، إذاً: بالصدقة تجلب الرزق، وبالصدقة تطفئ غضب الرب، وبالصدقة تدفع البلاء، وبالصدقة تمحو السيئة، وبالصدقة تثبت لنفسك أنك مؤمن, وأن الله يحبك، وأن دفع المال رمٌز لإخلاصك في حب الله.
 بقي هذا الدفع، الأفضل أن يكون في حياتك، لأنه درهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك، والأفضل أن يكون هذا الدفع بإخلاص شديد، درهم أنفق في إخلاص خيرٌ من مئة ألف درهم أنفقت في رياء.

 

ماذا يعني الصبر ضياء ؟

 

 أيها الأخوة, والصبر ضياء, قال تعالى:

﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾

[سورة الزمر الآية: 10]

 لماذا هو ضياء؟ الصبر تماماً كطفلٍ صغير, جلس على مقعد طبيب الأسنان، هذا الطفل الصغير, لجهله بعلم الطبيب، ولجهله بحكمته، ولجهله بأن هذا الذي يفعله في أسنانه لمصلحته , تراه يصيح، ويثور، ويبكي، أما الراشد الكبير قد يتألم، وقد يشد على طرف المقعد من ألمه، ولكنه لا يتكلم، ولا يضجر، ولا يقول إلا الكلام اللطيف مع الطبيب، لأنه يعلم علم اليقين أن هذا الذي يفعله الطبيب لمصلحته.
 لذلك:

((الصَّبْرُ ضِيَاءٌ))

؛ معنى الصابر: أنت تعلم أن هذا الذي يجري لمصلحتك, عملية معالجة، الدواء دائماً مر، كان في تقصير، كان في وقاية، فربنا عز وجل أراد أن يقي هذا الإنسان, أو أن يعالجه، فساق له بعض الشدائد، فالصابر هو الذي يعرف أن الله سبحانه وتعالى بيده الخير، كل شيء وقع أراده الله، وإرادة الله متعلقة بحكمته، وحكمته متعلقة بالخير المطلق.
 يجب أن تعلم علم اليقين: أن الذي وقع, هو خيرٌ مطلق، فإذا سمَّاه علماء التوحيد: شراً، والإيمان بالقدر خيره وشره، هذه التسمية بحسب ما نفهم نحن في أشياء مؤلمة؛ الفقر مؤلم، المرض مؤلم, هذا الفقر في ظاهره مؤلم، لكن في حقيقته ربما كان الطريق إلى الله عز وجل، لذلك إن المصائب والحكم حكماً جليلة، وهي أنها تدفع العبد إلى باب الله سبحانه وتعالى، وتلجئه إلى أن يكون عبداً له، لذلك: ولو كشف الغطاء لاخترتم الواقع، ما من عثرة, ولا اختلاج عرق, ولا خدش عود, إلا بما قدمت أيديكم, وما يعفو الله أكثر, قال تعالى:

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾

[سورة الشورى الآية: 30]

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾

 

[سورة البقرة الآية: 155-156]

 بعضهم قال في تفسير هذه الآية: وإنا راجعون إلى الله بها, قال تعالى:

﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 157]

 إذاً:

((وَالصّبرُ ضياءٌ))

ماذا يعني القرآن حجة لك أو عليك ؟

 أيها الأخوة, ((والقرآنُ حجةٌ لك أو عليك))، القرآن إذا طبقته فهو حجة لك، فإن لم تطبقه فهو حجة عليك، إذا عرفت أن هذا الكلام كلام الله، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن كلام الله يعلو على كل كلام، وان مصداقيته من أعلى درجة، وأن السعادة كلها في تطبيقه، وأن الشقاء كله في تركه، وأن القرآن غنىً لا فقر بعده، ولا غنى دونه، إذا علمت هذا العلم وطبقته كان حجة لك، فإذا علمت ولم تطبق كان حجة عليك.
 لذلك كلمة: صدق الله العظيم, كلمة خطيرة جداً، نقرأ جزءًا، حزبًا، عشرًا، ونقول: صدق الله العظيم، هل أنت مصدق ما في هذا الكتاب؟ طبعاً، كلمة: نعم سهلة، هل عملك في اليوم؟ وهل كسبك للمال؟ وهل علاقتك الاجتماعية؟ وهل علاقتك الزوجية؟ وهل منطلقاتك النظرية؟ وهل ممارساتك العملية, تنطلق من هذا القرآن أم من أشياء أخرى؟ فيكفي أن الله سبحانه وتعالى يقول لك:

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾

[سورة النور الآية: 30]

 فإذا كنت مصدقاً قوله تعالى:

﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾

[سورة النور الآية: 30]

 رب العزة يقول: غض البصر أزكى لك وأطهر في الدنيا والآخرة، فإذا رأيت أن في النظر متعةً، فأنت بهذا, لست مصدقاً ما قاله الله عز وجل.
إذا قال الله:

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

[سورة البقرة الآية: 276]

 ورأيت أنه لا بد من أن يستثمر المال بفائدة, لئلا تقل قيمته، هكذا رأيت أنت، رأيت شيئاً يخالف كلام الله، عندئذٍ الله سبحانه وتعالى يمحق الله الربا، فهذا الذي نقوله:

((والقرآن حجة لك أو عليك))

تفسير بقية الحديث: ((كل الناس فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها)):

 

 أيها الأخوة, ((كل الناس يغدو, فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها))، كل إنسان ينطلق في حياته، إما أن يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله، فينجو من عذاب الدنيا والآخرة، وإما أن يبيعها للشيطان, فيخسر الدنيا والآخرة، كل الناس يغدو, قال تعالى:

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾

[سورة الليل الآية: 1-4]

 كل إنسان ينطلق؛ هذا إلى عقد صفقة، وهذا إلى كسب مال حرام، وهذا إلى طلب علم شريف، وهذا إلى خدمة أخ صادق، وهذا إلى معاونة أرملة، وهذا إلى رعاية أيتام، وهذا يغدو إلى صلة الرحم، وهذا يغدو إلى طلب العلم، وهذا يغدو إلى تعليم العلم, قال تعالى:

 

﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾

 

[سورة الليل الآية: 4]

متفاوتة بالدوافع والأهداف والنتائج، فالإنسان العاقل هو الذي يسعى لمرضاة الله.
 رواه الترمذي في الدعوات، وقال: إنه حديث حسن صحيح، فقد روي من طريق فكان صحيحاً، وروي من طريق فكان حسناً، كلمة صحيح أعلى صفة في الحديث، وأعلى منها المتواتر، وبعد المتواتر الصحيح، وبعد الصحيح الحسن، وبعد الحسن الضعيف، هذه مراتب الحديث.
فإذا مر معكم, أن هذا الحديث صحيح حسن، يعني من طريق هو صحيح, ومن طريق آخر هو حسن، هذا الحديث حسن صحيح, صححه النسائي, وابن عساكر، وغيرهم، وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير.
نعيده مرة سريعة لنجمع المعاني التي مَنَّ الله بها علينا في هذه الدروس الثلاث, عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ, وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأانِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ, وَالصَّلَاةُ نُورٌ, وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ, وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ, وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ, كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو, فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا))

[أخره مسلم في الصحيح]

كلمة مختصرة عن تابعينا في هذا اليوم:

 

 أيها الأخوة, تابعي اليوم: طاووس بن كيسان، هذا التابعي قال عنه كتاب السيرة بخمسين نجماً من نجوم الهداية استضاءت، فغمره الثناء، وتدفق عليه النور؛ نور في قلبه، ونور في لسانه، ونور يسعى بين يديه، وعلى خمسين علماً من أعلام مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم, تخرج هذا التابعي الجليل، فإذا هو صورة لصحابة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في رسوخ الإيمان، وصدق اللهجة، والتعالي على عرض الدنيا، والتفاني في مرضاة الله، والجهر بكلمة الحق مهما كان ثمن هذه الكلمة، لقد علمته المدرسة المحمدية: أن الدين النصيحة؛ لله، وكتابه، ورسوله، وأئمة المسلمين, وعامتهم.

من هم الأمراء الذي دخل عليهم طاووس ونصحهم ؟

1- والي اليمن:
 في غداة يوم بارد من أيام الشتاء, دخل على والي اليمن طاووسٌ, ومعه وهب بن منبِّه، فلما أخذا مجلسيهما عنده، طفق طاووس يعظه، ويرغبه، ويرَهِّبه، والناس جلوس بين يديه، فقال الوالي لأحد حجابه:

((يا غلام, أحضر طيلساناً -الطيلسان كساء أخضر اللون, غالي الثمن, تلبسه الخاصة، الطبقة العلية في المجتمع- فعمد الحاجب إلى طيلسان ثمين، وألقاه على كتفي طاووس، وظل طاووس متدفقاً في موعظته، وجعل يحرك كتفيه في تؤدة, حتى ألقى الطيلسان من على عاتقه، وهب واقفاً
وانصرف، وترك الطيلسان في المجلس.فغضب محمد غضباً, ظهر في احمرار عينيه، واحتقان وجهه، غير أنه لم يقل شيئا، فلما صار طاووسٌ وصاحبه خارج المجلس, قال وهب لطاووس: والله لقد كنا في غنىً عن إثارة غضبه علينا، فماذا كان يضيرك لو أخذت الطيلسان منه، ثم بعته، ودفعت ثمنه للفقراء والمساكين؟ فقال طاووس: هو ما تقول، لولا أنني خشيت أن يقول الناس من بعدي: نأخذ كما يأخذ طاووس، ثم لا يصنعون فيما أخذوه ما تقول أنت))

 هذا موقف من مواقفه الجريئة.
2- الخليفة عمر بن عبد العزيز:
 ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة بعث إلى طاووس يقول:

((أوصني يا أبا عبد الرحمن, فكتب إليه طاووس رسالة في سطر واحد، قال فيها: إذا أردت أن يكون عملك خيراً كله، فاستعمل أهل الخير والسلام.فلما قرأ عمر الرسالة قال: كفى بها موعظة, كفى بها موعظة))

3- الخليفة هشام بن عبد الملك:
 ولما آلت الخلافة إلى هشام بن عبد الملك، كان لطاووس معه مواقف مأثورة, من ذلك: إلى أن هشاماً, قدم البيت الحرام حاجاً, فلما صار الحرم, قال لخاصَّته من أهل مكة: التمسوا لنا رجلاً من صحابة رسول الله.
فقالوا له: إن الصحابة يا أمير المؤمنين, قد تلاحقوا بربهم, لم يبق منهم أحد، واحداً إثر آخر.
فقال: إذاً: فمن التابعين؟.
فأوتي بطاووس بن كيسان، فلما دخل عليه, خلع نعليه بحاشية بساطه، وسلم عليه من غير أن يدعوه بأمير المؤمنين، وخاطبه باسمه دون أن يكنيه، وجلس قبل أن يأذن له بالجلوس.
 فاستشاط هشام غضباً, حتى بدا الغيظ في عينيه، ذلك أنه رأى في تصرفاته اجتراءً عليه، ونيلاً من هيبته أمام جلسائه, ورجال حاشيته، بيد أنه ما لبث أن تذكر, أنه في حرم الله عز وجل، فرجع إلى نفسه, وقال لطاووس: ما حملك يا طاووس على ما صنعت؟.
فقال: وما الذي صنعته؟.
فعاد إلى الخليفة غضبه وغيظه, وقال له: خلعت نعليك بحاشية بساطي، وكان ينبغي أن تخلعهما خارج المكان، ولم تسلم عليّ بإمرة المؤمنين، وسميتني باسمي ولم تكنني، ثم جلست من غير إذني.
 فقال طاووس بهدوء: أما خلع نعلي بحاشية بساطك, فأنا أخلعهما بين يدي ربِّ العزة كل يوم خمس مرات، فلا يعاتبني، ولا يغضب علي، وأما قولك: إني لم أسلم عليك بإمرة المؤمنين, فلأن جميع المؤمنين ليس راضين بإمرتك، وقد خشيت أن أكون كاذباً, إن دعوتك بإمرة المؤمنين، وأما ما أخذته عليَّ من أني ناديتك باسمك ولم أكنك، فإن الله عز وجل نادى أنبيائه بأسمائهم، فقال: يا داود، ويا يحيى، ويا عيسى، وكنى أعداءه فقال: ﴿تبت يدا أبي لهب وتب﴾، وأما قولك: إني جلست قبل أن تأذن لي، فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول:

((إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، فانظر إلى رجل جالس, وحوله قوم قيام بين يديه))

 ، فكرهت أن تكون ذلك الرجل الذي عُدَّ من أهل النار.
قال: فأطرق إلى الأرض خجل

 

من نصائحه لأهل الخاصة:

 

 وقد روى عطاء بن رباح قال:

((رآني طاووس في موقف لم يرتح له، فقال: يا عطاء, إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق في وجهك بابه، وأقام دونك حُجَّابه، وإنما اطلبها ممن أشرع لك أبوابه، وطالبك بأن تدعوه، ووعدك بالإجابة))

أي الله عز وجل, صدق القائل:

لا تســألن بني آدم حاجة  وسل الذي أبوابه لا تُحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله  وبني آدم حين يسأل يغضب

 كان يقول لابنه:

((يا بني, صاحب العقلاء تنسب إليهم، وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال, فإنك إن صحبتهم, نسبت إليهم، وإن لم تكن منهم))

 لذلك الفقهاء ذكروا حالات كثيرة تجرح العدالة منها: صحبة الأراذل، إذا إنسان له سمعة منحطة، أو منحرف الأخلاق، يكفي أن تمشي معه, فإن هذا يجرح عدالتك، وترفض شهادتك إذا سرت معه، فالذي يصحب الأراذل، والذي يتحدث عن النساء، والذي يتنزه في الطرقات، والذي يعلو صوته في البيت, حتى يسمعه من في الطريق، والذي يطفف بتمرة، والذي يأكل لقمةً من حرام، والذي يطلق لفرسه العنان -المسرع في المركبة- والذي يقود برذوناً، والذي يمشي حافياً، والذي يبول في الطريق، والذي يأكل في الطريق، والذي يلعب النرد، هذه الأعمال كلها تجرح عدالتك، وترفض شهادتك.

الغاية المقصودة التي كان ينشدها عبد الله الشامي من زيارته لهذا التابعي:

 وقد امتدت الحياة بطاووس حتى بلغ المئة، أو جاوزها، غير أن الكبر والشيخوخة, لم ينالا شيئاً, من صفاء ذهنه، وحدة خاطره، وسرعة بديهته.
حدث عبد الله الشامي قال: ((أتيت طاووس في بيته لآخذ عنه، وأنا لا أعرفه، فلما طرقت الباب، خرج لي شيخ كبير فحييته, وقلت: أأنت طاووس بن كيسان؟.
قال: لا, أنا ابنه.
فقلت: إن كنت ابنه, فلا آمن أن يكون الشيخ, قد هرم وخرف، وإني قصدته من أماكن بعيدة, لأفيد من علمه.
 فقال: ويحك، إن حملة كتاب الله لا يخرفون، ادخل عليه, فدخلت، وسلمت، وقلت: لقد أتيتك طالباً علمك راغباً في نصحك.
فقال: سل وأوجز.
فقلت: سأوجز ما وسعني الإيجاز إن شاء الله.
 فقال: أتريد أن أجمع لك صفوة ما في التوراة, والزبور, والإنجيل, والقرآن؟.
فقلت: نعم.
 قال: خف الله تعالى خوفاً حيث لا يكون شيء أخوف لك منه، وارجه رجاءً أشد من خوفك إياه، وأحب للناس ما تحب لنفسك

متى توفي طاووس بن كيسان, وفي أي مكان, ومن صلى عليه ؟

 وفي ليلة العاشر من ذي الحجة, سنة ستٍ ومئة, أفاض الشيخ المعمَّر طاووس مع الحجيج, من عرفات إلى المزدلفة, للمرة أربعين، فلما حط رحاله في رحابها الطاهرة، وأدى المغرب مع العشاء، وأسلم جنبيه إلى الأرض, يلتمس شيئاً من الراحة, أتاه اليقين, قال تعالى:

 

﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾

 

[سورة الحجر الآية: 99]

 أي الموت، فلقيه بعيداً عن الأهل والوطن, تقرباً إلى الله، ملبياً، محرماً، رجاءً لثواب الله، خارجاً من ذنوبه كما ولدته أمه بفضل الله، فلما طلع عليه الصبح، وأرادوا دفنه, لم يتمكنوا من إخراج جنازته, لكثرة ما ازدحم عليها من الناس، فوجه إليهم أمير مكة حرساً, ليزودوا الناس عن الجنازة، حتى يتاح لهم دفنها، وقد صلى عليه خلق كثير, لا يحصى عددهم، وكان في جملة المصلين, خليفة المسلمين, هشام بن عبد الملك.
هذا طاووس بن كيسان، من التابعين الأجلاء, كان مثلاً؛ للعلم، والورع, والإخلاص, والجرأة, والزهد.

 

إليكم هذه الكلمة عن هذه المناسبة:

 

 أخ كريم, طلب إلي, أن أتكلم كلمة عن مناسبة النصف من شعبان, التي نحن على مشارفها.
أولاً: في هذه الليلة, حولت القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرفة, قال تعالى:

﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾

[سورة البقرة الآية: 144]

 إذاً: هذه الليلة, فيها تم تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، أما ما يظنه بعض الناس أن الآية التي تقول:

 

﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم﴾

 

[سورة الدخان الآية: 4]

 هذه الآية متعلقةٌ بليلة القدر، وليس بليلة النصف من شعبان، وقد ورد في صحيح البخاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثر شعبان، قالت عائشة:

((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

 وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما, قلت:

((يا رسول الله, لمَ أراك تصوم في هذا الشهر, ما لم تصمه في شهور أخرى؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ذلك شهر, يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم))

[أخرجه أبو داود والنسائي في سننهما]

 أما قيام ليلة النصف من شعبان، وأما صوم يوم النصف من شعبان, فلم يرد به دليلٌ صحيح، ورد به حديث ضعيف، ضعفه علماء الحديث، أما الذي ورد في كتب الصحاح هذا الذي قرأته عليكم ليس غير.
على كل: من أراد أن يصوم, فهو صوم نفل، وشعبان كله, كان النبي عليه الصلاة والسلام, يصوم أكثر أيامه, إلا إذا فعلت نافلة, أدت إلى ترك واجب.
عندنا قاعدة أصولية: لا ينبغي أن تكون النافلة ذريعة إلى ترك واجب، فهناك أشخاص, لهم أعمال شاقة, مثلاً: عليهم تبعات كبيرة، أعمالهم ضرورية، فإذا كان الصوم متاحاً لهم, فهو صوم نفل, الله سبحانه وتعالى يثيب عليه، أما إذا أدى صوم النفل إلى ترك واجب, فالأولى القيام بالواجب، وليس أكثر من هذا الذي ذكرته لكم, في موضوع النصف من شعبان.

موقع موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية - © جميع الحقوق محفوظة لموقع النابلسي 2018

الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان




( أخبرنا ) أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ببغداد ، ثنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان ، ثنا إسحاق بن الحسين الحربي ، ثنا عفان ، ثنا أبان ، ثنا يحيى بن أبي كثير ، عن زيد بن سلام ، عن جده ممطور ، عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والله أكبر ، تملأ ما بين السماء والأرض ، والصوم جنة ، والصبر ضياء ، والصدقة برهان ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها . ( أخرجه ) مسلم في الصحيح ، عن إسحاق بن منصور ، عن حبان بن هلال ، عن أبان بن يزيد العطار .




كتاب السنن الكبرى

1 جزء التالي صفحة
السابق
175 جماع أبواب سنة الوضوء وفرضه .

باب فرض الطهور ومحله من الإيمان .

( أخبرنا ) أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ببغداد ، ثنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان ، ثنا إسحاق بن الحسين الحربي ، ثنا عفان ، ثنا أبان ، ثنا يحيى بن أبي كثير ، عن زيد بن سلام ، عن جده ممطور ، عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والله أكبر ، تملأ ما بين السماء والأرض ، والصوم جنة ، والصبر ضياء ، والصدقة برهان ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها . ( أخرجه ) مسلم في الصحيح ، عن إسحاق بن منصور ، عن حبان بن هلال ، عن أبان بن يزيد العطار .




التالي السابق

ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص

القطان

الشيخ العالم الثقة ، المسند ، أبو الحسين ، محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل ، البغدادي القطان الأزرق .

ذكر لأبي بكر الخطيب : أنه ولد في شوال سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة .

وسمع وهو ابن خمس سنين من إسماعيل الصفار وهو أكبر شيخ له ومن أبي جعفر محمد بن علي بن عمر بن علي بن حرب ، وعبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي ، وعنده عنه
==================================





قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصوم جنة».[1] وفي رواية أخرى“الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة والصلاة قربان – أو قال: برهان –“[2]

والجُنة بضم الجيم الوقاية والستر وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار..

ومعنى كونه جنة، أي: يقي صاحبه ما يؤذيه قال القرطبي جنة أي سترة يعني بحسب مشروعيته فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه.. ويصح أن يراد أنه سترة بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس..

وإنما كان الصوم جنة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات، فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النار في الآخرة.[3]

فأحد مقصودي الصيام الجُنة والوقاية، وهي حمية عظيمة النفع، والمقصود الآخر: اجتماع القلب والهم على الله تعالى، وتوفير قوى النفس على محبته وطاعته.[4] قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

وقوله: لعلكم تتقون بيان لحكمة الصيام وما لأجله شرع، فالصوم مدرسة تربي على التقوى والمراقبة، والخوف من الله، والتقوى الشرعية هي اتقاء المعاصي.[5]

إذا المرء لم يترك طعاما يحبه ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما

فيوشك أن تلقى له الدهر سبة إذا ذكرت أمثالها تـمــلأ الفما

فالصوم من أسباب السلامة من عذاب النار، وأيضاً فيه سلامة من المعاصي؛ لأن الإنسان مع توسعه في الأكل والشرب تكون عنده القوة والنشاط الذي قد يدفعه إلى الرغبة في أمر محرم، ولكنه إذا صام فإن ذلك يضعف قوته وشهوته فيكون ذلك من أسباب الوقاية من المعاصي، قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء».[6]

فهو جنة من المعاصي، ووقاية من النار، وكل منهما يحصل في الصوم، فالصوم من أسباب دخول الجنة، بل إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون، ولا يدخل منه أحد غيرهم، وقيل له الريان –ولم يسم بباب الصيام- مع أن غيره من الأبواب الأخرى تسمى بالأعمال كباب الصلاة وباب الصدقة ، ذلك لأن من عطش نفسه في الدنيا فإنه يحصل له رِيٌّ في الآخرة، فيدخل من باب يقال له الريان لا يحصل معه عطش.[7]

والمعنى أن الصيام يختصه الله سبحانه وتعالى من بين سائر الأعمال لأنه أعظم العبادات إطلاقا فإنه سر بين الإنسان وربه؛ فهو من الأعمال التي لا يكاد يدخها الرياء ولا يتمه المرء إلا وهو يعلم مراقبة ربه له واطلاعه عليه، فنيته باطنة ولذلك كان أعظم إخلاصا فاختصه الله من بين سائر الأعمال.

قال بعض العلماء ومعناه إذا كان الله سبحانه وتعالى يوم القيامة وكان على الإنسان مظالم للعباد فإنه يؤخذ للعباد من حسناته إلا الصيام فإنه لا يؤخذ منه شيء لأنه لله عز وجل وليس للإنسان وهذا معنى جيد أن الصيام يتوفر أجره لصاحبه ولا يؤخذ منه لمظالم الخلق شيئا.[8]

وقد تخيل كثير من الناس أن فوائد الصيام مقصورة على الجوانب التعبدية وانعكاساتها الروحية والعاطفية، ولكن ثبت بالعديد من الدراسات المستفيضة أن للصيام فوائد صحية عديدة، وقد أظهرت نتائج تلك الدراسات أن الأداء البدني للصائم من طلوع الفجر الصادق إلى الغروب أفضل من أداء غير الصائم لتحسن درجة تحمل البدن للمجهودات العضلية وتحسن أداء كل من القلب وبقية الجهاز الدوري والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي، وغيرها أثناء الصيام، ومن هنا كانت قلة الشعور بالإجهاد، وتحمل ما لا يمكن للفرد تحمله في ساعات الإفطار العادية، وذلك لاختلاف مصدر الطاقة في الجسم بين الصائم والمفطر، أما إذا زادت مدة الصيام على المتوسط (11 ـ 14 ساعة تقريبا) فإن الأداء البدني والعضلي يبدأ في التأثير، ويبدأ الصائم في الشعور بالإعياء.

فمن المعروف أن الصوم يسبب انصهار الدهون في الجسم مما يؤدي إلى زيادة في الأحماض الدهنية الحرة في الدم، فتصبح هذه الأحماض هي المصدر الرئيسي لطاقة الصائم بدلا من الجولكوز في حالة المفطر، وهذا يساعد على تقليل استهلاك مادة “الجليكومين” في كل من العضلات والكبد أثناء بذل الجهد من قبل الصائم، ويساعد كذلك في ضبط مستوى سكر الجلوكوز في الدم الذي يؤدي نقصه إلى الشعور الكامل بالإعياء، ولما كان مستوى سكر الجلوكوز في دم المفطر هو المصدر الرئيسي لطاقته، كان جهده المبذول يشعره بإعياء أكبر مما يشعر به الصائم إذا قام بنفس المجهود، تحت نفس الظروف.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حالة الرضى النفسي للصائم، وارتفاع معنوياته لشعوره بالقرب من خالقه (سبحانه وتعالى) ولإحساسه بعبادة من أشرف العبادات في شهر يعتبر أفضل شهور السنة على الإطلاق، وأكثرها بركة ورحمة ومغفرة وعتقا من النار؛ كل ذلك يؤدي إلى زيادة واضحة في داخل جسم الإنسان لعدد من الهرمونات النافعة التي يعزى إليها تحسن الأداء البدني، وقلة الشعور بالإعياء أو الإجهاد.[9]
[1] ـ سنن النسائي / الحديث رقم: (2224).
[2] ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/ 141).
[3] ـ فتح الباري لابن حجر (4/ 104).
[4] ـ الطب النبوي لابن القيم / (ص: 252).
[5] ـ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور / [التحرير والتنوير / (2/ 158 / / 160).
[6] ـ صحيح مسلم / الحديث رقم: (1400).
[7] ـ شرح سنن أبي داود للعباد (273/ 10).
[8] ـ شرح رياض الصالحين (5/ 266).
([9]) د. زغلول النجار / الإعجاز العلمي في السنة النبوية / (460).
==================================

ما زلنا في حديث معاذ الذي سئل فيه عما يقربه للجنة ويبعده عن النار

 د علي جمعة

حديث معاذ الجامع للخير 3 

ما زلنا في حديث معاذ الذي سئل فيه عما يقربه للجنة ويبعده عن النار، وتكلمنا في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم في المقالات السابقة حيث قال : «لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت»

وفي هذا المقال نتكلم عن الجزء الثاني من إجابة السؤال، أو ما زاده النبي صلى الله عليه وسلم من أبواب الخير لإرشاد السائل، حيث قال : «ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال ثم قرأ : ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع.... حتى بلغ يعملون.

من عظيم رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالسائل أنه لا يكتفي بإجابته عما سئل، وإنما يزيد له في الإرشاد الدلالة على الخير، وعلى ما يحتاجه في الدين والدنيا، فعندما سئل صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر هل يتوضأ منه، فقال صلى الله عليه وسلم : «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» [رواه الترمذي في سننه، والحاكم في المستدرك] والسؤال كان عن الماء، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن حكم ميتة البحر لحاجتهم إليها، وإن لم تكن في السؤال.

وعلى هذا المنهج يجيب النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا معاذ رضي الله عنه، فبعد أن أخبره بأركان الإسلام التي إذا التزم بها دخل الجنة، أراد أن يخبره عن أبواب الخير، فقال صلى الله عليه وسلم : «ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة».

ونحن تكلمنا عن في صوم رمضان عن أحكام الصوم الفقهية، ولكن في هذا الجزء من الإجابة يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم وآثاره الإيمانية، كما أنه يتكلم عنه باعتبار النوافل كذلك وليس قاصرا على شهر رمضان.

فقال صلى الله عليه وسلم : «الصوم جنة» أي وقاية، يقي المسلم من الوقوع في الآثام، فيحقق التقوى، ولذا قال ربنا سبحانه وتعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة :183]، ومن معاني التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، والصوم من الأعمال التي تحدث تلك الوقاية، والبعد عن عذاب الله،  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله تعالى؛ إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا» [رواه البخاري ومسلم]، وبعد الوجه عن النار كناية عن بعد العبد من عذاب الله، وقال صلى الله عليه وسلم : «الصيام جنه يستجن بها العبد من النار» [رواه أحمد في مسنده]

والصوم جنة أي وقاية وهذا ظاهر ففي الصوم إضعاف للشهوة، والعبد لا يقوى على معاصي الله في حالة تركه للطعام والشراب، والصوم له من المعاني والأسرار ما يحقق البعد عن معاصي الله، فمثلا يتأمل العبد في الصوم فيجده ترك للطعام والشراب وشهوة الزواج، وهذه الأشياء في غير الصوم حلال، وحرمت للصوم، فيلوم نفسه على أنه لم تصم عن المعاصي التي حرمها الله في الصوم وغيره، فيقوى بهذا الفهم على ترك المعاصي والخوف من الله مما يحدث التقوى والوقاية.

ثم يكمل النبي صلى الله عليه وسلم إرشاد معاذ لأبواب الخير، فيقول صلى الله عليه وسلم : «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار»، وفي هذا الكلام النبوي المضيء بنور الوحي يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطيئة بالنار، وذلك لأنها تؤدي إليها إن لم يتب الإنسان، ويشبه الصدقة بالماء في قدرتها على إطفاء تلك الخطيئة.

والصدقة هي إعطاء المال أو نحوه ابتغاء وجه الله، فهي ما يعطى على وجه التقرب إلى الله تعالى، فهي من باب إعانة الضعيف، وإغاثة اللهيف، وإقدار العاجز، وتقويته على أداء ما افترض الله عليه من التوحيد والعبادات. وقد جاء في حديث عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم : «أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم ، وأيما مؤمن كسا مؤمنا على عري ، كساه الله من خضر الجنة» [رواه أحمد والترمذي].

 والصدقة شكر لله تعالى على نعمه، وهي دليل لصحة إيمان مؤديها وتصديقه، ولهذا سميت صدقة، فهي صدقة بمعنى برهان الإيمان ولقد جاء ذلك المعنى في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبايع نفسه، فمعتقها أو موبقها» [رواه مسلم] والشاهد قوله صلى الله عليه وسلم : «والصدقة برهان» أي أن دليل عملي على التصديق، واختبار حقيقي لاعتقاد المؤمن بثواب الله في الآخرة.

وقد سماها الله في كتابه العزيز قرضا، فقال تعالى : ﴿مَن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة :245]. وقال سبحانه وتعالى : ﴿مَن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد :11] وقال تعالى : ﴿إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ [التغابن :17].

وعد ربنا الأمر بالصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس هو خير ما يتناجى به الناس، فقال تعالى : ﴿لاَ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء :114]

وقد ورد في فضل الصدقة أحاديث منها : ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله، يوم لا ظل  إلا ظله، إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» [رواه البخاري ومسلم] والشاهد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» وفي هذا بيان لفضل الصدقة وأن تكون في السر، وأن تكون بعيدة عن حظ الدنيا والرياء وحب الظهور بين الناس.

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى أيضا، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما تصدق أحد بصدقة من طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب-، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة تربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله» [رواه مسلم]

 وللصدقة معنى أعم وأشمل من إعطاء المال ونحوه على وجه التقرب، وهذا المعنى الشامل يجعل الدين كله تصدق من العبد، وربما صدقة بهذا المعنى الشامل تعني الأجر، أي كل ما يثاب عليه المؤمن ويمن الله عليه به بالأجر فهو صدقة، ولذا فأطلق الشرع الشريف الصدقة على أغلب الدين، ولقد بين ذلك الإمام النووي حيث قال : «اعلم أن حقيقة الصدقة إعطاء المال ونحوه بقصد ثواب الآخرة، وقد يطلق على غير ذلك مما سنذكره إن شاء الله تعالى.

من ذلك حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 

 

«يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» [رواه مسلم]  وعنه أيضا قال : قلت : «يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : الإيمان بالله والجهاد في سبيله ، قلت : أي الرقاب أفضل ؟ قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا ، قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : تعين صانعا أو تصنع لأخرق ، قلت : يا رسول الله . أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ، قال : تكف شرك عن الناس ، فإنها صدقة منك على نفسك»[رواه البخاري ومسلم]  

 

وعنه أيضا «أن ناسا قالوا : يا رسول الله : ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال : أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن كل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة . قالوا : يا رسول الله : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر [ رواه مسلم] 

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة، أو يعين الرجل في دابته فيحمله عليها أو يرفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة» [رواه البخاري ومسلم] وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل ، فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله ، وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس ، وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد الستين والثلاثمائة فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار» [رواه مسلم]

وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل معروف صدقة» [رواه البخاري ومسلم  بلفظه من رواية حذيفة] . وعن جابر أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزؤه إلا كان له صدقة» [رواه مسلم] . وفي رواية له : «فلا يغرس المسلم غرسا، فيأكل منه إنسان، ولا دابة، ولا طير، إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة» وفي رواية : «لا يغرس مسلم غرسا، ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان، ولا دابة، ولا شيء، إلا كانت له صدقة» [رواه البخاري ومسلم أيضا من رواية أنس] [المجموع للإمام النووي]  

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» ولعل فيما ذكر من فضل الصدقة ومعانيها، ما يوضح مكانتها في الإسلام، وكيف هي من أبواب الخير التي تطفئ الخطيئة.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : «وصلاة الرجل من جوف الليل، قال ثم قرأ : ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع.... حتى بلغ يعملون» أي أن من أبواب الخير كذلك، صلاة الرجل أو المرأة طبعا في جوف الليل، أي في الوقت الفاضل من الليل ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السائل بتلك الآية التي تصف الصالحين الذين يحافظون على قيام الليل حيث قرأ قوله تعالى : ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة :16 ، 17].

فما هي صلاة الليل ؟ ولم كانت من أبواب الخير ؟ وكيف يحافظ المسلم عليها حتى يرقى في درجات القرب ؟ إجابات هذه الأسئلة في المقال المقبل إن شاء الله تعالى، وذلك لضيق المقام في هذا المقال، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والصدقة برهان



أسرار الإعجاز العلمي
 
والصدقة برهان

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وغالباً ما نجد في القرآن الحديث عن الصلاة وبعدها الزكاة....

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وغالباً ما نجد في القرآن الحديث عن الصلاة وبعدها الزكاة مباشرة. يقول عز وجل: (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) [الحج:78].

وقد أكد الرسول الأعظم عليه صلوات الله وسلامه أن الصدقة تطفئ غضب الرب وأنها تزكي الإنسان. وأن الصدقة بمثابة برهان للمؤمن على صدق إيمانه وأنه ليس حريصاً على الدنيا بل كل شيء في حياته هو ابتغاء رضوان الله تعالى.

إن إنفاق الأموال على الفقراء له أثر نفسي كبير على المنفق فهو يعلمه التسامح والإحساس بمعاناة أخيه المؤمن. ولكن هل يوجد أسرار علمية وراء هذه العبادة؟

تؤكد الأبحاث الطبية أن التسامح والعطاء يزيد من عمر الإنسان! وأن الإنسان إذا كان معطاءً وليس شديد الحرص على المال فإن هذا ينعكس إيجابياً على الوضع النفسي فيزداد استقراراً وهدوءاً ونحن نعلم بأن استقرار الحالة النفسية لدى الإنسان تؤثر إيجابياً على عمل أجهزة الجسم وتزيد مناعته ضد الأمراض.



إن كثيراً من الأمراض الجسدية ذات المنشأة العصبي والنفسي يكون للحرص على المال السبب الرئيسي فيها. وشفاء كثير منها لا يكلف المريض سوى إنفاق بعض المال لوجه الله تعالى.

إن الحرص على المال والمتاع إذا تطور يتحول إلى حالة مرضية تسبب لصاحبها الكثير من القلق والخوف والاكتئاب. وليس غريباً أن نجد آخر الأبحاث النفسية تؤكد إن الإنسان المعطاء والكريم هو أطول عمراً وأكثر مقاومة للأمراض! وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال: (والصدقة برهان).

وربما يكون من الأحاديث الجميلة التي قرأتها قوله عليه الصلاة والسلام: (وتبسّمك في وجه أخيك صدقة)!! وسبحان الله! حتى عندما يبتسم الإنسان يعطيه الله أجراً! فهل هنالك أعظم من هذا الدين؟ ولا أدري ما هو السبب الذي يجعل بعض الناس يبتعد عن الإسلام. فهل وجدوا في تعاليم غيره ما هو أفضل منه؟

إن الإسلام يجعل من حياتك وأفعالك وحركاتك كلها مجالاً للثواب والأجر، فتصور أن حياة المؤمن مليئة برضا الله تعالى وثوابه وعطائه، فماذا نطلب بعد ذلك؟

ــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com/ar
Social giving makes us happier, https://www.sciencedaily.com/releases/2013/08/130820135034.htm

The Science of Giving: Experimental Approaches to the Study of Charity, Daniel M. Oppenheimer, Psychology Press 2010.




الإعجاز العددي والرقم 7
الإعجاز التشريعي والغيبي
علوم الفلك والفضاء
علوم الأرض والجبال
علوم البحار والمياه
الطب وعلم النفس
البلاغة والبيان
أسرار المخلوقات
أسرار الشفاء بالغذاء
صورة وآية
أسرار السنة النبوية
أسرار الإيمان واليقين
أسرار الشفاء بالقرآن
أسرار إعجازية منوعة
أسئلة الإعجاز العلمي
تحميل كتب الإعجاز
تحميل بوربوينت الإعجاز
فيديوهات الإعجاز
الموقع القديم
نشر ثقافة الإعجاز
السيرة الذاتية
جميع مقالات الموقع
اتصل بنا
شبكة المنهل التعليمية
لتعليم برامج الكمبيوتر مجانا بالعربية



المشاهد الجنسية تتلف الدماغ

ظاهرة إعصار النار

انظر إلى أكبر وادي للنمل

مفاجأة: الأرض لا تدور

أسرار الأمواج العميقة

الخشوع طريق النجاح

فوائد صلاة الصبح

سبع أسرار لكشف الكذب

 
......................

الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ

من الموسوعة الحديثية

 

هذا حديثٌ عظيمٌ، وأصْلٌ مِن أصولِ الإسلامِ، يَذْكُرُ فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلَّ ما يُهِمُّ المسلمَ في حَياتِهِ وآخِرتِهِ؛ ففيه يُخبرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ "الطُّهورَ"، أي: الوُضوءَ، والطَّهارةُ أصْلُها النَّظافةُ والتَّنَزُّهُ. "شَطْرُ الإِيمانِ"، أي: نِصْفُهُ، والمرادُ أنَّ الأجْرَ في الوُضوءِ يَنتهي إلى نِصْفِ أجْرِ الإيمانِ؛ لِمَا في الإيمانِ مِن نظافةِ النَّفسِ والقَلْبِ، ولِمَا في الطَّهارةِ مِن نَظافةِ الجَسَدِ، "والحمدُ للهِ تَملَآنِ الميزانَ"، أي: إنَّهما يُوزنانِ ويَملآنِ الميزانَ بالأجرِ والثوابِ، فترجَجُ كِفَّتُهما، "وسُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ تَمْلَآنِ ما بَيْنَ السَّمَواتِ والأرضِ"، أي: إنَّ أجْرَ ذِكرَهُما يَمْلَأُ ما بَيْنَ السَّمواتِ والأرضِ؛ لاشْتمالِهِمَا على تنزيهِ اللهِ تعالى في قوله: "سُبحانَ اللهِ"، والتَّفْويضِ والافْتِقارِ إلى اللهِ في قوله: "الحَمْدُ للهِ"، "والصَّلاةُ نورٌ"، أي: يُهْتدى بها إلى الطَّريقِ يومَ القِيامةِ كما يُهْتدى بالنُّورِ في الدُّنيا، "والصَّدَقةُ بُرهانٌ"، أي: دَليلٌ على إيمانِ المؤْمِنينَ واخْتلافِهِمْ عَنِ المنافِقِينَ، "والصَّبْرُ ضِياءٌ"، أي: الصبرُ على طاعةِ اللهِ تعالى والصبرُ عن معصيتِه والصبرُ أيضًا على النائباتِ وأنواعِ المكارهِ في الدُّنيا؛ كلُّ هذا ضِياءٌ لصاحبِه، و"الصبر": الوُقوفُ مع البلاءِ بِحُسْنِ الأدبِ، "والقُرْآنُ حُجَّةٌ لكَ أو علَيْكَ"، أي: بتِلاوتِه والعملِ به يُصبحُ حُجَّةً مع صاحبِه يومَ القيامةِ، وبِتَرْكِه دونَ عملٍ أو تلاوةٍ يُصبحُ حُجَّةً وخُسْرانًا على صاحبِه، "كلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَه فَمُعْتِقُها أَوْ مُوبِقُها"، أي: كلُّ إنسانٍ يَسعى بنفسِه إلى طاعةِ اللهِ فيكونُ مُنقِذًا لها مِنَ النَّار، أو يَسعَى بنفسِه إلى طاعةِ الشَّيطانِ وهَواه فُيوبِقُها، أي: يُهلِكها بدُخولها النارَ.
وفي الحديثِ: فضلُ الوُضوءِ والطَّهارةِ وبيانُ ما لهما مِن الأَجْرِ.
وفيه: بيانُ بعضِ الأقوالِ والأعمالِ الإيمانيَّةِ التي تُعتِقُ صاحبَها من النَّارِ.
وفيه: تنبيهٌ على أنَّ الإنسانَ يُؤخَذُ بجريرةِ عملِه؛ فليعملْ لنَفْسِه ما أرادَ.. 
===========================

الصدقة برهان وفضيلة الصدقة وفوائد الصدقة وثمارها وكتمان الصدقة وإسرارها وأخلاق المتصدقين







اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الصدقة برهان للشيخ : أبوبكر الجزائري
الصدقة برهان - (للشيخ : أبوبكر الجزائري)
الصدقة كل ما يبذله المؤمن من مال، فهي برهان على صدق الإيمان، وهي قسمان: واجبة وهي الزكاة المفروضة في المال والزروع والثمار والتجارات والأنعام، ومستحبة وهي غير السابق ذكرها، والصدقة تنمى حتى تكون أكبر من جبل أحد، وجاء في السنة أن الصدقة تدفع البلاء والمرض سواء كان المرض حسياً أو معنوياً كالشح والمعاصي، وكتمان الصدقة خير من إظهارها، وقول معروف خير من صدقة يتبعها أذى.
أنواع الصدقة.. وأحكامها
الحمد لله، وعاقبته الحسنى لمن اتقاه، وصلاة الله وسلامه على نبيه ومصطفاه، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وجميع من آمن به واستن بسنته واهتدى بهداه، أما بعد:معشر الأبناء والإخوان الحضور! نحييكم جميعاً بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:فقد أخرج مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها ) .هذا الحديث الجليل الشريف أخذنا فقراته واحدة بعد أخرى، درساً وتعلماً، وها نحن مع تلك الفقرات وهي عبارة عن جواهر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قوله فداه أبي وأمي: ( والصدقة برهان ) فهيا نتدارس سوياً هذه الجملة من الكلمات النبوية. ( والصدقة برهان ) الصدقة معاشر الأبناء والإخوان! ما يبذله المؤمن في سبيل الله من مال صامتاً كان أو ناطقاً، والمال: كل ما يتمول، ويدخل فيه كل ما يحتاج الناس إليه من كساء أو غذاء أو ماء، فضلاً عن الدينار والدرهم والشاة والبعير.والصدقة سميت صدقة؛ لأنها دليل صدق إيمان صاحبها؛ لأن المال شقيق الروح، فمن الناس من يفدي ماله بروحه، ومع هذا يخرجه فيضعه في يد أرملة، لا يمكنه أن ينتفع بحياتها قط، وقد يضعه في يد أعمى لا يراه حتى الحشر، وقد يضعه في يد بائس فقير لاصق بالأرض لا يؤمل فيه أن ينفع أحداً، وقد يضعه في يد غريب، مسافر، ابن سبيل، قد لا يلتقي معه الدهر كله. هذه العملية ما دام الباعث عليها رجاء ما عند الله، ما دام الباعث عليها ابتغاء ما عند الله تسمى صدقة، وهي دالة على صدق إيمان فاعلها، حقاً إنه يؤمن بالله وبلقاء الله، يؤمن بالله وبالبعث الآخر الذي يتلقى فيه الناس جزاء كسبهم من خير أو شر. قد يتصدق المتصدق يريد وجوه الناس ليلفتها إليه، يريد من الناس أن يكفوا عنه فلا يؤذونه بذم، ولكن تلك النفقة لا تسمى صدقة، الصدقة ما ابتغي به وجه الله، هذه دالة دلالة قوية على صدق إيمان صاحبها، فلولا الإيمان ما خرج الرجل من بستانه وتركه لله.لما نزل قول الله تعالى من سورة آل عمران: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92] قام أبو طلحة وكان أكثر الأنصار نخلاً ومالاً، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا رسول الله! لقد أنزل عليك قول الله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] وإن من أحب مالي إلي بيرحاء ) حديقة غناء ذات ماء وشجر ونخيل، وكانت قبالة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد فيدخلها فيشرب من مائها وكان ماؤها عذباً.والآن ما زالت كما هي، وهي المساحة التي عليها قصر المدينة وتلك الفنادق، قال: ( يا رسول الله! ضعها حيث أراك الله ) ليكون قد استجاب لهذا الخبر وحقق إيمانه، وأخرج منها زوجته وأولاده وخلاها لله.إذاً: من هنا يقول عليه الصلاة والسلام: ( والصدقة برهان ) والبرهان الحجة، فكيف تكون الصدقة حجة، حجة على من ولمن؟ حجة لصاحبها على أنه مؤمن، ولن يتصدق ابتغاء مرضاة الله وطلباً لما عند الله إلا مؤمن، فإذا أردت أن تستدل على إيمان عبد فانظر: هل يتصدق سراً وخفاء؟ إن وجدته يتصدق سراً فاعلم أنه مؤمن، إذ صدقة العلن قد تكون لاعتبارات، لكن السرية لن تكون إلا من الإيمان، هذه الصدقة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( والصدقة برهان ) من باب العلم نقول: إنها تشمل الزكاة التي فرض الله، وتشمل صدقات التطوع، فالزكاة سميت زكاة؛ لأنها تزكي النفس، وسميت صدقة؛ لأنها برهان على إيمان صاحبها، تدل على صدقه في الإيمان.والزكاة -كما يعلم الجميع- قاعدة الإسلام، وهي أخت الصلاة وشقيقتها، والتفرقة بينهما لا تصح، كما قال أبو بكر رضي الله عنه: (ما كنت أبداً لأفرق بين الصلاة والزكاة وقد جمع الله بينهما). فما ذكرت الصلاة في الكتاب إلا وذكرت الزكاة معها، فهل يفرق العبد بين ما جمع الله؟ وقد قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع أصحابه، قاتلوا مانعي الزكاة حتى أجبروهم على أدائها، وهذا الحكم باقٍ ببقاء الدين والأمة، أيما جماعة أو فرد يمنع الزكاة إلا وعلى إمام المسلمين قتاله حتى يفيء إلى طاعة الله، ويؤدي الزكاة التي أوجب الله، وهي -كما تعلمون- واجبة في المعشرات، والتي هي الحبوب والثمار. فالزكاة واجبة في سائر الحبوب كالبر والشعير والذرة... وما إلى ذلك، كما هي في الثمار: كالتمر والزيتون والعنب. ويقال فيها: المعشرات؛ لأنها تؤخذ منها نسبة العشر، فمن عشرة قناطير يؤخذ قنطار، فلهذا تسمى بالمعشرات، إلا أن تسقى بكلفة كالدلاء والحبال والسواني، فإنها حينئذ نصف العشر (5%). وتجب الزكاة في المواشي وهي الأنعام: الإبل والبقر والغنم، ولا تتجاوز ذلك إلى أجناس الطير على اختلافها، وحتى ما هو داجن كالوز والبط وما إلى ذلك لا زكاة فيه، فسائر الطيور لا تزكى، فالزكاة محصورة في الأنعام: الإبل والبقر والغنم، والغنم منها الضأن ومنها الماعز، والبقر منها الجاموس ومنها البقر، والإبل منها البخت ومنها العراب، فالأنعام أجناس، ولكل جنس نصاب معين إذا انتهى إليه العدد وجبت فيه الزكاة، ويجب على المؤمنين أن يعرفوا تلك الأنصبة، فكما يعرفون المقادير يعرفون الأنصبة، وتعلم هذا هو تعلم الفقه، و( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ). وتجب في النقدين، ويقال في العين والمراد بذلك: الذهب والفضة، الدينار الذهبي والدرهم الفضي، والآن استعاض الناس عن الذهب والفضة بالعُمَل المختلفة كالجنيه والدينار والريال والدرهم وما إلى ذلك من هذه الأوراق المالية، وهي قائمة مقام العين، ويكذبنا أو يضللنا من يقول: لا زكاة في هذه الأوراق؛ لأنها ليست مطعومة ولا مشروبة وليست ذهباً ولا فضة، فهذه مغالطة، إنها سندات تحمل قيمتها من العين: الذهب والفضة، وزكاتها عبارة عن ربع العشر، في كل مائة اثنان ونصف، والنصاب -والحمد لله- عرفناه، إذا حال الحول عليك يا عبد الله ورمضان قريب، اذهب إلى الصائغ أو بائع المجوهرات واسأله عن قيمة أربعمائة وستين جراماً من الفضة كم تساوي، يا صائغ! أخبرني من فضلك، أربعمائة وستون جراماً بكم تباع بالريال السعودي؟ فالقيمة التي يقولها لك هي النصاب، وانظر إلى جيبك، فإن وجدت نقودك التي حال عليها الحول تساوي ذلك المبلغ الذي علمك به فقد وجبت عليك الزكاة، وإن وجدت مالك أقل فلا زكاة عليك في هذا العام؛ لأن رأس مالك ما وصل إلى نصاب الزكاة، وهذا سهل وميسور ولا كلفة فيه، تأتي إلى الصائغ: أي عم! أربعمائة وستون جراماً فضة كم تساوي، فإن قال: تساوي ثمانمائة ريال، ثمانمائة وخمسين انظر أنت هل عندك هذا المبلغ؟ فإن قلت: نعم عندي وزيادة، وجبت الزكاة، وإن قلت: أنا عندي سبعمائة فقط وحال عليها الحول فلا زكاة، وإن شئت أيضاً أن تسأله عن الذهب فقل له: سبعون جراماً من الذهب كم تساوي، فإن قال: تساوي ألفين وخمسمائة ريال. انظر أنت: هل تملك هذا القدر؟ فإن كنت تملكه وزيادة فقد وجبت عليك الزكاة فأخرج زكاتها، وإن كنت لا تملك هذا المبلغ -أي: قيمة سبعين جراماً- فلا زكاة عليك. وأنا أرجح للأبناء والإخوان أن يسألوا عن الفضة، لأن هذا أرفق بالفقراء والمساكين.إذاً: الصدقة نوعان: صدقة واجبة وصدقة تطوع، وكلا الصدقتين برهان ساطع وحجة قاطعة على أن المتصدق مؤمن، ومفهومه: أن الذي لا يتصدق ما هو بمؤمن، ما آمن إيماناً بعثه على أن ينفق ماله الآن ليتسلمه غداً، فهو إذاً ضعيف المعتقد في لقاء الله والبعث الآخر.


فضيلة الصدقة
واسمع يا عبد الله! فضيلة الصدقة. روى مالك في الموطأ والبخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً ) أما أن تسرق وتتصدق فلا، لا تسرق ولا تتصدق. ( من تصدق بصدقة من كسب طيب ) أي: حلال، والطيب هنا بمعنى الحلال.( كان كأنما يضعها في كف الرحمن -جل جلاله وعظم سلطانه- فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل ) .( من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً ) بهذا الشرط. ( كان كأنما وضعها في كف الرحمن، فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه ) أي: مهره ابن فرسه أو فصيله شك الراوي. ( حتى تكون مثل جبل أحد ) هنا عندما تخرج بصدقتك عبد الله! وتذكر هذا الخبر عن سيد البشر وتلاحظ وأنت تضعها على يد الفقير كأنما وضعتها في يد الرحمن، ويربيها لك وينميها فتنمو بصورة غريبة عجيبة على غرار نمو المهر، والمُهر من الحيوانات التي تكبر بسرعة حتى تكون مثل الجبل أو جبل أحد.والصدقة ورد فيها أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( داووا مرضاكم بالصدقة )، ( حصنوا أموالكم بالزكاة ) من أراد أن تحفظ أمواله وتصان له ولا تعدو عليها عوادي الزمان ولا أيدي الشطار واللصوص فليحصنها بإخراج زكاتها.( وداووا مرضاكم بالصدقة ) قد يقول الطبيب: الشيخ الآن صرف عنا المرضى، من نعالج؟ نافسنا، يا دكتور! المرضى كثير، ومن الأمراض ما لا يعالج إلا بالصدقة، ومن الأمراض ما يعالج بالعقاقير الطبية. إذاً: لو أن مؤمناً من المؤمنين يصاب وليه أو قريبه أو نفسه بمرض ويذكر هذا المعنى ويقبل على الله في صدق ويخرج ماله ويضعه في يد مستحقه، ويقول: يا رب! إنما فعلت هذا من أجلك لتشفي ما بي، لا إخاله إلا مشفياً بإذن الله.( حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالتضرع والدعاء )، وصدق أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، إن للبلاء لأمواجاً. ( واستقبلوا أمواج البلاء بالتضرع والدعاء ) والحديث أخرجه أبو داود في سننه، ومع أنه مرسل من طريق، فهو مرفوع من أخرى ولا بأس به. والشاهد من هذا في فضل الصدقة: ( داووا مرضاكم بالصدقة ).


آثار الشح .. وعلاجه
وهناك معاشر الأبناء والحضور مرض لا يقدر عليه أي طبيب، ولا يستطيعه أطباء الشرق والغرب، ولا يداوى إلا بالصدقة، هذا المرض من ابتلي به ولم يشف منه لا يدخل الجنة، ولا ينجو، هذا المرض -عافاني الله وإياكم منه- يسمى الشح، واقرءوا قول الله تعالى فيه: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].والبخل دون الشح، الشح بخل مع حرص والعياذ بالله، والبخيل قد يبخل ويمنع ولكن ليس بحريص، أما المنع والحرص مع بعضهما البعض فيقلقك. فمفهوم هذا الخبر وما يسمى بمفهوم الشرع: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] من لم يوق شح نفسه ما أفلح، ومعنى (ما أفلح) ما دخل الجنة ولا نجا من النار، إذ الفلاح معروف وهو زحزحة عن النار ودخول الجنة. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10] .إذاً: معاشر الأبناء! هذا المرض يحدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ، فيقول: ( اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) قد يقول غافل مثلي: وما يضرنا ظلمة يوم القيامة؟ وهذا جهل، وعدم علم، ولو شاهد الموقف ورأى حيرة المنافقين عندما يفقدون النور فيصرخون، يكون المؤمنون مع المنافقين في صعيد واحد في عرصات القيامة، والمؤمنون كما قال تعالى: نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [التحريم:8] فيه تغليب اليمين على الشمال.نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا [التحريم:8] يخشون أن ينطفئ؛ لأن نور المنافقين فجأة ينطفئ كما تنطفئ الكهرباء على بيت فيظلم، ويبقى الإنسان في ظلام دامس.قال تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:12-13] وجوههم كأعين السيارات مشرقة، فيقول: انتظرونا حتى نقتبس من نوركم، فيسخرون منهم ويلذعونهم بلذعة كالميسم: ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد:13] فيظن البله أن رجوعهم إلى الوراء يحصلون فيه على النور، وهي نكتة: ارجعوا إلى الدنيا، هذا النور ما أخذناه من عرصات القيامة، هذا اكتسبناه من المشي في الظلام إلى بيوت الله، وفي الحديث الصحيح: ( بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة ). ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد:13] اطلبوه في الحياة الأولى وأنى لهم أن يرجعوا، وكيف يمكنهم العودة إلى الدنيا؟ ولكن يرجعون إلى الوراء فيضرب بينهم على الفور بسور كامل له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من جهة المنافقين العذاب، والشاهد من هذا: أن أهل الصدقات يعطون هذا النور وتكون صدقتهم نوراً لهم.وقوله عليه الصلاة والسلام: ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) لن تصل إلى باب الجنة إلا على نور؛ لأن الجسر الممدود بينك وبين الجنة لا يمكن أن يجتازه الشخص بدون نور، فإذا انطفأ نوره وقع في أتون الجحيم، فلا بد من النور، فمن أراده فليتصدق، فليمش في الظلم، ومن خاف الظلم فلا يظلم، لا تظلم أخاك حبة خردل، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.( واتقوا الشح؛ فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) وهذا هو الشاهد ( واتقوا الشح ) احذروه، خافوا منه، اجعلوا بينكم وبينه وقاية، عالجوه، استأصلوه كما تستأصل الزائدة، لم؟ ( فإنه أهلك من كان قبلكم من الأمم، حملهم على أن سفكوا دماءهم ) وإلى الآن الحروب الدائرة في العالم ما دارت إلا من شح النفس، والظن بما عند الإنسان من مال أو سلطان.( حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) والشاهد عندنا: عالجوا هذا المرض إن كان فيكم، فلا بد من استئصاله وعلاجه، والحمد لله لا يحتاج إلى جراحة ولا إلى عمليات، أمره بسيط، فقط بالصدقة، واقرءوا قول الله عز وجل من سورة التوبة: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] يطهرهم من ماذا؟ (يطهرهم) من مرض الشح، و(يزكيهم) يطهر أنفسهم من الذنوب والآثام. خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103] من صفتها أنها تطهر، وأنفع الصدقة -أبنائي- ما كان مستمراً بلا انقطاع، فاستعمال المركبات الكيماوية في حال المرض لا يأخذها المريض دفعة واحدة؛ لأنه سيموت، فلو أعطاه الدكتور عشرين إبرة واستعملها في يوم واحد تقتله، أو أعطاه خمسين حبة في كل يوم يستعمل ثلاث حبات، فإذا جرعها جرعة واحدة مات، فلهذا الصدقة التي تستأصل هذه النابتة في القلب هي الصدقة التي تستمر طول الحياة، وإن قليلاً دائماً خير من كثير منقطع، فيومياً تتصدق برغيف أو نصف الرغيف أو بريال أو نصف ريال على طول السنة أفضل مما تتصدق مرة واحدة بخمسة آلاف ريال ثم لا تعود إلى الصدقة إلا بعد حول أو بعد أحوال، فخير الصدقة ما كانت دائمة.


فوائد الصدقة وثمارها
واعلموا أن عبداً يربي نفسه على الصدقة لوجه الله لا يمكن أن يسرق، أو يغش ويخدع المؤمنين والمؤمنات ليحصل على أموالهم، ولا يمكن أن يسأل الناس ويمد يده؛ لأنه عالج نفسه وشفي، فهل تتصورون أن عبداً يتصدق بماله ثم يسرق ليتصدق؟ يغش أو يطفف في كيل أو وزن أو يخدع حتى يصل إلى مال من أجل أن ينفقه في سبيل الله؟ هذا ما هو معقول أبداً، وما كان ولن يكون، وذلكم لأن هذه الصدقة باستمرارها مع إحسان أدائها من شأنها أن تزيل هذا المرض، فإذا زال الشح اطمأنت النفس، وسكن القلب، وأصبح الإيمان مهيمناً على النفس، وأصبح القليل كالكثير في نظر عبد الله.إذاً: نداوي مرضانا بالصدقة، ونداوي هذا المرض الخطير مرض الشح كذلك بالصدقة، إلا أننا هنا نرى أن الصدقة تكون مستديمة ما تنقطع، فتكون يومياً، يوماً بعد يوم، فلا يمضي عليك الأسبوع وأنت ما تصدقت ولو باليسير، ليس شرطاً أن تكون ذهباً وفضة. قد تكون الصدقة شيئاً يسيراً، ولو كتباً، ولو كلمة طيبة، ففي الحديث الصحيح: ( والكلمة الطيبة صدقة ) هذا بالنسبة لمن لم يجد، إذ هناك ضريبة ليست للبلدية، الضريبة هذه مضروبة من قبل المالك عز وجل وقررها رسوله في الناس وبينها، فقال: ( يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة ) والسلامى لفظ لا مفرد له، هو عبارة عن العرق في الجسم، العروق التي يتكون منها جسم الآدمي، كل واحد منها يجب أن تدفع عليه ضريبة يومياً مقابل الحياة، هذه ضريبة الحياة، تريد أن تعيش اليوم وغداً ادفع ضريبة الحياة، ما توهبها مجاناً، فيصبح على كل سلامى مفصل من مفاصل الجسم صدقة واجبة، فإن أنت أخرجت صدقتك مع الصباح أديت ما عليك وظل يومك كله وأنت على كامل الحرية، لا يطالبك الله بشيء، وإن لم تجد فالكلمة الطيبة.قال: ( وركعتان في الضحى ) تسدان مسد هذا الواجب، لكن يا أستاذي! لا بد وأن تلاحظ أنه إذا لم يكن عندك ما تتصدق به، أو ما وجدت من يقبل صدقتك، فهنا تفزع إلى الركعتين، أما مع وجود المال ووجود الطالبين والراغبين فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه الضريبة إذا صلى المؤمن ركعتين في إشراق الشمس في أول النهار تجزيان، لكن الغالب أنهما عند عدم وجود المال أو وجود من يقبله، ومهما كان فركعتان في الضحى لا يتركهما العقلاء، والأصل أنها أربع ركعات، وسواء بعد طلوع الشمس مباشرة عندما ترتفع أو في الضحى، ولعلها صلاة الأوابين، فلا نزهد من قيمة هذه الصلاة. إذاً: هذه فريضة أو ضريبة نؤديها صدقة، فإن لم نجد ( فلنصنع لأخرق ) كما قال صلى الله عليه وسلم. أخوك يعالج ماء من البئر ما عرف، عالجه معه، يعالج حذاء يخصفه ما عرف مد يدك واخصف له نعله، ولو أن تصنع لأخرق، أخوك حمال -هذه ما تطيقونها- يحمل زنبيلين في يديه وأنت تراه يتأرجح تحتهما، تقول: من فضلك أساعدك، وإن كان هو حمالك أعطيته خمسة ريالات ليصل لك بالحمالة إلى البيت، وأنت تمشي طلق اليدين وتراه يتأرجح تحت الحمل، لا، خذ واحداً وسجله على أنه من الضريبة. معاشر الأبناء! هذه الصدقة لا تتقالوها، فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال والحديث في الصحيحين: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) التمرة اقسمها نصفين وتصدق بنصفها تكون قد آمنت حق الإيمان، ودللت على صدق إيمانك، وأنك تؤمن بالنار، وأردت أن تتقيها وتقي نفسك منها وما وجدت إلا هذه التمرة فقسمتها نصفين، فاتقيت بنصفها وأطعمت نفسك نصفها.وروى مالك في الموطأ: أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها وهي أم الجميع- استطعمها مسكين، بمعنى: طلب منها طعاماً، وكان بين يديها رضي الله عنها عنقود عنب من الطائف أو من المدينة، فقالت لأحد الجالسين أو الجالسات: ناوليه حبة، أرادت أن تعلمها العلم عملياً، فأختنا تقالت الحبة، أخذتها وهي متعجبة ووضعتها في يد المستطعم، فلما رأت أم المؤمنين حال المرأة أو الخادم وأنها كالمتعجبة، قالت: أعجبتِ من هذا؟ كم فيها من ذرة؟ وأم المؤمنين ما عاشت إلى زمن الذرة ولا عرفت الهيدروجين، لكن عرفت أن الذرة لا توزن في ميزان ولا تدرك بالعيان إلا بموازين خاصة، جزء المادة، كم في هذه العنبة من ذرة؟ لم لا تتعجبين من هذا؟ وكأنها تنظر إلى قول الله تعالى: يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:6-8] فلهذا لا تتقال الصدقة، المهم أن تتصدق بما يشبع أو يكسي، المهم أن تتصدق، إذ هذه الحركة إيجابية تزكي النفس وتطهر لك المرض، وهي تدل على أنك المؤمن الحق الذي يرجو الله والدار الآخرة.


كتمان الصدقة وإسرارها
وإن أردتم أن تكون الصدقة من الفضل بمكان فأخفوها، عموها على الناس، ولا يستطيع إخفاءها إلا الشجعان، والشجاعة شجاعة قلب وشجاعة عقل، شجعان القلوب كثيرون من الأبطال وغيرهم؛ لكن هنا هم شجعان العقل. ويدل على فضل الصدقة في السر ما جاء في الصحيحين والموطأ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ) إذا ما فوقنا إلا عرش الرحمن ( وذكر من بينهم: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) بمعنى: أنه تكتم وحاول إسرارها وغالب في ذلك حتى نفسه، فأعطاها بصورة لم يرها أحد، لو كانت شماله إنساناً ناطقاً مبصراً ما كانت تدري هل تصدق زيد أو لم يتصدق. فالله الله في إخفاء الصدقة. نروي من فضائل أهل المدينة إلى عهد قريب ونبكي تلك الأيام، كانت الحارات والأحواش يقرع الباب أحدهم وينفتح الباب ويرمي بصرة الدراهم أو الدقيق ويخرج، عبد الله! من أنت؟ ولا يلتفت.هذه الصدقة التي هي من أشرف التوسلات إلى الله عز وجل، ولكن إخواننا ما يستطيعونها، إذا مات ميتهم تراهم يجمعون طلبة القرآن ويجعلون حلقة في المنزل ويقرءون القرآن ويطعمونهم الطعام ويوزعون عليهم دراهم أو ريالات وصاحب البيت يتعنتر عليهم ويقول: هذا عشاء القبر، عشاء الميت، ويقول أهل العلم: هذه الصدقة ما أريد بها وجه الله، ما عرفتم كيف تتصدقون، ما هكذا يتوسل إلى الله، إن كنت شجاع القلب والعقل اترك الظلام حتى يخيم وتنام عيون الناس ثم أخرج صدقتك إلى هذا الطالب المحتاج واقرع بابه وارم بالصدقة بين يديه أو يد خادمته أو والدته وانصرف، فإذا كنت بعيداً اتصلت بذي العرش على الفور، وأنت لك أن تتصل به في كل لحظة، فترفع يديك إليه وتقول: يا رب! إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك فاغفر الليلة لأبي وارحمه، أما صدقة الرياء والانتفاش والعنترية فلا تقبل، ما هي بشيء. (سبعة) من بينهم رجل مؤمن -ذكراً كان أو أنثى- تصدق بصدقة وإن قلّت، والتنكير قد يكون للتقليل.( فأخفاها ) عن أعين الناس.( حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) هذا أهل لأن يكون مع السبعة، ومع هذا من حيث الحكم الشرعي كما تجوز صدقة السر تجوز صدقة العلن، والدليل قول الله عز وجل من سورة البقرة: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271]. إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ [البقرة:271] أي: تظهرونها في رابعة النهار فنعم ما هي هذه الصدقة، ولكن: وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] لأنها تسلم، أما الأولى قد تلتهم، ففي الطريق قبل أن تصل تفسد برياء أو سمعة، لكن متى أخفيتموها فننصحكم بأن ذلك الإخفاء خير من الجهر والعلن، وبعض أهل العلم يقول: أحياناً تكون صدقة العلن أفضل من صدقة السر، وذلكم في حالة ما وهي: أن يكون قصد المتصدق حمل الإخوان الحاضرين على الصدقة، ليشجعهم بأن بدأ هو الأول وتصدق بمبلغ كبير ليرغبهم في الصدقة، وهذه حالة نادرة، فيبقى الأصل في الصدقة أن تكون سراً.


أخلاق المتصدقين
الله تعالى لما أفقر عبده زيداً ما أفقره لأنه يبغضه ويحبك أنت وإنما أفقره ليختبره، فهو عبده في قاعة الاختبار، وأنت أخوه في العبودية، وسيدكما واحد، إذاً: فلا تهن أخاك، لا تذله، لا تقتل كرامته وتهدرها، لأنه فقط مبتلى، وقد ينجح عما قريب وتبتلى أنت بعده، فلهذا ما يحب الله أبداً من عبده يتصدق بصدقة يهين بها وليه ويهدر فيها كرامته، واقرءوا إن شئتم من سورة البقرة: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة:263] لا تفهم أبداً أن هذا الفقير مبغوض من الله، ملعون عند الله، إياك أن تفهم هذا، فإن الله يبتلي بالغنى ويبتلي بالفقر، فالعبد ما دام في دور الابتلاء خف منه، احذره واحذر أن يأتيك فقير يقول: لوجه الله وما تعطيه، قد يكون أرسل إليك وأنت لا تشعر، فلهذا يقول عليه الصلاة والسلام كما في الموطأ: ( أعطوا السائل ولو جاءكم على فرس ) يا رسول الله! هذا على فرس تساوي عشرين ألف ريال، قال: أعطه ( أعطوا السائل ولو جاءكم على فرس ) قد يكون هذا ملك بعث إليك ليمتحنك وما تدري، ومن لم يجد فليصرفه بكلمة طيبة فإنها صدقة، أما أن يعنفه أو يغلظ له أو يندد بصنيعه فهذا المسكين قد تورط، قد يكون وقع، فلهذا لا بد وأن تكون كلمة طيبة فإنها خير من ألف ريال خبيثة مع الزمجرة والسخط. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:263-264] هذان عاملان لإحباط الصدقة وإفسادها: (المن والأذى). المن يا معاشر الأبناء! أن تتصدق على أخيك ثم تمن عليه تلك الصدقة، كسوته مشلحاً كلما رأيته: ما شاء الله، ما زال مشلحي عندك، إن شاء الله كافٍ ومناسب، لا سيما إذا هو مع الناس .. كيف حال المنيحة التي منحناكم إياها؟ تحلب؟ ما زالت؟ فيقتله! المن هو تعداد النعمة، المن لله، لله أن يمن على من يشاء ويعطي من يشاء، أما عبد الله تمن عليه تقتله، لا تتصدق عليه.والأذى أن يعطيه ويؤذيه، يعطيه الريال ويشتمه، لا تعطه ولا تشتمه، ثم هذه الصدقة تبخرت وتلاشت وبطلت، لا تعمل عملها في النفس، لا في معالجة الشح ولا في تكفير الذنب، فضلاً عن أنها تصبغ النفس بصبغة الطهر؛ لأنها بطلت كالصلاة التي ما صحت من صاحبها.معاشر المستمعين! هذا حديث الصدقة. يبقى هل نحن نتصدق؟ هذا الذي سمعناه ينبغي أن نكون أول المنتفعين به. إذاً: فباب الصدقة مفتوح، ومن فضل الله أن الناس ما زالوا يطلبون الصدقة ويفرحون بها إلى هذه اللحظة، وإن يوماً وهو قريب يخرج الرجل بصدقة الذهب فلا يجد من يقبلها، والخير واسع وعميم، ومع هذا ما زلنا نبتلى ويوجد ناس يرغبون ويطلبون، أليس كذلك؟ إذاً: فحققوا هذا الذي علمتموه وتعلمتموه. والله أسأل أن يجعلنا من المتصدقين والمتصدقات، إذ جاء الثناء عليهم في قول الله عز وجل في صفاتهم: وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ [الأحزاب:35] وتصدقوا بالقليل والكثير، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأخفوا صدقاتكم فإن ذلك خير لكم. والله أسأل أن يغفر لي ولكم، إنه قدير.


الأسئلة

حكم الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة
السؤال: أنا أقيم الصلاة وأخونا يصلي السنة، هل يجوز هذا؟ الجواب: لا يجوز، إلا إذا دخل فيها وصلى ركعة قبل مجيئك، فتقيم، وهو يتم صلاته أما أن تقول: الله أكبر تقيم ويقوم يصلي فلا، والنافلة باطلة.

اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الصدقة برهان للشيخ : أبوبكر الجزائري
============================================================

الصدقة برهان 
محمد العواودة

لا غرو في أن يميز الله تعالى هذه الأمة من دون غيرها بفعل الصدقات، لأنها التعبير الصادق عن الانسجام مع مباديء الرسالة الإسلامية في تكافل المجتمع الإسلامي وتراحمة وتعاونه وتماسكة إنسانيا وأخلاقيا قال تعالى:” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”(المائدة: 2) والصدقة من التصديق والصدق: هي ركن مهم وأساسي في أعمال البر والتقوى عندما يتعلق الأمر بالإنسان والمجتمع، وهي برهان ودليل على الأيمان الذي يحصل بالصدق الخالص مع الله، قال تعالى:”لأخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف وإصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما”(النساء: 114) ويقول النبي عليه السلام: ” الصدقة برهان ” بمعنى أنها دليل على حقيقة إيمان المرء وهي الكاشفة والمعاينة له وتطردان مع بعضهما نفيا وإثباتا، ولأن الني عليه السلام كان أكثر الناس إيمانا فقد كان أكثر الناس عطاء وكرما وتصدقا، وعلى سيرته هذه مضى أصحابه رضوان الله عليهم والناس من بعدهم على تراتبية بفعل ذلك ومقداره.


يقول ابن القيم في كتابه زاد المعاد واصفا الكيفية التي كان يتعاطى بها النبي عليه السلام بصرف الصدقات ” كان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه وتارة بلباسه، وكان ينوع في أصناف عطائه وصدقته، فتارة بالهبة، وتارة بالصدقة وتارة بالهدية وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعا، كما فعل ببعير ابن جابر، وتارة كان يقترض الشيء فيرد ما فيه بأفضل وأكبر، ويشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه، ويقبل الهدية ويكافيء عليها بأكثر منها أو بأضعافها، تلطفا وتنوعا في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن، وكانت صدقته وإحسانه بما يمكنه وبحاله وقوله، فيخرج ما عنده ويأمر بالصدقة ويحض عليها ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء، وكان من خالطه وصحبه ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى”ٍ


وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزداد عطاءه في رمضان عن المألوف من الأشهر الأخرى حتى إن ابن عباس رضي الله عنه وصف عطاءه عليه السلام وجوده بالريح المرسلة،”كان رسول الله عليه – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبرائيل فيدارسه القرآن، وكان جبرائيل يلقاه كل ليلة من شهر رمضان، فرسول الله حين يلقاه جبرائيل أجود بالخير من الريح المرسلة”، فيمكن الإفادة من الحديث أن لقراءة القرآن ومدارسته اثر عميق في تحفيز النفس على الصدقات واثبات مصداقيتها الإيمانية، فثمة علاقة مترابطة بين هذه الأدوات التعبدية الثلاثة يفضي كل مها بعضه إلى بعض ويكشف كل متهما بعضه البعض، فإذا أشبعت النفس بجرعة من الأيمان تراها انتشت وسارعت إلى بذل الخير، وسرعان ما ترى عراها المعتادة على اللغو المادي تنتفض وتتفكك منه في لحظة هذه النشوة الإيمانية، ولهذا فقد ترى كثيرا من الناس يرزحون تحت وطأة الفهم المادي للحياة ولكن ما يلبثون في رمضان أن ينقلبوا على أنفسهم باسطين أيديهم لإخوانهم المعوزين ، وسبب ذلك يعود إلى مدارستهم وقراءتهم للقران وجلاء صدورهم من تراكمات العام وخشوع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ، وما تكون هذه الصدقات إلا تعبيرا صادقا عن خلجات إيمانية للنفس وليس كما يظن بعض المهاترين بان ذلك كما يقولون حظهم من الرياء.


فهذا رمضان قد بلغّنا الله إياه بفضله وكرمه، فلنجعل القرآن ديدننا والصدقة وسيلتنا والأيمان بالله وبلوغ رضاه غايتنا، لعلنا نبلغ بدخول الجنة سعادتنا، فعنه عليه السلام قال:” إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وبطونها من ظهورها قالو لمن يا رسول الله ؟ قال هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس قيام”، ولنحرص على حفظ الصدقات وحفظ أجورها بحفظ أسرارها بان تكون في ستر من العمل، حيث يكتمل الأجر ويصل الثواب، قال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى” ( البقرة: 264 )، وقال النبي عليه السلام: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله” حيث عد رجل يتصدق بيمينه مالا تعلم شماله منهم ، وننبه هنا أن اللفظ في ذكر الأيدي هو من قبيل المجاز اللغوي وليس المقصود فيه بان تضع يدك اليسرى في جيبك أو خلف ظهرك بحيث لا ترى اليد اليمنى التي تتصدق بها كما يفعل كثير من العامة، فالمعنى هو كناية عن المبالغة في التستر وحفظ سرية الصدقة ولنيل أجرها من غير إحباط للعمل.


وقد جعل الله تعالى لكل مسلم حظه من ألصدقه، فالصدقة ليس حكرا على تقديم العون المالي والعيني، فمن لا تفيض حاجته بشيء من ذلك، فابتسامته في وجه أخيه صدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة وكل أعمال المسلم في صروف الخير صدقات، قال عليه السلام” تبسمك في وجه أخيك لك صدقه وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل في أرض الظلال لك صدقه، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة ” رواه الترمذي ، فتصدق بما تجود به نفسك من رزق الله واعلم انه” ما نقص مال من صدقة” واعلم انك بصدقتك تكون موضع نداء السماء في كل يوم يسالون الله لك الرزق والعافية، قال عليه السلام” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الأخر، اللهم أعط ممسكا تلفا”.

===================================================================================================


"والصلاة نور، والصدقة برهان"والصدقة برهان



"والصلاة نور، والصدقة برهان"

 

عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو؛ فبائع نفسه، فمعتقها، أو موبقها". (رواه مسلم).

 

الشرح الإجمالي للحديث:

الإيمان تخلٍّ وتحلٍّ، والطهارة هي التخلي عن الرذائل من الاعتقادات الأفعال والأقوال والأخلاق، فكانت نصف الإيمان، وطريق تحقيق الإيمان هو تحقيق توحيد الله وحسن عبادته، ومما يعبن على تحقيق توحيد الله تعالى تنـزيهه سبحانه عن النقائص؛ وهو مقتضى قول العبد: (سبحان الله)، ووصف الله تعالى بالكمالات؛ وهو مقتضى قول العبد: (الحمد لله)، فيلفظها بلسانها مستحضرًا معناه بقلبه، ومما يعـين العبد على تحقيق الأعمال الصـالحة: الاستعـانة بالصلاة فهي نـورٌ يستضيء بها العبد: نور وهداية له في الدنيا والآخرة، ونورٌ يظهر على وجهه وقوله وفعله، والاستعانة بالصبر والثبات على الطاعة وترك المعصية وحسن الأدب مع الله عند وقوع البلاء، والصبر على ما فـيه من مشقة؛ لأجل ما فيه من الضياء الذي يهدي الله به العبد، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45]، والاهتداء بالقرآن وأحكامه ومواعظه وقصصه فهو القوة الإيمانية التي يعتمد عليها العبد ويحتج بها على غيره، ومما يعين العبد كذلك على الثبات: تقديم المحاب طلبًا لمحبة الله، فإذا سئل العبد يوم القيامة عن صدق محبته لله كانت أعماله وصدقاته براهين في إجابة هذا السؤال.

 

الفوائد التربوية من الحديث:

1- أن الناس في هذه الحياة الدنيا على قسمين: الأول: من دان نفسه وعمل لما بعد الموت؛ فسعى في أسباب نجاتها وعتقها، والثاني: من توانى عن ذلك حتى أهلك نفسه وأوبقها في معاصي الله، قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 41].

2- أن يعلم العبد أن الحرية الحقيقية هي الالتزام بطاعة الله تعالى، والهروب من رق الشيطان، قال ابن القيم رحمه الله:

هربوا من الرق الذي خلقوا له وبلوا برق النفس والشيطان

  مقالات الالوكة المتعلقة

 


الطلاق

  النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق / مدونة الطلاق للعدة / مدونة ديوان الطلاق // المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة