مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

الزكاة والصدقات

مدونة الزكاة والصدقات

الأحد، 30 مايو 2021

كتاب الزكاة ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 641)



محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة العاشرة 
كتاب الزكاة ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 641)
كتاب الزكاة
637 - مسألة : الزكاة فرض كالصلاة ، هذا إجماع متيقن ؛ وقال الله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } فلم يبح الله تعالى سبيل أحد حتى يؤمن بالله تعالى ، ويتوب عن الكفر ، ويقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد المسمعي ثنا عبد الملك بن الصباح عن شعبة عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله } قال أبو محمد : وبين الله تعالى على لسان رسوله ﷺ مقدار الزكاة ، ومن أي الأموال تؤخذ ، وفي أي وقت تؤخذ ، ومن يأخذها ، وأين توضع ؟
638 - مسألة : والزكاة فرض على الرجال والنساء الأحرار منهم والحرائر والعبيد ، والإماء ، والكبار والصغار ، والعقلاء ، والمجانين من المسلمين ، ولا تؤخذ من كافر . قال الله عز وجل : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } فهذا خطاب منه تعالى لكل بالغ عاقل ، من حر ، أو عبد ، ذكر أو أنثى : لأنهم كلهم من الذين آمنوا . وقال تعالى : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } فهذا عموم لكل صغير وكبير ، وعاقل ومجنون ، وحر وعبد ؛ لأنهم كلهم محتاجون إلى طهرة الله تعالى لهم وتزكيته إياهم ، وكلهم من الذين آمنوا : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن زكرياء بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس : { أن النبي ﷺ بعث معاذا إلى اليمن فقال : ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم بأن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم ، تؤخذ من أغنيائهم ، وترد في فقرائهم } . فهذا عموم لكل غني من المسلمين ، وهذا يدخل فيه الصغير والكبير والمجنون والعبد والأمة إذا كانوا أغنياء . وقد اختلف الناس في هذا - : فأما أبو حنيفة ، والشافعي فقالا : زكاة مال العبد على سيده ؛ لأن مال العبد لسيده ، ولا يملكه العبد . قال أبو محمد : أما هذان فقد وافقا أهل الحق في وجوب الزكاة في مال العبد ، وإنما الخلاف بيننا وبينهم في : هل يملك العبد ماله أم لا ؟ وليس هذا مكان الكلام في هذه المسألة ؛ وحسبنا أنهما متفقان معنا في أن الزكاة واجبة في مال العبد . وقال مالك : لا تجب الزكاة في مال العبد ، لا عليه ولا على سيده . وهذا قول فاسد جدا ، لخلافه القرآن والسنن ، وما نعلم لهم حجة أصلا ، إلا أن بعضهم قال : العبد ليس بتام الملك . فقلنا : أما تام الملك فكلام لا يعقل . لكن مال العبد لا يخلو من أحد أوجه ثلاثة لا رابع لها - : إما أن يكون للعبد ، وهذا قولنا ، وإذا كان له فهو مالكه ، وهو مسلم ، فالزكاة عليه كسائر المسلمين ولا فرق . وإما أن يكون لسيده كما قال أبو حنيفة ، والشافعي ، فيزكيه سيده ؛ لأنه مسلم ؛ وكذلك إن كان لهما معا . وإما أن يكون لا للعبد ولا للسيد ؛ فإن كان ذلك . فهو حرام على العبد وعلى السيد ؛ وينبغي أن يأخذه الإمام ، فيضعه حيث يضع كل مال لا يعرف له رب . وهذا لا يقولون به ، لا سيما مع تناقضهم في إباحتهم للعبد أن يتسرى بإذن سيده ؛ فلولا أنه عندهم مالك لماله لما حل له وطء فرج لا يملكه أصلا ، ولكان زانيا ، قال الله تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } فلو لم يكن العبد مالكا ملك يمينه لكان عاديا إذا تسرى . وهم يرون الزكاة على : السفيه ، والمجنون ، ولا ينفذ أمرهما في أموالهما ؛ فما الفرق بين هذا وبين مال العبد . وموه بعضهم بأنه صح الإجماع على أنه لا زكاة في مال المكاتب . فقلنا : هذا الباطل ، وما روي إسقاط الزكاة عن مال المكاتب إلا عن أقل من عشرة من بين صاحب وتابع ؛ وقد صح عن كثير من السلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم : أن المكاتب : عبد ما بقي عليه درهم . وصح إيجاب الزكاة في مال العبد عن بعض الصحابة ؛ فالزكاة على هذا القول واجبة في مال المكاتب . وهذا مكان تناقض فيه أبو حنيفة ، والشافعي ، فقالا : لا زكاة في مال المكاتب . واحتجا بأنه لم يستقر عليه ملك بعد - : قال أبو محمد : وهذا باطل ؛ لأنهما مجمعان مع سائر المسلمين على أنه لا يحل لأحد أن يأخذ من مال المكاتب فلسا بغير إذنه ، أو بغير حق واجب ؛ وأن ماله بيده يتصرف فيه بالمعروف ، من نفقة على نفسه ، وكسوة ، وبيع وابتياع ، تصرف ذي الملك في ملكه ؛ فلولا أنه ماله وملكه ما حل له شيء من هذا كله فيه . وهم كثيرا يعارضون السنن بأنها خلاف الأصول ، كقولهم في حديث المصراة وحديث العتق في الستة الأعبد بالقرعة وحديث اليمين مع الشاهد ، وغير ذلك ، فليت شعري . في أي الأصول وجدوا مالا محكوما به لإنسان ممنوعا منه كل أحد سواه مطلقة عليه يده في بيع وابتياع ونفقة وكسوة وسكنى - ؛ وهو ليس له . أم في أي سنة وجدوا هذا . أم في أي القرآن . أم في غير قياس ؟ وممن رأى الزكاة في مال المكاتب : أبو ثور ، وغيره . والعجب أن أبا حنيفة ؛ والشافعي : مجمعان على أن المكاتب ، عبد ما بقي عليه درهم ؛ فمن أين أسقطا الزكاة عن ماله دون مال غيره من العبيد . وأيضا - فمن أين وقع لهم أن يفرقوا بين مال المكاتب ، ومال العبد ؟ ولا بد من أحد أمرين - : إما أن يعتق المكاتب ، فماله له وزكاته عليه ، وإما أن يرق ، فماله - قبل وبعد - كان عندهما لسيده ؛ فزكاته على السيد وشغب بعضهم بروايات رويت عن عمر بن الخطاب ، وابنه ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم : لا زكاة في مال العبد ، والمكاتب . قال أبو محمد : أما الحنفيون والشافعيون فقد خالفوا هذه الروايات ، فرأوا الزكاة في مال العبد - ومن الباطل أن يكون قول من ذكرنا بعضه حجة وبعضه خطأ ؛ فهذا هو التحكم في دين الله تعالى بالباطل . وأما المالكيون فيقال لهم : قد خالف من ذكرنا ما هو أصح من تلك الروايات - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا يزيد بن إبراهيم هو التستري - ثنا محمد بن سيرين حدثني جابر الحذاء قال : سألت ابن عمر قلت : على المملوك زكاة . قال : أليس مسلما . قلت : بلى ؛ قال : فإن عليه في كل مائتين خمسة فما زاد فبحساب ذلك - : حدثنا يوسف بن عبد الله ثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا قاسم بن أصبغ ثنا مطرف بن قيس ثنا يحيى بن بكير ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يقول : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم . فالزكاة في قول ابن عمر على المكاتب . وقد صح عن أبي بكر الصديق أنه قال : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ؟ قال أبو محمد : وهم مجمعون على أن الصلاة واجبة على العبد والمكاتب . والنص قد جاء بالجمع بينهما على كل مؤمن على ما أوجبهما النص - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري : أنه قال : في مال العبد ، قال : يزكيه العبد . وبه إلى حماد بن سلمة عن قيس هو ابن سعد - عن عطاء بن أبي رباح : أنه قال في زكاة مال العبد ، قال : يزكيه المملوك . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن حجير : أن طاوسا كان يقول : في مال العبد زكاة - : حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس المرادي ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن زمعة عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : في مال العبد زكاة ؟ وبه إلى أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا غندر عن عثمان بن غياث عن عكرمة أنه سئل عن العبد هل عليه زكاة ؟ قال : هل عليه صلاة ؟ : وقد روينا نحو هذا عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وابن أبي ذئب ؛ وهو قول أبي سليمان وأصحابنا ؟ قال أبو محمد : وكم قصة خالفوا فيها عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله ، كقولهما جميعا في صدقة الفطر : مدان من قمح أو صاع من شعير . وغير ذلك كثير . وأما مال الصغير ، والمجنون ؛ فإن مالكا ، والشافعي قالا بقولنا ؟ وهو قول عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله وأم المؤمنين عائشة ، وجابر وابن مسعود ، وعطاء وغيره . وقال أبو حنيفة : لا زكاة في أموالهما من الناض والماشية خاصة ، والزكاة واجبة في ثمارهما وزروعهما ؟ ولا نعلم أحدا تقدمه إلى هذا التقسيم . وقال الحسن البصري ، وابن شبرمة : لا زكاة في ذهبه وفضته خاصة - وأما الثمار والزروع والمواشي ففيها الزكاة ؟ وأما إبراهيم النخعي ، وشريح ، فقالا : لا زكاة في ماله جملة . قال أبو محمد : وقول أبي حنيفة أسقط كلام وأغثه ؟ ليت شعري ما الفرق بين زكاة الزرع والثمار وبين زكاة الماشية والذهب والفضة ؟ فلو أن عاكسا عكس قولهم ، فأوجب الزكاة في ذهبهما وفضتهما وماشيتهما وأسقطها عن زرعهما وثمرتهما ، أكان يكون بين التحكمين فرق في الفساد ؟ قال أبو محمد : إن موه مموه منهم بأنه لا صلاة عليهما ؟ قيل له : قد تسقط الزكاة عمن لا مال له ولا تسقط عنه الصلاة ؟ وإنما تجب الصلاة والزكاة على العاقل البالغ ذي المال الذي فيه الزكاة ؛ فإن سقط المال : سقطت الزكاة ، ولم تسقط الصلاة ؛ وإن سقط العقل أو البلوغ : سقطت الصلاة ولم تسقط الزكاة ؛ لأنه لا يسقط فرض أوجبه الله تعالى أو رسوله ﷺ إلا حيث أسقطه الله تعالى أو رسوله ﷺ . ولا يسقط فرض من أجل سقوط فرض آخر بالرأي الفاسد ، بلا نص قرآن ولا سنة . وأيضا : فإن أسقطوا الزكاة عن مال الصغير والمجنون ؛ لسقوط الصلاة عنهما ، ولأنهما لا يحتاجان إلى طهارة فليسقطاها بهذه العلة نفسها من زرعهما وثمارهما ولا فرق ؛ وليسقطا أيضا عنهما زكاة الفطر بهذه الحجة ، فإن قالوا : النص جاء بزكاة الفطر على الصغير ؟ قلنا : والنص جاء بها على العبد ، فأسقطتموها عن رقيق التجارة بآرائكم ، وهذا مما تركوا فيه القياس ، إذ لم يقيسوا زكاة الماشية والناض على زكاة الزرع ، والفطر أو فليوجبوها على المكاتب ؛ لوجوب الصلاة عليه ، ولا فرق - : وقد قال بعضهم : زكاة الزرع والثمرة حق واجب في الأرض ، يجب بأول خروجهما - : قال أبو محمد : وقد كذب هذا القائل ولا فرق بين وجوب حق الله تعالى في الزكاة في الذهب والفضة والمواشي من حين اكتسابها إلى تمام الحول وبين وجوبه في الزرع والثمار من حين ظهورها إلى حلول وقت الزكاة فيها ، والزكاة ساقطة بخروج كل ذلك عن يد مالكه قبل الحول ، وقبل حلول وقت الزكاة في الزرع والثمار . وإنما الحق على صاحب الأرض لا على الأرض ، ولا شريعة على أرض أصلا ، إنما هي على صاحب الأرض . قال الله تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } فظهر كذب هذا القائل وفساد قوله . وأيضا : فلو كانت الزكاة على الأرض لا على صاحب الأرض لوجب أخذها في مال الكافر من زرعه وثماره ، فظهر فساد قولهم وبالله تعالى التوفيق . ولا خلاف في وجوب الزكاة على النساء كهي على الرجال . وهم مقرون بأنها قد تكون أرضون كثيرة لا حق فيها من زكاة ولا من خراج كأرض مسلم جعلها قصبا وهي تغل المال الكثير ، أو تركها لم يجعل فيها شيئا ، وكأرض ذمي صالح على جزية رأسه فقط ؟ وقد قال سفيان الثوري ، والحسن البصري ، وأشهب ، والشافعي : إن الخراجي الكافر إذا ابتاع أرض عشر من مسلم فلا خراج فيها ولا عشر . وقد صح أن اليهود والنصارى والمجوس بالحجاز واليمن والبحرين كانت لهما أرضون في حياة النبي ﷺ ولا خلاف بين أحد من الأمة في أنه لم يجعل عليه السلام فيها عشرا ولا خراجا . فإن ذكروا قول رسول الله ﷺ { رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصبي حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق } ؟ قلنا : فأسقطوا عنهما بهذه الحجة زكاة الزرع والثمار ، وأروش الجنايات ، التي هي ساقطة بها بلا شك ، وليس في سقوط القلم سقوط حقوق الأموال ، وإنما فيه سقوط الملامة ، وسقوط فرائض الأبدان فقط ، وبالله تعالى التوفيق . فإن قالوا لا نية لمجنون ، ولا لمن لم يبلغ ، والفرائض لا تجزئ إلا بنية ؟ قلنا : نعم ، وإنما أمر بأخذها الإمام والمسلمون ، بقوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } فإذا أخذها من أمر بأخذها بنية أنها الصدقة أجزأت عن الغائب ، والمغمى عليه والمجنون والصغير ، ومن لا نية له ؟ والعجب أن المحفوظ عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم إيجاب الزكاة في مال اليتيم - : روينا من طريق أحمد بن حنبل : ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وأيوب السختياني ، ويحيى بن سعيد الأنصاري أنهم كلهم سمعوا القاسم بن أبي بكر الصديق يقول : كانت عائشة تزكي أموالنا ونحن أيتام في حجرها ؛ زاد يحيى : وإنه ليتجر بها في البحر . ومن طريق أحمد بن حنبل : ثنا وكيع ثنا القاسم بن الفضل هو الحداني عن معاوية بن قرة عن الحكم بن أبي العاص الثقفي قال قال لي عمر بن الخطاب : إن عندي مال يتيم قد كادت الصدقة أن تأتي عليه ومن طريق عبد الرزاق ومحمد بن بكر قالا : أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في الرجل يلي مال اليتيم ، قال : يعطي زكاته ومن طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عبيد الله بن أبي رافع قال : باع علي بن أبي طالب أرضا لنا بثمانين ألفا ، وكنا يتامى في حجره ؛ فلما قبضنا أموالنا نقصت . فقال : إني كنت أزكيه وعن ابن مسعود قال : احص ما في مال اليتيم من زكاة ، فإذا بلغ ، فإن آنست منه رشدا فأخبره ، فإن شاء زكى وإن شاء ترك ؟ وهو قول عطاء ، وجابر بن زيد ، وطاوس ، ومجاهد ، والزهري ، وغيرهم ، وما نعلم لمن ذكرنا مخالفا من الصحابة إلا رواية ضعيفة عن ابن عباس ؛ فيها ابن لهيعة وقد حدثنا حمام عن ابن مفرج عن ابن الأعرابي عن الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال يوسف بن ماهك قال رسول الله ﷺ { ابتغوا في مال اليتيم لا تأكله الزكاة } والحنفيون يقولون : المرسل كالمسند ، وقد خالفوا هاهنا المرسل وجمهور الصحابة رضي الله عنهم
639 - مسألة : ولا يجوز أخذ الزكاة من كافر ؟ قال أبو محمد : هي واجبة عليه ، وهو معذب على منعها ؛ إلا أنها لا تجزئ عنه إلا أن يسلم ، وكذلك الصلاة ولا فرق ، فإذا أسلم فقد تفضل عز وجل بإسقاط ما سلف عنه من كل ذلك . قال الله تعالى : { إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين } وقال عز وجل { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون } وقال تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } قال أبو محمد : ولا خلاف في كل هذا ، إلا في وجوب الشرائع على الكفار ، فإن طائفة عندت عن القرآن والسنن : خالفوا في ذلك
640 - مسألة : ولا تجب الزكاة إلا في ثمانية أصناف من الأموال فقط وهي : الذهب ، والفضة ، والقمح ، والشعير ، والتمر ، والإبل ، والبقر ، والغنم ضأنها وماعزها فقط . قال أبو محمد : لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في وجوب الزكاة في هذه الأنواع ، وفيها جاءت السنة ، على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ؛ واختلفوا في أشياء مما عداها .
=======
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 641)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641)
كتاب الزكاة
641 - مسألة : ولا زكاة في شيء من الثمار ، ولا من الزرع ، ولا في شيء من المعادن غير ما ذكرنا ؟ ولا في الخيل ، ولا في الرقيق ، ولا في العسل ، ولا في عروض التجارة ، لا على مدير ولا غيره ؟ قال أبو محمد : اختلف السلف في كثير مما ذكرنا ؛ فأوجب بعضهم الزكاة فيها ، ولم يوجبها بعضهم واتفقوا في أصناف سوى هذه أنه لا زكاة فيها . فمما اتفقوا على أنه لا زكاة فيه كل ما اكتسب للقنية لا للتجارة ، من جوهر ، وياقوت ، ووطاء ، وغطاء ، وثياب ، وآنية نحاس ؛ أو حديد ، أو رصاص ، أو قزدير ، وسلاح ، وخشب ، ودروع وضياع ، وبغال ، وصوف ، وحرير ؛ وغير ذلك كله لا تحاش شيئا . وقالت طائفة : كل ما عمل منه خبز أو عصيدة : ففيه الزكاة ؛ وما لم يؤكل إلا تفكها فلا زكاة فيه - وهو قول الشافعي . وقال مالك : الزكاة واجبة في القمح ، والشعير ، والسلت وهي كلها صنف واحد . قال : وفي العلس وهو صنف منفرد . وقال مرة أخرى : إنه يضم إلى القمح ، والشعير ، والسلت . قال : وفي الدخن ؛ وهو صنف منفرد ، وفي السمسم والأرز ، والذرة ، وكل صنف منها منفرد لا يضم إلى غيره . وفي الفول والحمص واللوبيا ، والعدس والجلبان والبسيل والترمس ؛ وسائر القطنية . وكل ما ذكرنا فهو صنف واحد يضم بعضه إلى بعض في الزكاة . قال : وأما في البيوع فكل صنف منها على حياله ، إلا الحمص ، واللوبيا ؛ فإنهما صنف واحد ؟ ومرة رأى الزكاة في حب العصفر ، ومرة لم يرها فيه ؟ وأوجب الزكاة في زيت الفجل . ولم ير الزكاة في زريعة الكتان ولا في زيتها ولا في الكتان ، ولا في الكرسنة . ولا في الخضر كلها ولا في اللفت . ورأى الزكاة في زيت الزيتون لا في حبه . ولم يرها في شيء من الثمار ، لا في تين ولا بلوط ، ولا قسطل ، ولا رمان ، ولا جوز الهند ، ولا جوز ، ولا لوز . ولا غير غير ذلك أصلا . وقال أبو حنيفة : الزكاة في كل ما أنبتت الأرض من حبوب أو ثمار أو نوار لا تحاش شيئا حتى الورد والسوسن وغير ذلك حاشا ثلاثة أشياء فقط ، وهي : الحطب ، والقصب ، والحشيش فلا زكاة فيها ؟ واختلف قوله في قصب الذريرة فمرة رأى فيها الزكاة ، ومرة لم يرها فيها . وقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : لا زكاة في الخضر كلها ، ولا في الفواكه ؟ وأوجبا الزكاة في الجوز ، واللوز ، والتين ، وحب الزيتون ، والجلوز والصنوبر ، والفستق ، والكمون ، والكرويا والخردل ، والعناب ، وحب البسباس . وفي الكتان ، وفي زريعته أيضا ، وفي حب العصفر ، وفي نواره ، وفي حب القنب لا في كتانه ، وفي الفوه إذا بلغ كل صنف مما ذكرنا خمسة أوسق ، وإلا فلا ؟ وأوجبا الزكاة في الزعفران ، وفي القطن ، والورس ؟ ثم اختلفا - : فقال أبو يوسف : إذا بلغ ما يصاب من أحد هذه الثلاثة ما يساوي خمسة أوسق من قمح ، أو شعير ، أو من ذرة ، أو من تمر ، أو من زبيب - أحد هذه الخمسة فقط ، لا من شيء غيرها - : ففيه الزكاة وإن نقص عن قيمة خمسة أوسق من أحد ما ذكرنا فلا زكاة فيه . وقال محمد بن الحسن : إن بلغ ما يرفع من الزعفران : خمسة أمنان وهي عشرة أرطال ففيه الزكاة ، وإلا فلا ، وكذلك الورس . وإن بلغ القطن خمسة أحمال وهي ثلاثة آلاف رطل فلفلية ففيه الزكاة ، وإلا فلا . واتفقا على أن حب العصفر إن بلغ خمسة أوسق زكي هو ونواره ، وإن نقص عن ذلك لم يزك لا حبه ولا نواره . واختلفا في الإجاص والبصل والثوم والحناء ، فمرة أوجبا فيها الزكاة ومرة أسقطاها ؟ وأسقطا الزكاة عن خيوط القنب ، وعن حب القطن ، وعن البلوط ، والقسطل ، والنبق والتفاح ، والكمثرى ، والمشمش ، والهليلج والقثاء ، واللفت ، والتوت ، والخروب ، والحرف والحلبة ، والشونيز والكراث . وقال أبو سليمان داود بن علي ، وجمهور أصحابنا : الزكاة في كل ما أنبتت الأرض ، وفي كل ثمرة ، وفي الحشيش وغير ذلك ، لا تحاش شيئا . قالوا : فما كان من ذلك يحتمل الكيل لم تجب فيه زكاة حتى يبلغ الصنف الواحد منه خمسة أوسق فصاعدا ، وما كان لا يحتمل ففي قليله وكثيره الزكاة . وروينا أيضا عن السلف الأول أقوالا ؟ - : فروي عن ابن عباس : أنه كان يأخذ الزكاة من الكراث . وعن ابن عمر : أنه رأى الزكاة في السلت ؟ وعن مجاهد ، وحماد بن أبي سليمان ، وعمر بن عبد العزيز ، وإبراهيم النخعي إيجاب الزكاة في كل ما أخرجت الأرض ، قل أو كثر ، وهو عن عمر بن عبد العزيز عن معمر عن سماك بن الفضل عنه . ورواه عن إبراهيم وكيع عن سفيان الثوري عن منصور عنه ، وأنه قال : في عشر دستجات بقل دستجة . ورواه عن حماد بن أبي سليمان شعبة وروينا عن الزهري وعمر بن عبد العزيز إيجاب الزكاة في الثمار عموما ، دون تخصيص بعضها من بعض . وعن الزهري إيجاب الزكاة في التوابل والزعفران : عشر ما يصاب منها . وعن أبي بردة بن أبي موسى إيجاب الزكاة في البقول . قال أبو محمد : أما ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه من إيجاب الزكاة في السلت فإنه قدر أنه نوع من القمح ، وليس كذلك ، وإن كان القمح يستحيل في بعض الأرضين سلتا ؛ فإن اسمهما عند العرب مختلف ، وحدهما في المشاهدة مختلف ، فهما صنفان بلا شك وقد يستحيل العصير خمرا ، ويستحيل الخمر خلا ، وهي أصناف مختلفة بلا خلاف ؛ ولم يأت قط برهان من نص ولا من إجماع ولا من معقول على أن ما استحال إلى شيء آخر ؛ فهما نوع واحد ؛ ولكن إذا اختلفت الأسماء لم يجز أن يوقع حكم ورد في اسم صنف ما على ما لا يقع عليه ذلك الاسم ، لقول الله تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . ولو كان ذلك لوجب أن يوقع على غير السارق حكم السارق ، وعلى غير الغنم حكم الغنم . وهكذا في كل شيء وروينا في ذلك أثرا لا يصح ، من طريق ابن لهيعة ، وهو ساقط ، عن عمارة بن غزية وهو ضعيف عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم { إن هذا كتاب رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم : في النخل والزرع قمحه وسلته وشعيره فيما سقي من ذلك بالرشاء نصف العشر } . وذكر الحديث . وهذه صحيفة لا تسند ، وقد خالف خصومنا أكثر ما في هذه الصحيفة . وأما قول الشافعي ، فإنه حد حدا فاسدا لا برهان على صحته ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من إجماع ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس وما نعلم أحدا قاله قبله ؛ وما كان هكذا فهو ساقط لا يحل القول به . والعجب أنه قاس على البر ، والشعير كل ما يعمل منه خبز أو عصيدة ، ولم يقس على التمر والزبيب كل ما يتقوت من الثمار ، فإن البلوط والتين والقسطل وجوز الهند أقوى وأشهر في التقوت من الزبيب بلا شك ؛ فما علمنا بلدا يكون قوت أهله الزبيب صرفا ، ونعلم بلادا ليس قوتها إلا القسطل ، وجوز الهند والتين صرفا ؛ وكذلك البلوط ، وقد يعمل منه الخبز والعصيدة ؛ فظهر فساد هذا القول . وأما قول مالك فأشد وأبين في الفساد ؛ لأنه إن كانت علته التقوت فإن القسطل ، والبلوط ، والتين ، وجوز الهند ، واللفت ، بلا شك أقوى في التقوت من الزيت ومن الزيتون ومن الحمص ومن العدس ومن اللوبياء . والعجب كله إيجابه الزكاة في زيت الفجل . وهو لا يؤكل ، وإنما هو للوقيد خاصة ؛ ولا يعرف إلا بأرض مصر فقط . وأخبرني ثقة في نقله وتمييزه أن المسمى بمصر فجلا يعمل منه الزيت الذي رأى مالك فيه الزكاة ، هو النبات المسمى عندنا بالأندلس " اللبشتر " وهو نبات صحراوي لا يغترس أصلا . ولم ير الزكاة في زيت زريعة الكتان ، ولا في زيت السمسم ، وزيت الجوز ، وزيت الهركان ، وزيت الزنبوج وزيت الضرو وهذه تؤكل ويوقد بها ، وهي زيوت خراسان ، والعراق ، وأرض المصامدة ، وصقلية ؟ ولا متعلق لقوله في قرآن ، ولا في سنة صحيحة ولا في رواية سقيمة ، ولا من دليل إجماع ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ، ولا من عمل أهل المدينة ، لأن أكثر ما رأى فيه الزكاة ليس يعرف بالمدينة ؟ وما نعرف هذا القول عن أحد قبله : فظهر فساد هذا القول جملة - وبالله تعالى التوفيق . والعجب كل العجب أن مالكا والشافعي قالا نصا عنهما : إن قول الله تعالى : { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } إنما أراد به الزكاة الواجبة . قال أبو محمد : فكيف تكون هذه الآية أنزلها الله تعالى في الزكاة عندهما ، ثم يسقطان الزكاة عن أكثر ما ذكر الله تعالى فيها باسمه من الرمان ، وسائر ما يكون في الجنات ، وهذا عجب لا نظير له . واحتج بعضهم بأنه إنما أوجب الله تعالى الزكاة فيها فيما يحصد . فقيل للمالكيين : فمن أين أوجبتم الزكاة في الزيتون ، وهو عندكم لا يحصد . ويقال للشافعيين : من لكم بأن الحصاد لا يطلق على غير الزرع . والله تعالى ذكر منازل الكفار فقال : { منها قائم وحصيد } . { قال رسول الله ﷺ يوم الفتح : احصدوهم حصدا } . وأما قول أبي يوسف ، ومحمد : فأسقط هذه الأقوال كلها وأشدها تناقضا ؛ لأنهما لم يلتزما التحديد بما يتقوت ، ولا بما يكال ، ولا بما يؤكل ولا بما ييبس ، ولا بما يدخر ، وأتيا بأقوال في غاية الفساد . فأوجبا الزكاة في الجوز واللوز ، والجلوز ، والصنوبر . وأسقطاها عن البلوط ، والقسطل ، واللفت . وأوجباها في البسباس ، وأسقطاها عن الشونيز ، وهما أخوان . وأوجباها - في بعض الأقوال - في الثوم والبصل ، وأسقطاها عن الكراث . وأوجباها في خيوط الكتان وحبه . وأوجباها في حب العصفر ونواره . وأوجباها في خيوط القطن دون حبه . وأوجباها في خيوط القنب ، وأسقطاها عن خيوطه . وأوجباها في الخردل ، وأسقطاها عن الحرف . وأوجباها في العناب ، وأسقطاها عن النبق وهما أخوان . وأوجباها في الرمان ، وأسقطاها عن التفاح والسفرجل وهي سواء . فإن قيل : الرمان مذكور في الآية . قيل : والزرع مذكور في الآية . وقد أسقطا الزكاة عن أكثر ما يزرع . وهذه وساوس تشبه ما يأتي به الممرور . وما لهما متعلق لا من قرآن ولا من سنة ، ولا من رواية ضعيفة ، ولا من قول صاحب ، ولا قياس ولا رأي سديد ، وما نعلم أحدا قال بذلك قبلهما ، فسقط هذا القول الفاسد أيضا جملة . وأما قول أبي حنيفة : فلا متعلق له بالقرآن ، ولا بقول رسول الله ﷺ { فيما سقت السماء العشر } لأنه قد أخرج من جملة ذلك القصب ، والحشيش وورق الثمار كلها ، وهذا تخصيص لما احتج به ، بلا برهان من نص ولا من إجماع ، ولا من قياس ولا من رأي له وجه يعقل ، مع خلافه للسنة . فخرج أيضا هذا القول عن الجواز وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : فلم يبق إلا قول أصحابنا وقولنا ، فنظرنا في ذلك ، فوجدنا أصحابنا يحتجون بالآية المذكورة وبالثابت عن رسول الله ﷺ من قوله { فيما سقت السماء العشر } لا حجة لهم غير هذين النصين . فوجدنا الآية لا متعلق لهم بها لوجوه - : أحدها : أن السورة مكية ، والزكاة مدنية ، بلا خلاف من أحد من العلماء ؛ فبطل أن تكون أنزلت في الزكاة . وقال بعض المخالفين : نعم هي مكية ؛ إلا هذه الآية وحدها ، فإنها مدنية . قال أبو محمد : هذه دعوى بلا برهان على صحتها ، وتخصيص بلا دليل ، ثم لو صح لما كانت لهم في ذلك حجة . لأن قائل هذا القول زعم أنها أنزلت في شأن ثابت بن قيس بن الشماس رضي الله عنه ؛ إذ جذ ثمرته فتصدق منها حتى لم يبق له منها شيء . فبطل أن يكون أريد بها الزكاة . والثاني : قوله تعالى فيها : { وآتوا حقه يوم حصاده } . ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن الزكاة لا يجوز إيتاؤها يوم الحصاد ؛ لكن في الزرع بعد الحصاد ، والدرس والذرو والكيل ، وفي الثمار بعد اليبس والتصفية والكيل . فبطل أن يكون ذلك الحق المأمور به هو الزكاة التي لا تجب إلا بعدما ذكرنا . والثالث : قوله تعالى في الآية نفسها : { ولا تسرفوا } ولا سرف في الزكاة لأنها محدودة ، ولا يحل أن ينقص منها حبة ولا تزاد أخرى . فإن قيل : فما هذا الحق المفترض في الآية . قلنا : نعم ، هو حق غير الزكاة ، وهو أن يعطي الحاصد حين الحصد ما طابت به نفسه ولا بد ، لا حد في ذلك ، هذا ظاهر الآية . وهو قول طائفة من السلف ، كما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا إبراهيم بن حماد ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث هو ابن عبد الملك - عن محمد بن سيرين ، وعن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : كانوا يعطون من اعتر بهم شيئا سوى الصدقة . وبه إلى إسماعيل بن إسحاق قال : ثنا محمد بن أبي بكر هو المقدمي . ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : يعطي نحوا من الضغث . ومن طريق جرير عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : إذا حصدت وحضرك المساكين : طرحت لهم منه . وإذا طيبت : طرحت لهم منه . وإذا نقيته وأخذت في كيله : حثوت لهم منه . وإذا علمت كيله : عزلت زكاته . وإذا أخذت في جداد النخل طرحت لهم من التفاريق والتمر وإذا أخذت في كيله : حثوت لهم منه . وإذا علمت كيله : عزلت زكاته . وعن مجاهد أيضا : هذا واجب حين يصرم . وعن أبي العالية في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } وقال : كانوا يعطون شيئا غير الصدقة . وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : يمر به الضعيف والمسكين فيعطيه حتى يعلم ما يكون . وعن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده { وآتوا حقه يوم حصاده } . قال : بعد الذي يجب عليه من الصدقة ، يعطي الضغث والشيء . وعن الربيع بن أنس : { وآتوا حقه يوم حصاده } . قال : لقاط السنبل . وعن عطاء في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : شيء يسير سوى الزكاة المفروضة . ولا يصح عن ابن عباس أنها نزلت في الزكاة ؛ لأنه من رواية الحجاج بن أرطاة ، وهو ساقط ؛ ومن طريق مقسم ، وهو ضعيف . ومن ادعى أنه نسخ لم يصدق إلا بنص متصل إلى رسول الله ﷺ وإلا فما يعجز أحد عن أن يدعي في أي آية شاء ، وفي أي حديث شاء : أنه منسوخ . ودعوى النسخ إسقاط لطاعة الله تعالى فيما أمر به من ذلك النص ؛ وهذا لا يجوز إلا بنص مسند صحيح .
============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 641) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641)
كتاب الزكاة
وأما قول رسول الله ﷺ : { فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح أو دالية نصف العشر } فهو خبر صحيح ؛ لو لم يأت ما يخصه لم يجز خلافه لأحد . لكن وجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف وأحمد بن محمد الطلمنكي ، قال عبد الله : ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وعمرو الناقد ، وزهير بن حرب ، قالوا كلهم : ثنا وكيع : وقال الطلمنكي : ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا أحمد بن الوليد العدني ثنا يحيى بن آدم - : ثم اتفق وكيع ، ويحيى ، كلاهما عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ { ليس فيما دون خمسة أوساق تمر ولا حب صدقة } . قال وكيع في روايته " من تمر " واتفقا فيما عدا ذلك . قال أبو محمد : وهذا إسناد في غاية الصحة ، فنفى رسول الله ﷺ الصدقة عن كل ما دون خمسة أوساق من حب أو تمر . ولفظة " دون " في اللغة العربية تقع على معنيين وقوعا مستويا ، ليس أحدهما أولى من الآخر ، وهما بمعنى : أقل ، وبمعنى : غير ، قال عز وجل : { ألا تتخذوا من دوني وكيلا } أي من غيري . وقال عز وجل : { وآخرين من دونهم لا تعلمونهم } أي من غيرهم . وحيثما وقعت لفظة " دون " في القرآن فهي بمعنى : غير ؛ فلا يجوز لأحد أن يقتصر بلفظة " دون " في هذا الخبر على معنى : أقل دون معنى : غير ونحن إذا حملنا " دون " هاهنا على معنى : غير دخل فيه : أقل ؛ وتخصيص اللفظ بلا برهان من نص لا يحل . فصح يقينا أنه لا زكاة في غير خمسة أوسق من حب أو تمر ، ووجبت الزكاة فيما زاد على خمسة أوسق بنص قول رسول الله ﷺ وبالإجماع المتيقن على ذلك . وكذلك في الإبل ، والبقر والغنم والذهب والفضة ، وبالإجماع المتيقن والنص أيضا . وسقطت الزكاة عما عدا ذلك مما اختلف فيه ولا نص فيه ، بنفي النبي ﷺ الزكاة عن كل ما هو غير خمسة أوسق من حب أو تمر ثم وجب أن ننظر ما يقع عليه اسم " حب " في اللغة التي بها خاطبنا رسول الله ﷺ - : فوجدنا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي عن عطاء بن السائب عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : { حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا } قال ابن عباس : الحب : البر ، والقضب : الفصفصة ، فاقتصر ابن عباس - وهو الحجة في اللغة - بالحب على البر . وذكر أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري اللغوي في كتابه في النبات في باب ترجمته " باب الزرع والحرث وأسماء الحب والقطاني وأوصافها " فقال - : قال أبو عمرو وهو الشيباني - جميع بزور النبات يقال لها " الحبة " بكسر الحاء . قال أبو محمد كما صح عن رسول الله ﷺ من قوله : { فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل } : قال أبو حنيفة الدينوري في الباب المذكور : وقال الكسائي : واحد الحبة : حبة ، بفتح الحاء ؛ فأما الحب فليس إلا الحنطة ، والشعير ، واحدها حبة ، بفتح الحاء ؛ وإنما افترقتا في الجمع . ثم ذكر أبو حنيفة بعد هذا الفصل - إثر كلام ذكره لأبي نصر صاحب الأصمعي كلاما نصه : وكذلك غيره من الحبوب كالأرز ، والدخن ، قال علي : فهذه ثلاثة جموع - : الحب للحنطة ، والشعير خاصة ، والحبة - بكسر الحاء وزيادة الهاء في آخرها - لكل ما عداهما من البزور خاصة ، والحبوب للحنطة والشعير وسائر البزور . والكسائي إمام في اللغة ، وفي الدين ، والعدالة . فإذ قد صح أن الحب لا يقع إلا على الحنطة والشعير في لغة العرب ، وقال رسول الله ﷺ نصا بنفي الزكاة عن غيرهما وغير التمر - : فلا زكاة في شيء من النبات غيرهما وغير التمر . وقد روى من لا يوثق به ، عمن لا يوثق به ، ولا يدرى من هو ، عمن لا يوثق به إيجاب الزكاة في الحبوب - وهو عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن الطلحي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو أيضا منقطع . قال أبو محمد : وقال قوم من السلف بمثل هذا ، وزادوا إلى هذه الثلاثة : الزبيب . كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن عمرو بن عثمان ، وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله - : قال عمرو عن موسى بن طلحة بن عبيد الله : { أن معاذا لما قدم اليمن لم يأخذ الصدقة إلا من الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب } . وقال طلحة بن يحيى عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أنه لم يأخذها إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب . حدثنا أحمد بن محمد الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا حجاج هو ابن محمد الأعور - عن ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر في صدقة الثمار والزرع ، قال : ما كان من نخل ، أو عنب ، أو حنطة ، أو شعير . وبه إلى أبي عبيد : ثنا يزيد عن هشام هو ابن حسان - عن الحسن البصري : أنه كان لا يرى العشر إلا في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . قال أبو عبيد : وقال يحيى بن سعيد هو القطان - عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن ، ومحمد بن سيرين أنهما قالا : الصدقة في تسعة أشياء - : الذهب ، والورق ، والإبل ، والبقر ، والغنم ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . قال أبو عبيد : وهو قول ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري . حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حميد بن عبد الرحمن عن الحسن هو ابن حي - عن مطرف - قال قال لي الحكم بن عتيبة وقد سألته عن الأقطان ، والسماسم : أفيها صدقة . قال : ما حفظنا عن أصحابنا أنهم كانوا يقولون : ليس في شيء من هذا شيء ، إلا في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . قال أبو محمد : الحكم أدرك كبار التابعين وبعض الصحابة . وبه إلى أبي بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله قال : سأل عبد الحميد موسى بن طلحة بن عبيد الله عن الصدقة . فقال موسى : إنما الصدقة في : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . وبه إلى أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال : قال لي عطاء ، وعمرو بن دينار : لا صدقة إلا في نخل ، أو عنب ، أو حب . وقد روي نحو هذا عن علي بن أبي طالب - : قال أبو محمد : وهو قول الحسن بن حي ، وعبد الله بن المبارك ، وأبي عبيد وغيرهم . قال أبو محمد : وادعى من ذهب إلى هذا أن إيجاب الزكاة في الزبيب إجماع ، وذكر آثارا ليس منها شيء يصح . أحدها - من طريق موسى بن طلحة : عندنا { كتاب معاذ عن النبي ﷺ أنه إنما أخذ الصدقة من : التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير } . قال أبو محمد : هذا منقطع ، لأن موسى بن طلحة لم يدرك معاذا بعقله . وآخر - من طريق محمد بن أبي ليلى ، وهو سيئ الحفظ ، عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وهي صحيفة ، عن النبي ﷺ { العشر في : التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير } . وخصومنا يخالفون كثيرا من صحيفة عمرو بن شعيب ، ولا يرونه حجة . وآخر - من طريق عبد الرحمن بن إسحاق ، وعبد الله بن نافع ، وكلاهما في غاية الضعف . ومن طريق محمد بن مسلم الطائفي ، وهو في غاية الضعف . ومن طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن أسد بن موسى - وهو منكر الحديث ، عن نصر بن طريف وهو أبو جزء ، وهو ساقط ألبتة ؛ كلهم يذكر عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أنه أمر بخرص العنب . وسعيد لم يولد إلا بعد موت عتاب بسنتين . وعتاب لم يوله النبي ﷺ إلا مكة ولا زرع بها ، ولا عنب . فسقط كل ما شغبوا به ، ولو صح شيء من هذه الآثار لأخذنا به ، ولما حل لنا خلافه ، كما لا يحل الأخذ في دين الله تعالى بخبر لا يصح . وأما دعوى الإجماع فباطل - : كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم بن عتيبة عن شريح قال : تؤخذ الصدقة من : الحنطة ، والشعير ، والتمر كان لا يرى في العنب صدقة . وبه إلى أبي عبيد : ثنا هشيم عن الأجلح عن الشعبي قال : الصدقة في : البر ، والشعير ، والتمر . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار بندار ثنا غندر ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة قال : ليس في الخيل زكاة ؛ ولا في الإبل العوامل زكاة ؛ وليس في الزبيب : شيء . فهؤلاء : شريح ، والشعبي ، والحكم بن عتيبة ، لا يرون في الزبيب زكاة . قال أبو محمد : وليس إلا قول من قال بإيجاب الزكاة في كل ما أنبتته الأرض ؛ على عموم الخبر الثابت { فيما سقت السماء العشر } أو قولنا ، وهو لا زكاة إلا فيما أوجبها فيه رسول الله ﷺ باسمه ، على ما صح عنه عليه السلام من أنه قال : { ليس فيما دون خمسة أوسق من حب ولا تمر صدقة } . وأما من أسقط من ذلك الخبر ما يقتضيه عمومه ، وزاد في هذا الخبر ما ليس فيه - : فلم يتعلقوا بقرآن ولا بسنة صحيحة ، ولا برواية ضعيفة ، ولا بقول صاحب لا مخالف له منهم ، ولا بقياس ولا بتعليل مطرد ؛ بل خالفوا كل ذلك ؛ لأنهم إن راعوا القوت ، فقد أسقطوا الزكاة عن كثير من الأقوات : كالتين ، والقسطل ، واللبن ، وغير ذلك ، وأوجبوه فيما ليس قوتا : كالزيت والحمص ، وغير ذلك مما لا يتقوت إلا لضرورة مجاعة . وإن راعوا الأكل فقد أسقطوها عن كثير مما يؤكل ، وأوجبها بعضهم فيما لا يؤكل : كزيت الفجل والقطن ، وغير ذلك . وإن راعوا ما يوسق ، فقد أسقطوها عن كثير مما يوسق . ثم أيضا - لو راعوا شيئا من هذه المعاني وطردوا أصلهم لكانوا قائلين بلا برهان ؛ لكن بدعوى فاسدة وظن كاذب ، والله تعالى يقول : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } . وقال رسول الله ﷺ : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } . فإن لم يبق إلا أحد هذين القولين المذكورين ؛ فإن قول من أوجب الزكاة في كل ما أنبتت الأرض حرج شديد ، وشق الأنفس ، وعسر لا يطاق . والأخذ بذلك الخبر تكليف ما ليس في الوسع ، وممتنع لا يمكن ألبتة ؛ لأنه يوجب أن لا ينبت في دار أحد ، أو في قطعة أرض له : عشب ، ولو أنه ورقة واحدة ، أو نرجسة ، أو فول ، أو غصن حرف أو بهارة أو تينة واحدة إلا وجب عليه عشر كل ذلك ، أو نصف عشره . وكذلك ورق الشجر والتبن ، حتى تبن الفول ، وقصب الكتان ؛ نعم . وأصول الشجر نفسها ؛ لأن كل ذلك مما يسقيه الماء ؛ وهذا ما لا يمكن ألبتة . وقد قال تعالى : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } وقال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وامتن تعالى علينا إذ أجابنا في دعائنا الذي أمرنا تعالى أن ندعو به فنقول { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } وقال رسول الله ﷺ { يسروا ولا تعسروا } . فإن قيل : يفعل في ذلك ما يفعل الشريكان فيه . قلنا : هذا لا يجوز ؛ لأن بيع أحد الشريكين من صاحبه مباح ، وتحليله له جائز ، ولا يجوز بيع الصدقة قبل قبضها ، ولا التحليل منها أصلا . فصح يقينا أن ذلك الخبر ليس على عمومه ؛ فإذ ذلك كذلك فلا ندري ما يخرج منه إلا ببيان نص آخر . فصح أن لا زكاة إلا فيما أوجبه بيان نص غير ذلك النص ، أو إجماع متيقن ، ولا نص ولا إجماع إلا في البر والشعير والتمر فقط . ومن تعدى هذا فإنما يشرع برأيه ، ويخصص الأثر بظنه الكاذب - وهذا حرام - وبالله تعالى التوفيق . وأما المعادن : فإن الأمة مجمعة بلا خلاف من أحد على أن الصفر ، والحديد ، والرصاص ، والقزدير : لا زكاة في أعيانها ، وإن كثرت . ثم اختلفوا إذا مزج شيء منها في : الدنانير ، والدراهم ، والحلي . فقالت طائفة : تزكى تلك الدنانير ، والدراهم : بوزنها . قال أبو محمد : وهذا خطأ فاحش ؛ لأن رسول الله ﷺ أسقط الزكاة نصا فيما دون خمس أواق من الورق ، وفيما دون مقدارها من الذهب ، ولم يوجب - بلا خلاف - زكاة في شيء من أعيان المعادن المذكورة ، فمن أوجب الزكاة في الدنانير ، والدراهم الممزوجة بالنحاس ، أو الحديد ، أو الرصاص ، أو القزدير ؛ فقد خالف رسول الله ﷺ مرتين - : إحداهما - في إيجابه الزكاة في أقل من خمس أواق من الرقة . والثانية - في إيجابه الزكاة في أعيان المعادن المذكورة . وأيضا : فإنهم تناقضوا إذ أوجبوا الزكاة في : الصفر ، والرصاص ، والقزدير ، والحديد ، إذا مزج شيء منها بفضة ، أو ذهب ، وأسقطوا الزكاة عنها إذا كانت صرفا وهذا تحكم لا يحل . وأيضا : فنسألهم عن شيء من هذه المعادن مزج بفضة ، أو ذهب ، فكان الممزوج منها أكثر من الذهب ، ومن الفضة . ثم لا نزال نزيدهم إلى أن نسألهم عن مائتي درهم في كل درهم فلس فضة فقط وسائرها نحاس . فإن جعلوا فيها الزكاة أفحشوا جدا ، وإن أسقطوها سألناهم عن الحد الذي يوجبون فيه الزكاة والذي يسقطونها فيه . فإن حدوا في ذلك حدا زادوا في التحكم بالباطل ، وإن لم يحدوا حدا كانوا قد خلطوا ما يحرمون بما يحلون ؛ ولم يبينوا لأنفسهم ولا لمن اتبعهم الحرام فيجتنبوه ، من الحلال فيأتوه . قال أبو محمد : والحق من هذا ، هو أن الأسماء في اللغة والديانة واقعة على المسميات بصفات محمولة فيها ؛ فللفضة صفاتها التي إذا وجدت في شيء سمي ذلك الشيء فضة ؛ وكذلك القول في اسم الذهب واسم النحاس واسم كل مسمى في العالم . وأحكام الديانة إنما جاءت على الأسماء ؛ فللفضة حكمها ، وللذهب حكمه ، وكذلك كل اسم في العالم . فإذا سقط الاسم الذي عليه جاء النص بالحكم سقط ذلك الحكم ، وانتقل المسمى إلى الحكم الذي جاء في النص على الاسم الذي وقع عليه ؛ كالعصير والخمر ، والخل ، والماء ، والدم ، واللبن ، واللحم ، والآنية ، والدنانير ، وكل ما في العالم . فإن كان المزج في الفضة أو الذهب لا يغير صفاتهما التي ما دامت فيها سميا فضة ؛ وذهبا فهي فضة وذهب ؛ فالزكاة فيهما . وإن كان المزج في الفضة ، أو الذهب قد غير صفاتهما - وسقط عن الدنانير والدراهم اسم فضة واسم ذهب لظهور المزج فيهما - فهو حينئذ : فضة مع ذهب ؛ أو فضة مع نحاس ، فالواجب أن في مقدار الفضة التي في تلك الدراهم تجب الزكاة فيها خاصة ، ولا زكاة في النحاس الظاهر فيها أثره - وكذلك القول في الذهب مع ما مزج به . فإن كان في الدنانير ذهب تجب في مقداره الزكاة ، وفضة لا تجب فيها الزكاة ؛ فالزكاة فيما فيها من الذهب دون ما فيها من الفضة . وإن كان ما فيها من الفضة تجب فيه الزكاة ، وما فيها من الذهب لا تجب فيه الزكاة ؛ فالزكاة فيما فيها من الفضة دون ما فيها من الذهب . وإن كان فيها من الفضة ومن الذهب ما تجب في كل واحد منهما الزكاة ، زكي كل واحد منهما كحكمه ولو كان منفردا . وإن كان ما فيهما من الذهب ومن الفضة لا تجب فيه الزكاة لو انفرد ، فلا زكاة هناك أصلا . فإن زاد المزج حتى لا يكون للفضة ولا للذهب هناك صفة فليس في تلك الأعيان فضة أصلا ولا ذهب ؛ فلا زكاة فيها أصلا ، اتباعا للنص - وبالله تعالى التوفيق .
============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641)
كتاب الزكاة
وأما الخيل ، والرقيق - فقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس بن مالك : أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من الرأس عشرة ومن الفرس عشرة ، ومن البراذين خمسة - يعني رأس الرقيق وعشرة دراهم ، وخمسة دراهم . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو هو ابن دينار - قال : إن حي بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى بن أمية يقول : ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلى بن أمية فرسا أنثى بمائة قلوص ؛ فندم البائع ، فلحق بعمر ، فقال : غصبني يعلى وأخوه فرسا لي . فكتب عمر إلى يعلى : أن الحق بي فأتاه فأخبره الخبر ؛ فقال عمر : إن الخيل لتبلغ عندكم هذا ؟ فقال يعلى : ما علمت فرسا بلغ هذا قبل هذا . فقال عمر : فنأخذ من أربعين شاة شاة ولا نأخذ من الخيل شيئا خذ من كل فرس دينارا قال : قال : فضرب على الخيل دينارا دينارا . حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن أبي حسين أن ابن شهاب أخبره أن السائب ابن أخت نمر أخبره أنه كان يأتي عمر بن الخطاب بصدقات الخيل ، قال ابن شهاب : وكان عثمان بن عفان يصدق الخيل . ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري : أن مروان بعث إلى أبي سعيد الخدري : أن ابعث إلي بزكاة رقيقك . فقال للرسول : إن مروان لا يعلم إنما علينا أن نطعم عن كل رأس عند كل فطر صاع تمر أو نصف صاع بر ؛ ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن حماد بن أبي سليمان قال : وفي الخيل الزكاة . فذهب أبو حنيفة ومن قلده إلى أن في الخيل الزكاة - واحتجوا بهذه الآثار ، وبقول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } . وقالوا : والخيل أموال ؛ فالصدقة فيها بنص القرآن . وبقول رسول الله ﷺ الثابت عنه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي ﷺ { الخيل لرجل أجر ، ولرجل ستر } فذكر الحديث ، وفيه { ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ولم ينس حق الله في رقابها ، ولا ظهورها ، فهي له ستر } . قال أبو محمد : هذا ما موه به الحنفيون من الاحتجاج بالقرآن والسنة وفعل الصحابة ؛ وهم مخالفون لكل ذلك - : أما الآية فليس فيها أن كل صنف من أصناف الأموال صدقة ، وإنما فيها { خذ من أموالهم } فلو لم يرد إلا هذا النص وحده لأجزأ فلس واحد عن جميع أموال المسلم ؛ لأنه صدقة أخذت من أمواله . ثم لو كان في الآية أن في كل صنف من أصناف الأموال صدقة وليس ذلك فيها لا بنص ولا بدليل لما كانت لهم فيها حجة ؛ لأنه ليس فيها مقدار المال المأخوذ ، ولا مقدار المال المأخوذ منه ، ولا متى تؤخذ تلك الصدقة . ومثل هذا لا يجوز العمل فيه بقول أحد دون رسول الله ﷺ المأمور بالبيان ، قال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وأما الحديث فليس فيه إلا أن لله تعالى حقا في رقابها وظهورها ، غير معين ولا مبين المقدار ؛ ولا مدخل للزكاة في ظهور الخيل بإجماع منا ومنهم . فصح أن هذا الحق إنما هو على ظاهر الحديث ، وهو حمل على ما طابت نفسه منها في سبيل الله تعالى ، وعارية ظهورها للمضطر . وأما فعل عمر وعثمان رضي الله عنهما فقد خالفوهما ، وذلك أن قول أبي حنيفة : إنه لا زكاة في الخيل الذكور ولو كثرت وبلغت ألف فرس فإن كانت إناثا ، أو إناثا وذكورا ، سائمة غير معلوفة فحينئذ تجب فيها الزكاة ، وصفة تلك الزكاة أن صاحب الخيل مخير ، إن شاء أعطى عن كل فرس منها دينارا أو عشرة دراهم ؛ وإن شاء قومها فأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم . قال أبو محمد : وهذا خلاف فعل عمر . وأيضا فقد خالفوا فعل عمر في أخذه الزكاة من الرقيق عشرة دراهم من كل رأس ، فكيف يجوز لذي عقل ودين أن يجعل بعض فعل عمر حجة وبعضه ليس بحجة . وخالفوا عليا في إسقاط زكاة الخيل جملة ، وأتوا بقول في صفة زكاتها لا نعلم أحدا قاله قبلهم ؛ فظهر فساد قولهم جملة . وذهب جمهور الناس إلى أن لا زكاة في الخيل أصلا . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج عن ابن الأعرابي عن الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق . وقد صح أن عمر إنما أخذها على أنها صدقة تطوع منهم لا واجبة . حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن ابن أبي خالد عن شبيل بن عوف وكان قد أدرك الجاهلية قال : أمر عمر بن الخطاب الناس بالصدقة ؛ فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، خيل لنا ورقيق افرض علينا عشرة عشرة . فقال عمر : أما أنا فلا أفرض ذلك عليكم . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قرأت على أبي عن يحيى بن سعيد القطان عن زهير هو ابن معاوية - ثنا أبو إسحاق هو السبيعي - عن حارثة هو ابن مضرب - قال : { حججت مع عمر بن الخطاب فأتاه أشراف أهل الشام فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا أصبنا رقيقا ودوابا فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا وتكون لنا زكاة . فقال : هذا شيء لم يفعله اللذان كانا قبلي } . قال أبو محمد : هذه أسانيد في غاية الصحة ، والإسناد فيه أن رسول الله ﷺ لم يأخذ من الخيل صدقة ؛ ولا أبو بكر بعده ؛ وأن عمر لم يفرض ذلك . وأن عليا بعده لم يأخذها . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان ثنا أبو أسامة هو حماد بن أسامة - ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله ﷺ { قد عفوت عن الخيل ، فأدوا صدقة أموالكم من كل مائتين خمسة } . وقد صح عن رسول الله ﷺ : { ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } . والفرس والعبد اسم للجنس كله ، ولو كان في شيء من ذلك صدقة لما أغفل عليه السلام بيان مقدارها ومقدار ما تؤخذ منه ، وبالله تعالى التوفيق . وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، ومكحول ، والشعبي ، والحسن ، والحكم بن عتيبة ، وهو فعل أبي بكر ، وعمر ، وعلي كما ذكرنا ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأصحابنا . وأما الحمير فما نعلم أحدا أوجب فيها الزكاة ، إلا شيئا حدثناه حمام قال : ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم النخعي ، قال منصور : سألته عن الحمير أفيها زكاة . فقال إبراهيم : أما أنا فأشبهها بالبقر ؛ ولا نعلم فيها شيئا . قال أبو محمد : كل ما لم يأمر النبي ﷺ فيه بزكاة محدودة موصوفة فلا زكاة فيه . ولقد كان يجب على من رأى الزكاة في الخيل بعموم قول الله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } أن يأخذها من الحمير ، لأنها أموال ، وكان يلزم من قاس الصداق على ما تقطع فيه اليد أن يقيسها على الإبل ، والبقر ، لأنها ذات أربع مثلها ، وإن افترقت في غير ذلك ، فكذلك الصداق يخالف السرقة في أكثر من ذلك .
وأما العسل : فإن مالكا والشافعي وأبا سليمان ، وأصحابهم : لم يروا فيه زكاة . وقال أبو حنيفة : إن كان النحل في أرض العشر ففيه الزكاة ، وهو عشر ما أصيب منه - قل أو كثر - وإن كان في أرض خراج فلا زكاة فيه - قل أو كثر . ورأى في المواشي الزكاة ، سواء كانت في أرض عشر أو في أرض خراج . وقال أبو يوسف : إذ بلغ العسل عشرة أرطال ففيه رطل واحد ؛ وهكذا ما زاد ففيه العشر ، والرطل هو الفلفلي . وقال محمد بن الحسن : إذا بلغ العسل خمسة أفراق ففيه العشر ، وإلا فلا - والفرق : ستة وثلاثون رطلا فلفلية ، والخمسة الأفراق : مائة رطل وثمانون رطلا فلفلية ؛ قال : والسكر كذلك . قال أبو محمد : أما مناقضة أبي حنيفة وإيجابه الزكاة في العسل ولو أنه قطرة إذا لم يكن في أرض الخراج فظاهرة لا خفاء بها . وأما تحديد صاحبيه ففي غاية الفساد والخبط والتخليط . وهو إلى الهزل أقرب منه إلى الجد . لكن في العسل خلاف قديم - : كما روينا من طريق عطاء الخراساني أن عمر بن الخطاب قال لأهل اليمن في العسل : إن عليكم في كل عشرة أفراق فرقا . ومن طريق الحارث بن عبد الرحمن عن منير بن عبد الله عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب وكانت له صحبة أنه أخذ عشر العسل من قومه وأتى به عمر ؛ فجعله عمر في صدقات المسلمين ؛ قال : { وقدمت على رسول الله ﷺ فأسلمت واستعملني على قومي ، واستعملني أبو بكر بعده ، ثم استعملني عمر من بعده فقلت لقومي : في العسل زكاة ، فإنه لا خير في مال لا يزكى فقالوا : كم ترى . فقلت : العشر ، فأخذته وأتيت به عمر } . ومن طريق نعيم بن حماد عن بقية عن محمد بن الوليد الزبيدي عن عمرو بن شعيب عن هلال بن مرة : أن عمر بن الخطاب قال في عشور العسل : ما كان منه في السهل ففيه العشر ، وما كان منه في الجبل ففيه نصف العشر . وصح عن مكحول ، والزهري : أن في كل عشرة أزقاق من العسل زقا رويناه من طريق ثابتة عن الأوزاعي عن الزهري . وعن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى : في كل عشرة أزقاق من عسل زق ، قال : والزق يسع رطلين . وروي أيضا من طريق لا تصح عن عمر بن عبد العزيز وهو قول ربيعة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن وهب ، واحتج أهل هذه المقالة بما رويناه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : { جاء هلال إلى رسول الله ﷺ بعشور نحل له وسأله أن يحمي له واديا يقال له : سلبة ، فحماه له } وبما رويناه من طريق عبد الله بن محرر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن : أن يؤخذ من العسل العشور } . ومن طريق سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى { أن أبا سيارة المتعي قال للنبي ﷺ إن لي نحلا . قال : فأد منه العشر } ومن طريق ابن جريج قال كتبت إلى إبراهيم بن ميسرة أسأله عن زكاة العسل . فذكر جوابه ، وفيه : أنه قال : ذكر لي من لا أتهم من أهلي : أن عروة بن محمد السعدي قال له : إنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن صدقة العسل . فرد إليه عمر : قد وجدنا بيان صدقة العسل بأرض الطائف ؛ فخذ منه العشور قال أبو محمد : هذا كله لا حجة لهم فيه . أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : فصحيفة لا تصح ، وقد تركوها حيث لا توافق تقليدهم مما قد ذكرناه في غير ما موضع . وأما حديث أبي هريرة فمن رواية عبد الله بن محرر وهو أسقط من كل ساقط متفق على اطراحه . وأما حديث أبي سيارة المتعي : فمنقطع لأن سليمان بن موسى لا يعرف له لقاء أحد من الصحابة رضي الله عنهم . وأما حديث عمر بن عبد العزيز فمنقطع ، لأنه عمن لم يسم . وأما خبر عمر بن الخطاب : فلا يصح ؛ لأنه عن عطاء الخراساني عنه ، ولم يدركه عطاء ، وعن منير بن عبد الله عن أبيه ، وكلاهما مجهول ، وبعض رواته يقول : متين بن عبد الله ولا يدرى من هو ، وعن بقية ، وهو ضعيف ، ثم عن هلال بن مرة ، ولا يدرى من هو . فبطل أن يصح في هذا عن رسول الله ﷺ شيء ، أو عن عمر ، أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم . قال أبو محمد : وقد عارض ذلك كله خبر مرسل أيضا كما حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس : { أن معاذ بن جبل لما أتى اليمن أتي بالعسل وأوقاص الغنم ، فقال : لم أؤمر فيها بشيء . } ولكنا لا نستحل الحجاج بمرسل ؛ لأنه لا حجة فيه . وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : بعثني عمر بن عبد العزيز إلى اليمن ، فأردت ، أن آخذ من العسل العشر . فقال المغيرة بن حكيم الصنعاني : ليس فيه شيء فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز . فقال : صدق ، هو عدل رضي . قال أبو محمد : وبأن لا زكاة في العسل يقول مالك ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، والشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهم . قال علي : قد قلنا : إن الله تعالى قال : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فلا يجوز إيجاب فرض زكاة في مال لم يصح عن رسول الله ﷺ فيه إيجابها . فإن احتجوا بعموم قول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } . قيل لهم : فأوجبوها فيما خرج من معادن الذهب والفضة ، وفي القصب ، وفي ذكور الخيل ، فكل ذلك أموال للمسلمين ، بل أوجبوها حيث لم يوجبها الله تعالى ، وأسقطوها مما خرج من النخل والبر والشعير ، في أرض الخراج ، وفي الأرض المستأجرة . ولكنهم قوم يجهلون
=============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 642)
كتاب الزكاة
وأما عروض التجارة : فقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي في أحد قوليه بإيجاب الزكاة في العروض المتخذة للتجارة . واحتجوا في ذلك بخبر رويناه من طريق سليمان بن موسى عن جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب عن خبيب بن سليمان بن جندب عن أبيه عن جده سمرة { أما بعد ، فإن رسول الله ﷺ كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع } . وبخبر صحيح عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : كنت على بيت المال زمان عمر بن الخطاب ، فكان إذا خرج العطاء جمع أموال التجار ثم حسبها ، غائبها وشاهدها ، ثم أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد . وبخبر رويناه من طريق أبي قلابة : إن عمال عمر قالوا : يا أمير المؤمنين ، إن التجار شكوا شدة التقويم ، فقال عمر : هاه هاه خففوا . وبخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال : مر بي عمر بن الخطاب فقال : يا حماس ، أد زكاة مالك . فقلت : ما لي مال إلا جعاب وأدم . فقال : قومها قيمة ثم أد زكاتها . وبخبر صحيح رويناه عن ابن عباس أنه كان يقول : لا بأس بالتربص حتى يبيع ، والزكاة واجبة فيه . وبخبر صحيح عن ابن عمر : ليس في العروض زكاة إلا أن تكون لتجارة . وقال بعضهم : الزكاة موضوع فيما ينمي من الأموال . ما نعلم لهم متعلقا غير هذا ، وكل هذا لا حجة لهم فيه . أما حديث سمرة فساقط ؛ لأن جميع رواته ما بين سليمان بن موسى ، وسمرة رضي الله عنه - مجهولون لا يعرف من هم ، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة ، لأنه ليس فيه : أن تلك الصدقة هي الزكاة المفروضة ؛ بل لو أراد عليه السلام بها الزكاة المفروضة لبين وقتها ومقدارها وكيف تخرج ، أمن أعيانها ، أم بتقويم ، وبماذا تقوم ؟ ومن المحال أن يكون عليه السلام يوجب علينا زكاة لا يبين كم هي . ولا كيف تؤخذ . وهذه الصدقة لو صحت لكانت موكولة إلى أصحاب تلك السلع . كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن { قيس بن أبي غرزة قال : مر بنا رسول الله ﷺ فقال : يا معشر التجار ، إن البيع يحضره اللغو والحلف ، فشوبوه بالصدقة } . فهذه صدقة مفروضة غير محدودة ، لكن ما طابت به أنفسهم ، وتكون كفارة لما يشوب البيع مما لا يصح من لغو وحلف . وأما حديث عمر ؛ فلا يصح ، لأنه عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه ، وهما مجهولان . روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : ثنا عارم بن الفضل قال : سمعت أبا الأسود هو حميد بن الأسود - يقول : ذكرت لمالك بن أنس حديث ابن حماس في المتاع يزكى ، عن يحيى بن سعيد . فقال مالك : يحيى قماش . قال أبو محمد : معناه أنه يجمع القماش ، وهو الكناسة : أي يروي عمن لا قدر له ولا يستحق . وأما حديث أبي قلابة فمرسل ؛ لأنه لم يدرك عمر بعقله ولا بسنه . وأما حديث عبد الرحمن بن عبد القاري فلا حجة لهم فيه ؛ لأنه ليس فيه : أن تلك الأموال كانت عروضا للتجارة وقد كانت للتجار أموال تجب فيها الزكاة ، من فضة وذهب وغير ذلك ، ولا يحل أن يزاد في الخبر ما ليس فيه ، فيحصل من فعل ذلك على الكذب . وأما حديث ابن عباس فكذلك أيضا ، ولا دليل فيه على إيجاب الزكاة في عروض التجارة ، وهو خارج على مذهب ابن عباس المشهور عنه في أنه كان يرى الزكاة واجبة في فائدة الذهب ، والفضة ، والماشية حين تستفاد ، فرأى الزكاة في الثمن إذا باعوه . حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي عن عبد الصمد التنوري ثنا حماد ثنا قتادة عن جابر بن زيد أبي الشعثاء عن ابن عباس : أنه قال في المال المستفاد : يزكيه حين يستفيده ، وقال ابن عمر : حتى يحول عليه الحول . وقد بين هذا عطاء : وهو أكبر أصحابه ، على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . وأما خبر ابن عمر : فصحيح ؛ إلا أنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ وكم قضية خالفوا فيها عمر ، وابنه . منها للمالكيين الرواية في زكاة العسل ؛ وللحنفيين حكمه في زكاة الرقيق ؛ وغير ذلك كثير جدا - ومن المحال أن يكون عمر وابنه حجة في موضع دون آخر . وأيضا : فإن الحنفيين والمالكيين ، والشافعيين : خالفوا ما روي عن عمر ، وابن عمر في هذه المسألة نفسها ؛ فمالك فرق بين المدير وغير المدير ، وأسقط الزكاة عمن باع عرضا بعرض ، ما لم ينض له درهم ، وليس هذا فيما روي عن عمر ، وابنه . والشافعي : يرى أن لا يزكي الربح مع رأس المال إلا الصيارفة خاصة ، وليس هذا عن عمر ، ولا عن ابن عمر . وكلهم يرى فيمن ورث عروضا أو ابتاعها للقنية ثم نوى بها التجارة : أنها لا زكاة فيها ، ولو بقيت عنده سنين ؛ ولا في ثمنها إذا باعها ؛ لكن يستأنف حولا ؛ وهذا خلاف عمر ، وابن عمر ؛ فبطل احتجاجهم بهما رضي الله عنهما . وقد جاء خلاف ما روي عن عمر ، وابن عمر عن غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع الخوزي قال : كنت جالسا عند عبد الرحمن بن نافع إذ جاءه زياد البواب فقال له : إن أمير المؤمنين - يعني ابن الزبير - يقول : أرسل زكاة مالك . فقام فأخرج مائة درهم ، وقال له : اقرأ عليه السلام ، وقل له : إنما الزكاة في الناض . قال نافع : فلقيت زيادا فقلت له : أبلغته . قال : نعم ، قلت : فماذا قال ابن الزبير . فقال : قال : صدق . قال ابن جريج : وقال لي عمرو بن دينار : ما أرى الزكاة إلا في العين . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن قطن قال : مررت بواسط زمن عمر بن عبد العزيز ، فقالوا : قرئ علينا كتاب أمير المؤمنين : أن لا تأخذوا من أرباح التجار شيئا حتى يحول عليها الحول . قال أبو عبيد : ثنا معاذ عن عبد الله بن عون قال : أتيت المسجد وقد قرئ الكتاب ، فقال صاحب لي : لو شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز في أرباح التجار أن لا يعرض لها حتى يحول عليها الحول . فهذا ابن الزبير ، وعبد الرحمن بن نافع وعمرو بن دينار ، وعمر بن عبد العزيز ، وقد روي أيضا عن عائشة . وذكره الشافعي عن ابن عباس ، وهو أحد قولي الشافعي . قال أبو محمد : وحتى لو لم يأت خلاف في ذلك لما وجبت شريعة بغير نص قرآن أو سنة ثابتة أو إجماع متيقن لا يشك في أنه قال به جميع الصحابة رضي الله عنهم . وقد أسقط الحنفيون الزكاة عن الإبل المعلوفة والبقر المعلوفة ، وأموال الصغار كلها إلا ما أخرجت أرضهم . وأسقط المالكيون الزكاة عن أموال العبيد ، والحلي . وأسقطها الشافعيون عن الحلي ، وعن المواشي المستعملة . وكل هذا خلاف للسنن الثابتة بلا برهان . وذكروا الخبر الذي من طريق أبي هريرة : { أن عمر بعثه رسول الله ﷺ مصدقا فقال : منع العباس ، وخالد بن الوليد ، وابن جميل . فقال رسول الله ﷺ : إنكم تظلمون خالدا ، إن خالدا قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله } . قالوا : فدل هذا على أن الزكاة طلبت منه في دروعه ، وأعبده ؛ ولا زكاة فيها إلا أن تكون لتجارة . قال أبو محمد : وليس في الخبر لا نص ولا دليل ولا إشارة على شيء مما ادعوه ، وإنما فيه أنهم ظلموا خالدا إذ نسبوا إليه منع الزكاة وهو قد احتبس أدراعه وأعبده في سبيل الله فقط ، صدق عليه السلام ، إذ من المحال أن يكون رجل عاقل ذو دين ينفق النفقة العظيمة في التطوع ثم يمنع اليسير في الزكاة المفروضة ؛ هذا حكم الحديث ، وأما إعمال الظن الكاذب على رسول الله ﷺ فباطل . وقد صح عن رسول الله ﷺ ما يدل على أن لا زكاة في عروض التجارة ، وهو أنه قد صح عن النبي ﷺ { ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ولا فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة } . وأنه أسقط الزكاة عما دون الأربعين من الغنم ، وعما دون خمسة أوسق من التمر والحب ؛ فمن أوجب زكاة في عروض التجارة فإنه يوجبها في كل ما نفي عنه عليه السلام الزكاة مما ذكرنا . وصح عنه عليه السلام { ليس على المسلم في : عبده ، ولا فرسه ، صدقة إلا صدقة الفطر } وأنه عليه السلام قال : { قد عفوت عن صدقة الخيل } . وأنه عليه السلام ذكر حق الله تعالى في : الإبل ، والبقر ، والغنم ، والكنز { فسئل عن الخيل ، فقال : الخيل ثلاثة : هي لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر } . { فسئل عن الحمير فقال : ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } } فمن أوجب الزكاة في عروض التجارة فإنه يوجبها في الخيل ، والحمير ، والعبيد ، وقد قطع رسول الله ﷺ بأن لا زكاة في شيء منها إلا صدقة الفطر في الرقيق ؛ فلو كانت في عروض التجارة ، أو في شيء مما ذكر عليه السلام زكاة إذا كان لتجارة - : لبين ذلك بلا شك ؛ فإذ لم يبينه عليه السلام فلا زكاة فيها أصلا . وقد صح الإجماع المتيقن على أن حكم كل عرض كحكم الخيل ، والحمير ، والرقيق ، وما دون النصاب من الماشية ، والعين . ثم اختلف الناس فمن موجب الزكاة في كل ذلك إذا كان للتجارة ، ومن مسقط للزكاة في كل ذلك لتجارة كانت أو لغير تجارة . وصح بالنص أن لا زكاة في الخيل ، ولا في الرقيق ، ولا في الحمير ، ولا فيما دون النصاب من الماشية والعين ؛ وصح الإجماع من كل أحد على أن حكم كل عرض في التجارة كحكم هذه . فصح من ذلك أن لا زكاة في عروض التجارة بالإجماع المذكور . وقد صح الإجماع أيضا على أنه لا زكاة في العروض . ثم ادعى قوم أنها إذا كانت للتجارة ففيها زكاة ؛ وهذه دعوى بلا برهان . وأجمع الحنفيون والمالكيون ، والشافعيون : على أن من اشترى سلعا للقنية ثم نوى بها التجارة فلا زكاة فيها - وهذا تحكم في إيجابهم الزكاة في أثمانها إذا بيعت ثم اتجر بها بلا برهان . وأما قولهم : إن الزكاة فيما ينمى ، فدعوى كاذبة متناقضة ؛ لأن عروض القنية تنمى قيمتها كعروض التجارة ولا فرق . فإن قالوا : العروض للتجارة فيها النماء . قلنا : وفيها أيضا الخسارة ، وكذلك الحمير تنمى ، ولا زكاة فيها عندهم ، والخيل تنمى ، ولا زكاة فيها عند الشافعيين ، والمالكيين ، والإبل العوامل تنمى ولا زكاة فيها عند الحنفيين ، والشافعيين ، وما أصيب في أرض الخراج ينمى ، ولا زكاة فيها عند الحنفيين ، وأموال العبيد تنمى ، ولا زكاة فيها عند المالكيين . قال أبو محمد : وأقوالهم واضطرابهم في هذه المسألة نفسها برهان قاطع على أنها ليست من عند الله تعالى . فإن طائفة منهم قالت : تزكى عروض التجارة من أعيانها . وهو قول المزني . وطائفة قالت : بل نقومها ثم اختلفوا : فقال أبو حنيفة : نقومها بالأحوط للمساكين . وقال الشافعي : بل ربما اشتراها به ؛ فإن كان اشترى عرضا بعرض قومه بما هو الأغلب من نقد البلد . وقال مالك : من باع عرضا بعرض أبدا فلا زكاة عليه إلا حتى يبيع ولو بدرهم ، فإذا نض له ولو درهم قوم حينئذ عروضه وزكاها . فليت شعري ما شأن الدرهم هاهنا ، إن هذا لعجب . فكيف إن لم ينض له إلا نصف درهم ، أو حبة فضة ، أو فلس ؛ كيف يصنع . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : يقوم ويزكي وإن لم ينض له درهم . وقال مالك : المدير الذي يبيع ويشتري يقوم كل سنة ويزكي ، وأما المحتكر فلا زكاة عليه - ولو حبس عروضه سنين - إلا حتى يبيع ، فإذا باع زكى حينئذ لسنة واحدة - وهذا عجب جدا . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : كلاهما سواء ، يقومان كل سنة ويزكيان . حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال : قال لي عطاء : لا صدقة في لؤلؤ ، ولا في زبرجد ، ولا ياقوت ، ولا فصوص ولا عرض ولا شيء لا يدار . فإن كان شيء من ذلك يدار ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع - وهذا خلاف قول من ذكرنا . وقال الشافعي : لا يضيف الربح إلى رأس المال إلا الصيارفة ، وهذا عجب جدا . وقال أبو حنيفة ؛ ومالك ؛ بل يضيف الربح إلى رأس المال ولو لم يربحه إلا في تلك الساعة فكان هذا أيضا عجبا . وأقوالهم في هذه المسألة طريفة جدا لا يدل على صحة شيء منها قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية فاسدة ولا قول صاحب أصلا ، وأكثر ذلك لا يعرف له قائل قبل من قاله منهم ، والله تعالى يقول { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } . فليت شعري هل رد هؤلاء هذا الاختلاف إلى كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ . وهل وجدوا في القرآن والسنن نصا أو دليلا على شيء من هذه الأقوال الفاسدة . وكلهم يقول : من اشترى سلعة للقنية فنوى بها التجارة فلا زكاة فيها ، فإن اشتراها للتجارة فنوى بها القنية سقطت الزكاة عنها ؛ فاحتاطوا لإسقاط الزكاة التي أوجبوها بجهلهم . وقالوا كلهم : من اشترى ماشية للتجارة ، أو زرع للتجارة ، فإن زكاة التجارة تسقط وتلزمه الزكاة المفروضة ؛ وكان في هذا كفاية لو أنصفوا أنفسهم ، ولو كانت زكاة التجارة حقا من عند الله تعالى ما أسقطتها الزكاة المفروضة ؛ ولكن الحق يغلب الباطل . فإن قالوا : لا تجتمع زكاتان في مال واحد . قلنا : فما المانع من ذلك ليت شعري إذا كان الله تعالى قد أوجبهما جميعا أو رسوله ﷺ
==============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 642)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655)
كتاب الزكاة
642 - مسألة : ولا زكاة في تمر ، ولا بر ، ولا شعير : حتى يبلغ ما يصيبه المرء الواحد من الصنف الواحد منها خمسة أوسق ؛ والوسق ستون صاعا ؛ والصاع أربعة أمداد بمد النبي ﷺ . والمد من رطل ونصف إلى رطل وربع على قدر رزانة المد وخفته ، وسواء زرعه في أرض له أو في أرض لغيره بغصب أو بمعاملة جائزة ، أو غير جائزة ، إذا كان النذر غير مغصوب ، سواء أرض خراج كانت أو أرض عشر . وهذا قول جمهور الناس ، وبه يقول : مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو سليمان وقال أبو حنيفة : يزكى ما قل من ذلك وما كثر ، فإن كان في أرض خراج فلا زكاة فيما أصيب فيها ، فإن كانت الأرض مستأجرة فالزكاة على رب الأرض لا على الزارع ، فإن كان في أرض مغصوبة ، فإن قضي لصاحب الأرض بما نقصها الزرع فالزكاة على صاحب الأرض ، وإن لم يقض له بشيء فالزكاة على الزارع - قال : والمد رطلان . فهذه خمسة مواضع خالف فيها الحق في هذه المسألة وقد ذكرنا قول رسول الله ﷺ { ليس فيما دون خمسة أوسق من حب أو ثمر صدقة } . وتعلق أبو حنيفة بقول رسول الله ﷺ { فيما سقت السماء العشر } . وأخطأ في هذا ، لأنه استعمل هذا الخبر وعصى الآخر وهذا لا يحل ، ونحن أطعنا ما في الخبرين جميعا ، وهو قد خالف هذا الخبر أيضا ، إذ خص مما سقت السماء كثيرا برأيه ، كالقصب ، والحطب ، والحشيش ، وورق الشجر وما أصيب في أرض الخراج ، ولم ير أن يخصه بكلام رسول الله ﷺ . وأيضا فإنه كلف من ذلك ما لا يطاق كما قدمنا وخص من ذلك برأيه ما أصيب في عرصات الدور ، وهذه تخاليط لا نظير لها . وأما أبو سليمان فقال : ما كان يحتمل التوسيق فلا زكاة فيه حتى يبلغ خمسة أوسق ، وما كان لا يحتمل التوسيق فالزكاة في قليله وكثيره ، وقد ذكرنا فساد هذا القول قبل . والعجب أن أبا حنيفة يزعم أنه صاحب قياس ، وهو لم ير فيما يزكى شيئا قليله وكثيره فهلا قاس الزرع على الماشية والعين . فلا النص اتبع ، ولا القياس طرد . وأما المد فإن أبا حنيفة وأصحابه احتجوا في ذلك بما رويناه من طريق شريك بن عبد الله القاضي عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جبر عن أنس بن مالك عن رسول الله ﷺ { ويجزئ في الوضوء رطلان } ، مع الأثر الصحيح في { أنه عليه السلام كان يتوضأ بالمد } . وهذا لا حجة فيه ، لأن شريكا مطرح ، مشهور بتدليس المنكرات إلى الثقات ، وقد أسقط حديثه الإمامان : عبد الله بن المبارك ويحيى بن سعيد القطان ؛ وتالله لا أفلح من شهدا عليه بالجرحة . ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ؛ لأنه لا يدل ذلك على أن المد رطلان ، وقد صح { أن رسول الله ﷺ توضأ بثلثي المد } ، ولا خلاف في أنه عليه السلام لم يكن يعير له الماء للوضوء بكيل ككيل الزيت لا يزيد ولا ينقص . أيضا - فلو صح لما كان في قوله عليه السلام { يجزئ في الوضوء رطلان } مانع من أن يجزئ أقل ، وهم أول موافق لنا في هذا ، فمن توضأ عندهم بنصف رطل أجزأه ، فبطل تعلقهم بهذا الأثر . واحتجوا بخبر رويناه من طريق موسى الجهني : كنت عند مجاهد فأتى بإناء يسع ثمانية أرطال تسعة أرطال ، عشرة أرطال ، فقال : قالت عائشة { كان رسول الله ﷺ يغتسل بمثل هذا } مع الأثر الثابت { أنه عليه السلام كان يغتسل بالصاع . } قال أبو محمد : وهذا لا حجة فيه ، لأن موسى قد شك في ذلك الإناء من ثمانية أرطال إلى عشرة ، وهم لا يقولون : إن الصاع يزيد على ثمانية أرطال ولا فلسا . وأيضا - فقد صح { أنه عليه السلام اغتسل هو وعائشة رضي الله عنها جميعا من إناء يسع ثلاثة أمداد } ؛ وأيضا من إناء هو الفرق ، والفرق : اثنا عشر مدا ، وأيضا - بخمسة أمداد ، وأيضا - بخمسة مكاكي . وكل هذه الآثار في غاية الصحة ، والإسناد الوثيق الثابت المتصل ، والخمسة مكاكي : خمسون مدا . ولا خلاف في أنه عليه السلام لم يعير له الماء للغسل بكيل ككيل الزيت ، ولا توضأ واغتسل بإناءين مخصوصين بل قد توضأ في الحضر والسفر بلا مراعاة لمقدار الماء . هم أول مخالف لهذا التحديد فلا يختلفون في أن امرأ لو اغتسل نصف صاع لأجزأه - فبطل تعلقهم بهذه الآثار الواهية . واحتجوا بروايتين واهيتين - : إحداهما - من طريق أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن رجل عن موسى بن طلحة : أن القفيز الحجاجي قفيز عمر ، أو صاع عمر . والأخرى - من طريق مجالد عن الشعبي قال : القفيز الحجاجي - صاع عمر . وبرواية عن إبراهيم : عيرنا صاع عمر فوجدناه حجاجيا . وبرواية عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن إبراهيم { كان صاع رسول الله ﷺ ثمانية أرطال ، ومده رطلين } . قال أبو محمد : هذا كله سواء ، وجوده وعدمه . أما حديث موسى بن طلحة فبين أبي إسحاق وبينه من لا يدرى من هو ؛ ومجالد ضعيف ، أول من ضعفه أبو حنيفة ، وإبراهيم لم يدرك عمر . ثم لو صح كل ذلك لما انتفعوا به ؛ لأننا لم ننازعهم في صاع عمر رضي الله عنه ولا في قفيزه ، إنما نازعناهم في صاع النبي ﷺ ولسنا ندفع أن يكون لعمر : صاع ، وقفيز ، ومد . رتبه لأهل العراق لنفقاتهم وأرزاقهم ؛ كما بمصر الويبة والإردب ؛ وبالشام المد وكما كان لمروان بالمدينة مد اخترعه ، ولهشام بن إسماعيل مد اخترعه ، ولا حجة في شيء من ذلك . وأما قول إبراهيم في صاع النبي ﷺ ومده : فقول إبراهيم ، وقول أبي حنيفة سواء في الرغبة عنهما إذا خالفا الصواب . وقد روينا من طريق البخاري : ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا القاسم بن مالك المزني ثنا الجعيد بن عبد الرحمن عن السائب بن يزيد قال { كان الصاع على عهد رسول الله ﷺ مدا وثلثا بمدكم اليوم ، فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز } وروينا عن مالك أنه قال في مكيلة زكاة الفطر بالمد الأصغر مد رسول الله ﷺ وعنه أيضا في زكاة الحبوب والزيتون بالصاع الأول صاع رسول الله ﷺ . ومن طريق مالك عن نافع قال : كان ابن عمر يعطي زكاة الفطر من رمضان بمد رسول الله ﷺ المد الأول فصح أن بالمدينة صاعا ، ومدا غير مد النبي ﷺ . ولو كان صاع عمر بن الخطاب هو صاع النبي ﷺ لما نسب إلى عمر أصلا دون أن ينسب إلى أبي بكر ، ولا إلى أبي بكر أيضا دون أن يضاف إلى رسول الله ﷺ فصح بلا شك أن مد هشام إنما رتبه هشام ، وأن صاع عمر إنما رتبه عمر . هذا إن صح أنه كان هنالك صاع يقال له " صاع عمر " فإن صاع رسول الله ﷺ ومده منسوبان إليه لا إلى غيره ، باقيان بحسبهما . وأما حقيقة الصاع الحجاجي الذي عولوا عليه فإننا روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق عن مسدد عن المعتمر بن سليمان عن الحجاج بن أرطاة قال : حدثني من سمع الحجاج بن يوسف يقول : صاعي هذا صاع عمر أعطتنيه عجوز بالمدينة . فإن احتجوا برواية الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم فروايته هذه حجة عليهم ، وهذا أصل صاع الحجاج ، فلا كثر ولا طيب ولا بورك في الحجاج ولا في صاعه . وروينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن يزيد هو ابن زياد - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : الصاع يزيد على الحجاجي مكيالا . فبطل ما موهوا به من الباطل ووجب الرجوع إلى ما صح عن النبي ﷺ . كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق هو ابن راهويه - ومحمد بن إسماعيل بن علية ، قال إسحاق عن الملائي وقال ابن علية : ثنا أبو نعيم هو الفضل بن دكين - كلاهما عن سفيان الثوري عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاوس عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { المكيال على مكيال أهل المدينة ، والوزن على وزن أهل مكة } . فلم يسع أحدا الخروج عن مكيال أهل المدينة ومقداره عندهم ، ولا عن موازين أهل مكة ، ووجدنا أهل المدينة " لا يختلف منهم اثنان في أن مد رسول الله ﷺ الذي به تؤدى الصدقات ليس أكثر من رطل ونصف ، ولا أقل من رطل وربع " . وقال بعضهم : رطل وثلث ، وليس هذا اختلافا ؛ لكنه على حسب رزانة المكيل من البر ، والتمر ، والشعير - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام بن عروة { أن مد النبي ﷺ الذي كان يأخذ به الصدقات : رطل ونصف } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود عن أحمد بن حنبل قال : صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث . قال أبو داود : وهو صاع رسول الله ﷺ . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : ذكر أبي أنه عير مد النبي ﷺ بالحنطة فوجدها رطلا وثلثا في البر ، قال : ولا يبلغ من التمر هذا المقدار - : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا إبراهيم بن حماد ثنا إسماعيل بن إسحاق قال : دفع إلينا إسماعيل بن أبي أويس المد ، وقال هذا مد مالك ، وهو على مثال مد النبي ﷺ فذهبت به إلى السوق ، وخرط لي عليه مد وحملته معي إلى البصرة ، فوجدته نصف كيلجة بكيلجة البصرة ، يزيد على كيلجة البصرة شيئا يسيرا خفيفا ، إنما هو شبيه بالرجحان الذي لا يقع عليه جزء من الأجزاء ، ونصف كيلجة البصرة هو ربع كيلجة بغداد - فالمد : ربع الصاع ، والصاع مقدار كيلجة بغدادية يزيد الصاع عليها شيئا يسيرا . قال أبو محمد : وخرط لي مد على تحقيق المد المتوارث عند آل عبد الله بن علي الباجي ، وهو عند أكبرهم لا يفارق داره ، أخرجه إلى ثقتي الذي كلفته ذلك : علي بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن علي المذكور وذكر أنه مد أبيه وجده وأبي جده أخذه وخرطه على مد أحمد بن خالد ، وأخبره أحمد بن خالد أنه خرطه على مد يحيى بن يحيى ، الذي أعطاه إياه ابنه عبيد الله بن يحيى بن يحيى ، وخرطه يحيى على مد مالك ، ولا أشك أن أحمد بن خالد صححه أيضا على مد محمد بن وضاح الذي صححه ابن وضاح بالمدينة . قال أبو محمد : ثم كلته بالقمح الطيب ، ثم وزنته فوجدته رطلا واحدا ونصف رطل بالفلفلي ، لا يزيد حبة ، وكلته بالشعير ، إلا أنه لم يكن بالطيب ؛ فوجدته رطلا واحدا ونصف أوقية . قال أبو محمد : وهذا أمر مشهور بالمدينة منقول نقل الكافة صغيرهم وكبيرهم ، وصالحهم وطالحهم ، وعالمهم وجاهلهم ، وحرائرهم وإمائهم ، كما نقل أهل مكة موضع الصفا ، والمروة ، والاعتراض على أهل المدينة في صاعهم ومدهم كالمعترض على أهل مكة في موضع الصفا والمروة ولا فرق ، وكمن يعترض على أهل المدينة في القبر والمنبر والبقيع ، وهذا خروج عن الديانة والمعقول . قال أبو محمد : وبحثت أنا غاية البحث عند كل من وثقت بتمييزه ، فكل اتفق لي على أن دينار الذهب بمكة وزنه : اثنان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير المطلق ، والدرهم سبعة أعشار المثقال ؛ فوزن الدرهم المكي سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر حبة ، فالرطل مائة درهم واحدة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور . وقد رجع أبو يوسف إلى الحق في هذه المسألة إذ دخل المدينة ووقف على أمداد أهلها . وقد موه بعضهم بأنه إنما سمي الوسق ؛ لأنه من وسق البعير . قال أبو محمد : وهذا طريف في الهوج جدا وليت شعري من له بذلك وهلا قال : لأنه وسق الحمار ، ثم أيضا - فإن الوسق الذي أشار إليه هو عندهم : ستة عشر ربعا بالقرطبي ، وحمل البعير أكثر من هذا المقدار بنحو نصفه . وأما إسقاطهم الزكاة عما أصيب في أرض الخراج من بر ، وتمر ، وشعير ؛ ففاحش جدا ، وعظيم من القول . وإسقاط للزكاة المفترضة . وموهوا في هذا بطوام ، منها : أن قال قائلهم : - إن عمر لم يأخذ الزكاة من أرض الخراج . قال أبو محمد : وهذا تمويه بارد ؛ لأن عمر رضي الله عنه إنما ضرب الخراج على أهل الكفر ، ولا زكاة تؤخذ منهم . فإن ادعى : أن عمر لم يأخذ الزكاة ممن أسلم من أصحاب أرض الخراج فقد كذب جدا ، ولا يجد هذا أبدا ؛ ومن ادعى أن - عمر أسقط الزكاة عنهم كمن ادعى أنه أسقط الصلاة عنهم ولا فرق . وموه بعضهم بأن ذكر ما قد صح عن رسول الله ﷺ من قوله : { منعت العراق قفيزها ودرهمها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم } شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه ، قالوا : فأخبر عليه السلام بما يجب في هذه الأرضين ، ولم يخبر أن فيها زكاة ؛ ولو كان فيها زكاة لأخبر بها . قال أبو محمد : مثل هذا ليس لإيراده وجه ؛ إلا ليحمد الله تعالى من سمعه على خلاصه من عظيم ما ابتلوا به من المجاهرة بالباطل ، ومعارضة الحق بأغث ما يكون من الكلام . وليت شعري في أي معقول وجدوا أن كل شريعة لم تذكر في هذا الحديث فهي ساقطة . وهل يقول هذا من له نصيب من التمييز . وهل بين من أسقط الزكاة - لأنها لم تذكر في هذا الخبر - فرق ، وبين من أسقط الصلاة والحج لأنهما لم يذكرا في هذا الخبر . وحتى لو صح لهم : أن رسول الله ﷺ قصد بهذا الخبر ذكر ما يجب في هذه الأرضين - ومعاذ الله من أن يصح هذا فهو الكذب البحت على رسول الله ﷺ لما كان في ذلك إسقاط سائر حقوق الله تعالى عن أهلها . وليس في الدنيا حديث انتظم ذكر جميع الشرائع أولها عن آخرها ، نعم ، ولا سورة أيضا . وإنما قصد عليه السلام في هذا الحديث الإنذار بخلاء أيدي المفتتحين لهذه البلاد من أخذ طعامها ودراهمها ودنانيرها فقط ؛ وقد ظهر ما أنذر به عليه السلام . ومن الباطل الممتنع أن يريد رسول الله ﷺ ما زعموا ؛ لأنه لو كان ذلك ، وكان أرباب أراضي الشام ، ومصر ، والعراق مسلمين ؛ فمن هم المخاطبون بأنهم يعودون كما بدءوا ومن المانع ما ذكر منعه . هذا تخصيص منهم بالباطل وبما ليس في الخبر منه نص ولا دليل ، ولو قيل لهم : بل في قوله عليه السلام : { فيما سقت السماء العشر } دليل على سقوط الخراج وبطلانه ، إذ لو كان فيها خراج لذكره عليه السلام . والعجب أيضا إسقاطهم الجزية بهذا الخبر عن أهل الخراج فأسقطوا فرضين من فرائض الإسلام برأي صاحب ، وهذا عجب جدا . وخالفوا ذلك الصاحب في هذه القضية نفسها ؛ لأنه قد صح عنه إيجاب الجزية مع الخراج ؛ فمرة يكون فعله حجة يخالف بها القرآن ، وهم مع ذلك كاذبون عليه ، فما روي عنه قط إسقاط الزكاة عما أصيب في أرض الخراج ؛ ومرة لا يرونه حجة أصلا ومعه الحق . فإن قالوا : إن الصحابة أجمعوا على أخذ الخراج قيل لهم : والصحابة أجمعوا على أخذ الزكاة قبل إجماعهم على الخراج ومعه وبعده بلا شك ؛ ولا عجب أعجب من إيجاب محمد بن الحسن الخراج على المسلم في أرض الخراج إذا ملكها ، وإسقاط الزكاة عنه ، وإيجابه الزكاة على اليهودي والنصراني إذا ملكا أرض العشر ، وإسقاط الخراج عنهما وفاعل هذا متهم على الإسلام وأهله . وقالوا : لا يجتمع حقان في مال واحد . قال أبو محمد : كذبوا وأفكوا بل تجتمع حقوق لله تعالى في مال واحد ؛ ولو أنها ألف حق ، وما ندري من أين وقع لهم أنه لا يجتمع حقان في مال واحد ؛ وهم يوجبون الخمس في معادن الذهب والفضة والزكاة أيضا ؛ إما عند الحول ، وإما في ذلك الوقت إن كان بلغ حول ما عنده من الذهب والفضة ؛ ويوجبون أيضا الخراج في أرض المعدن إن كانت أرض خراج . ومن عجائب الدنيا تغليبهم الخراج على الزكاة فأسقطوها به ، ثم غلبوا زكاة البر والشعير والتمر والماشية على زكاة التجارة ، فأسقطوها بها ؛ ثم غلبوا زكاة التجارة في الرقيق على زكاة الفطر ، فأسقطوها بها ؛ فمرة رأوا زكاة التجارة أوكد من الزكاة المفروضة ، ومرة رأوا الزكاة المفروضة أولى من زكاة التجارة . والحسن بن حي : يرى أن يزكى ما زرع للتجارة زكاة التجارة لا الزكاة المفروضة . وذكرنا هذا لئلا يدعوا في ذلك إجماعا ، فهذا أخف شيء عليهم . وإن تناقض المالكيين والشافعيين لظاهر في إسقاطهم الزكاة عن عروض التجارة للزكاة المفروضة وإبقائهم إياها مع زكاة الفطر في الرقيق . وكذلك أيضا - تناقض الحنيفيون إذ أثبتوا الإجارة والزكاة في أرض واحدة . وممن صح عنه إيجاب الزكاة في الخارج من أرض الخراج : عمر بن عبد العزيز ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وشريك ، والحسن بن حي . وقال سفيان ، وأحمد : إن فضل بعد الخراج خمسة أوسق فصاعدا ففيه الزكاة . ولا يحفظ عن أحد من السلف مثل قول أبي حنيفة في ذلك . والعجب كله من تمويههم بالثابت عن عمر رضي الله عنه من قوله إذ أسلمت دهقانة نهر الملك إن اختارت أرضها أو أدت ما على أرضها فخلوا بينها وبين أرضها ، وإلا فخلوا بين المسلمين وأرضهم - وعن علي نحو هذا . وعن ابن عمر إنكار الدخول في أرض الخراج للمسلم . وليت شعري هل عقل ذو عقل قط أن في شيء من هذا إسقاط الزكاة عما أخرجت الأرض . وهذا مكان لا يقابل إلا بالتعجب ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . ويكفي من هذا قول رسول الله ﷺ : { فيما سقت السماء العشر } فعم ولم يخص . وأيضا فإن من البرهان على أن الزكاة على الرافع لا على الأرض إجماع الأمة على أنه إن أراد أن يعطي العشر من غير الذي أصاب في تلك الأرض لكان ذلك له ؛ ولم يجز إجباره على أن يعطي من عين ما أخرجت الأرض فصح أن الزكاة في ذمة المسلم الرافع ؛ لا في الأرض .
=============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 642) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668)
كتاب الزكاة
643 - مسألة : وكذلك ما أصيب في الأرض المغصوبة إذا كان البذر للغاصب ؛ لأن غصبه الأرض لا يبطل ملكه عن بذره ؛ فالبذر إذا كان له فما تولد عنه فله ؛ وإنما عليه حق الأرض فقط ؛ ففي حصته منه الزكاة ، وهي له حلال وملك صحيح . وكذلك الأرض المستأجرة بعقد فاسد ، أو المأخوذة ببعض ما يخرج منها ، أو الممنوحة لعموم قوله عليه السلام : { فيما سقت السماء العشر } . وأما إن كان البذر مغصوبا فلا حق له ؛ ولا حكم في شيء مما أنبت الله تعالى منه ؛ سواء كان في أرضه نفسه أم في غيرها ، وهو كله لصاحب البذر ؛ لقول الله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ولا يختلف اثنان في أن غاصب البذر إنما أخذه بالباطل ، وكذلك كل بذر أخذ بغير حق فمحرم عليه بنص القرآن أكله ، وكل ما تولد من شيء فهو لصاحب ما تولد منه بلا خلاف ، وليس وجوب الضمان بمبيح له ما حرم الله تعالى عليه ، فإن موهوا بما روي من أن { الخراج بالضمان } . فلا حجة لهم فيه لوجوه - : أولها : أنه خبر لا يصح ، لأن راويه مخلد بن خفاف وهو مجهول . والثاني : أنه لو صح لكان ورد في عبد بيع بيعا صحيحا ثم وجد فيه عيب ؛ ومن الباطل أن يقاس الحرام على الحلال ، لو كان القياس حقا ؛ فكيف والقياس كله باطل . والثالث : أنهم يلزمهم أن يجعلوا أولاد المغصوبة من الإماء والحيوان للغاصب بهذا الخبر ؛ وهم لا يقولون بذلك .
644 - مسألة : فإذا بلغ الصنف الواحد - من البر ، أو التمر ، أو الشعير - خمسة أوسق كما ذكرنا فصاعدا ، فإن كان مما يسقى بساقية من نهر ، أو عين ، أو كان بعلا ففيه العشر . وإن كان يسقى بساقية ، أو ناعورة ، أو دلو ففيه نصف العشر ، فإن نقص عن الخمسة الأوسق - ما قل أو كثر - فلا زكاة فيه . وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأصحابنا وقال أبو حنيفة : في قليله وكثيره العشر ، أو نصف العشر : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي ﷺ قال : { فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر } . وقد ذكرنا قبل قوله عليه السلام : { وليس فيما دون خمسة أوسق ، من حب ولا تمر صدقة } . فصح أن ما نقص عن الخمسة الأوسق نقصانا - قل أو كثر - فلا زكاة فيه . والعجب من تغليب أبي حنيفة الخبر { فيما سقت السماء العشر } على حديث الأوسق الخمسة ، وغلب قوله عليه السلام : { ليس فيما دون خمس أواقي من الورق صدقة ، ولا فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة } على قوله عليه السلام : { في الرقة ربع العشر } وعلى قوله عليه السلام : { ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها } وهذا تناقض ظاهر - وبالله تعالى التوفيق .
645 - مسألة : لا يضم قمح إلى شعير ، ولا تمر إليهما . وهو قول سفيان الثوري ومحمد بن الحسن ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابنا . وقال الليث بن سعد ، وأبو يوسف : يضم كل ما أخرجت الأرض : من القمح ، والشعير والأرز ، والذرة ، والدخن ، وجميع القطاني ، بعض ذلك إلى بعض ، فإذا اجتمع من كل ذلك خمسة أوسق ففيه الزكاة كما ذكرنا ، وإلا فلا ؟ وقال مالك : القمح ، والشعير ، والسلت : صنف واحد ، يضم بعضها إلى بعض في الزكاة ، فإذا اجتمع من جميعها خمسة أوسق ففيها الزكاة ، وإلا فلا ؛ ويجمع الحمص ، والفول ، واللوبيا ، والعدس ، والجلبان والبسيلة ، بعضها إلى بعض . ولا يضم إلى القمح ، ولا إلى الشعير ولا إلى السلت . قال : وأما الأرز ، والذرة ، والسمسم ، فهي أصناف مختلفة ، لا يضم كل واحد منها إلي شيء أصلا ؟ واختلف قوله في العلس ، فمرة قال : يضم إلى القمح ، والشعير ؛ ومرة قال : لا يضم إلى شيء أصلا ورأى القطاني في البيوع أصنافا مختلفة ، حاشا اللوبيا ، والحمص ؛ فإنه رآهما في البيوع صنفا واحدا قال أبو محمد : أما قول مالك ؛ فظاهر الخطأ جملة ، لا يحتاج من إبطاله إلى أكثر من إيراده وما نعلم أحدا على ظهر الأرض قسم هذا التقسيم ، ولا جمع هذا الجمع ، ولا فرق هذا التفريق قبله ولا معه ولا بعده ، إلا من قلده ، وما له متعلق ، لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ، ولا من رواية فاسدة ، ولا من قول صاحب ولا تابع ، ولا من قياس ولا من رأي يعرف له وجه ، ولا من احتياط أصلا وأما من رأى جمع البر وغيره في الزكاة فيمكن أن يتعلقوا بعموم قوله عليه السلام : { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } . قال أبو محمد : ولو لم يأت إلا هذا الخبر لكان هذا هو القول الذي لا يجوز غيره . لكن قد خصه ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود هو الجحدري - ثنا يزيد بن زريع ثنا روح بن القاسم حدثني عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ قال : { لا يحل في البر والتمر زكاة حتى يبلغ خمسة أوسق ، ولا يحل في الورق زكاة حتى يبلغ خمس أواقي ولا يحل في الإبل زكاة حتى تبلغ خمس ذود } . فنفى رسول الله ﷺ الزكاة عما لم يبلغ خمسة أوسق من البر ، فبطل بهذا إيجاب الزكاة فيه على كل حال ؛ مجموعا إلى شعير أو غير مجموع . قال أبو محمد : وكلهم متفق على أن لا يجمع التمر إلى الزبيب ، وما نسبة أحدهما من الآخر إلا كنسبة البر من الشعير ؛ فلا النص اتبعوا ، ولا القياس طردوا ، ولا خلاف بين كل من يرى الزكاة في الخمسة الأوسق فصاعدا - لا في أقل - في أنه لا يجمع التمر إلى البر ، ولا إلى الشعير ؟ .
646 - مسألة : وأما أصناف القمح فيضم بعضها إلى بعض ؛ وكذلك تضم أصناف الشعير بعضها إلى بعض ؛ وكذلك أصناف التمر بعضها إلى بعض العجوة ، والبرني ، والصيحاني وسائر أصنافه . وهذا لا خلاف فيه من أحد ؛ لأن اسم بر يجمع أصناف البر ؛ واسم تمر يجمع أصناف التمر ؛ واسم شعير يجمع أصناف الشعير - وبالله تعالى التوفيق .
647 - مسألة : ومن كانت له أرضون شتى في قرية واحدة ؛ أو في قرى شتى في عمل مدينة واحدة أو في أعمال شتى - ولو أن إحدى أرضيه في أقصى الصين ، والأخرى إلى أقصى الأندلس - : فإنه يضم كل قمح أصاب في جميعها بعضها إلى بعض ؛ وكل شعير أصابه في جميعها بعضه إلى بعض ، فيزكيه ؛ لأنه مخاطب بالزكاة في ذاته ، مرتبة بنص القرآن والسنن في ذمته وماله ، دون أن يخص الله تعالى ؛ أو رسوله ﷺ بذلك ما كان في طسوج واحدا ، أو رستاق واحد - : مما في طسوجين ، أو رستاقين ؛ وتخصيص القرآن والسنة بالآراء الفاسدة : باطل مقطوع به - وبالله تعالى التوفيق .
648 - مسألة : ومن لقط السنبل فاجتمع له من البر خمسة أوسق فصاعدا ، ومن الشعير كذلك - : فعليه الزكاة فيها ، العشر فيما سقي بالسماء ، أو بالنهر أو بالعين ، أو بالساقية ، ونصف العشر فيما سقي بالنضح ؛ ولا زكاة على من التقط من التمر خمسة أوسق - وبإيجاب الزكاة في ذلك يقول أبو حنيفة ؟ برهان ذلك - : أن رسول الله ﷺ أوجبها على مالكها الذي يخرج في ملكه الحب من سنبله إلى إمكان كيله ؛ ولم يخص عليه السلام من أصابه من حرثه أو من غير حرثه ؛ ولا شيء في ذلك على صاحب الزرع الذي التقط هذا منه ؛ لأنه خرج من ملكه قبل إمكان الكيل فيه الذي به تجب الزكاة ، وليس كذلك ما التقط من التمر ؛ لأن الزكاة فيه واجبة على من أزهى التمر في ملكه ؛ بخلاف البر والشعير - وبالله تعالى نتأيد .
649 - مسألة : والزكاة واجبة على من أزهى التمر في ملكه - والإزهاء : هو احمراره في ثماره - وعلى من ملك البر ، والشعير قبل دراسهما ، وإمكان تصفيتهما من التبن وكيلهما بأي وجه ملك ذلك ، من ميراث ، أو هبة ، أو ابتياع ، أو صدقة ، أو إصداق ، أو غير ذلك ؟ ولا زكاة على من انتقل ملكه عن التمر قبل الإزهاء ، ولا على من ملكها بعد الإزهاء ، ولا على من انتقل ملكه عن البر ، والشعير ، قبل دراسهما وإمكان تصفيتهما وكيلهما ؛ ولا على من ملكهما بعد إمكان تصفيتهما وكيلهما ؟ برهان ذلك - : قول رسول الله ﷺ : { ليس فيما دون خمسة أوسق من حب ولا تمر صدقة } فلم يوجب النبي ﷺ في الحب صدقة إلا بعد إمكان توسيقه ؛ فإن صاحبه حينئذ مأمور بكيله وإخراج صدقته ؛ فليس تأخيره الكيل - وهو له ممكن - بمسقط حق الله تعالى فيه ؛ ولا سبيل إلى التوسيق الذي به تجب الزكاة قبل الدراس أصلا ؛ فلا زكاة فيه قبل الدراس ؛ لأن الله تعالى لم يوجبها ولا رسوله ﷺ . فمن سقط ملكه عنه قبل الدراس - ببيع أو هبة ، أو إصداق : أو موت ، أو جائحة ، أو نار ، أو غرق ، أو غصب - فلم يمكنه إخراج زكاته في وقت وجوبها ، ولا وجبت الزكاة عليه وهو في ملكه . ومن أمكنه الكيل وهو في ملكه فهو الذي خوطب بزكاته ؛ فمن ملكه بعد ذلك فإنما ملكه بعد وجوب الزكاة على غيره ؟ وليس التمر كذلك ؛ لأن النص جاء بإيجاب الزكاة فيه إذا بدا طيبه ، كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ؟ ومن خالفنا في هذا ورأى الزكاة في البر ، والشعير إذا يبسا واستغنيا عن الماء . سألناه عن الدليل على دعواه هذه ؟ ولا سبيل له إلى ذلك وعارضناه بقول أبي حنيفة الذي يرى على من باع زرعا أخضر قصيلا ففصله المشتري وأطعمه دابته قبل أن يظهر فيه شيء من الحب - : أن الزكاة على البائع ، عشر الثمن أو نصف عشره ، ولا سبيل لأحدهما إلى ترجيح قول على الآخر ؟ ولو صح قول من رأى الزكاة واجبة فيه قبل دراسه - : لكان واجبا إذا أدى العشر منه كما هو في سنبله أن يجزئه ؛ وهذا ما لا يقولونه
650 - مسألة : وأما النخل فإنه إذا أزهى خرص وألزم الزكاة كما ذكرنا ، وأطلقت يده عليه يفعل به ما شاء ؛ والزكاة في ذمته حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - ومحمد بن جعفر غندر ثنا شعبة قال : سمعت خبيب بن عبد الرحمن يحدث عن عبد الرحمن بن مسعود بن نيار قال : أتانا سهل بن أبي حثمة فقال : قال رسول الله ﷺ : { إذا خرصتم فخذوا أو دعوا الثلث ؛ فإن لم تأخذوا فدعوا الربع } شك شعبة في لفظة تأخذوا و " تدعوا " ؟ حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة . وهي تذكر شأن خيبر قالت { كان رسول الله ﷺ يبعث عبد الله بن رواحة إلى اليهود فيخرص النخل حين يطيب أول الثمر قبل أن يؤكل ، ثم يخيرون اليهود بين أن يأخذوها بذلك الخرص أو يدفعوها إليهم بذلك } وإنما كان أمر رسول الله ﷺ بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفترق .
651 - مسألة : فإذا خرص كما ذكرنا فسواء باع الثمرة صاحبها أو وهبها أو تصدق بها أو أطعمها أو أجيح فيها - : كل ذلك لا يسقط الزكاة عنه ؛ لأنها قد وجبت ، وأطلق على الثمرة وأمكنه التصرف فيها بالبيع وغيره ، كما لو وجدها ، ولا فرق ؟
652 - مسألة : فإذا غلط الخارص أو ظلم - فزاد أو نقص - : رد الواجب إلى الحق ، فأعطي ما زيد عليه وأخذ منه ما نقص ؟ لقول الله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط } والزيادة من الخارص ظلم لصاحب الثمرة بلا شك ، وقد قال تعالى : { ولا تعتدوا } فلم يوجب الله تعالى على صاحب الثمرة إلا العشر ، لا أقل ولا أكثر ، أو نصف العشر ، لا أقل ولا أكثر ، ونقصان الخارص ظلم لأهل الصدقات وإسقاط لحقهم ، وكل ذلك إثم وعدوان .
653 - مسألة : فإن ادعى أن الخارص ظلمه أو أخطأ ؟ لم يصدق إلا ببينة إن كان الخارص عدلا عالما ، فإن كان جاهلا أو جائرا فحكمه مردود ؟ لأنه إن كان جائرا فهو فاسق فخبره مردود . لقول الله تعالى : { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } . وإن كان جاهلا فتعرض الجاهل للحكم في أموال الناس بما لا يدري جرحة ؛ وأقل ذلك أنه لا يحل توليته ؛ فإذ هو كذلك فتوليته باطل مردود لقول رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .
654 - مسألة : ولا يجوز خرص الزرع أصلا ؛ لكن إذا حصد ، ودرس ، فإن جاء الذي يقبض الزكاة حينئذ فقعد على الدروس والتصفية والكيل فله ذلك ، ولا نفقة له على صاحب الزرع ؟ لأنه لم يأت عن رسول الله ﷺ أنه خرص الزرع ، فلا يجوز خرصه ؛ لأنه إحداث حكم لم يأت به نص - وبالله تعالى التوفيق . وأما النفقة فإن الله تعالى يقول : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } .
========
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672)
كتاب الزكاة
656 - مسألة : ومن ساقى حائط نخل أو زارع أرضه بجزء مما يخرج منها فأيهما وقع في سهمه خمسة أوسق فصاعدا من تمر ، أو خمسة أوسق كذلك من بر ، أو شعير : فعليه الزكاة ، وإلا فلا ؟ وكذلك من كان له شريك فصاعدا في زرع أو في ثمرة نخل بحبس ، أو ابتياع ، أو بغير ذلك من الوجوه كلها ولا فرق ؟ فإن كانت على المساكين ، أو العميان ، أو المجذومين ، أو في السبيل ، أو ما أشبه ذلك - مما لا يتعين بأهله - أو على مسجد ، أو نحو ذلك : فلا زكاة في شيء من ذلك كله ؟ لأن الله تعالى لم يوجب الزكاة في أقل من خمسة أوسق مما ذكرنا ؛ ولم يوجبها على شريك من أجل ضم زرعه إلى زرع شريكه ، قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . وأما من لا يتعين فليس يصح أنه يقع لأحدهم خمسة أوسق ؛ ولا زكاة إلا على مسلم يقع له مما يصيب خمسة أوسق ؟ وقال أبو حنيفة في كل ذلك الزكاة ؟ وهذا خطأ ، لما قد ذكرنا من أنه لا شريعة على أرض ، وإنما الشريعة على الناس ، والجن ؛ ولو كان ما قالوا لوجبت الزكاة في أراضي الكفار فإن قالوا : الخراج ناب عنها ؟ قلنا : كانوا في عصر النبي ﷺ لا خراج عليهم ، فكان يجب على قولكم أن تكون الزكاة فيما أخرجت أرضهم ؛ وهذا باطل بإجماع من أهل النقل ، وبإجماعهم مع سائر المسلمين . وقال الشافعي : إذا اجتمع للشركاء كلهم خمسة أوسق فعليهم الزكاة - وسنذكر بطلان هذا القول - إن شاء الله تعالى - في زكاة الخلطاء في الماشية ، وجملة الرد عليه أنه إيجاب شرع بلا برهان أصلا - وبالله تعالى التوفيق .
657 - مسألة : ولا يجوز أن يعد الذي له الزرع أو التمر ما أنفق في حرث أو حصاد ، أو جمع ، أو درس ، أو تزبيل أو جداد أو حفر أو غير ذلك - : فيسقطه من الزكاة وسواء تداين في ذلك أو لم يتداين ، أتت النفقة على جميع قيمة الزرع أو الثمر أو لم تأت ، وهذا مكان قد اختلف السلف فيه ؟ - : حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن أبي عوانة عن أبي بشر هو جعفر بن أبي وحشية - عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس ، وابن عمر ، في الرجل ينفق على ثمرته ، قال أحدهما : يزكيها ، وقال الآخر : يرفع النفقة ويزكي ما بقي . وعن عطاء : أنه يسقط مما أصاب النفقة ، فإن بقي مقدار ما فيه الزكاة زكى ، وإلا فلا ؟ قال أبو محمد : أوجب رسول الله ﷺ في التمر والبر والشعير : الزكاة جملة إذا بلغ الصنف منها خمسة أوسق فصاعدا ؛ ولم يسقط الزكاة عن ذلك بنفقة الزارع وصاحب النخل ؛ فلا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سنة ثابتة ؟ وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابنا ، إلا أن مالكا ، وأبا حنيفة ، والشافعي في أحد قوليه تناقضوا وأسقطوا الزكاة عن الأموال التي أوجبها الله تعالى فيها إذا كان على صاحبها دين يستغرقها أو يستغرق بعضها ؛ فأسقطوها عن مقدار ما استغرق الدين منها .
658 - مسألة : ولا يجوز أن يعد على صاحب الزرع في الزكاة ما أكل هو وأهله فريكا أو سويقا - قل أو كثر - ولا السنبل الذي يسقط فيأكله الطير أو الماشية أو يأخذه الضعفاء ، ولا ما تصدق به حين الحصاد ؛ لكن ما صفي فزكاته عليه ؟ برهان ذلك - : ما ذكرنا قبل أن الزكاة لا تجب إلا حين إمكان الكيل ، فما خرج عن يده قبل ذلك فقد خرج قبل وجوب الصدقة فيه . وقال الشافعي : والليث ، كذلك . وقال مالك ، وأبو حنيفة : يعد عليه كل ذلك . قال أبو محمد : هذا تكليف ما لا يطاق ، وقد يسقط من السنبل ما لو بقي لأتم خمسة أوسق ، وهذا لا يمكن ضبطه ولا المنع منه أصلا . والله تعالى يقول : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .
659 - مسألة : وأما التمر : ففرض على الخارص أن يترك له ما يأكل هو وأهله رطبا على السعة ، لا يكلف عنه زكاة . وهو قول الشافعي ، والليث بن سعد . وقال مالك ، وأبو حنيفة : لا يترك له شيئا ؟ برهان صحة قولنا حديث سهل بن أبي حثمة الذي ذكرنا قبل من قول رسول الله ﷺ : { إذا خرصتم فخذوا أو دعوا الثلث أو الربع } ولا يختلف القائلون بهذا الخبر - وهم أهل الحق الذين إجماعهم الإجماع المتبع - في أن هذا على قدر حاجتهم إلى الأكل رطبا - : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا هشيم ، وزيد كلاهما : عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار قال : بعث عمر بن الخطاب أبا حثمة الأنصاري على خرص أموال المسلمين ، فقال : إذا وجدت القوم في نخلهم قد خرفوا فدع لهم ما يأكلون ، لا تخرصه عليهم . وبه إلى أبي عبيد عن يزيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن محمد بن يحيى بن حبان أن أبا ميمونة أخبره عن سهل بن أبي حثمة : أن مروان بعثه خارصا للنخل ، فخرص مال سعد بن أبي وقاص سبعمائة وسق ، وقال : لولا أني وجدت فيه أربعين عريشا لخرصته تسعمائة وسق ؛ ولكني تركت لهم قدر ما يأكلون . قال أبو محمد : هذا فعل عمر بن الخطاب ، وأبي حثمة ، وسهل ، ثلاثة من الصحابة ، بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، لا مخالف لهم يعرف منهم ، وهم يشنعون بمثل ذلك إذا وافقهم - وبالله تعالى التوفيق . وقال أبو يوسف ، ومحمد : يزكي ما بقي بعدما يأكل - وهذا تخليط ومخالفة للنصوص كلها .
660 - مسألة : وإن كان زرع ، أو نخل يسقى بعض العام بعين ، أو ساقية من نهر أو بماء السماء ، وبعض العام بنضح ، أو سانية ، أو خطارة ، أو دلو ، فإن كان النضح زاد في ذلك زيادة ظاهرة وأصلحه : فزكاته نصف العشر فقط ؛ وإن كان لم يزد فيه شيئا ولا أصلح فزكاته العشر . قال أبو محمد : وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : يزكي على الأغلب من ذلك ؛ وهو قول رويناه عن بعض السلف - : حدثنا حمام ثنا أبو محمد الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال قلت لعطاء : في المال يكون على العين أو بعلا عامة الزمان ، ثم يحتاج إلى البئر يسقى بها ؟ فقال : إن كان يسقى بالعين أو البعل أكثر مما يسقى بالدلو : ففيه العشر ، وإن كان يسقى بالدلو أكثر مما يسقى بالبعل : ففيه نصف العشر قال أبو الزبير : سمعت جابر بن عبد الله ، وعبيد بن عمير يقولان هذا القول . وقال مالك مرة : إن زكاته بالذي غذاه به وتم به ، لا أبالي بأي ذلك كان أكثر سقيه فزكاته عليه - وقال مرة أخرى : يعطي نصف زكاته العشر ونصفها نصف العشر ، وهكذا قال الشافعي . قال أبو محمد : قد حكم النبي ﷺ فيما سقي بالنضح بنصف العشر ، وبلا شك أن السماء تسقيه ويصلحه ماء السماء ؛ بل قد شاهدنا جمهور السقاء بالعين والنضح إن لم يقع عليه ماء السماء تغير ولا بد ، فلم يجعل عليه السلام لذلك حكما ؛ فصح أن النضح إذا كان مصلحا للزرع أو النخل فزكاته نصف العشر فقط : وهذا مما ترك الشافعيون فيه صاحبا لا يعرف له مخالف منهم .
661 - مسألة : ومن زرع قمحا أو شعيرا مرتين في العام أو أكثر ، أو حملت نخلة بطنين في السنة فإنه لا يضم البر الثاني ولا الشعير الثاني ولا التمر الثاني إلى الأول ؛ وإن كان أحدهما ليس فيه خمسة أوسق لم يزكه ؛ وإن كان كل واحد منهما ليس فيه خمسة أوسق بانفراده لم يزكهما . قال علي : وذلك أنه لو جمعا لوجب أن يجمع بين الزرعين والتمرتين ولو كان بينهما عامان أو أكثر ؛ وهذا باطل بلا خلاف ، وإذ صح نفي رسول الله ﷺ الزكاة عما دون خمسة أوسق فقد صح أنه راعى المجتمع ، لا زرعا مستأنفا لا يدرى أيكون أم لا - وبالله تعالى التوفيق .
662 - مسألة : وإن كان قمح بكير أو شعير بكير أو تمر بكير وآخر من جنس كل واحد منها مؤخر ، فإن يبس المؤخر أو أزهى قبل تمام وقت حصاد البكير وجداده فهو كله زرع واحد وتمر واحد ، يضم بعضه إلى بعض ، وتزكى معا ؛ إن لم ييبس المؤخر ولا أزهى إلا بعد انقضاء وقت حصاد البكير فهما زرعان وتمران ، يضم أحدهما إلى الآخر ولكل واحد منهما حكمه . برهان ذلك - : أن كل زرع وكل تمر فإن بعضه يتقدم بعضا في اليبس والإزهاء ؛ وإن ما زرع في تشرين الأول يبدأ يبسه قبل أن ييبس ما زرع في شباط ، إلا أنه لا ينقضي وقت حصاد الأول حتى يستحصد الثاني ؛ لأنها صيفة واحدة ، وكذلك التمر - وأما إذا كان لا يجتمع وقت حصادهما ولا يتصل وقت إزهائهما فهما زمنان اثنان كما قدمنا - وبالله تعالى التوفيق . وأبكر ما صح عندنا يقينا : أنه يبدأ بأن يزرع في بلاد من شنت برية ، وهي من عمل مدينة سالم بالأندلس ، فإنهم يزرعون الشعير في آخر أيلول وهو " شتنبر " لغلبة الثلج على بلادهم ، حتى يمنعهم من زرعها إن لم يبكروا به كما ذكرنا ؛ ويتصل الزرع بعد ذلك مدة ستة أشهر وزيادة أيام ، فقد شاهدنا في الأعوام زريعة القمح والشعير في صدر " آذار " وهو " مرس " . وأبكر ما صح عندنا حصاده فألش فألش " من عمل " تدمير " فإنهم يبدءون بالحصاد في أيام باقية من " نيسان " وهو " أبريل " ويتصل الحصاد أربعة أشهر إلى صدر زمن " أيلول " وهو " أغشت " وهي كلها صيفة واحدة ، واستحصاد واحد متصل .
663 - مسألة : فلو حصد قمح أو شعير ثم أخلف في أصوله زرع فهو زرع آخر ، لا يضم إلى الأول ؛ لما ذكرنا قبل - وبالله تعالى التوفيق .
664 - مسألة : والزكاة واجبة في ذمة صاحب المال لا في عين المال ؛ قال أبو محمد : وقد اضطربت أقوال المخالفين في هذا . وبرهان صحة قولنا - : هو أن لا خلاف بين أحد من الأمة - من زمننا إلى زمن رسول الله ﷺ - في أن من وجبت عليه زكاة بر أو شعير أو تمر أو فضة أو ذهب أو إبل أو بقر أو غنم فأعطى زكاته الواجبة عليه من غير ذلك الزرع ومن غير ذلك التمر ومن غير ذلك الذهب ومن غير تلك الفضة ومن غير تلك الإبل ومن غير تلك البقر ومن غير تلك الغنم - : فإنه لا يمنع من ذلك ، ولا يكره ذلك له ، بل سواء أعطى من تلك العين ، أو مما عنده من غيرها ، أو مما يشتري ، أو مما يوهب ، أو مما يستقرض ، فصح يقينا أن الزكاة في الذمة لا في العين إذ لو كانت في العين لم يحل له البتة أن يعطي من غيرها ، ولوجب منعه من ذلك ، كما يمنع من له شريك في شيء من كل ذلك أن يعطي شريكه من غير العين التي هم فيها شركاء إلا بتراضيهما ، وعلى حكم البيع ؟ وأيضا - فلو كانت الزكاة في عين المال لكانت لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما - : إما أن تكون في كل جزء من أجزاء ذلك المال ، أو تكون في شيء منه بغير عينه . فلو كانت في كل جزء منه لحرم عليه أن يبيع منه رأسا أو حبة فما فوقها ؛ لأن لأهل الصدقات في ذلك الجزء شريكا ، ولحرم عليه أن يأكل منها شيئا لما ذكرنا ، وهذا باطل بلا خلاف . وللزمه أيضا : أن لا يخرج الشاة إلا بقيمة مصححة مما بقي ، كما يفعل في الشركات ولا بد ، وإن كانت الزكاة في شيء منه بغير عينه ؛ فهذا باطل . وكان يلزم أيضا : مثل ذلك سواء سواء ؛ لأنه كان لا يدري لعله يبيع أو يأكل الذي هو حق أهل الصدقة . فصح ما قلنا يقينا - وبالله تعالى التوفيق .
665 - مسألة : فكل مال وجبت فيه زكاة من الأموال التي ذكرنا ، فسواء تلف ذلك أو بعضه - أكثره أو أقله - إثر إمكان إخراج الزكاة منه ، إثر وجوب الزكاة بما قل من الزمن أو كثر ، بتفريط تلف أو بغير تفريط - : فالزكاة كلها واجبة في ذمة صاحبه كما كانت لو لم يتلف ، ولا فرق ؛ لما ذكرنا من أن الزكاة في الذمة لا في عين المال ؟ وإنما قلنا : إثر إمكان إخراج الزكاة منه لأنه إن أراد إخراج الزكاة من غير عين المال الواجبة فيه لم يجبر على غير ذلك ، والإبل وغيرها في ذلك سواء ، إلا أن تكون مما يزكى بالغنم وله غنم حاضرة فهذا تلزمه الزكاة من الغنم الحاضرة ، وليس له أن يمطل بالزكاة حتى يبيع من تلك الإبل ، لقول الله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } .
666 - مسألة : وكذلك لو أخرج الزكاة وعزلها ليدفعها إلى المصدق أو إلى أهل الصدقات فضاعت الزكاة كلها أو بعضها فعليه إعادتها كلها ولا بد ، لما ذكرنا ؛ ولأنه في ذمته حتى يوصلها إلى من أمره الله تعالى بإيصالها إليه - وبالله تعالى التوفيق . وهو قول الأوزاعي ، وظاهر قول الشافعي في بعض أقواله ؟ وقال أبو حنيفة : إن هلك المال بعد الحول - ولم يحد لذلك مدة - فلا زكاة عليه بأي وجه هلك ؛ فلو هلك بعضه فعليه زكاة ما بقي فقط ، قل أو كثر ؛ ولا زكاة عليه فيما تلف ، فإن كان هو استهلكه فعليه زكاته ؟ . قال أبو محمد : وهذا خطأ ، لما ذكرنا قبل ؛ فإن لجأ إلى أن الزكاة في عين المال ، قلنا له : هذا باطل بما قدمنا آنفا ، ثم هبك لو كان ذلك كما تقول لما وجب عليه زكاة ما بقي من المال إذا كان الباقي ليس مما يجب في مقداره الزكاة لو لم يكن معه غيره ؛ لأن التالف عندكم لا زكاة فيه لتلفه ، والباقي ليس نصابا ، فإن كان الباقي فيه الزكاة واجبة ؟ فالتالف فيه الزكاة واجبة ولا فرق . وقد قدمنا ؛ أن الزكاة ليست مشاعة في المال في كل جزء منه كالشركة ؛ إذ لو كان ذلك لما جاز إخراجها إلا بقيمة محققة منسوبة مما بقي . وقد قال الشافعي بهذا في زكاة الإبل ، وقال به أصحاب أبي حنيفة في الطعام يخرج عن الطعام من صنفه أو من غير صنفه ؛ فظهر تناقضهم ؟ وقال مالك : إن تلف الناض بعد الحول ولم يفرط في أداء زكاته فرجع إلى ما لا زكاة فيه فلا زكاة عليه فيه ؛ وكذلك لو عزل زكاة الطعام فتلفت فلا شيء عليه غيرها ، لا عن الكل ولا عما بقي ، فلو لم يفعل وأدخله بيته فتلف فعليه ضمان زكاته قال أبو محمد : وهذا خطأ ؛ لأن الزكاة الواجبة لأهل الصدقات ليست عينا معينة ؛ بلا خلاف من أحد من الأمة ولا جزءا مشاعا في كل جزء من المال . وهذان الوجهان هما اللذان يكون من كانا عنده بحق مؤتمنا عليه فلا ضمان عليه فيما تلف من غير تعديه ؛ فإذ الزكاة كما ذكرنا وإنما هي حق مفترض عليه في ذمته حتى يؤديه إلى المصدق ، أو إلى من جعلها الله تعالى له - : فهي دين عليه لا أمانة عنده والدين مؤدى على كل حال - وبالله تعالى التوفيق . وروينا من طريق ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث ، وجرير ، والمعتمر بن سليمان التيمي ، وزيد بن الحباب ، وعبد الوهاب بن عطاء ، قال حفص عن هشام بن حسان عن الحسن البصري ؛ و قال جرير عن المغيرة عن أصحابه ؛ وقال المعتمر عن معمر عن حماد ، وقال زيد عن شعبة عن الحكم ؛ وقال عبد الوهاب عن ابن أبي عروبة عن حماد عن إبراهيم النخعي ، ثم اتفقوا كلهم : فيمن أخرج زكاة ماله فضاعت : أنها لا تجزي عنه وعليه إخراجها ثانية ؟ وروينا عن عطاء : أنها تجزئ عنه ؟
667 - مسألة : وأي بر أعطى ، أو أي شعير : في زكاته كان أدنى مما أصاب أو أعلى - : أجزأه ، ما لم يكن فاسدا بعفن ، أو تآكل ، فلا يجزئ عن صحيح ، أو ما كان رديئا برهان ذلك - : أنه إنما عليه بالنص عشر مكيلة ما أصاب أو نصف عشرها إذا كانت خمسة أوسق فصاعدا ، ولو كان لا يجزئه أدنى من صفة ما أصاب لكان لا يجزئه أعلى من تلك الصفة ؛ وهذا لا يقولونه ، فإذا لم يلزمه بالنص من العين التي أصاب ؛ فمن ادعى أن لا يجزئه إلا مثل صفة التي أصاب لم يقبل قوله إلا ببرهان . وأما قولنا - : إلا أن يكون الذي أعطى فاسدا عن صحيح فلأن المكيلة عليه بالنص وبالإجماع ، وبالعيان ندري أن العفن والمتآكل قد نقصا من المكيلة ما لا يقدر على إيفائه أصلا ، ولا يجزئه إلا المكيلة تامة - وبالله تعالى التوفيق .
668 - مسألة : وكذلك القول في زكاة التمر ، أي تمر أخرج أجزأه ، سواء من جنس تمره ، أو من غير جنسه ، أدنى من تمره أو أعلى ، ما لم يكن رديا كما ذكرنا ، أو معفونا أو متآكلا ، أو الجعرور ، أو لون الحبيق فلا يجزئ إخراج شيء من ذلك أصلا ، وسواء كان تمره كله من هذين النوعين أو من غيرهما ، وعليه أن يأتي بتمر سالم غير رديء ، ولا من هذين اللونين . برهان ذلك - : قول الله تعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا سليمان بن كثير ثنا الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه { أن رسول الله ﷺ نهى عن لونين من التمر : الجعرور ، ولون الحبيق ، وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم فيخرجونها في الصدقة ؛ فنهوا عن ذلك } ، ونزلت { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا مؤمل بن إسماعيل الحميري ثنا سفيان الثوري ثنا إسماعيل السدي عن أبي مالك عن البراء بن عازب قال كانوا يجيئون في الصدقة بأدنى طعامهم ، وأدنى تمرهم ، فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } . فإن قال قائل : الخبيث لا يكون إلا حراما ؟ قلنا : نعم ، وهذا المنهي عن إخراجه في الصدقة هو حرام فيها ، فهو خبيث فيها لا في غيرها ؛ ولا ينكر كون الشيء طاعة في وجه معصية في وجه آخر ؛ كالأكل للصائم عند غروب الشمس ، هو طاعة الله تعالى طيب حلال ، ولو أكله في صلاة المغرب لأكل حراما عليه خبيثا في تلك الحال ، وكذلك الميتة ولحم الخنزير ، هما حرامان خبيثان لغير المضطر ، وهما للمضطر غير المتجانف لإثم حلالان طيبان غير خبيثين ؛ وهكذا أكثر الأشياء في الشرائع . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا سعيد بن سليمان ثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال { نهى رسول الله ﷺ عن الجعرور ، ولون ابن حبيق أن يؤخذا في الصدقة } قال الزهري : لونين من تمر المدينة ؟
======
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 673)
كتاب الزكاة
669 - مسألة : الغنم في اللغة التي بها خاطبنا رسول الله ﷺ اسم يقع على الضأن والماعز ، فهي مجموع بعضها إلى بعض في الزكاة . وكذلك أصناف الماعز والضأن ، كضأن بلاد السودان وماعز البصرة والنفد وبنات حذف وغيرها . وكذلك المقرون الذي نصفه خلقة ماعز ، ونصفه ضأن ، لأن كل ذلك من الغنم ، والذكور والإناث سواء . واسم الشاء أيضا - : واقع على المعز والضأن كما ذكرنا في اللغة . ولا واحد للغنم من لفظه ، إنما يقال للواحد : شاة ، أو ماعزة ، أو ضانية ، أو كبش ، أو تيس : هذا ما لا خلاف فيه بين أهل اللغة - وبالله تعالى التوفيق .
670 - مسألة : ولا زكاة في الغنم حتى يملك المسلم الواحد منها أربعين رأسا حولا كاملا متصلا عربيا قمريا . وقد اختلف السلف في هذا ، وسنذكره في زكاة الفوائد ، إن شاء الله تعالى : ويكفي من هذا أن { رسول الله ﷺ أوجب الزكاة في الماشية ، ولم يحد وقتا } ولا ندري من هذا العموم متى تجب الزكاة ، إلا أنه لم يوجبها عليه السلام في كل يوم ، ولا في كل شهر ، ولا مرتين في العام فصاعدا ، هذا منقول بإجماع إليه ﷺ فإذ لا شك في أنها مرة في الحول ، فلا يجب فرض إلا بنقل صحيح إلى رسول الله ﷺ . ووجدنا من أوجب الزكاة في أول الحول ، أو قبل تمام الحول لم ينقل ذلك إلى رسول الله ﷺ لا بنقل آحاد ولا بنقل تواتر ولا بنقل إجماع ، ووجدنا من أوجبها بانقضاء الحول قد صح وجوبها بنقل الإجماع عن النبي ﷺ حينئذ بلا شك ؛ فالآن وجبت ، لا قبل ذلك فإن احتج بقول الله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } . قلنا : إنما تجب المسارعة إلى الفرض بعد وجوبه لا قبل وجوبه ، وكلامنا في هذه المسألة وفي أخواتها إنما هو في وقت الوجوب ، فإذا صح وجوب الفرض فحينئذ تجب المسارعة إلى أدائه لا قبل ذلك ، بلا خلاف وأما قولنا : أن يكون الحول عربيا فلا خلاف بين أحد من الأمة في أن الحول اثنا عشر شهرا ، وقال الله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم } . والأشهر الحرم لا تكون إلا في الشهور العربية . وقال تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } . وقال تعالى : { لتعلموا عدد السنين والحساب } . ولا يعد بالأهلة إلا العام العربي ؛ فصح أنه لا تجب شريعة مؤقتة بالشهور أو بالحول إلا بشهور العرب ، والحول العربي - وبالله تعالى التوفيق ؟ .
671 - مسألة : فإذا تمت في ملكه عاما كما ذكرنا ، سواء كانت كلها ماعزا ، أو بعضها - أكثرها أو أقلها - ضأنا ، وسائرها كذلك معزى - : ففيها شاة واحدة لا نبالي ضانية كانت أو ماعزة ، كبشا ذكرا أو أنثى من كليهما ، كل رأس تجزئ منهما عن الضأن ، وعن الماعز ؛ وهكذا ما زادت حتى تتم مائة وعشرين كما ذكرنا ؟ فإذا أتمتها وزادت لو بعض شاة كذلك عاما كاملا كما ذكرنا - : ففيها شاتان كما قلنا ، إلى أن تتم مائتي شاة ؟ فإذا أتمتها وزادت ولو بعض شاة كذلك عاما كاملا وصفنا ففيها ثلاث شياه كما حددنا ؛ وهكذا إلى أن تتم أربعمائة شاة كما وصفنا فإذا أتمتها كذلك عاما كاملا كما ذكرنا ففي كل مائة شاة شاة . وأي شاة أعطى صاحب الغنم فليس للمصدق ولا لأهل الصدقات ردها ، من غنمه كانت أو من غير غنمه ، ما لم تكن هرمة أو معيبة ؛ فإن أعطاه هرمة ؛ أو معيبة فالمصدق مخير ، إن شاء أخذها وأجزأت عنه ، وإن شاء ردها وكلفه فتية سليمة ، ولا نبالي كانت تجزئ في الأضاحي أو لا تجزئ ؟ والمصدق هو الذي يبعثه الإمام - الواجبة طاعته - أو أميره في قبض الصدقات ؟ ولا يجوز للمصدق أن يأخذ تيسا ذكرا إلا أن يرضى صاحب الغنم ؛ فيجوز له حينئذ ؛ ولا يجوز للمصدق أن يأخذ أفضل الغنم ، فإن كانت التي تربى أو السمينة ليست من أفضل الغنم جاز أخذها ؛ فإن كانت كلها فاضلة أخذ منها إن أعطاه صاحبها ، سواء فيما ذكرنا كان صاحبها حاضرا أو غائبا إذا أخذ المصدق ما ذكرنا أجزأ ؟ برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ثنا أبي ثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك ( أن أنس بن مالك ) حدثه : أن أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين " هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين ؛ فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سأل فوقها فلا يعط " . ثم ذكر الحديث وفيه - : { في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة } فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين فشاتان ؛ فإذا زادت على مائتين إلى ثلثمائة ففيها ثلاث شياه ؛ فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، ولا يخرج في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار ، ولا تيس إلا ما شاء المصدق . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { كتب رسول الله ﷺ كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض عليه السلام ، فعمل به أبو بكر حتى قبض ، ثم عمل به عمر حتى قبض ، فكان فيه - ذكر الفرائض - : وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة ، إلى عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين ، فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة ، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة شاة ، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد هو ابن مقاتل - أنا عبد الله بن المبارك ثنا زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس قال { قال رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن - فذكر الحديث وفيه - : فأخبرهم أن الله تعالى قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا بذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب } . ففي هذه الأخبار نص كل ما ذكرنا - وفي بعض ذلك خلاف . فمن ذلك - : أن قوما قالوا : لا يؤخذ من الضأن إلا ضانية ، ومن المعز إلا ماعزة فإن كانا خليطين أخذ من الأكثر . قال أبو محمد : وهذا قول بلا برهان ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ولا قياس ؛ بل الذي ذكروا خلاف للسنن المذكورة ، وقد اتفقوا على جمع المعزى مع الضأن ، وعلى أن اسم غنم يعمها ، وأن اسم الشاة يقع على الواحد من الماعز ، ومن الضأن ؛ ولو أن رسول الله ﷺ علم في حكمها فرقا لبينه ، كما خص التيس ، وإن وجد في اللغة اسم التيس يقع على الكبش وجب أن لا يؤخذ في الصدقة إلا برضا المصدق . والعجب أن المانع من أخذ الماعزة عن الضأن أجاز أخذ الذهب عن الفضة والفضة عن الذهب وهما عنده صنفان ، يجوز بيع بعضهما ببعض متفاضلا والخلاف أيضا في مكان آخر : وهو أن قوما قالوا : إن ملك مائة شاة وعشرين شاة وبعض شاة فليس عليه إلا شاة واحدة حتى يتم في ملكه مائة وإحدى وعشرون ، ومن ملك مائتي شاة وبعض شاة فليس عليه إلا شاتان حتى يتم في ملكه مائتا شاة وشاة . واحتجوا بما في حديث ابن عمر " فإن زادت واحدة " كما أوردناه قال أبو محمد : في حديث ابن عمر كما ذكروا ، وفي حديث أبي بكر الذي أوردنا " فإن زادت " ولم يقل " واحدة " فوجدنا الخبرين جميعا متفقين على أنها إن زادت واحدة على مائة وعشرين شاة أو على مائتي شاة فقد انتقلت الفريضة . ووجدنا حديث أبي بكر يوجب انتقال الفريضة بالزيادة على المائة وعشرين وعلى المائتين ، فكان هذا عموما لكل زيادة ، وليس في حديث ابن عمر المنع من ذلك أصلا ، فصار من قال بقولنا قد أخذ بالحديثين ، فلم يخالف واحدا منهما ؛ وصار من قال بخلاف ذلك مخالفا لحديث أبي بكر ، مخصصا له بلا برهان - وبالله تعالى التوفيق . وهاهنا أيضا خلاف آخر : وهو ما رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري ، ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة ، ثم اتفق شعبة ، وسفيان كلاهما عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي أنه قال : إذا زادت الغنم واحدة على ثلثمائة ففيها أربع شياه إلى أربعمائة ، فكل ما زادت واحدة فهو كذلك ؟ قال أبو محمد : ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ ولقد يلزم القائلين بالقياس - لا سيما المالكيين القائلين بأن القياس أقوى من خبر الواحد ، والحنفيين القائلين بأن ما عظمت به البلوى لا يقبل فيه خبر الواحد - : أن يقولوا بقول إبراهيم ؛ لأنهم قد أجمعوا على أن المائتي شاة إذا زادت واحدة فإن الفريضة تنتقل ويجب فيها ثلاث شياه ، فكذلك إذا زادت على الثلاثمائة واحدة أيضا ، فيجب أن تنتقل الفريضة ، ولا سيما والحنفيون قد قلدوا إبراهيم في أخذ الزكاة من البقرة الواحدة تزيد على أربعين بقرة ، واحتجوا بأنهم لم يجدوا في البقر وقصا من تسعة عشر أن يقلدوه هاهنا ويقولوا : لم نجد في الغنم وقصا من مائة وثمان وتسعين شاة ؛ لا سيما ومعهم هاهنا في الغنم قياس مطرد ، وليس معهم في البقر قياس أصلا ، وكل ما موهوا به في البقر فهو لازم لهم فيما زاد على الثلاثمائة من الغنم من قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } ونحو ذلك - وهلا قالوا : هذا مما تعظم به البلوى فلو كان ذلك ما جهله إبراهيم ؟ فإن قالوا : إن خلاف قول إبراهيم قد جاء في حديث أبي بكر ، وخبر ابن عمر ، وعن علي ، وعن صحيفة ابن حزم ؟ قلنا : ليس شيء من هذه الأخبار إلا وقد خالفتموها ، فلم تكن حجة فيما خالفتموه فيه ، وكان حجة عندكم فيما اشتهيتم ، وهذا عجب جدا قال أبو محمد : كله خبط لا معنى له وإنما نريهم تناقضهم وتحكمهم في الدين بترك القياس للسنن إذا وافقت تقليدهم ، وبترك السنن للقياس كذلك ، وبتركهما جميعا كذلك وأما من راعى في الشاة المأخوذة ما تجزئ من الأضحية - وهو أبو حنيفة - فقد أخطأ ؛ لأنه لم يأت بما قال نص ، ولا إجماع ؛ فكيف وقد أجمعوا على أخذ الجذعة فما دونها في زكاة الإبل ، ولا تجزئ في الأضحية ، وإنما { قال عليه السلام لأبي بردة ولن تجزئ جذعة لأحد بعدك } يعني في الأضحية ؛ لأنه عنها سأله ، وقد صح النص بإيجاب الجذعة في زكاة الإبل ؛ فصح يقينا أنه عليه السلام لم يعن إلا الأضحية - وبالله تعالى التوفيق . وأما قولنا إن كانت الغنم كلها كرائم أخذ منها برضا صاحبها ؛ فلأن رسول الله ﷺ { نهى عن كرائم الغنم } ؛ وهذا في لغة العرب يقتضي أن يكون في الغنم - ولا بد - ما ليس بكرائم ، وأما إذا كانت كلها كرائم فلا يجوز أن يقال في شيء منها : هذه كرائم هذه الغنم ؛ لكن يقال هذه كريمة من هذه الغنم الكرائم . وقد روينا عن إبراهيم النخعي أنه قال : يؤمر المصدق أن يصدع الغنم صدعين فيختار صاحب الغنم خير الصدعين ويأخذ المصدق من الآخر ؟ وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أنه قال : يفرق الغنم أثلاثا ، ثلث خيار ، وثلث رذال ، وثلث وسط ؛ ثم تكون الصدقة في الوسط . قال أبو محمد : هذا لا نص فيه ؛ ولكن روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : لا يأخذ المصدق هرمة ولا ذات عوار ولا تيسا . ومن طريق البخاري عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال : قال أبو بكر الصديق : والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليها ؟ ومن طريق عبد الرزاق : أخبرني بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله أن أباه حدثه ( أن سفيان أباه حدثه ) أن عمر بن الخطاب قال له : قل لهم : إني لا آخذ الشاة الأكولة ولا فحل الغنم ، ولا الربى ولا الماخض ، ولكني آخذ العناق والجذعة ، والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره ؟ ومن طريق الأوزاعي عن سالم بن عبد الله المحاربي أن عمر بعثه مصدقا وأمره أن يأخذ الجذعة ، والثنية .
672 - مسألة : وما صغر عن أن يسمى : شاة ، لكن يسمى خروفا ، أو جديا ، أو سخلة : لم يجز أن يؤخذ في الصدقة الواجبة ، ولا أن يعد فيما تؤخذ منه الصدقة ، إلا أن يتم سنة ؛ فإذا أتمها عد ، وأخذت الزكاة منه ؟ قال أبو محمد : هذا مكان اختلف الناس فيه . فقال أبو حنيفة : تضم الفوائد كلها من الذهب ، والفضة ، والمواشي ، إلى ما عند صاحب المال فتزكى مع ما كان عنده ، ولو لم يفدها إلا قبل تمام الحول بساعة . هذا إذا كان الذي عنده تجب في مقدار ما معه الزكاة ، وإلا فلا ، وإنما يراعى في ذلك أن يكون عنده نصاب في أول الحول وآخره ، ولا يبالي أنقص في داخل الحول عن النصاب أم لا ؟ قال : فإن ماتت التي كانت عنده كلها وبقي من عدد الخرفان أكثر من أربعين : فلا زكاة فيها ؟ وكذلك لو ملك ثلاثين عجلا فصاعدا ، أو خمسا من الفصلان فصاعدا ، عاما كاملا دون أن يكون فيها مسنة واحدة فما فوقها - : فلا زكاة عليه فيها ؟ وقال مالك : لا تضم فوائد الذهب ، والفضة ، إلى ما عند المسلم منها ؛ بل يزكى كل مال بحوله ، حاشا ربح المال وفوائد المواشي كلها ؛ فإنها تضم إلى ما عنده ويزكى الجميع بحول ما كان عنده ، ولو لم يفدها إلا قبل الحول بساعة ، إلا أنه فرق بين فائدة الذهب ، والفضة ، والماشية ، من غير الولادة ، فلم ير أن يضم إلى ما عند المرء من ذلك كله إلا إذا كان الذي عنده منها مقدارا تجب في مثله الزكاة وإلا فلا . ورأى أن تضم ولادة الماشية خاصة إلى ما عنده منها ، سواء كان الذي عنده منها تجب في مقداره الزكاة أو لا تجب في مقداره الزكاة . وقال الشافعي : لا تضم فائدة أصلا إلى ما عنده ، إلا أولاد الماشية فقط ، فإنها تعد مع أمهاتها ، ولو لم يتم العدد المأخوذ منه الزكاة بها إلا قبل الحول بساعة ، هذا إذا كانت الأمهات نصابا تجب فيه الزكاة وإلا فلا ، فإن نقصت في بعض الحول عن النصاب : فلا زكاة فيها ؟ قال أبو محمد : أما تناقض مالك ، والشافعي وتقسيمهما فلا خفاء به ، لأنهما قسما تقسيما لا برهان على صحته . وأما أبو حنيفة فله هاهنا أيضا تناقض أشنع من تناقض مالك ، والشافعي ، وهو أنه رأى أن يراعى أول الحول وآخره دون وسط ، ورأى أن تعد أولاد الماشية مع أمهاتها ولو لم تضعها إلا قبل مجيء الساعي بساعة ، ثم رأى في أربعين خروفا صغارا ومعها شاة واحدة مسنة أن فيها الزكاة ، وهي تلك المسنة فقط ؛ فإن لم يكن معها مسنة فلا زكاة فيها ، فإن كانت معه مائة خروف وعشرون خروفا صغارا كلها ومعها مسنة واحدة . قال : إن كان فيها مسنتان فصدقتها تانك المسنتان معا ، وإن كان ليس معهما إلا مسنة واحدة فليس فيها إلا تلك المسنة وحدها فقط ، فإن لم يكن معها مسنة فليس فيها شيء أصلا . وهكذا قال في العجاجيل والفصلان أيضا ، ولو ملكها سنة فأكثر قال أبو محمد : وهذه شريعة إبليس لا شريعة الله تعالى ورسوله محمد ﷺ نعني قوله : إن كان مع المائة خروف والعشرون خروفا : مسنتان زائدتان أخذتا عن زكاة الخرفان كلتاهما ، فإن لم يكن معها إلا مسنة واحدة : أخذت وحدها عن زكاة الخرفان ولا مزيد وما جاء بهذا قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ، ولا قول أحد من الصحابة ولا من التابعين ، ولا أحد نعلمه قبل أبي حنيفة ، ولا قياس ولا رأي سديد . وقد روي عنه أنه قال مرة في أربعين خروفا : يؤخذ عن زكاتها شاة مسنة ، وبه يأخذ زفر ، ثم رجع إلى أن قال : بل يؤخذ عن زكاتها خروف منها ؛ وبه يأخذ أبو يوسف ؛ ثم رجع إلى أن قال : لا زكاة فيها ؛ وبه يأخذ الحسن بن زياد . وقال مالك كقول زفر ، وقال الأوزاعي ، والشافعي ، كقول أبي يوسف ، وقال الشعبي ، وسفيان الثوري ، وأبو سليمان كقول الحسن بن زياد . قال أبو محمد : احتج من رأى أن تعد الخرفان مع أمهاتها بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي عن أبيه عن جده : أنه كان مصدقا في مخاليف الطائف ، فشكا إليه أهل الماشية تصديق الغذاء ، وقالوا : إن كنت معتدا بالغذاء فخذ منه صدقته . قال عمر : فقل لهم : إنا نعتد بالغذاء كلها حتى السخلة يروح بها الراعي على يده ؛ وقل لهم : إني لا آخذ الشاة الأكولة ؛ ولا فحل الغنم ، ولا الربى ، ولا الماخض ؛ ولكني آخذ العناق ، والجذعة ، والثنية : وذلك عدل بين غذاء المال ، وخياره . وروينا هذا أيضا من طريق مالك عن ثور بن زيد عن ابن عبد الله بن سفيان ومن طريق أيوب عن عكرمة بن خالد عن سفيان . ما نعلم لهم حجة غير هذا ؟ قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه : أولها - أنه ليس من قول رسول الله ﷺ ولا حجة في قول أحد دونه . والثاني - أنه قد خالف عمر رضي الله عنه في هذا غيره من أصحاب رسول الله ﷺ كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن مالك عن محمد بن عقبة عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق : أن أبا بكر الصديق كان لا يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول - : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت : لا يزكى حتى يحول عليه الحول : تعني المال المستفاد - : وبه إلى سفيان عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول . وبه إلى سفيان عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول . فهذا عموم من أبي بكر ، وعائشة ، وعلي ، وابن عمر رضي الله عنهم ، لم يخصوا فائدة ماشية بولادة من سائر ما يستفاد ؛ وليس لأحد أن يقول إنهم لم يريدوا بذلك أولاد الماشية إلا كان كاذبا عليهم ، وقائلا بالباطل الذي لم يقولوه قط ؟ وأيضا - فإن الذين حكى عنهم سفيان بن عبد الله أنهم أنكروا أن يعد عليهم أولاد الماشية مع أمهاتها - : قد كان فيهم بلا شك جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ لأن سفيان ذكر أن ذلك كان أيام عمر رضي الله عنه ولي الأمر بعد موت النبي ﷺ بسنتين ونصف ، وبقي عشر سنين ، ومات بعد موت رسول الله ﷺ بثلاث عشرة سنة ، وكانوا بالطائف ، وأهل الطائف أسلموا قبل موت رسول الله ﷺ بنحو عام ونصف ورأوه عليه فقد صح الخلاف في هذا من الصحابة رضي الله عنهم بلا شك ، وإذا كان ذلك فليس قول بعضهم أولى من قول بعض ؛ والواجب في ذلك ما افترضه الله تعالى إذ يقول : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } . والثالث - أنه لم يرو هذا عن عمر من طريق متصلة إلا من طريقين : إحداهما : من طريق بشر بن عاصم بن سفيان عن أبيه ، وكلاهما غير معروف أو من طريق ابن لعبد الله بن سفيان لم يسم . والثانية - من طريق عكرمة بن خالد ، وهو ضعيف . والرابع - أن الحنفيين ، والشافعيين : خالفوا قول عمر في هذه المسألة نفسها ، فقالوا : لا يعتد بما ولدت الماشية إلا أن تكون الأمهات - دون الأولاد - عددا تجب فيه الزكاة وإلا فلا تعد عليهم الأولاد ، وليس هذا في حديث عمر . والخامس - أنهم لا يلتفتون ما قد صح عن عمر رضي الله عنه بأصح من هذا الإسناد ، أشياء لا يعرف له فيها مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، إذا خالف رأي مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي - : كترك الحنفيين ، والشافعيين قول عمر : الماء لا ينجسه شيء . وترك الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين : أخذ عمر الزكاة من الرقيق لغير التجارة ، وصفة أخذه الزكاة من الخيل . وترك الحنفيين إيجاب عمر الزكاة في مال اليتيم ، ولا يصح خلافه عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم . وترك الحنفيين ، والمالكيين : أمر عمر الخارص بأن يترك لأصحاب النخل ما يأكلونه لا يخرصه عليهم ، وغير هذا كثير جدا ؟ فقد وضح أن احتجاجهم بعمر إنما هو حيث وافق شهواتهم لا حيث صح عن عمر من قول أو عمل وهذا عظيم في الدين جدا قال أبو محمد : المرجوع إليه عند التنازع هو القرآن ، وسنة رسول الله ﷺ فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله ﷺ إنما أوجب الزكاة في أربعين شاة فصاعدا كما وصفنا ، وأوجب فيها شاة أو شاتين أو في كل مائة شاة شاة ، وأسقطها عما عدا ذلك . ووجدنا الخرفان والجديان لا يقع عليها اسم شاة ولا اسم شاء في اللغة التي أوجب الله تعالى علينا بها دينه على لسان رسول الله ﷺ . فخرجت الخرفان ، والجديان عن أن تجب فيها زكاة . وأيضا - فقد أجمعوا على أن لا يؤخذ خروف ولا جدي في الواجب في الزكاة عن الشاء فأقروا بأنه لا يسمى شاة ولا له حكم الشاء ، فمن المحال أن يؤخذ منها زكاة ، فلا تجوز هي في الزكاة بغير نص في ذلك . وأيضا - فإن زكاة ماشية لم يحل عليها حول لم يأت به قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ؟ وأما من ملك خرفانا أو عجولا أو فصلانا سنة كاملة فالزكاة فيها واجبة عند تمام العام ؛ لأن كل ذلك يسمى غنما ، وبقرا وإبلا . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا هناد بن السري عن هشيم عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال { أتانا مصدق رسول الله ﷺ فجلست إليه ، فسمعته يقول : إن في عهدي أن لا نأخذ من راضع لبن } . قال أبو محمد : لو أراد أن لا يؤخذ هو في الزكاة لقال " أن لا نأخذ راضع لبن " لكن لما منع من أخذ الزكاة من راضع لبن - وراضع لبن اسم للجنس - صح بذلك أن لا تعد الرواضع فيما تؤخذ منه الزكاة . وما نعلم أحدا عاب هلال بن خباب ، إلا أن يحيى بن سعيد القطان قال : لقيته وقد تغير ، وهذا ليس جرحة ، لأن هشيما أسن من يحيى بنحو عشرين سنة ، فكان لقاء هشيم لهلال قبل تغيره بلا شك . وأما سويد فأدرك النبي ﷺ وأتى إلى المدينة بعد وفاته عليه السلام بنحو خمس ليال ، وأفتى أيام عمر رضي الله عنه - : قال أبو محمد : وأما الشافعي ، وأبو يوسف فطردا قولهما ، إذ أوجبا أخذ خروف صغير في الزكاة عن أربعين خروفا فصاعدا ، ولدت قبل الحول أو ماتت أمهاتها ؟ وأخذ مثل هذا في الزكاة عجب جدا وأما إذا أتمت سنة فاسم شاة يقع عليها فهي معدودة ومأخوذة - وبالله تعالى التوفيق . وحصلوا كلهم على أن ادعوا أنهم قلدوا عمر رضي الله عنه ؛ وهم قد خالفوه في هذه المسألة نفسها ، فلم ير أبو حنيفة ، والشافعي أن تعد الأولاد مع الأمهات إلا إذا كانت الأمهات نصابا ؛ ولم يقل عمر كذلك ؟ وحصل مالك على قياس فاسد متناقض ؛ لأنه قاس فائدة الماشية خاصة - دون سائر الفوائد - على ما في حديث عمر من عد أولادها معها ، ثم نقض قياسه فرأى أن لا تضم فائدة الماشية بهبة ، أو ميراث ، أو شراء إلى ما عنده منها إلا إن كان ما عنده نصابا تجب في مثله الزكاة وإلا فلا - ورأى أن تضم أولادها إليها وإن لم تكن الأمهات نصابا تجب في الزكاة ؟ وهذه تقاسيم لا يعرف أحد قال بها قبلهم ، ولا هم اتبعوا عمر ، ولا طردوا القياس ، ولا اتبعوا نص السنة في ذلك .
========
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 673)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 674)
كتاب الزكاة
673 - مسألة : الجواميس صنف من البقر يضم بعضها إلى بعض . ثم اختلف الناس : فقالت طائفة : لا زكاة في أقل من خمسين من البقر ذكورا أو إناثا ، أو ذكورا ، وإناثا ، فإذا تمت خمسون رأسا من البقر وأتمت في ملك صاحبها عاما قمريا متصلا كما قدمنا - : ففيها بقرة ، إلى أن تبلغ مائة من البقر ، فإذا بلغتها وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها بقرتان ، وهكذا أبدا ، في كل خمسين من البقر بقرة ، ولا شيء زائد في الزيادة حتى تبلغ خمسين ؛ ولا يعد فيها ما لم يتم حولا كما ذكرنا . وقالت طائفة : في خمس من البقر شاة ، وفي عشر شاتان ؛ وفي خمس عشرة ثلاث شياه : وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين من البقر بقرة . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن قال : في كتاب عمر بن الخطاب أن البقر يؤخذ منها ما يؤخذ من الإبل ، يعني في الزكاة ، قال : وقد سئل عنها غيرهم ؟ فقالوا : فيها ما في الإبل . يزيد هذا هو يزيد بن هارون أو ابن زريع . حدثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة كلاهما عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : في كل خمس من البقر شاة ؛ وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه . قال الزهري : فرائض البقر مثل فرائض الإبل ، غير الأسنان فيها ، فإذا كانت البقر خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت على خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى مائة وعشرين فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بقرة . قال الزهري : وبلغنا أن قولهم : قال النبي ﷺ : { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين بقرة } أن ذلك كان تخفيفا لأهل اليمن ، ثم كان هذا بعد ذلك لا يروى - : حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى عن داود عن عكرمة بن خالد قال : استعملت على صدقات عك ، فلقيت أشياخا ممن صدق على عهد رسول الله ﷺ فاختلفوا علي ، فمنهم من قال : اجعلها مثل صدقة الإبل ، ومنهم من قال : في ثلاثين تبيع ، ومنهم من قال : في أربعين بقرة مسنة - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، وأبي قلابة وآخر قالوا : صدقات البقر كنحو صدقات الإبل ، في كل خمس شاة ، وفي كل عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بقرة مسنة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت فبقرتان مسنتان إلى عشرين ومائة ، فإذ زادت ففي كل أربعين بقرة بقرة مسنة - : ورويناه أيضا من طريق محمد بن المثنى عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب كما ذكرنا سواء سواء - : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد الفهمي عن الزهري عن عمر بن عبد الرحمن بن خلدة الأنصاري أن صدقة البقر صدقة الإبل ، غير أنه لا أسنان فيها . فهؤلاء كتاب عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله ، وجماعة أدوا الصدقات على عهد رسول الله ﷺ ومن التابعين : سعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة ، والزهري ، وأبو قلابة ، وغيرهم ؟ واحتج هؤلاء بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن قال : { إن في كتاب صدقة النبي ﷺ وفي كتاب عمر بن الخطاب : أن البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الإبل } - : وبما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر قال { : أعطاني سماك بن الفضل كتابا من النبي ﷺ إلى مالك بن كفلانس المصعبيين فقرأته فإذا فيه فيما سقت السماء والأنهار العشر ، وفيما سقي بالسنا نصف العشر ، وفي البقر مثل الإبل } . وبما ذكرنا آنفا عن الزهري : أن هذا هو آخر الأمر من رسول الله ﷺ وأن الأمر بالتبيع : نسخ بهذا . واحتجوا بعموم الخبر { ما من صاحب بقر لا يؤدي حقها إلا بطح لها يوم القيامة } قالوا : فهذا عموم لكل بقر إلا ما خصه نص أو إجماع . وقالوا : من عمل مثل قولنا كان على يقين بأنه قد أدى فرضه ؛ ومن خالفه لم يكن على يقين من ذلك . فإن ما وجب بيقين لم يسقط إلا بمثله ؟ وقالوا : قد وافقنا أكثر خصومنا على أن البقر تجزئ عن سبعة كالبدنة ؛ وأنها تعوض من البدنة ، وأنها لا يجزئ في الأضحية والهدي من هذه إلا ما يجزئ من تلك ، وأنها تشعر إذا كانت لها أسنمة كالبدن ؛ فوجب قياس صدقتها على صدقتها . وقالوا : لم نجد في الأصول في شيء من الماشية نصابا مبدؤه ثلاثون ؛ لكن إما خمسة كالإبل ، والأواقي ، والأوساق ، وإما أربعون كالغنم ، فكان حمل البقر على الأكثر - وهو الخمسة - أولى . وقالوا : إن احتجوا بالخبر الذي فيه { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة } فنعم ، نحن نقول : بهذا ، أو ليس في ذلك الخبر إسقاط الزكاة عما دون ثلاثين من البقر ، لا بنص ولا بدليل . قال : وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكمه ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة ، وسعيد بن المسيب ، والزهري ، وهؤلاء فقهاء أهل المدينة ، فيلزم المالكيين اتباعهم على أصلهم في عمل أهل المدينة ، وإلا فقد تناقضوا وقالت طائفة : ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء ، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة ، وهو الذي له سنتان ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة ؛ لها أربع سنين ؛ ثم لا شيء فيها حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها تبيعتان ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ سبعين فإذا بلغتها ففيها مسنة وتبيع ، ثم هكذا أبدا ، لا شيء فيها حتى تبلغ عشرا زائدة ، فإذا بلغتها ففي كل ثلاثين من ذلك العدد تبيع ، وفي كل أربعين مسنة ؟ وهذا قول صح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق ، أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي . ورويناه من طريق نافع عن معاذ بن جبل - : ومن طريق عكرمة بن خالد عن قوم صدقوا على عهد رسول الله ﷺ - : ومن طريق ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء - : وهو قول الشعبي ، وشهر بن حوشب ، وطاوس ، وعمر بن عبد العزيز والحكم بن عتيبة ، وسليمان بن موسى ، والحسن البصري ، وذكره الزهري عن أهل الشام ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبي سليمان ورواية غير مشهورة عن أبي حنيفة ؟ واحتج هؤلاء بما رويناه من طريق إبراهيم ، وأبي وائل كلاهما عن مسروق عن معاذ { أن رسول الله ﷺ بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا ، ومن كل أربعين بقرة مسنة } وقال بعضهم : ثنية ومن طريق طاوس عن معاذ مثله ، وأن رسول الله ﷺ لم يأمره فيما دون ذلك بشيء ؟ وعن ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة عن معاذ : { أنه سأل النبي ﷺ عن الأوقاص ، ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، وما بين الأربعين إلى الخمسين ؟ قال : ليس فيها شيء } ؟ ومن طريق الشعبي قال : { كتب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن : في كل ثلاثين بقرة تبيع جذع قد استوى قرناه وفي كل أربعين بقرة بقرة مسنة } . ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبي بكر أخبره أن هذا كتاب رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم { فرائض البقر ليس فيما دون الثلاثين من البقر صدقة ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رائع جذع ، إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة ، إلى أن تبلغ سبعين ، فإذا بلغت سبعين فإن فيها بقرة وعجلا جذعا ، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان ، ثم على هذا الحساب } - : وبما رويناه من طريق سليمان بن داود الجزري عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن ، وبعثه مع عمرو بن حزم ، وهذه نسخته وفيه في كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين باقورة بقرة } . وبما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي ثنا حيوة بن شريح ثنا بقية عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة عن طاوس عن ابن عباس قال : { لما بعث رسول الله ﷺ معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة جذعا أو جذعة ، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة ، قالوا : فالأوقاص ؟ قال : ما أمرني فيها رسول الله ﷺ بشيء ؛ فلما قدم على رسول الله ﷺ سأله ، فقال : ليس فيها شيء } . قال أبو محمد : هذا كل ما احتجوا به ، فقد تقصيناه لهم بأكثر مما - نعلم - تقصوه لأنفسهم .
وقالت طائفة : ليس فيما دون ثلاثين شيء ؛ فإذا بلغت البقر ثلاثين ففيها تبيع ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغتها ففيها بقرة ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ خمسين فإذا بلغتها ففيها بقرة وربع ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ سبعين ؛ فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة - : وروينا هذا من طريق الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة وعن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم فذكره كما أوردنا ؛ وهي رواية غير مشهورة أيضا عن أبي حنيفة ؟ ويمكن أن يموه هؤلاء بالخبر الذي أوردناه آنفا من طريق الحكم عن معاذ عن النبي ﷺ { فيما بين الأربعين والخمسين ليس فيها شيء يعني من البقر } وقالت طائفة : ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ؛ فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة ، فإن زادت واحدة ففيها بقرة وجزء من أربعين من بقرة ؛ وهكذا في كل واحدة تزيد ففيها جزء آخر زائد من أربعين جزءا من بقرة ؛ هكذا إلى الستين ، فإذا بلغتها ففيها تبيعان ؛ ثم لا شيء فيها إلا في كل عشرة زائدة كما ذكرنا قبل ؛ وهي الرواية المشهورة عن أبي حنيفة . وقد روينا من طريق شعبة قال : سألت حمادا هو ابن أبي سليمان - فقلت إن كانت خمسين بقرة ؟ فقال : بحساب ذلك . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا ابن المبارك عن الحجاج هو ابن أرطاة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال : يحاسب صاحب البقر بما فوق الفريضة . ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا زيد بن الحباب العكلي عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول أنه قال في صدقة البقر : ما زاد فبالحساب ؟ قال أبو محمد : هذا عموم إبراهيم ، وحماد ، ومكحول ، وظاهره أن كل ما زاد على الثلاثين إلى الأربعين وعلى الأربعين إلى الستين ففي كل واحدة زائدة جزء من بقرة . وقد ذكرناه عن عكرمة بن خالد أن بعض شيوخ كانوا قد صدقوا على عهد رسول الله ﷺ قالوا : في كل أربعين بقرة بقرة ، مخالفين لمن جعل في أقل من الأربعين شيئا . وذهبت طائفة إلى أنه ليس فيما دون الخمسين ولا ما فوقها شيء ؛ وأن صدقة البقر إنما هي في كل خمسين بقرة بقرة فقط هكذا أبدا كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار قال : كان عمال ابن الزبير ، وابن عوف وعماله ، يأخذون من كل خمسين بقرة بقرة ؛ ومن كل مائة بقرتين ، فإذا كثرت ففي كل خمسين بقرة بقرة . قال أبو محمد : هذا كل ما حضرنا ذكره مما رويناه من اختلاف الناس في زكاة البقر ، وكل أثر رويناه فيها ووجب النظر للمرء لنفسه فيما يدين به ربه تعالى في دينه - : فأول ذلك أن الزكاة فرض واجب في البقر - : كما حدثنا عن عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال " انتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو في ظل الكعبة فذكر أن رسول الله ﷺ قال له { ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه ؛ تنطحه بقرونها ، وتطؤه بأظلافها ، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس ؟ } حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط ، وأقعد لها بقاع قرقر تسير عليه بقوائمها وأخفافها ؛ ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت ، وأقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها } وذكر باقي الخبر . قال أبو محمد : فوجب فرضا طلب ذلك الحد الذي حده الله تعالى منها ، حتى لا يتعدى قال عز وجل : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . فنظرنا القول الأول فوجدنا الآثار الواردة فيه عن النبي ﷺ منقطعة والحجة لا تجب إلا بمتصل ، إلا أنه يلزم القائلين بالمرسل والمنقطع - من الحنفيين ، والمالكيين - أن يقولوا : بها ، وإلا فقد تناقضوا في أصولهم وتحكموا بالباطل ؛ لا سيما مع قول . الزهري : إن هذه الأخبار بها نسخ إيجاب التبيع ، والمسنة : في الثلاثين والأربعين ؛ فلو قبل مرسل أحد لكان الزهري أحق بذلك لعلمه بالحديث ؛ ولأنه قد أدرك طائفة من الصحابة رضي الله عنهم . ولم يحك القول في الثلاثين بالتبيع ، وفي الأربعين بالمسنة إلا عن أهل الشام ، لا عن أهل المدينة ، ووافق الزهري على ذلك سعيد بن المسيب وغيره من فقهاء المدينة ؛ فهذا كله يوجب على المالكيين القول بهذا أو إفساد أصولهم ، وأما نحن فلو صح - وأسند - ما خالفناه أصلا - وأما احتجاجهم بعموم الخبر { ما من صاحب بقر لا يؤدي زكاتها ولا يفعل فيها حقها } وقولهم : إن هذا عموم لكل بقر - : فإن هذا لازم للحنفيين ، والمالكيين ، المحتجين بإيجاب الزكاة في العروض بعموم قول الله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } الآية والمحتجين بهذا في وجوب الزكاة في العسل وسائر ما احتجوا فيه بمثل هذا ، لا مخلص لهم منه أصلا ؟ وأما نحن فلا حجة علينا بهذا ؛ لأننا - وإن كنا لا يحل عندنا مفارقة العموم إلا لنص آخر - فإنه لا يحل شرع شريعة إلا بنص صحيح ، ونحن نقر ونشهد أن في البقر زكاة مفروضة يعذب الله تعالى من لم يؤدها العذاب الشديد ، ما لم يغفر له برجوح حسناته أو مساواتها لسيئاته ، إلا أنه ليس في هذا الخبر بيان المقدار الواجب في الزكاة منها ، ولا بيان العدد الذي تجب فيه الزكاة منها ، ولا متى تؤدى ؛ وليس البيان للديانة موكولا إلى الآراء والأهواء ؛ بل إلى رسول الله ﷺ الذي قال له ربه وباعثه { لتبين للناس ما نزل إليهم } . ولم يصح عن النبي ﷺ ما أوجبوه في الخمس فصاعدا من البقر ، وقد صح الإجماع المتيقن بأنه ليس في كل عدد من البقر زكاة ؛ فوجب التوقف عن إيجاب فرض ذلك في عدد دون عدد بغير نص من رسول الله ﷺ ؛ فسقط تعلقهم بالعموم هاهنا ، ولو كان عموما يمكن استعماله لما خالفناه ؟ وأما قولهم : إن من زكى البقر - كما قالوا - فهو على يقين من أنه قد أدى فرضه الواجب عليه ومن لم يزكها - كما قالوا - فليس على يقين من أنه أدى فرضه ؛ وأن ما صح بيقين وجوبه لم يسقط إلا بيقين آخر - : فهذا لازم لمن قال : إن من تدلك في الغسل فهو على يقين من أنه قد أدى فرضه ؛ والغسل واجب بيقين ؛ فلا يسقط إلا بيقين مثله ؛ ولمن أوجب مسح جميع الرأس في الوضوء بهذه الحجة نفسها ؛ ومثل هذا لهم كثير جدا وأما نحن فإن هذا لا يلزم عندنا ؛ لأن الفرائض لا تجب إلا بنص أو إجماع . ومن سلك هذه الطريق في الاستدلال فإنه يريد إيجاب الفرائض وشرع الشرائع باختلاف ؛ لا نص فيه ، وهذا باطل ؛ ولم يتفق قط على وجوب إيعاب جميع الرأس في الوضوء ولا على التدلك في الغسل ؛ ولا على إيجاب الزكاة في خمس من البقر فصاعدا إلى الخمسين وإنما كان يكون استدلالهم هذا صحيحا لو وافقناهم على وجوب كل ذلك ثم أسقطنا وجوبه بلا برهان ؛ ونحن لن نوافقهم قط على وجوب غسل فيه تدلك ؛ ولا على إيجاب مسح جميع الرأس ، ولا على إيجاب زكاة في خمس من البقر فصاعدا ؛ وإنما وافقناهم على إيجاب الغسل دون تدلك ، وعلى إيجاب مسح بعض الرأس لا كله ؛ وعلى وجوب الزكاة في عدد ما من البقر لا في كل عدد منها ؛ فزادوا هم - بغير نص ولا إجماع - إيجاب التدلك ، ومسح جميع الرأس ، والزكاة في خمس من البقر فصاعدا ؛ وهذا شرع بلا نص ولا إجماع ، وهذا لا يجوز ؛ فهذا يلزم ضبطه ؛ لئلا يموه فيه أهل التمويه بالباطل ، فيدعوا إجماعا حيث لا إجماع ، ويشرعوا الشرائع بغير برهان ، ويخالفوا الإجماع المتيقن - وبالله تعالى التوفيق . وأما احتجاجهم بقياس البقر على الإبل في الزكاة فلازم لأصحاب القياس لزوما لا انفكاك له ؛ فلو صح شيء من القياس لكان هذا منه صحيحا وما نعلم في الحكم بين الإبل ، والبقر فرقا مجمعا عليه . ولقد كان يلزم من يقيس ما يستحل به فرج المرأة المسلمة في النكاح من الصداق على ما تقطع فيه يد السارق ، ومن يقيس حد الشارب على حد القاذف ، ومن يقيس السقمونيا على القمح والتمر ، ويقيس الحديد ، والرصاص والصفر : على الذهب ، والفضة ؛ ويقيس الجص على البر والتمر ، في الربا ، ويقيس الجوز على القمح في الربا ؛ وسائر تلك المقاييس السخيفة وتلك العلل المفتراة الغثة - : أن يقيس البقر على الإبل في الزكاة ؛ وإلا فقد تحكموا بالباطل ؛ وأما نحن فالقياس كله عندنا باطل وأما قولهم : لم نجد في الأصول ما يكون وقصه ثلاثين ، فإنه عندنا تخليط وهوس لكنه لازم أصح لزوم لمن قال - محتجا لباطل قوله في إيجاب الزكاة ما بين الأربعين والستين من البقر - : إننا لم نجد في الأصول ما يكون وقصه تسعة عشر ، ولكن القوم متحكمون ؟ فسقط كل ما احتجوا به عنا ، وظهر لزومه للحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين ، لا سيما لمن قال : بالقول المشهور عن أبي حنيفة في زكاة البقر ، الذي لم يتعلق فيه بشيء أصلا ثم نظرنا في قول من أوجب في الثلاثين تبيعا ، وفي الأربعين مسنة ، ولم يوجب بين ذلك ولا بعد الأربعين إلى الستين شيئا - : فوجدنا الآثار التي احتجوا بها عن معاذ وغيره مرسلة كلها ، إلا حديث بقية ؛ لأن مسروقا لم يلق معاذا ؛ وبقية ضعيف لا يحتج بنقله ، أسقطه وكيع وغيره ، والحجة لا تجب إلا بالمسند من نقل الثقات . فإن قيل : إن مسروقا وإن كان لم يلق معاذا فقد كان باليمن رجلا أيام كون معاذ هنالك ؛ وشاهد أحكامه ، فهذا عنده عن معاذ بنقل الكافة . قلنا : لو أن مسروقا ذكر أن الكافة أخبرته بذلك عن معاذ لقامت الحجة بذلك ؛ فمسروق هو الثقة الإمام غير المتهم : لكنه لم يقل قط هذا ؛ ولا يحل أن يقول مسروق رحمه الله ما لم يقل فيكذب عليه ؛ ولكن لما أمكن في ظاهر الأمر أن يكون عند مسروق هذا الخبر عن تواتر ، أو عن ثقة ؛ أو عمن لا تجوز الرواية عنه - : لم يجز القطع في دين الله تعالى ولا على رسوله ﷺ بالظن الذي هو أكذب الحديث ، ونحن نقطع أن هذا الخبر لو كان عند مسروق عن ثقة لما كتمه ، ولو كان صحيحا عن رسول الله ﷺ ما طمسه الله تعالى المتكفل بحفظ الذكر المنزل على نبيه عليه السلام المتم لدينه - : لنا هذا الطمس حتى لا يأتي إلا من طريق واهية والحمد لله رب العالمين وأيضا : فإن زموا أيديهم وقالوا : هو حجة ، والمرسل هاهنا والمسند سواء . قلنا لهم : فلا عليكم ؛ خذوا من هذه الطريق بعينها ما حدثناه حمام بن أحمد قال : ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا أحمد بن خالد ثنا عبيد بن محمد الكشور ثنا محمد بن يوسف الحذافي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الأعمش عن شقيق بن سلمة هو أبو وائل - عن مسروق بن الأجدع قال { بعث رسول الله ﷺ معاذ بن جبل إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم وحالمة دينارا أو قيمته من المعافري } .
حدثنا أحمد بن محمد الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور هو ابن المعتمر - عن الحكم بن عتيبة قال { كتب رسول الله ﷺ إلى معاذ وهو باليمن : أن فيما سقت السماء أو سقي غيلا العشر ، وفيما سقي بالغرب نصف العشر ، وفي الحالم والحالمة دينار أو عدله من المعافر } . وبه إلى أبي عبيد : ثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال { كتب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن : أنه من كان على يهودية أو نصرانية فإنه لا يفتن عنها ؛ وعليه الجزية ، على كل حالم ذكر أو أنثى - عبد أو أمة - دينار واف أو عدله من المعافر ، فمن أدى ذلك إلى رسلي فإن له ذمة الله وذمة رسوله ؛ ومن منعه منكم فإنه عدو لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين } . فهذه رواية مسروق عن معاذ ، وهو حديث زكاة البقر بعينه ، ومرسل من طريق الحكم ، وآخر من طريق ابن لهيعة ؛ فإن كانت مرسلاتهم في زكاة البقر صحيحة واجبا أخذها فمرسلاتهم هذه صحيحة واجب أخذها ، وإن كانت مرسلاتهم هذه لا تقوم بها حجة فمرسلاتهم تلك لا تقوم بها حجة ؟ فإن قيل : فإنكم تقولون بما في هذه المرسلات ولا تقولون : بتلك ، فكيف هذا ؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : ما قلنا بهذه ولا بتلك ، ومعاذ الله من أن نقول بمرسل لكنا أوجبنا الجزية على كل كتابي بنص القرآن ، ولم نخص منه امرأة ولا عبدا ، وأما بهذه الآثار فلا ؟ قال أبو محمد : لا سيما الحنفيين فإنهم خالفوا مرسلات معاذ تلك في إسقاط الزكاة عن الأوقاص والعسل - : كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس { أن معاذ بن جبل أتي بوقص البقر والعسل فلم يأخذه ؛ فقال : كلاهما لم يأمرني فيه رسول الله ﷺ بشيء } فمن الباطل أن يكون حديث معاذ حجة إذا وافق هوى الحنفيين ورأي أبي حنيفة ؟ ولا يكون حجة إذا لم يوافقهما ، ما ندري أي دين يبقى مع هذا العمل ؟ ونعوذ بالله من الخذلان والضلال ومن أن يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا فإن احتجوا بصحيفة عمرو بن حزم قلنا : هي منقطعة أيضا لا تقوم بها حجة ، وسليمان بن داود الجزري - الذي رواها - متفق على تركه وأنه لا يحتج به . فإن أبيتم ولججتم وظننتم أنكم شددتم أيديكم منها على شيء فدونكموها - : كما حدثنها حمام بن أحمد قال ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزري ثنا الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم ، وهذه نسخته فذكر الكتاب . وفيه وفي كل ثلاثين باقورة تبيع ، جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين باقورة بقرة ، وفيه أيضا وفي كل خمس أواقي من الورق خمسة دراهم ، فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم وفي كل أربعين دينارا دينار } . حدثنا حمام قال : ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو عبد الله الكابلي ببغداد ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن عبد الله ، ومحمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما { عن رسول الله ﷺ : أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن وفيه الزكاة ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، وفي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون الأربعين صدقة ، فإذا بلغت الذهب قيمة مائتي درهم ففي قيمة كل أربعين درهما درهم ، حتى تبلغ أربعين دينارا ؛ فإذا بلغت أربعين دينارا ففيها دينار } . قال أبو أويس : وهذا عن ابني حزم أيضا { فرائض صدقة البقر ليس فيما دون ثلاثين صدقة فإذا بلغت الثلاثين ففيها فحل جذع ، إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة إلى أن تبلغ ستين ، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان } . قال أبو محمد : أبو أويس ضعيف وهي منقطعة مع ذلك - ووالله لو صح شيء من هذا ما ترددنا في الأخذ به . قال علي : ما نرى المالكيين والشافعيين ، والحنفيين إلا قد انحلت عزائمهم في الأخذ بحديث معاذ المذكور وبصحيفة ابن حزم ، ولا بد لهم من ذلك ؛ أو الأخذ بأن لا صدقة في ذهب لم يبلغ أربعين دينارا إلا بالقيمة بالفضة وهو قول عطاء ، والزهري ، وسليمان بن حرب وغيرهم ، وأن يأخذ المالكيون ، والشافعيون بوجوب الأوقاص في الدراهم وبإيجاب الجزية على النساء والعبيد من أهل الكتاب ، أو التحكم في الدين بالباطل فيأخذوا ما اشتهوا ويتركوا ما اشتهوا ؛ وهذه والله أخزى في العاجلة والآجلة وألزم وأندم ، ، والحنفيون يقولون : إن الراوي إذا ترك ما روى دل ذلك على سقوط روايته ، والزهري هو روى صحيفة ابن حزم في زكاة البقر وتركها ؟ فهلا تركوها وقالوا : لم يتركها لا لفضل علم كان عنده ثم لو صح لهم حديث معاذ لكان ما ذكرنا قبل من الأخبار بأن في زكاة البقر كزكاة الإبل مثلها في الإسناد وواردة بحكم زائد لا يجوز تركه ، وكان الآخذ بتلك آخذا بهذه ، وكان الآخذ بهذه ، دون تلك عاصيا لتلك ؟ فبطل كل ما موهوا به من طريق الآثار جملة ؟ فإن تعلقوا بعلي ، ومعاذ ، وأبي سعيد رضي الله عنهم قلنا لهم : الخبر عن معاذ منقطع ، وعن أبي سعيد لم يروه إلا ابن أبي ليلى محمد - وهو ضعيف - و أما عن علي فهو صحيح ولا يصح هذا القول من أحد من الصحابة رضي الله عنهم سواه ؟ وقد روينا قبل عن عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله خلاف ذلك - ولا حجة في قول صاحب إذا خالفه صاحب آخر ثم إن لججتم في التعلق بعلي هاهنا فاسمعوا قول علي من هذه الطريق نفسها - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في خمس من الإبل شاة وفي عشر شاتان - وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين خمس شياه ، وفي ست وعشرين بنت مخاض ، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، حتى تبلغ خمسا وثلاثين ؛ فإن زادت واحدة ففيها بنت لبون ، حتى تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل - أو قال : الجمل - حتى تبلغ ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة ، حتى تبلغ خمسا وسبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون ، حتى تبلغ تسعين ؛ فإذا زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ، وفي البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وفي كل أربعين مسنة . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : إذا أخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين . قال أبو محمد : ما نرى الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين إلا قد برد نشاطهم في الاحتجاج بقول علي رضي الله عنه في زكاة البقر ، ولا بد لهم من الأخذ بكل ما روي عن علي في هذا الخبر نفسه ، مما خالفوه وأخذ به غيرهم من السلف ، أو ترك الاحتجاج بما لم يصح عن النبي ﷺ أو التلاعب بالسنن والهزل في الدين أن يأخذوا ما أحبوا ويتركوا ما أحبوا ؟ لا سيما وبعضهم هول في حديث علي هذا بأنه مسند فليهنهم خلافه إن كان مسندا ، ولو كان مسندا ما استحللنا خلافه - وبالله تعالى التوفيق . فلم يبق لمن قال بالتبيع والمسنة فقط في البقر حجة أصلا ، ولا قياس معهم في ذلك فبطل قولهم جملة بلا شك - والحمد لله رب العالمين . أما القول المأثور عن أبي حنيفة ففي غاية الفساد لا قرآن يعضده ولا سنة صحيحة تنصره ، ولا رواية فاسدة تؤيده ، ولا قول صاحب يشده ، ولا قياس يموهه ، ولا رأي له وجه يسدده . إلا أن بعضهم قال : لم نجد في شيء من الماشية وقصا من تسعة عشر . فقيل لهم : ولا وجدتم في شيء من زكاة المواشي جزءا من رأس واحد . فإن قالوا : أوجبه الدليل . قيل لهم : كذبتم ما أوجبه دليل قط ، وما جعل الله تعالى رأي النخعي وحده دليلا في دينه : وقد وجدنا الأوقاص تختلف ، فمرة هو في الإبل أربع ، ومرة عشرة ، ومرة تسعة ، ومرة أربعة عشر ، ومرة أحد عشر ، ومرة تسعة وعشرين ، ومرة هو في الغنم ثمانون ، ومرة تسعة وسبعون ، ومرة مائة وثمانية وتسعون ، ومرة تسعة وتسعون فأي نكرة في أن تكون تسعة عشر إذا صح بذلك دليل ؟ لولا الهوى والجهل فلم يبق إلا ما رويناه من عمل عمال ابن الزبير ، وعمل طلحة بن عبد الله بن عوف وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف ، ومن كبار التابعين جدا - بالمدينة بحضرة الصحابة فلم ينكروه ؟ فنظرنا في ذلك - : فوجدنا لا يصح عن رسول الله ﷺ في هذا من طريق إسناد الآحاد ولا من طريق التواتر شيء كما قدمنا ، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم لا يعارضه غيره ، ولا يحل أن تؤخذ شريعة إلا عن الله تعالى إما من القرآن ، وإما من نقل ثابت عن رسول الله ﷺ من طريق الآحاد والتواتر بيان زكاة البقر ، ووجدنا الإجماع - المتيقن المقطوع به ، الذي لا خلاف في أن كل مسلم قديما وحديثا قال به ، وحكم به من الصحابة فمن دونهم - قد صح على أن في كل خمسين بقرة : بقرة ؛ فكان هذا حقا مقطوعا به على أنه من حكم الله تعالى وحكم رسوله ﷺ ؛ فوجب القول به ، وكان ما دون ذلك مختلفا فيه ، ولا نص في إيجابه ؛ فلم يجز القول به . وقد قال الله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } . وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلم يحل ، أخذ مال مسلم ، ولا إيجاب شريعة بزكاة مفروضة بغير يقين ، من نص صحيح عن الله تعالى أو رسوله ﷺ . ولا يغترن مغتر بدعواهم : أن العمل بقولهم كان مشهورا ؛ فهذا باطل ، وما كان هذا القول إلا خاملا في عصر الصحابة رضي الله عنهم ، ولا يؤخذ إلا عن أقل من عشرة من التابعين ، باختلاف منهم أيضا - وبالله التوفيق . قال علي : ثم استدركنا فوجدنا حديث مسروق إنما ذكر فيه فعل معاذ باليمن في زكاة البقر ؛ وهو بلا شك قد أدرك معاذا وشهد حكمه وعمله المشهور المنتشر ، فصار نقله لذلك ، ولأنه عن عهد رسول الله ﷺ - نقلا عن الكافة عن معاذ بلا شك ؛ فوجب القول به .
====================
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة العشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 673) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 674)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674)
كتاب الزكاة
674 - مسألة : البخت ، والأعرابية ، والنجب ، والمهاري وغيرها من أصناف الإبل : كلها إبل ، يضم بعضها إلى بعض في الزكاة ، وهذا لا خلاف فيه ؟ ولا زكاة في أقل من خمسة من الإبل ، ذكور أو إناث . أو ذكور وإناث ، فإذا أتمت كذلك في ملك المسلم حولا عربيا متصلا - كما قدمنا - فالواجب في زكاتها شاة واحدة ضانية أو ماعزة ، وكذلك أيضا فيما زاد على الخمس ، إلى أن تتم عشرة كما قدمنا ، فإذا بلغتها وأتمتها وأتمت حولا كما قدمنا ففيها شاتان كما ذكرنا ، وكذلك فيما زاد حتى تتم خمسة عشر ، فإذا أتمتها وأتمت كذلك حولا عربيا ففيها ثلاث شياه كما ذكرنا . وكذلك فيما زاد حتى تتم عشرين ، فإذا أتمتها وأتمت كذلك ، حولا كما ذكر ففيها أربع شياه كما ذكرنا . وكذلك فيما زاد على العشرين إلى أن تتم خمسة وعشرين ، فإذا أتمتها وأتمت كذلك حولا قمريا بنت مخاض من الإبل أنثى ولا بد ، فإن لم يجدها فابن لبون ذكر من الإبل ، وكذلك فيما زاد حتى تتم ستة وثلاثين . فإذا أتمتها وأتمت كذلك حولا قمريا ففيها بنت لبون من الإبل أنثى ولا بد ، ثم كذلك فيما زاد حتى تتم ستة وأربعين ، فإذا أتمتها وأتمت كذلك سنة قمرية ففيها حقة من الإبل أنثى ولا بد . ثم كذلك فيما زاد فإذا أتمت إحدى وستين وأتمت كذلك سنة قمرية ففيها جذعة من الإبل أنثى ولا بد ، ثم كذلك فيما زاد حتى تتم ستة وسبعين فإذا أتمتها وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها ابنتا لبون ، ثم كذلك فيما زاد حتى تتم إحدى وتسعين فإذا أتمتها وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها حقتان . وكذلك فيما زاد حتى تتم مائة وعشرين ، فإذا أتمتها وزادت عليها - ولو بعض ناقة أو جمل - وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها ثلاث بنات لبون ، ثم كذلك حتى تتم مائة وثلاثين ، فإذا أتمتها أو زادت وأتمت كذلك عاما قمريا ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل ثلاثين ومائة فما زاد حقة وبنتا لبون ، وفي أربعين ومائة فما زاد حقتان وبنت لبون ، وفي خمسين ومائة فما زاد ثلاث حقاق ، وفي ستين ومائة فما زاد أربع بنات لبون ، وهكذا العمل فيما زاد .
فإن وجب على صاحب المال جذعة فلم تكن عنده وكانت عنده حقة ، أو لزمته حقة فلم تكن عنده وكانت عنده بنت لبون ، أو لزمته بنت لبون فلم تكن عنده وكانت عنده بنت مخاض - : فإن المصدق يقبل ما عنده من ذلك ويلزمه معها غرامة عشرين درهما أو شاتين ؛ أي ذلك شاء صاحب المال فواجب على المصدق قبوله ولا بد ؟ وإن وجبت على صاحب المال بنت مخاض فلم تكن عنده ولا كان عنده ابن لبون ذكر وكانت عنده بنت لبون ، أو وجبت عليه بنت لبون فلم تكن عنده وكانت عنده جذعة - : فإن المصدق يأخذ منه ما عنده من ذلك ويرد المصدق إلى صاحب المال عشرين درهما أو شاتين ، أي ذلك أعطاه المصدق فواجب على صاحب المال قبوله ولا بد ؟ وهكذا لو وجبت اثنتان أو أكثر من الأسنان التي ذكرنا فلم يجدها أو وجد بعضها ولم يجد تمامها ، فإنه يعطي ما عنده من الأسنان التي ذكرنا ؛ فإن كانت أعلى من التي وجبت عليه رد عليه المصدق لكل واحدة شاتين أو عشرين درهما ، وإن كانت أدنى من التي وجبت عليه أعطى معها مع كل واحدة شاتين أو عشرين درهما ؟ فإن وجبت عليه بنت مخاض فلم يجدها ولا وجد ابن لبون ولا بنت لبون ؛ لكن وجد حقة أو جذعة ؛ أو وجبت عليه بنت لبون فلم تكن عنده ولا كان عنده بنت مخاض ولا حقة ، وكانت عنده جذعة - لم تقبل منه ، وكلف إحضار ما وجب عليه ولا بد ؛ أو إحضار السن التي تليها ولا بد مع رد الدراهم أو الغنم ؟ وإن لزمته جذعة فلم يجدها ولا وجد حقة ، ووجد بنت لبون أو بنت مخاض - : لم تقبل منه أصلا إلا الجذعة أو حقة معها شاتان أو عشرون درهما ؟ وإن لزمته حقة ولم يجدها ولا وجد جذعة ولا ابنة لبون ، ووجد بنت مخاض - : لم تؤخذ منه ، وأجبر على إحضار الحقة أو بنت لبون ويرد شاتين أو عشرين درهما ؟ ولا تجزئ قيمة ولا بدل أصلا ، ولا في شيء من الزكوات كلها أصلا - : برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك ثنا أبي ثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك أن أنس بن مالك حدثه : أن أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب - : { بسم الله الرحمن الرحيم : هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين ، والتي أمر الله - عز وجل - بها رسوله ﷺ فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعط . في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها ابنة مخاض أنثى فإن لم يكن فيها ابن مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها ابنة لبون أنثى ؛ فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل ؛ فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا بلغت يعني ستا وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون ؛ فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل ؛ فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ؛ ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة ، إلا أن يشاء ربها ؛ فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة - ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا ابنة لبون فإنها تقبل منه ابنة لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده وعنده ابنة مخاض فإنها تقبل منه ابنة مخاض ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين ، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض ليست عنده وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ؛ فإن لم تكن عنده ابنه مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء } وذكر باقي الحديث ؟ وهذا حديث حدثناه أيضا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري ثنا عبد الوارث بن سفيان بن حيرون ثنا قاسم بن أصبغ ثنا أحمد بن أبي خيثمة ثنا شريح بن النعمان ، وزهير بن حرب . قال زهير : ثنا يونس بن محمد ثنا حماد بن سلمة قال : أخذت هذا الكتاب عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك ، وقال شريح بن النعمان : ثنا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس بن مالك - ثم اتفقا - أن أبا بكر الصديق كتب له { إن هذه فرائض الصدقة التي فرضها رسول الله ﷺ على المسلمين ، التي أمر الله تعالى بها رسوله ﷺ } ثم ذكر الحديث كما ذكرناه نصا ، لم يختلفوا في شيء منه وحدثناه أيضا عبد الله بن ربيع قال : ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة قال : أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس ثم ذكره نصا كما أوردناه ؟ وحدثناه أيضا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك ثنا المظفر بن مدرك ثنا حماد بن سلمة قال : أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس : أن أبا بكر كتب لهم { إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين ، التي أمر الله تعالى بها رسوله } ثم ذكره نصا كما أوردناه ؟ وحدثناه أيضا حمام بن أحمد قال : ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا أبو قلابة وإسماعيل بن إسحاق القاضي قالا جميعا : ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا أبي عبد الله بن المثنى حدثني ثمامة هو ابن عبد الله بن أنس - قال : حدثني أنس بن مالك : أن أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب حين وجهه إلى البحرين - : { بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله ﷺ على المسلمين التي أمر الله تعالى بها رسوله ﷺ } ثم ذكره نصا كما ذكرناه ؟ فهذا الحديث هو نص ما قلنا حكما حكما وحرفا حرفا . ولا يصح في الصدقات في الماشية غيره ، إلا خبر ابن عمر فقط ، وليس بتمام هذا ، وهذا الحديث في نهاية الصحة ، وعمل أبي بكر الصديق بحضرة جميع الصحابة ، لا يعرف له منهم مخالف أصلا ، وبأقل من هذا يدعي مخالفونا الإجماع ، ويشنعون خلافه ، رواه عن أبي بكر : أنس - وهو صاحب - ورواه عن أنس ثمامة بن عبد الله بن أنس - وهو ثقة - سمعه من أنس ؛ ورواه عن ثمامة حماد بن سلمة ، وعبد الله بن المثنى ، وكلاهما ثقة وإمام ، ورواه عن ابن المثنى ابنه القاضي محمد ، وهو مشهور ثقة ولي قضاء البصرة ، ورواه عن محمد بن عبد الله : محمد بن إسماعيل البخاري جامع الصحيح ، وأبو قلابة ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي ، والناس ، ورواه عن حماد بن سلمة يونس بن محمد ، وشريح بن النعمان ، وموسى بن إسماعيل التبوذكي ، وأبو كامل المظفر بن مدرك ، وغيرهم ، وكل هؤلاء إمام ثقة مشهور ؟ والعجب ممن يعترض في هذا الخبر بتضعيف يحيى بن معين لحديث حماد بن سلمة هذا وليس في كل من رواه عن حماد بن سلمة - ممن ذكرنا - أحد إلا وهو أجل وأوثق من يحيى بن معين وإنما يؤخذ كلام يحيى بن معين وغيره إذا ضعفوا غير مشهور بالعدالة ؟ وأما دعوى ابن معين أو غيره ضعف حديث رواه الثقات ، أو ادعوا فيه أنه خطأ من غير أن يذكروا فيه تدليسا فكلامهم مطروح مردود ؛ لأنه دعوى بلا برهان ، وقد قال الله تعالى : { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } . ولا مغمز لأحد في أحد من رواة هذا الحديث ؛ فمن عانده فقد عاند الحق ، وأمر الله تعالى ، وأمر رسوله ﷺ لا سيما من يحتج في دينه بالمرسلات ، وبرواية ابن لهيعة . ورواية جابر الجعفي الكذاب المتهم في دينه " لا يؤمن أحد بعدي جالسا " ؟ ورواية حرام بن عثمان - الذي لا تحل الرواية عنه - في إسقاط الصلاة عن المستحاضة بعد طهرها ثلاثة أيام ورواية أبي زيد مولى عمرو بن حديث في إباحة الوضوء للصلاة بالخمر وبكل نطيحة ، أو متردية ، وما أهل لغير الله به - : في مخالفة القرآن والسنن الثابتة ، ثم يتعلل في السنن الثابتة التي لم يأت ما يعارضها ؛ بل عمل بها الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم ؟ وبهذا الحديث يأخذ : الشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهما ؟ وقد خالفه قوم في مواضع - : فمنها : إذا بلغت الإبل خمسا وعشرين كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في خمس من الإبل شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين خمس شياه ؛ فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض ؛ فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر وهكذا أيضا : رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق . قال علي : وقد أسنده زهير بن معاوية من طريق الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه . قال أبو محمد : الحارث كذاب ، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ . وقال الشافعي : وأبو يوسف : إذا كانت خمس من الإبل ضعاف لا تساوي شاة أعطى بعيرا منها وأجزأه ؟ قالوا : لأن الزكاة إنما هي فيما أبقي من المال فضلا ، لا فيما أجاح المال وقد نهي عن أخذ كرائم المال فكيف عن اجتياحه ؟ قال أبو محمد : وقال مالك ، وأبو سليمان ، وغيرهما : لا يجزئه إلا شاة ؟ قال أبو محمد : هذا هو الحق ، والقول الأول باطل وليست الزكاة كما ادعوا من حياطة الأموال وهم يقولون : من كانت عنده خمس من الإبل وله عشرة من العيال ولا مال له غيرها ؛ فإنه يكلف الزكاة أحب أم كره ؛ وكذلك من له مائتا درهم في سنة مجاعة ومعه عشرة من العيال ولا شيء معه غيرها [ فإنه يكلف الزكاة ] ورأوا فيمن معه من الجواهر ، والوطاء ، والغطاء ، والدور ، والرقيق والبساتين بقيمة ألف ألف دينار أو أكثر ، أنه لا زكاة عليه ؟
======================
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 674) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674)
كتاب الزكاة
وقالوا فيمن له مائتا شاة وشاة : أنه يؤدي منها كما يؤدي من له ثلثمائة شاة وتسع وتسعون شاة ؟ فإنما نقف في النهي والأمر عندما صح به نص فقط وهم يقولون في عبد يساوي ألف دينار ليتيم ليس له غيره سرق دينارا ؛ أنه تقطع يده فتتلف قيمة عظيمة في قيمة يسيرة ويجاح اليتيم الفقير فيما لا ضرر فيه على الغني ؟ وقال أبو حنيفة وأصحابه - إلا رواية خاملة عن أبي يوسف - : إن من لزمته بنت مخاض فلم تكن عنده فإنه يؤدي قيمتها ، ولا يؤدي ابن لبون ذكرا ؟ وقال مالك ، والشافعي ، وأبو سليمان : يؤدي ابن لبون ذكرا ؟ وهذا هو الحق ، وقول أبي حنيفة خلاف لرسول الله ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم ومن عجائب الدنيا قولهم : إن { أمر النبي ﷺ بأخذ ابن لبون مكان ابنة المخاض } إنما أراد بالقيمة ؛ فيا لسهولة الكذب على رسول الله ﷺ جهارا علانية فريب الفضيحة على هؤلاء القوم وما فهم قط من يدري العربية أن قول النبي ﷺ ففيها ابنة مخاض . فإن لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس شيء " يمكن أن يريد به بالقيمة وهذا أمر مخجل جدا ، وبعد عن الحياء والدين وأما خلافهم الصحابة في ذلك - : فإن حمام بن أحمد ثنا قال ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن عاصم ، وموسى بن عقبة كلاهما عن نافع عن ابن عمر عن أبيه عمر قال : في الإبل في خمس شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين ابنة مخاض ؛ فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، وقد ذكرناه آنفا عن علي ؟ فخالفوا أبا بكر ، وعمر ، وعليا ، وأنس بن مالك ، وابن عمر . وكل من بحضرتهم من الصحابة رضي الله عنهم - : بآرائهم الفاسدة ، وخالفوا عمر بن عبد العزيز أيضا . وبقولنا في هذا يقول : سفيان الثوري ، ومالك ، والأوزاعي ، والليث ، وأحمد بن حنبل ، وأبو سليمان ، وجمهور الناس ، إلا أبا حنيفة ومن قلد دينه وما نعلم لهم في هذا سلفا أصلا واختلفوا أيضا فيما أمر به رسول الله ﷺ من تعويض سن من سن دونها أو فوقها عند عدم السن الواجبة ورد عشرين درهما أو شاتين في ذلك ؟ فقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا يجوز شيء من ذلك إلا بالقيمة ، وأجاز إعطاء القيمة من العروض وغيرها بدل الزكاة الواجبة ، وإن كان المأمور بأخذه فيها ممكنا ؟ وقال مالك : لا يعطي إلا ما عليه . ولم يجز إعطاء سن مكان سن برد شاتين أو عشرين درهما ؟ وقال الشافعي بما جاء عن رسول الله ﷺ في ذلك نصا ، إلا أنه قال : إن عدمت السن الواجبة ، والتي تحتها ، والتي فوقها ، ووجدت الدرجة الثالثة ؛ فإنه يعطيها ويرد إليه الساعي أربعين درهما ، أو أربع شياه ، وكذلك إن لم يجد إلا التي تحتها بدرجة فإنه يعطيها ويعطي معها أربعين درهما أو أربع شياه ؛ فإذا كانت عليه بنت مخاض ولم يجد إلا جذعة فإنه يعطيها ويرد عليه الساعي ستين درهما أو ست شياه ؛ فإن كانت عليه جذعة فلم يجد إلا بنت مخاض أعطاها وأعطى معها ستين درهما أو ست شياه ؟ وأجازوا كلهم إعطاء أفضل مما لزمه من الأسنان ، إذا تطوع بذلك وروينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذلك ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : إذا أخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين ؟ وروي أيضا عن عمر كما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى ؟ قال أبو محمد : أما قول علي ، وعمر ، فلا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ ولقد كان يلزم الحنفيين - القائلين في مثل هذا إذا وافق أهواءهم : مثل هذا لا يقال بالرأي - : أن يقولوا به ؟ وأما قول الشافعي : فإنه قاس على حكم النبي ﷺ ما ليس فيه ، والقياس باطل ، وكان يلزمه على قياسه هذا - إذا رأى في العينين الدية ، وفي السمع الدية ، وفي اليدين الدية - : أن يكون عنده في إتلاف النفس ديات كل ما في الجسم من الأعضاء ، لأنها بطلت ببطلان النفس ، وكان يلزمه إذ رأى في السهو سجدتين - أن يرى في سهوين في الصلاة أربع سجدات وفي ثلاثة أسهاء ست سجدات ؟ وأقرب من هذا أن يقول ، إذا عدم التبيع وجد المسنة أن يقدر في ذلك تقديرا ؛ ولكنه لا يقول بهذا ، فقد ناقض قياسه وأما قول أبي حنيفة ، ومالك ، فخلاف مجرد لقول رسول الله ﷺ وللصحابة ، وما نعلم لهم حجة ، إلا أنهم قالوا : هذا بيع ما لم يقبض ؟ قال أبو محمد : وهذا كذب ممن قاله وخطأ لوجوه - : أحدها : أنه ليس بيعا أصلا ولكنه حكم من رسول الله ﷺ بتعويض سن ، معها شاتان أو عشرون درهما من سن أخرى ؛ كما عوض الله تعالى ورسوله ﷺ إطعام ستين مسكينا من رقبة تعتق في الظهار ، وكفارة الواطئ عمدا في نهار رمضان فليقولوا هاهنا : إن هذا بيع للرقبة قبل قبضها والثاني : أنهم أجازوا بيع ما لم يقبض على الحقيقة حيث لا يحل وهو تجويز أبي حنيفة أخذ القيمة عن الزكاة الواجبة ، فلم ينكر أصحابه الباطل على أنفسهم وأنكروا الحق على رسول الله ﷺ ألا ذلك هو الضلال المبين والثالث : أن النهي عن بيع ما لم يقبض لم يصح قط إلا في الطعام ، لا فيما سواه ؟ وهذا مما خالفوا فيه السنن والصحابة رضي الله عنهم ؟ فأما الصحابة ؛ فقد ذكرناه عن أبي بكر الصديق . وصح أيضا عن علي - كما ذكرنا - تعويض ، وروي أيضا عن عمر كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال لي عمرو بن شعيب قال عمر بن الخطاب : فإن لم توجد السن التي دونها أخذت التي فوقها ، ورد صاحب الماشية شاتين أو عشر دراهم . ولا يعرف لمن ذكرنا من الصحابة مخالف ؛ وهم يشنعون بأقل من هذا إذا وافقهم وقولنا في هذا هو قول إبراهيم النخعي كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر وسفيان الثوري كليهما عن منصور عن إبراهيم النخعي قال : إذا وجد المصدق سنا دون سن أو فوق سن كان فضل ما بينهما عشرين درهما أو شاتين . قال سفيان : وليس هذا إلا في الإبل - : وحدثنا محمد بن سعيد بن ثابت قال ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع ثنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال : إن أخذ المصدق سنا فوق سن رد شاتين أو عشرين درهما ؛ وإن أخذ سنا دون سن أخذ شاتين أو عشرين درهما . قال أبو محمد : وأما إجازتهم القيمة أو أخذ سن أفضل مما عليه فإنهم احتجوا في ذلك بخبر رويناه من طريق طاوس : أن معاذا قال لأهل اليمن : ائتوني بعرض آخذه منكم مكان الذرة والشعير ؛ فإنه أهون عليكم وخير لأهل المدينة . قال علي : وهذا لا تقوم به حجة لوجوه - : أولها : أنه مرسل ، لأن طاوسا لم يدرك معاذا ولا ولد إلا بعد موت معاذ ؟ والثاني : أنه لو صح لما كانت فيه حجة ؛ لأنه ليس عن رسول الله ﷺ ولا حجة إلا فيما جاء عنه عليه السلام . والثالث : أنه ليس فيه أنه قال ذلك في الزكاة ؛ فالكذب لا يجوز ، وقد يمكن - لو صح - أن يكون قاله لأهل الجزية ، وكان يأخذ منهم : الذرة ، والشعير ، والعرض : مكان الجزية . والرابع : أن الدليل على بطلان هذا الخبر ما فيه من قول معاذ " خير لأهل المدينة " وحاشا لله أن يقول معاذ هذا ، فيجعل ما لم يوجبه الله تعالى خيرا مما أوجبه وذكروا أيضا : ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريح : أخبرت عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري : أن عمر كتب إلى بعض عماله : أن لا يأخذ من رجل لم يجد في إبله السن التي عليه إلا تلك السن من شروى إبله ، أو قيمة عدل ؟ قال أبو محمد : هذا في غاية السقوط لوجوه - : أحدها : أنه منقطع ، لأن ابن جريح لم يسم من بينه وبين عبد الله بن عبد الرحمن . والثاني : أن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري مجهول لا يدرى من هو ؟ والثالث : أنه لو صح لما كانت فيه حجة ؛ لأنه ليس عن رسول الله ﷺ ولا حجة فيما جاء عمن دونه ، وقد أتيناهم عن عمر بمثل هذا في أخذ الشاتين أو العشرة دراهم ، فليقولوا به إن كان قول عمر حجة ؛ وإلا فالتحكم لا يجوز ؟ والرابع : أنه قد يحتمل أن يكون قول عمر - لو صح عنه - " أو قيمة عدل " هو ما بينه في مكان آخر من تعويض الشاتين أو الدراهم ، فيحمل قوله على الموافقة لا على التضاد وذكروا حديثا منقطعا من طريق أيوب السختياني : أن رسول الله ﷺ قال : { خذ الناب ، والشارف والعواري } . قال علي : وهذا لا حجة فيه لوجهين - : أحدهما : أنه مرسل ، ولا حجة في مرسل ؟ والثاني : أن في آخره " ولا أعلمه إلا كانت الفرائض بعد " فلو صح لكان منسوخا بنقل رواية فيه وذكروا ما رويناه من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، عن عمارة بن عمرو بن حزم عن أبي بن كعب قال : { بعثني رسول الله ﷺ مصدقا ، فمررت برجل فجمع لي ماله ، فقلت له : أد ابنة مخاض ، فإنها صدقتك ، قال : ذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر ، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة ، فخذها ، فقلت : ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به ، وهذا رسول الله ﷺ قريب منك ، فأتى رسول الله ﷺ فذكر له ذلك وقال : عرضت على مصدقك ناقة فتية عظيمة يأخذها ، فأبى علي ، وها هي ذه ، قد جئتك بها يا رسول الله ؟ فقال رسول الله ﷺ ذلك الذي عليك ، فإن تطوعت بخير أجرك الله وقبلناه منك ، وأمر عليه السلام بقبضها ، ودعا له بالبركة } . قال أبو محمد : ولا حجة فيه لوجوه - : أولها : أنه لا يصح ؛ لأن يحيى بن عبد الله مجهول ، وعمارة بن عمرو بن حزم غير معروف ؛ وإنما المعروف عمارة بن حزم أخو عمرو رضي الله عنهما . والثاني : أنه لو صح لكان حجة عليهم ، لأن فيه أن أبي بن كعب لم يستجز أخذ ناقة فتية عظيمة مكان ابنة مخاض ، ورأى ذلك خلافا لأمر رسول الله ﷺ ولم ير ما يراه هؤلاء من التعقب على رسول الله ﷺ بآرائهم ونظرهم ، وعلم رسول الله ﷺ ذلك فلم ينكره عليه ؛ فصح أنه الحق ، وإنما كان يكون فيه أخذ ناقة عظيمة مكان ابنة مخاض فقط ، وأما إجازة القيمة فلا أصلا . واحتجوا بخبرين - : أحدهما : رويناه من طريق الحسن . والآخر : من طريق عطاء ، كلاهما { عن رسول الله ﷺ أنه قال للمصدق أعلمه الذي عليه من الحق ؛ فإن تطوع بشيء فاقبله منه } . وهذان مرسلان ، ثم لو صحا لم يكن فيهما حجة ؛ لأنه ليس فيه نص بأخذ غير الواجب ولا يأخذ قيمة ، ونحن لا ننكر أن يعطي أفضل ما عنده من السن الواجبة عليه ؟ واحتجوا بخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك العرزمي عن عطاء بن أبي رباح { أن رسول الله ﷺ لما بعث عليا ساعيا قالوا : لا نخرج لله إلا خير أموالنا ، فقال : ما أنا بعادي عليكم السنة . وأن رسول الله ﷺ قال له : ارجع إليهم فبين لهم ما عليهم في أموالهم ، فمن طابت نفسه بعد ذلك بفضل فخذه منه ؟ } قال أبو محمد : وهذا لا حجة فيه لوجهين - : أحدهما : أنه لا يصح لأنه مرسل ، ثم إن راويه عبد الملك العرزمي ، وهو متروك ثم إن فيه أن عليا بعث ساعيا وهذا باطل ، ما بعث رسول الله ﷺ قط أحدا من بني هاشم ساعيا ، وقد طلب ذلك الفضل بن عباس فمنعه ولو صح لما كان لهم فيه حجة أصلا ؛ لأن فيه أنهم أرادوا إعطاء أفضل أموالهم مختارين ، وهذا لا لمنعه إذا طابت نفس المزكي بإعطاء أكرم شاة عنده وأفضل ما عنده من تلك السن الواجبة عليه ؛ وليس فيه إعطاء سن مكان غيرها أصلا ، ولا دليل على قيمة ألبتة ؟ واحتجوا بحديث وائل بن حجر في { الذي أعطى في صدقة ماله فصيلا مخلولا فقال رسول الله ﷺ لا بارك الله له ، ولا في إبله فبلغ ذلك الرجل ، فجاء بناقة فذكر من جمالها وحسنها ، وقال : أتوب إلى الله وإلى نبيه ؟ فقال النبي ﷺ : اللهم بارك فيه وفي إبله } . وقال أبو محمد : هذا خبر صحيح ، ولا حجة لهم فيه ؛ لأن الفصيل لا يجزئ في شيء من الصدقة بلا شك ، وناقة حسناء جميلة قد تكون جذعة وقد تكون حقة ؛ فأعطى ما عليه بأحسن ما قدر ؛ وليس فيه نص ولا دليل على إعطاء غير السن الواجبة عليه ولا على القيمة أصلا ؟ واحتجوا بالخبر الثابت عن رسول الله ﷺ من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع قال { استسلف رسول الله ﷺ بكرا فجاءته إبل من إبل الصدقة ، فأمرني أن أقضي الرجل بكره ؟ فقلت : لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا ، فقال النبي ﷺ أعطه إياه ، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء } . قال أبو محمد : هذا خبر صحيح ، ولا حجة لهم فيه ؛ لأنه ليس فيه أن ذلك الجمل أخذ في زكاة واجبة بعينه ، وقد يمكن أن يبتاعه المصدق ببعض ما أخذ في الصدقة ، فهذا غير ممتنع . وقد جاء في هذا أثر يحتجون بدونه ، وأما نحن فلسنا نورده محتجين به ، لكن تذكيرا لهم ؟ وهو خبر رويناه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن مجالد عن الصنابح الأحمسي { أن رسول الله ﷺ أبصر ناقة في إبل الصدقة ، فقال ما هذه ؟ فقال صاحب الصدقة : إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الإبل ؛ فقال : فنعم إذن } . وقد يمكن أن تكون تلك الإبل من صدقة تطوع ، لأنه ليس في الحديث أنهما الصدقة الواجبة ، فلما أمكن كل ذلك - ونحن على يقين من أنه ليس في الصدقة جمل رباع أصلا - لم يحل ترك اليقين للظنون ، وقد تكلمنا في معنى هذا الخبر في كتاب " الإيصال " ؛ وأن رسول الله ﷺ لا يمكن ألبتة أن يستسلف البكر لنفسه ثم يقضيه من إبل الصدقة ، والصدقة حرام عليه بلا شك ولا خلاف ، صح أنه عليه السلام قال : { الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد } فنحن على يقين من أنه إنما استسلفه لغيره ، لا يمكن غير ذلك ، فصار الذي أخذ البكر من الغارمين ، لأن السلف في ذمته ، وهو أخذه ، فإذ هو من الغارمين فقد صار حظه في الصدقة ؛ فقضي عنه منها ، لا يجوز غير ذلك . وكذلك أيضا لا نشك أن الذي كان يستقرض منه البكر كان من بعض أصناف الصدقة ، ولولا ذلك ما أعطاه رسول الله ﷺ من حق أهل الصدقة فضلا على حقه قال أبو محمد : وإنما في هذا الخبر دليل على المنع من تقديم الصدقة قبل وقتها لأنه لو كان ذلك جائزا لما استقرض عليه السلام على الصدقة وانتظر حتى يحين وقتها ؛ بل كان يستعجل صدقة من بعض أصحابه ؛ فلما لم يفعل ذلك عليه السلام صح أنه لا يجزئ أداء صدقة قبل وقتها - وبالله تعالى نتأيد فبطل كل ما موهوا به ، وصح أن كل ما احتجوا به ليس فيه إجازة إعطاء أكثر من الواجب في الزكاة ولا غير الصفة المحدودة فيها . وأما القيمة فلا دليل لهم على جوازها أصلا ، بل البرهان ثابت بتحريم أخذها ، لأنها غير ما أمر الله تعالى به ، وتعد لحدود الله ، وقد قال الله تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . وقال تعالى : { فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه } . فإن قالوا : إن كان نظرا لأهل الصدقة فما يمنع منه ؟ قلنا : النظر كله لأهل الصدقة أن لا يعطوا ما حرمه الله تعالى عليهم ، إذ يقول تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } . وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فصح أنه لا يحل من مال أحد إلا ما أباحه الله تعالى منه ، أو أوجبه فيه فقط ، وما أباح تعالى قط أخذ قيمة عن زكاة افترضها بعينها وصفتها وما ندري في أي نظر معهود بيننا وجدوا أن تؤخذ الزكاة من صاحب خمس من الإبل لا تقوم به ، وعند أبي حنيفة ممن لا يملك إلا وردة واحدة أخرجتها قطعة أرض له : ولا تؤخذ من صاحب جواهر ورقيق ودور بقيمة مائة ألف ولا من صاحب تسع وعشرين بقرة ، وتسع وثلاثين شاة ، وخمس أواق غير درهم من الفضة فهل في هذا كله إلا اتباع ما أمر الله تعالى فقط ؟ وقد جاء قولنا عن السلف ، كما روينا [ من طريق ] سويد بن غفلة قال " سرت - أو قال : أخبرني من سار مع مصدق رسول الله ﷺ فعمد رجل إلى ناقة كوماء . فأبى أن يقبلها ؛ فقال : إني أحب أن تأخذ خير إبلي فأبى أن يقبلها فخطم له أخرى دونها فقبلها ، وقال : إني لآخذها وأخاف أن يجد علي رسول الله ﷺ يقول : عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله " . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أنه قال لعبد الله بن طاوس : أخبرت أنك تقول : قال أبو عبد الرحمن - يعني أباه - إذا لم تجدوا السن فقيمتها ؟ قال : ما قلته قط قال ابن جريج : وقال لي عطاء : لا يخرج في الصدقة صغير ولا ذكر ولا ذات عوار ولا هرمة ؟ ومن طريق أبي عبيد عن جرير عن منصور عن إبراهيم النخعي أنه قال : لا يؤخذ في الصدقة ذكر مكان أنثى إلا ابن لبون مكان ابنة مخاض قال علي : ومن ذبح أو نحر ما يجب عليه في الصدقة ثم أعطاه مذكى لم يجز عنه ؛ لأن الواجب عليه إعطاؤه حيا ولا يقع على المذكي اسم شاة مطلقة ولا اسم بقرة مطلقة ، ولا اسم بنت مخاض مطلقة ، وقد وجب لأهل الصدقة حيا ، ولا يجوز له ذبح ما وجب لغيره ؟ فإذا قبضه أهله أو المصدق فقد أجزأ ، وجاز للمصدق حينئذ بيعه ، إن رأى ذلك حظا لأهل الصدقة ؛ لأنه ناظر لهم وليسوا قوما بأعيانهم ، فيجوز حكمهم فيه ، أو إبراؤهم منه قبل قبضهم له - وبالله تعالى نتأيد .
===================
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677)
كتاب الزكاة
واختلفوا فيما زاد على العشرين ومائة ؟ فقالت طائفة : حقتان إلى أن تصير ثلاثين ومائة ؟ وقالت طائفة : ثلاث بنات لبون ولا بد إلى أن تصير ثلاثين ومائة فيجب فيها حقة وبنتا لبون ثم كلما زادت عشرة كان في كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وابن القاسم صاحب مالك ؟ وقالت طائفة : أي الصفتين أدى أجزأه ، وهو قول مالك إلى أن تبلغ مائة وثلاثين ، فيجب فيها حقة وبنتا لبون ، وهكذا كلما زادت عشرا ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ؟ وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : ليس فيما بعد العشرين ومائة إلا حقتان فقط ؛ حتى تتم خمسا وعشرين ومائة فيجب فيها حقتان وشاة إلى ثلاثين ومائة فإذا بلغتها ففيها حقتان وشاتان ، إلى خمس وثلاثين ومائة ، ففيها حقتان وثلاث شياه ؛ إلى أربعين ومائة ، ففيها حقتان وأربع شياه ؛ إلى خمس وأربعين ومائة ؛ فإذا بلغتها ففيها حقتان وبنت مخاض ، إلى خمسين ومائة ، فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق ، وهكذا أبدا ، إذا زادت على الخمسين ومائة خمسا ففيها ثلاث حقاق وشاة ، ثم كما ذكرنا ؛ في كل خمس شاة مع الثلاث حقاق ، إلى أن تصير خمسا وسبعين ومائة ، فيجب فيها بنت مخاض وثلاث حقاق ؛ إلى ست وثمانين ومائة ؛ فإذا بلغتها كانت فيها ثلاث حقاق وبنت لبون ، إلى ست وتسعين ومائة ؛ فإذا بلغتها ففيها أربع حقاق ، وكذلك إلى أن تكون مائتين وخمسا ؛ فإذا بلغتها ففيها أربع حقاق وشاة ؛ وهكذا أبدا كلما تكون الزيادة خمسين زاد حقة ، ثم استأنف تزكيتها بالغنم ، ثم ببنت المخاض ثم ببنت اللبون ثم الحقة ؟ قال أبو محمد : فأما من رأى الحقتين فيما زاد على العشرين والمائة إلى أن تصير ثلاثين ومائة فإنهم احتجوا بأن ذكروا ما رويناه من طريق أبي عبيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن " إن في كتاب النبي ﷺ وفي كتاب عمر في الصدقة : أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة فليس فيما دون العشر شيء حتى تبلغ ثلاثين ومائة " . قال علي : وهذا مرسل ، ولا حجة فيه ، ومحمد بن عبد الرحمن مجهول ونحن نأتيهم بما هو خير من هذا ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء هو أبو كريب - ثنا عبد الله بن المبارك ثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال . هذه نسخة كتاب رسول الله ﷺ الذي كتبه في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، قال : أقرأني إياها سالم بن عبد الله بن عمر ، فوعيتها على وجهها ، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر وذكر الحديث . وفيه { في الإبل إذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون إلى ثلاثين ومائة ، فإذا بلغتها بنتا لبون وحقة } وذكر باقي الحديث . وهذا خير مما أتونا به ، وهذا هو كتاب عمر حقا ؛ لا تلك المكذوبة . وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن مفرج ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا سحنون ثنا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : نسخة كتاب رسول الله ﷺ الذي كتب في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها وهي التي نسخ عمر بن عبد العزيز من سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر بن الخطاب حين أمر على المدينة ، وأمر عماله بالعمل بها ، ثم ذكر نحو هذا الخبر الذي أوردنا ؟ وقالوا أيضا : قد جاء في أحاديث " في كل خمسين حقة " ؟ قلنا : نعم ، وهي أحاديث مرسلة من طريق الشعبي وغيره ، وقد أوردنا عن أبي بكر عن رسول الله ﷺ { في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون } . وكذلك صح أيضا من طريق ابن عمر ، كما روينا بالسند المذكور إلى أبي داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { كتب رسول الله ﷺ كتاب الصدقة ، فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض ، وقرنه بسيفه ، فعمل به أبو بكر حتى قبض ، ثم عمل به عمر حتى قبض ، فكان فيه : في خمس من الإبل شاة } وذكر الحديث . وفيه { ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة ، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون } . وهذا هو الذي لا يصح غيره ، ولو صحت تلك الأخبار التي ليس فيها إلا { في كل خمسين حقة } لكان هذان الخبران الصحيحان زائدين عليها حكما في أن في كل أربعين بنت لبون ؛ فتلك غير مخالفة لهذين الخبرين ، وهذان الخبران زائدان على تلك ؛ فلا يحل خلافهما ، والحجة الثانية أنهم قالوا : لما وجب في العشرين ومائة حقتان ، ثم وجدنا الزيادة عليها لا حكم لها في نفسها ، إذ كل أربعين قبلها ففيها بنت لبون على قولكم ؛ إذ تجعلون فيما زاد على عشرين ومائة ثلاث بنات لبون - : فإذا لا حكم لها في نفسها فأحرى أن لا يكون لها - حكم في غيرها ، فكل زيادة قبلها تنقل الفرض فلها حصة من تلك الزيادة وهذه بخلاف ذلك ؟ قال أبو محمد : هذا بكلام الممرورين ، أو بكلام المستخفين بالدين أشبه منه بكلام من يعقل ويتكلم في العلم لأنه كلام لم يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة ، ولا رواية فاسدة ، ولا أثر عن صاحب ولا تابع ، ولا قياس على شيء من ذلك ، ولا رأي له وجه يفهم ثم يقال : قد كذبت في وسواسك هذا أيضا ؛ لأن كل أربعين في المائة والعشرين لا تجب فيها بنت لبون أصلا ، ولا تجب فيها مجتمعة ثلاث بنات لبون ، وإنما فيها حقتان فقط ، حتى إذا زادت على العشرين ومائة واحدة فصاعدا إلى أن تتم ثلاثين ومائة فحينئذ وجب في كل أربعين في المائة والعشرين مع الزيادة التي زادت ثلاث بنات لبون فتلك الزيادة غيرت فرض ما قبلها ، وصار لها أيضا في نفسها حصة من تلك الزيادة الحادثة ، وهذا ظاهر لا خفاء به ؟ وقد صح قوله عليه السلام : { في كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون } فيما زاد على العشرين ومائة ، فوجب في المائة حينئذ حقتان ولم يجز تعطيل النيف والعشرين الزائدة فلا تزكى ، وحكمها في الزكاة منصوص عليه ، وممكن إخراجها فيه ، فوجبت الثلاث بنات لبون ، وبطل ما موهوا به وأما قول مالك في التخيير بين إخراج حقتين أو ثلاث بنات ، لبون فخطأ ؛ لأنه تضييع للنيف والعشرين الزائدة على المائة ؛ فلا تخرج زكاتها وهذا لا يجوز ؟ . وأيضا : فإن رسول الله ﷺ فرق بين حكم العشرين ومائة فجعل فيها حقتين . بنص كلامه في حديث أنس عن أبي بكر الذي أوردناه في أول كلامنا في زكاة الإبل وبين حكم ما زاد على ذلك ، فلم يجز أن يسوى بين حكمين فرق رسول الله ﷺ بينهما ولا نعلم أحدا قبل مالك قال بهذا التخيير ؟ . وقولنا في هذا هو قول الزهري وآل عمر بن الخطاب ، وغيرهم ، وهو قول عمر بن عبد العزيز كما أوردنا قبل ؟ وأما قول أبي حنيفة : فإنه احتج أصحابه له بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة : أنه أخذ من قيس بن سعد كتابا عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن رسول الله ﷺ كتب لجده عمرو بن حزم ذكر ما يخرج من فرائض الإبل : { إذا كانت خمسة وعشرين ففيها ابنة مخاض ، إلى أن تبلغ خمسة وثلاثين ، فإن لم توجد فابن لبون ذكر فإن كانت أكثر من ذلك ففيها بنت لبون ، إلى أن تبلغ خمسة وأربعين ، فإن كانت أكثر من ذلك ففيها حقة ، إلى أن تبلغ ستين ؛ فإن كانت أكثر منها ففيها جذعة ، إلى أن تبلغ خمسة وسبعين ، فإذا كانت أكثر من ذلك ففيها ابنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين ؛ فإن كانت أكثر من ذلك ففيها حقتان ، إلى عشرين ومائة ، فإن كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة ؛ فما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل وما كان أقل من خمسة وعشرين ففيها في كل خمس ذود شاة ليس فيها ذكر ولا هرمة ولا ذات عوار من الغنم } ثم خرج إلى ذكر زكاة الغنم ؟ وبما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : { أن النبي ﷺ كتب لهم كتابا فيه وفي الإبل إذا كانت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض ، فإن لم توجد ابنة مخاض في الإبل فابن لبون ذكر إلى أن ذكر التسعين فإذا كانت أكثر من ذلك إلى عشرين ومائة ففيها حقتان ، فإذا كانت أكثر من ذلك فاعدد في كل خمسين حقة ، وما كان أقل من خمسة وعشرين ففي كل خمس شاة } . وذكروا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب في الإبل قال : فإذا زادت على عشرين ومائة فبحساب الأول ، وتستأنف لها الفرائض ؟ قال أبو محمد : وبقولهم يقول إبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري ؟ قالوا : وحديث علي هذا مسند ؟ واحتجوا بما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا [ الدبري ] ثنا عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة أخبرني محمد بن سوقة قال أخبرني أبو يعلى هو منذر الثوري - عن محمد بن الحنفية قال : جاء ناس إلى أبي فشكوا : سعاة عثمان بن عفان ؛ فقال أبي : أي بني خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان وقل له : إن ناسا من الناس شكوا سعاتك ، وهذا أمر رسول الله ﷺ في الفرائض : فأمرهم فليأخذوا به ؟ قال : فانطلقت بالكتاب حتى دخلت على عثمان بن عفان رضي الله عنه فقلت : إن أبي أرسلني إليك ، وذكر أن ناسا من الناس شكوا سعاتك ، وهذا أمر رسول الله ﷺ في الفرائض ، فمرهم فليأخذوا به ؟ فقال : لا حاجة لنا في كتابك ؛ فرجعت إلى أبي فأخبرته ؟ فقال : أي بني ، لا عليك ، أردد الكتاب من حيث أخذته ، قال : فلو كان ذاكرا عثمان بشيء لذكره بسوء ؛ وإنما كان في الكتاب ما كان في حديث علي . قالوا : فمن الباطل أن يظن بعلي رضي الله عنه أن يخبر الناس بغير ما في كتابه عن النبي ﷺ . وادعوا أنه قد روي عن ابن مسعود ؛ وابن عمر مثل قولهم ؟ قال أبو محمد : هذا كل ما موهوا به ، مما يمكن أن يموه به من لا علم له ، أو من لا تقوى له ، وأما الهذر والتخليط فلا نهاية له في القوة ؟ قال أبو محمد : وكل هذا لا حجة لهم فيه أصلا أما حديث معمر ، وحماد بن سلمة : فمرسلان لا تقوم بهما حجة ، ثم لو صحا لما كان لهم فيهما متعلق أصلا أما طريق معمر فإن الذي في آخره من قوله : " وما كان أقل من خمسة وعشرين ففي كل خمس شاة " فإنما هو حكم ابتداء فرائض الإبل . ولم يستحي عميد من عمدهم من أن يكذب في هذا الحديث مرتين جهارا - : إحداهما : أنه ادعى أن في أوله ذكر تزكية الإبل بالغنم فلا يجوز أن يظن أنه كرره قال أبو محمد : وقد كذب في هذا علانية وأعماه الهوى وأصمه ولم يستحي وما ذكر معمر في أول كلامه في فرائض الإبل إلا كما أوردناه من حكم الخمسة والعشرين فصاعدا وذكر في آخر حديثه حكم تزكيتها بالغنم إذ لم يذكره أولا ؟ والموضوع الثاني : أنه جاهر بالكذب ، فقال : " معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده " وهذا كذب ، ما رواه ذلك معمر إلا عن عبد الله بن أبي بكر فقط ؛ ثم لو صح له هذا لما أخرجه عن الإرسال ؛ لأن محمد بن عمرو لم يدرك النبي ﷺ . ثم عجب آخر وهو احتجاجه بهذين الخبرين فيما ليس فيهما منه شيء ، وهو يخالفهما فيما فيهما من أنه إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر أفلا يعوق المرء مسكة من الحياء عن مثل هذا ؟ والعجب أنهم زادوا كذبا وجرأة وفحشا فقالوا : معنى قوله عليه السلام : { إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر } إنما أراد بقيمة بنت مخاض ؟ وهذا كذب بارد سمج ولا فرق بينهم في هذا وبين من قال : ما أراد إلا ابن لبون أصهب ، أو في أرض نجد خاصة ومن الباطل الممتنع الذي لا يمكن أصلا أن يريد النبي ﷺ أن يعوض مما عدم بالقيمة ويقتصر على ذكر ابن لبون ذكر أيضا خاصة والعجب من هؤلاء القوم في تقويلهم النبي ﷺ ما لم يقل وإحالة كلامه إلى الهوس والغثاثة والتلبيس ولا يستجيزون إحالة لفظة من كلام أبي حنيفة عن مقتضاها والله لا فعل هذا موثوق بعقده ولقد صدق الأئمة القائلون : إنهم يكيدون الإسلام ويقال لهم : هلا حملتم ما أخذتم به مما لا يجوز الأخذ به مما روي عن بعض السلف من أن جعل الآبق أربعون درهما - : على أنه إنما أراد قيمة تعب ذلك الذي رد ذلك الآبق فقط ؟ على أن هذا كان أولى وأصح من حمله على إيجاب شريعة لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله ﷺ . كما لم يتعدوا قول أبي حنيفة فيمن تزوج على بيت وخادم أن البيت خمسون دينارا والعبد أربعون دينارا ؛ فتوقوا مخالفة خطأ أبي حنيفة في التقويم ، ولم يبالوا بمخالفة أمر رسول الله ﷺ والكذب عليه وحملهم حده على التقويم وأيضا - فإننا قد أوجدناهم ما حدثناه حمام قال : ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا أبو عبد الله الكابلي ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا أبي عن عبد الله ، ومحمد ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما عن رسول الله ﷺ أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره اليمن ، وفيه الزكاة ، فذكره ، { فإذا بلغت الذهب قيمة مائتي درهم ففي قيمة كل أربعين درهما درهم حين تبلغ أربعين دينارا } . فمن المحال أن تكون صحيفة ابن حزم بعضها حجة وبعضها ليس بحجة ، وهذه صفة الذين أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا : { نؤمن ببعض ونكفر ببعض } .
====================
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681)
كتاب الزكاة
وأما طريق حماد بن سلمة فمرسلة أيضا ، والقول فيها كالقول في طريق معمر ؟ ثم لو صحا جميعا لما كان لهم فيهما حجة ، لأنه ليس في شيء منهما ما قالوا به أصلا ، لأن نص رواية حماد " إلى عشرين ومائة ؛ فإن كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة ، فما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل " هذا على أن تعاد فيه الزكاة بالغنم كما ادعوا ؟ ويحتمل هذا اللفظ أن يكون أراد أن يرد الحكم إلى أول فريضة الإبل في أن في كل أربعين بنت لبون ، لأن في أول فريضة الإبل أن في أربعين بنت لبون وفي ثمانين بنتي لبون ؛ فهذا أولى من تأويلهم الكاذب الفاسد المستحيل . وأما حملهم ما روينا عن علي في ذلك على أنه مسند احتجاجهم في ذلك بوجوب حسن الظن بعلي رضي الله عنه وأنه لا يجوز أن يظن به أنه يحدث بغير ما عنده عن رسول الله ﷺ - : فقول لعمري صحيح إلا أنه ليس علي بأولى بحسن الظن منا من عثمان رضي الله عنهما معا ، والفرض علينا حسن الظن بهما ، وإلا فقد سلكوا سبيل إخوانهم من الروافض ونحن نقول : كما لا يجوز أن يساء الظن بعلي رضي الله عنه - في أن يظن أنه يحدث بغير ما عنده عن النبي ﷺ أو يتعمد خلاف روايته عنه عليه السلام - : فكذلك لا يجوز أن يساء الظن بعثمان رضي الله عنه ؛ فيظن به أنه استخلف بكتاب النبي ﷺ وقال : لا حاجة لنا به ؛ لولا أن عثمان علم أن ما في كتاب علي منسوخ ما رده ، ولا أعرض عنه ، لكن كان ذلك الكتاب عند علي ولم يعلم بنسخه ، وكان عند عثمان نسخه فنحسن الظن بهما جميعا كما يلزمنا ، وليس إحسان الظن بعلي وإساءته بعثمان بأبعد من الضلال من إحسان الظن بعثمان وإساءته بعلي . فنقول : لو كان ذلك الكتاب عن النبي ﷺ ما رده عثمان ، ولا إحدى السيئتين بأسهل من الأخرى وأما نحن فنحسن الظن بهما رضي الله عنهما ، ولا نستسهل الكذب على رسول الله ﷺ في أن ننسب إليه القول بالظن الكاذب فنتبوأ مقاعدنا من النار كما تبوأه من فعل ذلك ؛ بل [ نقر ] قول عثمان وعلي مقرهما ؛ فليسا حجة دون رسول الله ﷺ لكنهما إمامان من أهل الجنة ، مغفور لهما ، غير مبعدين من الوهم ، ونرجع إلى قول رسول الله ﷺ فنأخذ بالثابت عنه ونطرح ما لم يثبت عنه ؟ ثم نقول لهم : هبكم أن كتاب علي مسند ، وأنه لم ينسخ - فإنه ليس فيه ما تقولون ؛ بل تموهون - : وإنما فيه { في الإبل إذا زادت على عشرين ومائة فبحساب الأول وتستأنف لها الفرائض } وليس في هذا بيان أن زكاة الغنم تعود فيها ، ويحتمل قوله هذا أن تعود إلى حسابها الأول وتستأنف لها الفرائض ؛ فترجع إلى أن يكون في كل أربعين بنت لبون ، كما في أولها : في أربعين بنت لبون . وفي ثمانين بنتا لبون ، فهذا أولى من تأويلكم الكاذب ؟ ثم نقول : هبكم أنه مسند - ومعاذ الله من ذلك - وأن فيه نص ما قلتم - ومعاذ الله من ذلك - فاسمعوه بكماله ؟ حدثنا حمام ثنا مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في خمس من الإبل شاة ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين خمس شياه ، وفي ست وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، حتى تبلغ خمسا وثلاثين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون ، حتى تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل - أو قال : الجمل - حتى تبلغ ستين ، فإذا زادت ، واحدة ففيها جذعة ، حتى تبلغ خمسا وسبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون ، حتى تبلغ تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل ، إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون وفي الورق - إذا حال عليها الحول - في كل مائتي درهم ، خمسة دراهم . وليس فيما دون مائتين شيء ، فإن زادت فبحساب ذلك ؛ وقد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق ؟ حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : إذا أخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين ؟ قال عبد الرحمن بن مهدي : وحدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : وإذا زادت الإبل على خمس وعشرين ففيها بنت مخاض ، فإن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر ، إذا أخذ المصدق بنت لبون مكان ابن لبون رد عشرة دراهم أو شاتين ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول ، فإذا حال عليه الحول ففي كل مائتين خمسة ، فما زاد فبالحساب ؛ في أربعين دينارا دينار ، فما نقص فبالحساب ؛ فإذا بلغت عشرين دينارا ففيها نصف دينار ؟ حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في خمس من الإبل شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين خمس ، فإن زادت واحدة ففيها ابنة مخاض فإن لم تكن ، ابنة مخاض فابن لبون ؛ إن أخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين ، أو أخذ سنا دون سن أخذ شاتين أو عشرة دراهم ؟ قال علي : فهذه هي الروايات الثابتة عن علي رضي الله عنه : معمر ، وسفيان ، وشعبة : متفقون كلهم ، رواه عن سفيان : وكيع ، ورواه عن شعبة : عبد الرحمن بن مهدي ، ورواه عن معمر : عبد الرزاق ؟ والذي موهوا بطرف ، مما في رواية يحيى بن سعيد عن سفيان خاصة : ليس أيضا موافقا لقولهم كما أوردنا ، فادعوا في خبر علي ما ليس فيه عنه أثر ، ولا جاء قط عنه وخالفوا ذلك الخبر نفسه في اثني عشر موضعا مما فيه نصا ، وهي - : قوله : { في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه } . وقوله : بتعويض ابن لبون مكان ابنة مخاض فقط ؟ وقوله فيما زاد على عشرين ومائة { في كل أربعين بنت لبون } . وإسقاطه ذكر عودة فرائض الغنم ، فلم يذكره ؟ { وقوله فيمن أخذ سنا فوق سن رد شاتين أو عشرة دراهم } وبين ذلك فيمن أخذ بنت لبون مكان ابنة مخاض إن لم يوجد ابن لبون ؟ { وقوله فيمن أخذ سنا دون سن أخذ معها شاتين أو عشرة دراهم } . وقوله : { ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول } ولم يخص ؛ كان عنده نصاب من جنسها أو لم يكن ؟ وقوله : { في مائتين من الورق خمسة دراهم ، فما زاد فبالحساب } ولم يجعل في ذلك وقصا ، كما يزعمون برأيهم وقوله : { ليس فيما دون مائتين من الورق زكاة } وهم يزكون ما دون المائتين إذا كان مع مالكها ذهب إذا جمع إلى الورق ساويا جميعا مائتي درهم أو عشرين دينارا . ومنها عفوه عن صدقة الخيل ومنها عفوه عن صدقة الرقيق ، ولم يستثن لتجارة أو غيرها ؟ ومنها قوله : { في أربعين دينارا دينار ، فما نقص فبالحساب } ولم يجعل في ذلك وقصا ؟ أفيكون أعجب ممن يحتج برواية عن علي لا بيان فيها لقولهم ، لكن بظن كاذب ، ويتحيلون في أنها مسندة بالقطع بالظن الكاذب المفترى - : وهم قد خالفوا تلك الرواية نفسها بتلك الطريق ، ومعها ما هو أقوى منها في اثني عشر موضعا منها ، كلها نصوص في غاية البيان ؟ هذا أمر ما ندري في أي دين أم في أي عقل وجدوا ما يسهله عليهم ؟ والعجب كل العجب من احتجاجهم بصحيفة معمر عن عبد الله بن أبي بكر ، وبصحيفة حماد عن قيس بن عباد عن أبي بكر بن حزم ، وهما مرسلتان ، وحديث موقوف على علي وليس في كل ذلك نص بمثل قولهم ، ولا دليل ظاهر - : ثم لا يستحيون من أن يعيبوا في هذه المسألة نفسها بالإرسال الحديثين الصحيحين المسندين من طريق حماد ، وعبد الله بن المثنى كليهما عن عبد الله بن المثنى ، سمعاه منه ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ، سمعه منه ، عن أنس بن مالك ، سمعه منه عن أبي بكر الصديق سمعه منه ، عن النبي ﷺ عن الله تعالى هكذا نصا ومن طريق الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع قال : ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن بكر ثنا أبو داود السجستاني عن عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { كتب رسول الله ﷺ كتاب الصدقة ، فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض ، فقرنه بسيفه ، فعمل به أبو بكر حتى قبض ، ثم عمل به عمر حتى قبض ، فكان فيه : في خمس من الإبل شاة ، وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين ابنة مخاض ، إلى خمس وثلاثين فإذا زادت واحدة ، ففيها بنت لبون : إلى خمس وأربعين . فإذا زادت واحدة ففيها حقة ، إلى ستين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة ، إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون ، إلى تسعين : فإذا زادت واحدة ففيها حقتان ، إلى عشرين ومائة فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ؟ } فقالوا : إن أصل هذين الحديثين الإرسال ، وكذبوا في ذلك ثم لا يبالون بأن يحتجوا بهذين الحديثين ويصححونهما ، إذا وجدوا فيهما ما يوافق رأي أبي حنيفة ، فيحلونه طورا ويحرمونه طورا واعترضوا فيهما بأن ابن معين ضعفهما وليت شعري ما قول ابن معين في صحيفة ابن حزم ، وحديث علي ؟ ما نراه استجاز الكلام بذكرهما ، فضلا عن أن يشتغل بتضعيفهما ؟ وأعجب من هذا كله أن بعض مقدميهم - المتأخرين عند الله تعالى - قال : لو كان هذا الحكم حقا لأخرجه رسول الله ﷺ إلى عماله قال أبو محمد : هذا قول الروافض في الطعن على أبي بكر ، وعمر ، وسائر الصحابة في العمل به : نعم ، وعلى النبي ﷺ إذ نسبت إليه كتب الباطل وقرنه بسيفه ثم كتمه ، وعمل به أصحابه بعده ؛ فبطل كل ما موهوا به والعجب أنهم يدعون أنهم أصحاب قياس وقد خالفوا في هذا المكان النصوص والقياس ؟ فهل وجدوا فريضة تعود بعد سقوطها ؟ وهل وجدوا في أوقاص الإبل وقصا من ثلاثة وثلاثين من الإبل ؟ إذ لم يجعلوا بعد الإحدى والتسعين حكما زائدا إلى خمسة وعشرين ومائة . وهل وجدوا في شيء من الإبل حكمين مختلفين في إبل واحدة ، بعضها يزكى بالإبل وبعضها يزكى بالغنم ؟ وهم ينكرون أخذ زكاة عما أصيب في أرض خراجية ، وحجتهم في ذلك أنه لا يجوز أن يأخذوا حقين لله تعالى في مال واحد وهم قد جعلوا هاهنا - : برأيهم الفاسد - في مال واحد حقين : أحدهما إبل ؛ والثاني غنم ؟ وهلا إذ ردوا الغنم وبنت المخاض بعد إسقاطهما ردوا أيضا في ست وثلاثين زائدة على العشرين والمائة بنت اللبون ؟ فإن قالوا : منعنا من ذلك قوله عليه السلام : { في كل خمسين حقة } . قيل لهم : فهلا منعكم من رد الغنم قوله عليه السلام : { وفي كل أربعين بنت لبون } ؟ فظهر أنهم لم يتعلقوا بشيء ، ونعوذ بالله من الضلال وقالوا في الخبر الذي ذكرنا من طريق محمد بن عبد الرحمن { ليس فيما بعد العشرين والمائة شيء إلى ثلاثين ومائة } إنه يعارض سائر الأخبار . قال أبو محمد : إن كان هذا فأول ما يعارض فصحيفة عمرو بن حزم ، وحديث علي فيما يظنه فيهما ؛ فسقط تمويههم كله - وبالله تعالى التوفيق ؟ وأما دعواهم أن قولهم روي عن عمر بن الخطاب ، وعلي ؛ وابن مسعود ؛ فقد كذبوا جهارا ؟ فأما علي فقد ذكرنا الرواية الثابتة عنه ، وأنه ليس فيما تعلقوا به من قوله دليل ولا نص بما ادعوه عليه بالتمويه الكاذب وأما ابن مسعود فلا يجدونه عنه أصلا ، إما ثابت فنقطع بذلك قطعا ؛ وإما رواية ساقطة فبعيد عليهم وجودها أيضا ، وإما موضوعة من عمل الوقت فيسهل عليهم إلا أنها لا تنفق في سوق العلم ؟ وأما عمر رضي الله عنه فالثابت عنه كالشمس خلاف قولهم ، وموافق لقولنا ، ولا سبيل إلى وجود خلاف ذلك عنه ، إلا إن صاغوه للوقت . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن موسى بن عقبة ، وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع عن ابن عمر عن أبيه أنه قال : في الإبل في خمس شاة ، وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض ؛ فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، إلى خمس وثلاثين فإن زادت واحدة ففيها بنت لبون ، إلى خمس وأربعين فإن زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل ، إلى ستين ، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإن زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل ، إلى عشرين ومائة ؛ فإن زادت ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء هو أبو كريب - ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : هذه نسخة كتاب رسول الله ﷺ الذي كتبه في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، قال ابن شهاب : أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر ، فوعيتها على وجهها ، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر قال : { إذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون ، حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة ، فإذا كانت ثلاثين ومائة ، ففيها ابنتا لبون وحقة ، حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة ، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وابنة لبون ، حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة ، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق ، حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة ، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون ، حتى تبلغ تسعا وستين ومائة ، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة ، حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة ، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وبنتا لبون ، حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة ، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون ، حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة ، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون ؛ أي السنين وجدت أخذت وفي سائمة الغنم } فذكر نحو حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه ؟ قال أبو محمد : فهذا قول عمر ، هو قولنا نفسه ، مخالف لقولهم والعجب كله تعللهم في هذا الخبر بأنه انفرد به يونس بن يزيد ؟ قال علي : وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ثم لا يستحيون من تصحيحه والاحتجاج به موهمين أنه موافق لرأيهم في أن لا زكاة إلا في السائمة ؟ فظهر فساد قولهم ، وخلافهم لله تعالى ، وللسنن الثابتة عن رسول الله ﷺ ولأبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وأنس ، وابن عمر ، وسائر الصحابة رضي الله عنهم دون أن يتعلقوا برواية صحيحة عن أحد منهم بمثل قولهم ، إلا عن إبراهيم وحده - وبالله تعالى التوفيق ؟
675 - مسألة : قال أبو محمد : ويعطي المصدق ، الشاتين أو العشرين درهما مما أخذ من صدقة الغنم ، أو يبيع من الإبل ، لأنه للمسلمين من أهل الصدقات يأخذ ذلك ؛ فمن مالهم يؤديه ؟ ولا يجوز له التقاص ، وهو : أن يجب على المسلم بنتا لبون فلا يجدهما عنده ، ويجد عنده حقة وبنت مخاض ، فإنه يأخذهما ويعطيه شاتين أو عشرين درهما ويأخذ منه شاتين أو عشرين درهما ولا بد ، وجائز له أن يأخذ ذلك ثم يرده بعينه ، أو يعطيه ثم يرده بعينه لأنه قد أوفى واستوفى وأما التقاص - بأن يترك كل واحد منهما لصاحبه ما عليه من ذلك - فهو ترك لحق الله تعالى قد وجب لم يقبض ، وهذا لا يجوز ، ولا يجوز إبراء المصدق من حق أهل الصدقة ؛ لأنه مال غيره . وبالله تعالى التوفيق .
676 - مسألة : والزكاة تتكرر في كل سنة ، في الإبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب والفضة ، بخلاف البر والشعير والتمر ، فإن هذه الأصناف إذا زكيت فلا زكاة فيها بعد ذلك أبدا ، وإنما تزكى عند تصفيتها ، وكيلها ، ويبس التمر ، وكيله ، وهذا لا خلاف فيه من أحد ، إلا في الحلي والعوامل ، وسنذكره إن شاء الله تعالى ؛ وكان رسول الله ﷺ يخرج المصدقين كل سنة ؟
677 - مسألة : والزكاة واجبة ، في الإبل ، والبقر ، والغنم بانقضاء الحول ، ولا حكم في ذلك لمجيء الساعي - وهو المصدق - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابنا ؟ وقال مالك ، وأبو ثور : لا تجب الزكاة إلا بمجيء المصدق ؟ ثم تناقضوا فقالوا : إن أبطأ المصدق عاما أو عامين لم تسقط الزكاة بذلك ؛ ووجب أخذها لكل عام خلا وهذا إبطال قولهم في أن الزكاة لا تجب إلا بمجيء الساعي ، وإنما الساعي وكيل مأمور بقبض ما وجب ؛ لا يقبض ما لم يجب ، ولا بإسقاط ما وجب ؟ ولا خلاف بين أحد من الأمة - وهم في الجملة - في أن المصدق لو - جاء قبل تمام الحول لما جاز أن يعطى منها شيئا ، فبطل أن يكون الحكم لمجيء الساعي ؟ ولا يخلو الساعي من أن يكون بعثه الإمام الواجبة طاعته ، أو أميره ، أو بعثه من لا تجب طاعته ، فإن بعثه من لا تجب طاعته فليس هو المأمور من الله تعالى أو رسوله عليه السلام بقبض الزكاة ، فإذ ليس هو ذلك فلا يجزئ ما قبض ، والزكاة باقية وعلى صاحب المال أداؤها ولا بد ؛ لأن الذي أخذ منه مظلمة لا صدقة واجبة . وإن كان بعثه من تجب طاعته ، فلا يخلو من أن يكون باعثه يضعها مواضعها ، أو لا يضعها مواضعها ، فإن كان يضعها مواضعها فلا يحل لأحد دفع زكاته إلا إليه ؛ لأنه هو المأمور بقبضها من الله تعالى ورسوله ﷺ فمن دفعها إلى غير المأمور بدفعها إليه فقد تعدى ، والتعدي مردود ، قال رسول الله ﷺ { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .
====================
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 678 - 681)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 682)
كتاب الزكاة
678 - مسألة : قال مالك ، والليث ، وبعض أصحابنا : تزكى السوائم ، والمعلوفة ، والمتخذة للركوب ، وللحرث وغير ذلك ، من الإبل ، والبقر ، والغنم ؟ وقال بعض أصحابنا : أما الإبل فنعم ، وأما الغنم والبقر فلا زكاة إلا في سائمتها . وهو قول أبي الحسن بن المغلس . وقال بعضهم : أما الإبل ، والغنم فتزكى سائمتها وغير سائمتها ، وأما البقر فلا تزكى إلا سائمتها . وهو قول أبي بكر بن داود رحمه الله ؟ ولم يختلف أحد من أصحابنا في أن سائمة الإبل وغير السائمة منها تزكى سواء سواء . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا زكاة إلا في السائمة من كل ذلك : وقال بعضهم : تزكى غير السائمة من كل ذلك مرة واحدة في الدهر ، ثم لا تعود الزكاة فيها . فاحتج أصحاب أبي حنيفة ، والشافعي ، بأن قالوا : قولنا قول جمهور السلف من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ؟ كما روينا من طريق سفيان ، ومعمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي : ليس على عوامل البقر صدقة ؟ وقد ذكرنا آنفا قول عمر رضي الله عنه : في أربعين من الغنم سائمة شاة إلى عشرين ومائة . وعن ليث عن طاوس عن معاذ بن جبل : ليس على عوامل البقر صدقة ؟ وعن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر : لا صدقة في المثيرة ولا يعرف عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف في ذلك ؟ وعن ابن جريج عن عطاء : لا صدقة في الحمولة ، والمثيرة ؟ وهو قول عمرو بن دينار ، وعبد الكريم والحمولة : هي الإبل الحمالة ، والمثيرة بقر الحرث ، قال تعالى : { لا ذلول تثير الأرض } . وعن سعيد بن جبير : ليس على ثور عامل ولا على جمل ظعينة صدقة ؟ وعن إبراهيم النخعي : ليس في عوامل البقر صدقة ؟ وعن مجاهد : من له أربعون شاة في مصر يحلبها فلا زكاة عليه فيها ، ولا صدقة في البقر العوامل ؟ وعن الزهري : ليس في السواني من البقر ، وبقر الحرث صدقة ، وفيما عداهما من البقر الصدقة كصدقة الإبل ، وأوجب الزكاة في عوامل الإبل ؟ وعن عمر بن عبد العزيز : ليس في الإبل والبقر العوامل صدقة ؟ وعن الحسن البصري : ليس في البقر العوامل والإبل العوامل صدقة . وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله : ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وعن سعيد بن عبد العزيز ليس في البقر الحرث صدقة ؟ وعن الحكم بن عتيبة . ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وعن طاوس : ليس في عوامل البقر ، والإبل صدقة ، إلا في السوائم خاصة ؟ وعن الشعبي : ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وهو أيضا قول شهر بن حوشب والضحاك ؟ وعن ابن شبرمة : ليس في الإبل العوامل صدقة . وقال الأوزاعي : لا زكاة في البقر العوامل ، وأوجبها في الإبل العوامل . وقال سفيان : لا زكاة في غير السائمة من الإبل والبقر والغنم ، ولا زكاة في الغنم المتخذة للذبح - وذكر له قول مالك في إيجاب الزكاة في ذلك ، فعجب ، وقال : ما ظننت أن أحدا يقول هذا ؟ وهو قول أبي عبيد ، وغيره وروينا عن عمر بن عبد العزيز ، وقتادة وحماد بن أبي سليمان إيجاب الزكاة في الإبل العوامل ؟ وعن يحيى بن سعيد الأنصاري إيجاب الزكاة في كل غنم ، وبقر ، وإبل ، سائمة ؛ أو غير سائمة ؟ واحتجوا بأنه قد صح عن النبي ﷺ : في سائمة الغنم قالوا : ولا يجوز أن يقول عليه السلام كلاما لا فائدة فيه ؛ فدل أن غير السائمة بخلاف السائمة . وقد جاء في بعض الآثار : " في سائمة الإبل " قالوا : فقسنا سائمة البقر على ذلك ؟ وقالوا : إنما جعلت الزكاة فيما فيه النماء ؛ وأما فيما فيه الكلفة فلا ، ما نعلم لهم شيئا شغبوا به غير ما ذكرنا ؟ واحتج أصحابنا في تخصيص عوامل البقر خاصة بأن الأخبار في البقر لم تصح ؛ فالواجب أن لا تجب الزكاة فيها إلا حيث اجتمع على وجوب الزكاة فيها ؛ لم يجمع على وجوب الزكاة فيها في غير السائمة ؟ واحتج من رأى الزكاة في غير السائمة مرة في الدهر بأن قال : قد صحت الزكاة فيها بالنص المجمل ، ولم يأت نص بأن تكرر الزكاة فيها في كل عام ، فوجب تكرر الزكاة في السائمة بالإجماع المتيقن ؛ ولم يجب التكرار في غير السائمة ، لا بنص ولا بإجماع ؟ قال أبو محمد : أما حجة من احتج بكثرة القائلين بذلك ؛ وبأنه قول أربعة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف منهم مخالف - : فلا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ . ثم نقول للحنفيين ، والشافعيين في احتجاجهم بهذه القضية فإن الحنفيين نسوا أنفسهم في هذه القصة ، إذ قالوا بزكاة خمسين بقرة ببقرة وربع ، ولا يعرف ذلك عن أحد من الصحابة ولا من غيرهم إلا عن إبراهيم ، وتقسيمهم في الميتات تقع في البئر فتموت فيه ، فلا يعرف أن أحدا قسمه قبلهم ، وتقديرهم المسح في الرأس بثلاث أصابع مرة وبربع الرأس مرة ولا يعرف هذا الهوس عن أحد قبلهم ، ولوددنا أن نعرف بأي الأصابع هي ؟ أم بأي خيط يقدر ربع الرأس ؟ وإجازتهم الاستنجاء بالروث ؛ ولا يعرف أن أحدا أجازه قبلهم ، وتقسيمهم فيما ينقض الوضوء مما يخرج من الجوف ولا يعرف عن أحد قبلهم ، وقولهم في صفة صدقة الخيل ، ولا يعرف عن أحد قبلهم ، ومثل هذا كثير جدا ؛ وخلافهم لكل رواية جاءت عن أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب ، ولا مخالف له يعرف من الصحابة ، وخلافهم عمر بن الخطاب ، وأبو حثمة ، وابنه سهل بن أبي حثمة في ترك ما يأكله المخروص عليه من التمر ، ومعهم جميع الصحابة بيقين ، لا مخالف لهم في ذلك منهم - ومثل هذا كثير جدا وكذلك نسي الشافعيون أنفسهم في تقسيمهم ما تؤخذ منه الزكاة مما يخرج من الأرض ولا يعرف عن أحد قبل الشافعي ، وتحديدهم ما ينجس من الماء مما لا ينجس بخمسمائة رطل بغدادية وما يعرف عن أحد قبلهم ، وخلافهم جابر بن عبد الله فيما سقي بالنضح وبالعين أنه يزكى على الأغلب ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ، ومثل هذا كثير جدا لهم وأما احتجاجهم بما جاء في بعض الأخبار من ذكر السائمة ، فنعم ، صح هذا اللفظ في حديث أنس عن أبي بكر رضي الله عنه في الغنم خاصة ؟ فلو لم يأت غير هذا الخبر لوجب أن لا يزكى غير السائمة ؛ لكن جاء في حديث ابن عمر - كما أوردنا قبل - إيجاب الزكاة في الغنم جملة ، فكان هذا زائدا على ما في حديث أبي بكر ، والزيادة لا يجوز تركها . وأما الخبر في سائمة الإبل فلا يصح ؛ لأنه لم يرد إلا في خبر بهز بن حكيم فقط . ثم لو صح لكان ما في حديث أبي بكر وابن عمر زيادة حكم عليه والزيادة لا يحل خلافها ؟ ولا فرق بين هذا وبين قول الله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا } مع قوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم } فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية . قوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } مع قوله تعالى : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم } فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية ؟ وهلا استعمل الحنفيون والشافعيون هذا العمل حيث كان يلزمهم استعماله من قوله تعالى : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } فقالوا : وكذلك من قتله مخطئا ؟ ولعمري إن قياس غير السائمة على السائمة لأشبه من قياس قاتل الخطأ على قاتل العمد وحيث قال الله تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } فقالوا : نعم ، وإن لم يكن في حجورنا ومثل هذا كثير جدا ، لا يتثقفون فيه إلى أصل فمرة يمنعون من تعدى ما في النص حيث جاء نص آخر بزيادة عليه ، ومرة يتعدون النص حيث لم يأت نص آخر بزيادة عليه فهم أبدا يعكسون الحقائق . ولو أنهم أخذوا بجميع النصوص ، ولم يتركوا بعضها لبعض ، ولم يتعدوها إلى ما لا نص فيه - : لكان أسلم لهم من النار والعار ؟ وأما قولهم : إن الزكاة إنما جعلت على ما فيه النماء ؛ فباطل ، والزكاة واجبة في الدراهم والدنانير ، ولا تنمي أصلا ، وليست في الحمير ، وهي تنمي ، ولا في الخضر عند أكثرهم ، وهي تنمي ؟ وأيضا فإن العوامل من البقر ، والإبل تنمي أعمالها وكراؤها ، وتنمي بالولادة أيضا ؟ فإن قالوا : لها مؤنة في العلف ؟ قلنا : وللسائمة مؤنة الراعي وأنتم لا تلتفتون إلى عظيم المؤنة والنفقة في الحرث ، وإن استوعبته كله ؛ بل ترون الزكاة فيه ، ولا تراعون الخسارة في التجارة ، بل ترون الزكاة فيها فسقط هذا القول جملة - وبالله تعالى التوفيق ؟ وأما من خص من أصحابنا البقر بأن لا تزكى إلا سائمتها فقط فإنهم قالوا : قد صح عن النبي ﷺ زكاة الإبل والغنم عموما ، وحد زكاتها ، ومن كم تؤخذ الزكاة منها : فلم يجز أن يخص أمره ﷺ برأي ولا بقياس . وأما البقر فلم يصح في صفة زكاتها ، فوجب أن لا تجب الزكاة إلا في بقر صح الإجماع على وجوب الزكاة فيها ، ولا إجماع إلا في السائمة ؛ فوجبت الزكاة فيها ، دون غيرها التي لا إجماع فيها ؟ قال أبو محمد : وهذا خطأ ؛ بل قد صح عن النبي ﷺ إيجاب الزكاة في البقر ، بقوله عليه السلام الذي قد أوردناه قبل بإسناده - : { ما من صاحب إبل ولا بقر لا يؤدي زكاتها إلا فعل به كذا } . فصح بالنص وجوب الزكاة في البقر جملة ؛ إلا أنه لم يأت نص في العدد الذي تجب فيه الزكاة منها ، ولا كم يؤخذ منها ، ففي هذين الأمرين يراعى الإجماع ، وأما تخصيص بقر دون بقر فهو تخصيص للثابت عنه عليه السلام من إيجابه الزكاة في البقر بغير نص : وهذا لا يجوز ولا فرق بين من أسقط الزكاة عن غير السائمة بهذا الدليل وبين من أسقطها عن الذكور بهذا الدليل نفسه ، فقد صح الخلاف في زكاتها ؟ - : كما حدثنا حمام قال ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن المغيرة هو ابن مقسم الضبي - عن إبراهيم النخعي قال : ليس في شيء من السوائم صدقة إلا إناث الإبل ، وإناث البقر ، والغنم ؟ قال أبو محمد : ولا يقول بهذا أحد من أصحابنا ، ولا الحنفيون ، ولا المالكيون ، ولا الشافعيون ، ولا الحنبليون ؛ ولا يجوز القول به أصلا ؛ لأنه تحكم بلا برهان فوجبت بالنص الزكاة في كل بقر ، أي صفة من صفات البقر كانت ، سائمة أو غير سائمة ، إلا بقرا خصها نص أو إجماع ؟ وأما العدد ، والوقت ، وما يؤخذ منها فلا يجوز القول به إلا بإجماع متيقن أو بنص صحيح - وبالله تعالى التوفيق . وأما من قال في السائمة بعودة الزكاة فيها كل عام ، ورأى الزكاة في غير السائمة مرة في الدهر - : فإنه احتج بأن الزكاة واجبة في البقر بالنص الذي أوردنا ؛ ولم يأت بتكرار الزكاة في كل عام نص ؛ فلا تجوز عودة الزكاة في مال قد زكي ، إلا بالإجماع ؛ وقد صح الإجماع بعودة الزكاة في البقر ، والإبل ، والغنم السائمة كل عام ، فوجب القول بذلك ، ولا نص ولا إجماع في عودتها في غير السائمة منها كلها ؛ فلا يجب القول بذلك ؟ قال أبو محمد : كان هذا قولا صحيحا لولا أنه قد ثبت { أن رسول الله ﷺ كان يبعث المصدقين في كل عام لزكاة الإبل ، والبقر ، والغنم } هذا أمر منقول نقل الكافة ؛ وقد صح { عن النبي ﷺ ارضوا مصدقيكم } فإذ قد صح هذا بيقين ؛ فخروج المصدقين في كل عام موجب أخذ الزكاة في كل عام بيقين ؛ فإذ لا شك في ذلك ، فتخصيص بعض ما وجبت فيه الزكاة عاما بأن لا يأخذ منه المصدق الزكاة عاما ثانيا تخصيص للنص . وقول بلا برهان ؛ وإنما يراعى مثل هذا فيما لا نص فيه وبالله تعالى التوفيق .
679 - مسألة : وفرض على كل ذي إبل ، وبقر ، وغنم أن يحلبها يوم وردها على الماء ، ويتصدق من لبنها بما طابت به نفسه - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الحكم بن نافع هو أبو اليمان ثنا شعيب هو ابن أبي حمزة ثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : { تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت ، إذا هو لم يعط فيها حقها ، تطؤه بأخفافها ، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت ، إذا لم يعط فيها حقها ، تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها ، قال : ومن حقها أن تحلب على الماء } . قال أبو محمد : ومن قال : إنه لا حق في المال غير الزكاة فقد قال : الباطل ، ولا برهان على صحة قوله ، لا من نص ولا إجماع ، وكل ما أوجبه رسول الله ﷺ في الأموال فهو واجب ؟ ونسأل من قال هذا : هل تجب في الأموال كفارة الظهار والأيمان وديون الناس أم لا ؟ فمن قولهم : نعم ، وهذا تناقض منهم . وأما إعارة الدلو وإطراق الفحل فداخل تحت قول الله تعالى : { ويمنعون الماعون } .
680 - مسألة : الأسنان المذكورات في الإبل - : بنت المخاض : هي التي أتمت سنة ودخلت في سنتين ، سميت بذلك لأن أمها ماخض ؛ أي قد حملت فإذا أتمت سنتين ودخلت في الثالثة فهي بنت لبون وابن لبون ، لأن أمها قد وضعت فلها لبن ، فإذا أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة فهي حقة ، لأنها قد استحقت أن يحمل عليها الفحل ، والحمل ؛ فإذا أتمت أربع سنين ودخلت في الخامسة فهي جذعة ؛ فإذا أتمت خمس سنين ودخلت في السادسة فهي ثنية . ولا يجوز في الصدقة وهو ما لم يتم سنة وهو فصيل لا يجوز في الصدقة . حدثنا بهذه الأسماء وتفسيرها عبد الله بن ربيع : ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود بذلك كله ، عن أبي حاتم السجستاني ، والعباس بن الفرج الرياشي ، وعن أبي داود المصاحفي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى
681 - مسألة : والخلطة في الماشية أو غيرها لا تحيل حكم الزكاة ، ولكل أحد حكمه في ماله ، خالط أو لم يخالط لا فرق بين شيء من ذلك ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن فضالة أنا سريج بن النعمان ثني حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك : أن أبا بكر الصديق كتب له " أن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين التي أمر الله بها رسول الله ﷺ " فذكر الحديث ، وفي آخره { ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية } . قال أبو محمد : فاختلف الناس في تأويل هذا الخبر ؟ فقالت طائفة : إذا تخالط اثنان فأكثر في إبل ، أو في بقر ، أو في غنم ، فإنهم تؤخذ من ماشيتهم ، الزكاة كما كانت تؤخذ لو كانت لواحد ، والخلطة عندهم أن تجتمع الماشية في : الراعي ، والمراح ، والمسرح ، والمسقى ، ومواضع الحلب : عاما كاملا متصلا وإلا فليست خلطة ، وسواء كانت ماشيتهم مشاعة لا تتميز ، أو متميزة ، وزاد بعضهم : الدلو ، والفحل قال أبو محمد : وهذا القول مملوء من الخطأ ؟ أول ذلك : أن ذكرهم الراعي كان يغني عن ذكر المسرح ، والمسقى ؛ لأنه لا يمكن ألبتة أن يكون الراعي واحدا وتختلف مسارحها ومساقيها ؛ فصار ذكر المسرح والمسقى فضولا وأيضا - فإن ذكر الفحل خطأ ، لأنه قد يكون لإنسان واحد فحلان وأكثر ؛ لكثرة ماشيته ، وراعيان وأكثر لكثرة ماشيته ؛ فينبغي على قولهم - إذا أوجب اختلاطهما في الراعي ، والعمل - : أن يزكيها ، زكاة المنفرد ، وأن لا تجمع ماشية إنسان واحد إذا كان له فيها راعيان فحلان ، وهذا لا تخلص منه ؟ ونسألهم إذا اختلطا في بعض هذه الوجوه : ألهما حكم الخلطة أم لا ؟ فأي ذلك قالوا فلا سبيل أن يكون قولهم إلا تحكما فاسدا بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل بلا شك - وبالله تعالى التوفيق . ثم زادوا في التحكم فرأوا في جماعة لهم خمسة من الإبل ، أو أربعون من الغنم ، أو ثلاثون من البقر - بينهم كلهم - : أن الزكاة مأخوذة منها ، وأن ثلاثة لو ملك كل واحد منهم أربعين شاة - وهم خلطاء فيها - : فليس عليهم إلا شاة واحدة فقط ، كما لو كانت لواحد ، وقالوا : إن خمسة لكل واحد منهم خمسة من الإبل - تخالطوا بها عاما - فليس فيها إلا بنت مخاض وهكذا في جميع صدقات المواشي . وهذا قول الليث بن سعد ، وأحمد بن حنبل ، والشافعي ، وأبي بكر بن داود فيمن وافقه من أصحابنا . حتى أن الشافعي رأى حكم الخلطة جاريا كذلك في الثمار ، والزرع ، والدراهم ، والدنانير - فرأى في جماعة بينهم خمسة أوسق فقط أن الزكاة فيها ، وأن جماعة يملكون مائتي درهم فقط أو عشرين دينارا فقط - وهم خلطاء فيها - أن الزكاة واجبة في ذلك ، ولو أنهم ألف أو أكثر أو أقل ؟ وقالت طائفة : إن كان يقع لكل واحد من الخلطاء ما فيه الزكاة زكوا حينئذ زكاة المنفرد ، وإن كان لا يقع لكل واحد منهم ما فيه الزكاة فلا زكاة عليهم ، ومن كان منهم يقع له ما فيه الزكاة فعليه الزكاة ، ومن كان غيره منهم لا يقع له ما فيه الزكاة فلا زكاة عليه . فرأي هؤلاء في اثنين - فصاعدا - يملكان أربعين شاة ، أو ستين أو ما دون الثمانين ، أو ثلاثين من البقر أو ما دون الستين ، وكذلك في الإبل - : فلا زكاة عليهم ؛ فإن كان ثلاثة يملكون مائة وعشرين شاة ، لكل واحد منهم ثلثها ، فليس عليهم إلا شاة واحدة فقط ، وهكذا في سائر المواشي ولم ير هؤلاء حكم الخلطة إلا في المواشي فقط وهو قول الأوزاعي ، ومالك ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، وأبي الحسن بن المغلس من أصحابنا ؟ وقالت طائفة : لا تحيل الخلطة حكم الزكاة أصلا ، لا في الماشية ، ولا في غيرها ؛ وكل خليط ليزكي ما معه كما لو لم يكن خليطا ، ولا فرق ، فإن كان ثلاثة خلطاء لكل واحد أربعون شاة فعليهم ثلاث شياه ، على كل واحد منهم شاة ، وإن كان خمسة لكل واحد منهم خمس من الإبل وهم خلطاء فعلى كل واحد شاة ، وهكذا القول في كل شيء . وهو قول سفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، وشريك بن عبد الله ، والحسن بن حي ؟ قال أبو محمد : لم نجد في هذه المسألة قولة لأحد من الصحابة ، ووجدنا أقوالا عن عطاء وطاووس ، وابن هرمز ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والزهري ، فقط روينا عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس أنه كان يقول : إذا كان الخليطان يعلمان أموالهما فلا تجمع أموالهما في الصدقة . قال ابن جريج : فذكرت هذا لعطاء من قول طاووس فقال : ما أراه إلا حقا ، وروينا عن معمر عن الزهري قال : إذا كان راعيهما واحدا ، وكانت ترد جميعا - وتروح جميعا - صدقت جميعا ؟ ومن طريق ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال : إن الإبل إذا جمعها الراعي والفحل والحوض تصدق جميعا ثم يتحاص أصحابها على عدة الإبل في قيمة الفريضة التي أخذت من الإبل ، فإن كان استودعه إياها لا يريد مخالطته ولا وضعها عنده يريد نتاجها - فإن تلك تصدق وحدها ؟ وعن ابن هرمز مثل قول مالك ؟ قال أبو محمد : احتجت كل طائفة لقولها بحكم رسول الله ﷺ الذي صدرنا به - : فقال من رأى أن الخلطة تحيل الصدقة وتجعل مال الاثنين فصاعدا بمنزلة كما ] لو أنه لواحد - : أن معنى قوله عليه السلام { لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة } أن معنى ذلك هو أن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة ، لكل واحد منهما ثلثها : وهم خلطاء ؛ فلا يجب عليهم كلهم إلا شاة واحدة ، فنهى المصدق أن يفرقها ليأخذ من كل واحد شاة فيأخذ ثلاث شياه ، والرجلان يكون لهما مائتا شاة وشاتان ، لكل واحد نصفها ، فيجب عليهما ثلاث شياه فيفرقانها خشية الصدقة ؛ فيلزم كل واحد منهما شاة ، فلا يأخذ المصدق إلا شاتين ؟ وقالوا : معنى قوله عليه السلام { كل خليطين يتراجعان بينهما بالسوية } هو أن يعرفا أخذ الساعي فيقع على كل واحد حصته على حسب عدد ماشيته كاثنين لأحدهما أربعون شاة وللآخر ثمانون وهما خليطان ، فعليهما شاة واحدة ، على صاحب الثمانين ثلثاها وعلى صاحب الأربعين ثلثها وقال من رأى أن الخلطة لا تحيل حكم الصدقة : معنى قوله ﷺ : { لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة } هو أن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة ، لكل واحد ثلثها ، فيجب على كل واحد شاة ، فنهوا عن جمعها وهي متفرقة في ملكهم تلبيسا على الساعي أنها لواحد فلا يأخذ إلا واحدة ، والمسلم يكون له مائتا شاة وشاتان فيجب عليه ثلاث شياه ، فيفرقها قسمين ويلبس على الساعي أنها لاثنين ، لئلا يعطي منها إلا شاتين ، وكذلك نهى المصدق أيضا عن أن يجمع على الاثنين - فصاعدا - ما لهم ليكثر ما يأخذ ، وعن أن يفرق مال الواحد في الصدقة ، وإن وجده في مكانين متباعدين ليكثر ما يأخذ وقالوا : ومعنى قوله عليه السلام : { كل خليطين يترادان بينهما بالسوية } هو أن الخليطين في اللغة التي بها خاطبنا عليه السلام - هما ما اختلط مع غيره فلم يتميز ؛ ولذلك سمي الخليطان من النبيذ بهذا الاسم ، وأما ما لم يختلط غيره فليسا خليطين ، هذا ما لا شك فيه ، قالوا : فليس الخليطان في المال إلا الشركين فيه اللذين لا يتميز مال أحدهما من الآخر ، فإن تميز فليسا خليطين ، قالوا : فإذا كان خليطان كما ذكرنا وجاء المصدق ففرض عليه أن يأخذ من جملة المال الزكاة الواجبة على كل واحد منهما في ماله ، وليس عليه أن ينتظر قسمتها لمالهما ، ولعلهما لا يريدان القسمة ، وإن كانا حاضرين فليس له أن يجبرهما على القسمة ، فإذا أخذ زكاتيهما فإنهما يترادان بالسوية ؛ كائنين لأحدهما ثمانون شاة وللآخر أربعون ، وهما شريكان في جميعها ، فيأخذ المصدق شاتين ؛ وقد كان لأحدهما ثلثا كل شاة منهما وللآخر ثلثها ، فيترادان بالسوية فيبقى لصاحب الأربعين تسع وثلاثون ، ولصاحب الثمانين تسع وسبعون ؟ قال أبو محمد : فاستوت دعوى الطائفتين في ظاهر الخبر ، ولم تكن لإحداهما مزية على الأخرى في الخبر المذكور فنظرنا في ذلك فوجدنا تأويل الطائفة التي رأت أن الخلطة لا تحيل حكم الزكاة أصح ؛ لأن كثيرا من تفسيرهم المذكور متفق من جميع أهل العلم على صحته ، وليس شيء من تفسير الطائفة الأخرى مجمعا عليه ؛ فبطل تأويلهم لتعريه من البرهان ؛ وصح تأويل الأخرى لأنه لا شك في صحة ما اتفق عليه ، ولا يجوز أن يضاف إلى رسول الله ﷺ قول لا يدل على صحته نص ولا إجماع ؛ فهذه حجة صحيحة ؟ ووجدنا أيضا الثابت عن رسول الله ﷺ قوله : { وليس فيما دون خمس ذود صدقة } وأن من لم يكن له إلا أربع من الإبل فلا صدقة عليه { وليس فيما دون أربعين شاة شيء } وسائر ما نصه عليه السلام في صدقة الغنم ، والإبل ، من أن في أربعين شاة شاة ، وفي خمس وعشرين [ من الإبل ] بنت مخاض ، وغير ذلك ، ووجدنا من لم يحل بالخلطة حكم الزكاة قد أخذ بجميع هذه النصوص ولم يخالف شيئا منها ، ووجدنا من أحال بالخلطة حكم الزكاة يرى هذه النصوص ولم يخالف شيئا منها ووجدنا من أحال بالخلطة حكم الزكاة يرى في خمسة لكل واحد منهم خمس من الإبل أن على كل واحد منهم خمس بنت مخاض ، وأن ثلاثة لهم مائة وعشرون شاة على السواء بينهم أن على كل امرئ منهم ثلث شاة ، وأن عشرة رجال لهم خمس من الإبل بينهم ، فإن بعضهم يوجب على كل واحد منهم عشر شاة وهذه زكاة ما أوجبها الله تعالى قط ؛ وخلاف لحكمه تعالى وحكم رسوله ﷺ . وسألناهم عن إنسان له خمس من الإبل ، خالط بها صاحب خمس من الإبل في بلد ، وله أربع من الإبل خالط بها صاحب أربع وعشرين في بلد آخر ، وله ثلاث من الإبل ، خالط بها صاحب خمس وثلاثين في بلد ثالث ؟ فما علمناهم أتوا في ذلك بحكم يعقل أو يفهم وسؤالنا إياهم في هذا الباب يتسع جدا ؛ فلا سبيل لهم إلى جواب يفهمه أحد ألبتة ، فنبهنا بهذا السؤال على ما زاد عليه . وقال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . ومن رأى حكم الخلطة يحيل الزكاة فقد جعل زيدا كاسبا على عمرو ، وجعل لمال أحدهما حكما في مال الآخر ؛ وهذا باطل وخلاف للقرآن والسنن . وما عجز رسول الله ﷺ قط - وهو المفترض عليه البيان لنا - عن أن يقول : المختلطان في وجه كذا ووجه كذا [ يزكيان ] زكاة المنفرد ، فإذ لم يقله فلا يجوز القول به ؟ وأيضا - فإن قولهم بهذا الحكم إنما هو فيما اختلط في الدلو ، والراعي ، والمراح ، والمحتلب - : تحكم بلا دليل أصلا ، لا من سنة ولا من قرآن ولا قول صاحب ولا من قياس ، ولا من وجه يعقل ، وبعضهم اقتصر على بعض الوجوه بلا دليل وليت شعري : أمن قوله عليه السلام مقصورا على الخلطة في هذه الوجوه دون أن يريد به الخلطة في المنزل ، أو في الصناعة ، أو في الشركة في الغنم كما قال طاوس وعطاء ؟ وفي هذا كفاية فإن ذكروا ما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا أبو الأسود هو النضر بن عبد الجبار مصري - ثنا ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد أنه كتب إليه : أنه سمع السائب بن يزيد يقول : إنه سمع سعد بن أبي وقاص يحدث عن رسول الله ﷺ أنه قال : { الخليطان ما اجتمع على الفحل ، والمرعى ، والحوض } . قلنا : هذا لا يصح ؛ لأنه عن ابن لهيعة . ثم لو صح فما خالفناكم في أن ما اجتمع على فحل ، ومرعى ، وحوض : أنهما خليطان في ذلك ؛ وهذا حق لا شك فيه ؛ ولكن ليس فيه إحالة حكم الزكاة المفترضة بذلك ولو وجب بالاختلاط في المرعى إحالة حكم الزكاة لوجب ذلك في كل ماشية في الأرض ، لأن المراعي متصلة في أكثر الدنيا ، إلا أن يقطع بينهما بحر ، أو نهر ، أو عمارة وأيضا - فليس في هذا الخبر ذكر لتخالطهما بالراعي ، وهو الذي عول عليه مالك ، والشافعي ؛ وإلا فقد يختلط في المسقى ، والمرعى ، والفحل : أهل الحلة كلهم ، وهما لا يريان ذلك خلطة تحيل حكم الصدقة ؟ وزاد ابن حنبل : والمحتلب . وقال بعضهم : إن اختلطا أكثر الحول كان لهما حكم الخلطة وهذا تحكم بارد ونسألهم عمن خالط آخر ستة أشهر ؟ فبأي شيء أجابوا فقد زادوا في التحكم بلا دليل ولم يكونوا بأحق بالدعوى من غيرهم ؟ وأما قول مالك فظاهر الحوالة جدا ؛ لأنه خص بالخلطة المواشي ، فقط ، دون الخلطة في الثمار ، والزرع والناض ، وليس هذا التخصيص موجودا في الخبر فإن قال : إن النبي ﷺ إنما قال ذلك بعقب ذكره حكم الماشية ؟ قلنا : فكان ماذا ؟ فإن كان هذا حجة لكم فاقتصروا بحكم الخلطة على الغنم فقط لأنه عليه السلام لم يقل ذلك إلا بعقب ذكر زكاة الغنم ؛ وهذا ما لا مخلص منه ؟ فإن قالوا : قسنا الإبل ، والبقر ، على الغنم ؟ قيل لهم : فهلا قستم الخلطة في الزرع والثمرة على الخلطة في الغنم ؟ وأيضا : فإن مالكا استعمل إحالة الزكاة بالخلطة في النصاب [ فزائدا ] ولم يستعمله في عموم الخلطة كما فعل الشافعي ، وهذا تحكم ودعوى بلا برهان ؛ وإن كان فر عن إحالة النص في أن لا زكاة فيما دون النصاب - : فقد وقع فيه فيما فوق النصاب ، ولا فرق بين الإحالتين - وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم يشنعون بخلاف الجمهور إذا وافق تقليدهم ؛ وهم هنا قد خالفوا خمسة من التابعين ، لا يعلم لهم - من طبقتهم ولا ممن قبلهم - مخالف وهذا عندنا غير منكر ؛ لكن أوردناه لنريهم تناقضهم ، واحتجاجهم بشيء لا يرونه حجة إذا خالف أهواءهم وموهوا أيضا بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه حكيم عن معاوية بن حيدة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون ، لا تفرق إبل عن حسابها ، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ، عزمة من عزمات ربنا ؛ لا يحل لآل محمد منها شيء ، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله } قالوا : فمن أخذ الغنم من أربعين ناقة لثمانية شركاء ؛ لكل واحد منهم خمس ، فقد فرقها عن حسابها ، ولم يخص عليه السلام ملك واحد من ملك جماعة ؟ قال أبو محمد : فنقول لهم وبالله تعالى نتأيد : إن كل هذا الخبر عندكم حجة فخذوا بما فيه ، من أن مانع الزكاة تؤخذ منه وشطر إبله زيادة ؟ فإن قلتم : هذا منسوخ ؟ قلنا لكم : هذه دعوى بلا حجة ، لا يعجز عن مثلها خصومكم ، فيقولوا لكم والذي تعلقتم به منه منسوخ وإن كان المشغب به مالكيا ؟ قلنا لهم : فإن كان شريكه مكاتبا أو نصرانيا فإن قالوا : هذا قد خصته أخبار أخر ؟ قلنا : وهذا نص قد خصته أخبار أخر ، وهي أن لا زكاة في أربع من الإبل فأقل ، وأن في كل خمس شاة إلى أربع وعشرين . ثم نقول ؛ هذا خبر لا يصح . لأن بهز بن حكيم غير مشهور العدالة ، ووالده حكيم كذلك . فكيف ولو صح هذا الخبر لما كان لهم فيه حجة ؛ لأنه ليس فيه أن حكم المختلطين حكم الواحد ؛ ولا يجوز أن يجمع مال إنسان إلى مال غيره في الزكاة ، ولا أن يزكى مال زيد بحكم مال عمرو ؛ لقول الله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فلو صح لكان معناه بلا شك فيما جاوز العشرين ومائة من الإبل ؛ لمخالفة جميع الأخبار أولها عن آخرها ؛ لما خالف هذا العمل لإجماعهم وإجماع الأخبار على أن في ست وأربعين من الإبل حقة لا بنت لبون ؛ ولسائر ذلك من الأحكام التي ذكرنا وأيضا : أنه ليس في هذا الخبر إلا الإبل فقط ؛ نقلهم حكم الخلطة إلى الغنم ، والبقر : قياس ، والقياس كله باطل ؛ ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأنه ليس نقل هذا الحكم عن الإبل إلى البقر والغنم بأولى من نقله إلى الثمار والحبوب والعين . وكل ذلك دعوى في غاية الفساد - وبالله تعالى التوفيق . ولأبي حنيفة هاهنا تناقض طريف ؛ وهو أنه قال في شريكين في ثمانين شاة لكل واحد منهما نصفها : إن عليهما شاتين بينهما ؛ وأصاب في هذا . ثم قال في ثمانين شاة لرجل واحد نصفها ونصفها الثاني لأربعين رجلا : إنه لا زكاة فيها أصلا ، لا على الذي يملك نصفها ، ولا على الآخرين ؛ واحتج في إسقاطه الزكاة عن صاحب الأربعين بأن تلك التي بين اثنين يمكن قسمتها وهذه لا يمكن قسمتها ؟ فجمع كلامه هذا : أربعة أصناف من فاحش الخطأ ؟ أحدها - إسقاطه الزكاة عن مالك أربعين شاة هاهنا ؟ والثاني - إيجابه الزكاة على مالك أربعين في المسألة الأخرى ؛ ففرق بلا دليل والثالث - احتجاجه في إسقاطه الزكاة هنا بأن القسمة تمكن هنالك : ولا تمكن هاهنا ؛ فكان هذا عجبا ؟ وما ندري للقسمة وإمكانها . أو تعذر إمكانها مدخلا في شيء من أحكام الزكاة ؟ والرابع - أنه قد قال الباطل ؛ بل إن كانت القسمة هنالك ممكنة فهي هاهنا ممكنة ، وإن كانت هاهنا متعذرة فهي هنالك متعذرة ؛ فاعجبوا لقوم هذا مقدار فهمهم ؟ قال أبو محمد : فإذا قال قائل : فأنتم توجبون الزكاة على الشريك في الماشية إذا ملك ما فيه الزكاة في حصته ، وتوجبونها على الشريكين في الرقيق في زكاة الفطر ، وتقولون فيمن له نصف عبد مع آخر ونصف عبد آخر مع آخر ، فأعتق النصفين - : إنه لا يجزئانه عن رقبة واجبة ؛ ومن له نصف شاة مع إنسان ، ونصف شاة أخرى مع آخر فذبحهما - : إنه لا يجزئه ذلك عن هدي واجب فكيف هذا ؟ قلنا : نعم ، لأن رسول الله ﷺ قال : { ليس على المسلم في فرسه وعبده صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } فقلنا بعموم هذه اللفظة . وقال عليه السلام : { كل خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية } فقلنا بذلك ، وأوجب رقبة وهدي شاة ولا يسمى نصفا عبدين : رقبة ؛ ولا نصفا شاة : شاة - وبالله تعالى التوفيق .
==============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 682)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 683)
كتاب الزكاة
682 - مسألة : لا زكاة في الفضة مضروبة كانت أو مصوغة أو نقارا أو غير ذلك - حتى تبلغ خمس أواقي فضة محضة ؛ لا يعد في هذا الوزن شيء يخالطها من غيرها فإذا أتمت كذلك سنة قمرية متصلة ففيها خمسة دراهم بوزن مكة ، والخمس أواقي هي مائتي درهم بوزن مكة الذي قد ذكرنا قبل زكاة البر والتمر والشعير ، فإذا زادت على ما ذكرنا وأتمت بزيادتها سنة قمرية ففيما زاد - قل أو كثر - ربع عشرها ، وهكذا كل سنة ، فإن نقص من وزن الأواقي المذكورة ولو فلس فلا زكاة فيها ؟ وإن كان فيها خلط ؛ فإن غير الخلط شيئا من لون الفضة أو محكها أو رزانتها أسقط ذلك الخلط فلم يعد ؛ فإن بقي في الفضة المحضة خمس أواقي زكيت ، وإلا فلا ، وإن كان الخلط لم يغير شيئا من صفات الفضة زكيت بوزنها ؟ وهذا كله مجمع عليه إلا ثلاثة مواضع ؛ نذكرها إن شاء الله تعالى ؟ قال مالك : إن نقصت المائتا درهم نقصانا تجوز به جواز الوزنة ففيها الزكاة ؟ وقال بعض التابعين : إن نقصت نصف درهم ففيها الزكاة ؟ وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما روينا من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : إذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، وإن نقص من المائتين فليس فيه شيء وهو قول عمر بن الخطاب ، وهو قول الحسن البصري ، والشعبي ، وسفيان الثوري ، وأبي سليمان ، والشافعي ؟ وقال أبو حنيفة في نقصان الوزن كقول أصحابنا ، واضطرب في الخلط يكون فيها ؟ وقال مالك : إن كان في الدراهم خلط زكيت بوزنها كلها ؟ وقال الشافعي ، وأبو سليمان ، كما قلنا ؟ - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا مالك ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال : { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ، ولا في أقل من خمس من الإبل الذود صدقة ولا في أقل من خمس أواق من الورق صدقة } . ورويناه أيضا عن علي عن النبي ﷺ كما حدثنا حمام ثنا أبو محمد الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن نمير عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي ﷺ قال : { ليس في أقل من مائتي درهم شيء } . قال أبو محمد : فمنع عليه السلام من أن يجب في أقل من خمس أواق من الورق صدقة ، فإذا نقصت - ما قل أو كثر - في أقل من خمس أواق ، فصح يقينا أنه لا شيء فيها ، وسواء كان معها خلط يبلغ أزيد من خمس أواق أو لم يكن ، وسقط كل قول مع قول رسول الله . وهذا مما خالف فيه المالكيون صاحبا لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ؟ وأما إذا لم يغير الخلط شيئا من حدود الفضة وصفاتها فهو فضة ، كالخلط يكون في الماء لا يغير شيئا من صفاته ، وهكذا في كل شيء لم يغير ما صار فيه - وبالله تعالى التوفيق ؟ واختلفوا فيما زاد على المائتين - : فروينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن عاصم الأحول عن الحسن البصري قال : كتب عمر إلى أبي موسى : فيما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم وهو قول الحسن ، ومكحول ، وعطاء ، وطاووس ، وعمرو بن دينار ، والزهري - وبه يقول أبو حنيفة ، والأوزاعي ؟ وحدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في مائتي درهم خمسة دراهم ؛ فما زاد فبحساب ذلك . وبه إلى معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : ما زاد على المائتين فبالحساب ؟ وهو قول إبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، ومحمد بن سيرين ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، ووكيع . وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وأبي ليلى ، ومالك ؟ قال أبو محمد : احتج أهل هذه المقالة بحديث من طريق المنهال بن الجراح - وهو كذاب - عن حبيب بن نجيح - وهو مجهول - عن عبادة بن نسي عن معاذ بن جبل { أن رسول الله ﷺ أمره - حين وجهه إلى اليمن - أن لا يأخذ من الكسور شيئا ، إذا بلغ الورق مائتي درهم خمسة دراهم ، ولا يأخذ مما زاد حتى يبلغ أربعين درهما } . وبما رويناه من طريق يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزري - وهو ساقط مطرح بإجماع عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال : { في كل خمس أواق خمسة دراهم ، فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم } . وبما رويناه من طريق الحسن بن عمارة - وهو ساقط مطروح بإجماع - عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ أنه قال له { : يا علي ، أما علمت أني عفوت عن صدقة الخيل ، والرقيق ، فأما البقر والإبل والشاء فلا ، ولكن هاتوا ربع العشر من كل مائتي درهم خمسة دراهم ، ومن كل عشرين دينارا نصف دينار ؛ وليس في مائتي درهم شيء حتى يحول عليها الحول ، فإذا حال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم } وبما حدثناه حمام قال : ثنا عباس ثنا ابن أيمن أنا مطلب بن شعيب المصري ثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث قال : حدثني يونس { عن ابن شهاب في الصدقة نسخة كتاب رسول الله ﷺ في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر ، فوعيتها على وجهها فذكر صدقة الإبل ، فقال فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة } ثم قال : { ليس في الورق صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ثم في أربعين زادت على مائتي درهم درهم } . وحدثناه أيضا عبد الله بن ربيع قال ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال : ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا عبد الله بن عمر النميري ثنا يونس بن يزيد سمعت { الزهري قال : هذه نسخة كتاب رسول الله ﷺ في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، أقرأنيها سالم بن عبد الله فوعيتها على وجهها ، وهي التي نسخ عمر بن عبد العزيز حين أمر على المدينة ، فأمر عماله بالعمل بها ، فذكر فيها صدقة الإبل ، وفيها فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل ، حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها حقة وابنتا لبون ، حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة ، فإذا كانت أربعين ومائة ، ففيها حقتان وابنة لبون ، حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة ، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق ، حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة ، فإذا بلغت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون ، حتى تبلغ تسعا وستين ومائة ، فإذا بلغت سبعين ومائة ففيها حقة وثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة ، فإذا بلغت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة ، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة ؛ فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون - : أي السنين وجدت فيها أخذت } وذكر صدقة الغنم . قال الزهري : وليس في الرقة صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم " . ثم قال : " في كل أربعين درهما زاد على المائتي درهم درهم ؛ وليس في الذهب صدقة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم ؛ فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ثم في كل شيء منها يبلغ صرفه أربعين درهما درهم ، حتى تبلغ أربعين دينارا ففيها دينار ، ثم ما زاد على ذلك من الذهب ففي كل صرف أربعين درهما درهم ، وفي كل أربعين دينارا دينار " حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله ﷺ : { قد عفوت عن الخيل والرقيق ، فهاتوا صدقة الرقة ، من كل أربعين درهما درهم ، وليس في تسعين ومائة شيء ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم } . هذا كل ما موهوا به من الآثار ، قد تقصيناه لهم أكثر مما يتقصونه لأنفسهم ؟ واحتجوا بأن قالوا : قد صحت الزكاة في الأربعين الزائدة على المائتين بإجماع ؛ واختلفوا فيما بين المائتين وبين الأربعين ، فلا تجب فيها زكاة باختلاف ؟ وقالوا من جهة القياس : لما كانت الدراهم لها نصاب لا تؤخذ الزكاة من أقل منه ، وكانت الزكاة تتكرر فيها كل عام - : أشبهت المواشي ؛ فوجب أن يكون فيها أوقاص كما في المواشي ولم يجز أن تقاس على الثمار والزرع ؛ لأن الزكاة هنالك مرة في الدهر لا تتكرر ، بخلاف العين والماشية ؟ هذا كل ما شغبوا به من نظر وقياس ؟ وكل ما احتجوا به من ذلك لا حجة لهم في شيء منه ؛ بل هو حجة عليهم ، على ما نبين إن شاء الله تعالى - : أما حديث معاذ فساقط مطرح ؛ لأنه عن كذاب واضع للأحاديث ، عن مجهول - : وأما حديث أبي بكر بن عمرو بن حزم فصحيفة مرسلة ؛ ولا حجة في مرسل ؛ وأيضا فإنها عن سليمان بن داود الجزري ، وهو ساقط مطرح . ثم لو صح كان قول رسول الله ﷺ : { في الرقة ربع العشر } زائدا على هذا الخبر ، والزيادة لا يحل تركها ؛ لأنه ليس في هذا الخبر إلا أن في كل أربعين درهما درهما فقط ؛ وليس فيه أن لا زكاة فيما بين المائتين وبين الأربعين - : وأما حديث الحسن بن عمارة فساقط ، للاتفاق على سقوط الحسن بن عمارة ولو صح لكانوا قد خالفوه ؛ فإنهم يرون الزكاة في الخيل السائمة ، وفي الخيل ، والرقيق المتخذين للتجارة ، وفي هذا الخبر سقوط الزكاة عن كل ذلك جملة ، فمن أقبح سيرة ممن يحتج بخبر ليس فيه بيان ما يدعي ؛ وهو يخالفه في نص ما فيه ؟ ولو صح هذا الخبر لكان قوله عليه السلام : { في الرقة ربع العشر } زائدا ، والزيادة لا يجوز تركها ؟ - : وأما حديث الزهري فمرسل أيضا ، ولا حجة في مرسل ؛ والذي فيه من حكم زكاة الورق ، والذهب فإنما هو كلام الزهري ، كما أوردناه آنفا من رواية الحجاج بن المنهال ؟ والعجب كل العجب تركهم ما في الصحيفة التي رواها الزهري نصا من صفة زكاة الإبل . واحتجاجهم بما ليس منها وخالفوا الزهري أيضا فيما ذكر من زكاة الذهب بالقيمة وهذا تلاعب بالديانة وبالحقائق وبالعقول - : وأما حديث علي - الذي ختمنا به - فصحيح مسند ، ولا حجة لهم فيه ، بل هو حجة عليهم ، لأن فيه { قد عفوت عن الخيل والرقيق } وهم يرون الزكاة في الخيل السائمة ، والتي للتجارة ، وفي الرقيق الذي للتجارة . ومن الشناعة احتجاجهم بحديث هم أول مخالف له في نص ما فيه ولا دليل فيه على ما يقولون لوجهين - : أحدهما أن نصه { هاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم ، وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم } . ونعم ، هكذا هو ؛ لأن في المائتين أربعين مكررة خمس مرات ، ففيها خمسة دراهم ، ونحن لا ننكر أن في أربعين درهما [ زائدا ] درهم ، وليس في هذا الخبر إسقاط الزكاة عن أقل من أربعين زائدة على المائتين فلا حجة لهم فيه - : وأيضا فهم يقولون : إن الصاحب إذا روى خبرا ثم خالفه فهو دليل على ضعف ذلك الخبر . كما ادعوا في حديث أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا وقد صح عن علي - كما ذكرنا في صدر هذه المسألة أن ما زاد على مائتي درهم فالزكاة فيه بحساب المائتين ، فلو كان في رواية علي ما يدعونه من إسقاط الزكاة عما بين المائتين والأربعين الزائدة لكان قول علي بإيجاب الزكاة في ذلك على أصلهما مسقطا لما روى من ذلك والقوم متلاعبون ؟ قال أبو محمد : فسقط كل ما موهوا به من الآثار ، وعادت حجة عليهم كما أوردنا وأما قولهم : قد صحت الزكاة في الأربعين الزائدة على المائتين بإجماع ، واختلفوا فيما دون الأربعين ، فلا تجب الزكاة فيها باختلاف - : فإن هذا كان يكون احتجاجا صحيحا لو لم يأت نص بإيجاب الزكاة في ذلك ، ولكن هذا الاستدلال يعود عليهم في قولهم في زكاة الخيل وزكاة البقر وما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض والحلي وغير ذلك ، ويهدم عليهم أكثر مذاهبهم . وأما قياسهم زكاة العين على زكاة المواشي بعلة تكرر الصدقة في كل ذلك كل عام بخلاف زكاة الزرع - : فقياس فاسد ؛ بل لو كان القياس حقا لكان قياس العين على الزرع أولى لأن المواشي حيوان ، والعين ، والزرع ، والتمر ليس شيء من ذلك حيوانا ، فقياس زكاة ما ليس حيا على زكاة ما ليس حيا أولى من قياس ما ليس حيا على حكم الحي ؟ . وأيضا - فإن الزرع ، والتمر ، والعين كلها خارج من الأرض ، وليس الماشية كذلك ، فقياس ما خرج من الأرض على ما خرج من الأرض أولى من قياسه على ما لم يخرج من الأرض ؟ وأيضا - فإنهم جعلوا وقص الورق تسعة وثلاثين درهما ، وليس في شيء من الماشية وقص من تسعة وثلاثين ؛ فظهر فساد قياسهم - وبالله تعالى التوفيق - فسقط كل ما موهوا به ؟ ثم وجدنا الرواية عن عمر رضي الله عنه بمثل قولهم لا تصح ، لأنها عن الحسن عن عمر ، والحسن لم يولد إلا لسنتين باقيتين من خلافة عمر ؛ فبقيت الرواية عن علي ، وابن عمر رضي الله عنهما بمثل قولنا ، ولا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف لذلك ؟ قال أبو محمد : فإذ لم يبق لأهل هذا القول متعلق نظرنا في القول الثاني - : فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني أبي هو عبد الله بن المثنى - ثنا ثمامة بن أنس بن مالك أن أنسا حدثه : أن أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ " فذكر الحديث وفيه { وفي الرقة ربع عشرها فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء ، إلا أن يشاء ربها } . فأوجب رسول الله ﷺ الصدقة في الرقبة ، وهي الورق ، ربع العشر عموما لم يخص من ذلك شيئا إلا ما كان أقل من خمس أواق ؛ فبقي ما زاد على وجوب الزكاة فيه ؛ فلا يجوز تخصيص شيء منه أصلا - وبالله تعالى التوفيق ؟
==================
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 682) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 683)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 684)
كتاب الزكاة
683 - مسألة : قالت طائفة : لا زكاة في أقل من أربعين مثقالا من الذهب الصرف الذي لا يخالطه شيء بوزن مكة ، سواء : مسكوكه ، وحليه ، ونقاره ومصوغه ، فإذا بلغ أربعين مثقالا - كما ذكرنا - وأتم في ملك المسلم الواحد عاما قمريا متصلا ففيه ربع عشره ، وهو مثقال ، وهكذا في كل عام ، وفي الزيادة على ذلك إذا أتم أربعين مثقالا أخرى وبقيت عاما كاملا دينار آخر ، وهكذا أبدا في كل أربعين دينارا زائدة دينار ، وليس في الزيادة شيء زائد حتى تتم أربعين دينارا ؟ فإن كان الذهب خلط لم يغير لونه أو رزانته أو حده سقط حكم الخلط ؛ فإن كان فيما بقي العدد المذكور زكي . وإلا فلا . فإن نقص من العدد المذكور - ما قل أو كثر - فلا زكاة فيه ، وفي كثير مما ذكرنا اختلاف نذكره - إن شاء الله تعالى ؟ قال جمهور الناس : بإيجاب الزكاة في عشرين دينارا لا أقل - : وروينا عن عمر بن عبد العزيز مما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا سعيد بن عفير عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن زريق بن حيان قال : كتب إلي عمر بن عبد العزيز : انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون في التجارات من كل أربعين دينارا دينارا ، وما نقص فبحساب ذلك ، حتى تبلغ عشرين دينارا ؛ فإن نقصت ثلث دينار فدعها قال أبو محمد : فهذا عمر بن عبد العزيز يرى في الذهب أن فيها الزكاة وإن نقصت ؛ فإن نقصت ثلث دينار فلا صدقة فيها ؟ وقال مالك : إن نقصت نقصانا تجوز به جواز الموازنة زكيت ، وإلا فلا ، وقال : إن كان في الدنانير الذهب وحلي الذهب خلط زكى الدنانير بوزنها وقال الشافعي : لا يزكى إلا ما فضل عن الخلط من الذهب المحض ، ولا يزكى ما نقص عن عشرين دينارا ؛ ولا بما كثر ؟ وقال أبو حنيفة ، وغيره : الزكاة في عشرين دينارا نصف دينار ، فإن زادت فلا صدقة فيها حتى تبلغ الزيادة أربعة دنانير ، فإذا زادت أربعة دنانير ففيها ربع عشرها ، وهكذا أبدا . وقال مالك ، والشافعي : ما زاد - قل أو كثر - ففيه ربع عشره ؟ وروينا عن بعض التابعين أنه لا زكاة فيما زاد حتى تبلغ الزيادة عشرين دينارا وهكذا أبدا وروينا عن الزهري وعطاء : أن الزكاة إنما تجب في الذهب بالقيمة ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا عبد الله بن عمر النميري ثنا يونس بن يزيد الأيلي قال : سمعت الزهري يقول : ليس في الذهب صدقة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم ، فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ثم في كل شيء منها يبلغ صرفه أربعين درهما درهم ، حتى تبلغ أربعين دينارا ، ففيها دينار ، ثم ما زاد على ذلك من الذهب ففي صرف كل أربعين درهما درهم ، وفي كل أربعين دينارا دينار . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال عطاء ، وعمرو بن دينار : لا يكون في مال زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا ؛ فإذا بلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار ، ثم في كل أربعة دنانير يزيدها المال درهم ، حتى يبلغ المال أربعين دينارا ، ففي كل أربعين دينارا دينار . قال ابن جريج : فلما كان بعد ذلك بحين قلت لعطاء : لو كان لرجل تسعة عشر دينارا ليس له غيرها والصرف اثنا عشر أو ثلاثة عشر بدينار ، فيها صدقة . ؟ قال : نعم ، إذا كانت لو صرفت بلغت مائتي درهم ؛ إنما كانت إذ ذلك الورق ولم يكن ذهب وممن قال - : بأن لا زكاة في الذهب إلا بقيمة ما يبلغ مائتي درهم فصاعدا من الورق - : سليمان بن حرب الواشحي . قال أبو محمد : أما من قال : لم يكن يومئذ ذهب - : فخطأ ، كيف هذا ؟ والله عز وجل يقول : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } . والأخبار عن رسول الله ﷺ في كون الذهب عندهم كثيرة جدا ، كقوله عليه السلام : { الذهب حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها } واتخاذه عليه السلام خاتما من ذهب ثم رمى به ، وغير ذلك كثير وإيجاب الزكاة في الذهب بقيمة الفضة قول لا دليل على صحته من نص ولا إجماع ولا نظر ؛ فسقط هذا القول - وبالله تعالى التوفيق . ثم نظرنا هل صح في إيجاب الزكاة في الذهب شيء أم لا . فوجدنا ما حدثناه حمام قال : ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ فذكر الحديث ؛ وفيه : { من كانت له ذهب أو فضة لم يؤد ما فيها جعلت له يوم القيامة صفائح من نار فوضعت على جنبه وظهره وجبهته ، حتى يقضى بين الناس ، ثم يرى سبيله } . فوجبت الزكاة في الذهب بهذا الوعيد الشديد ، فوجب طلب الواجب في الذهب الذي من لم يؤده عذب هذا العذاب الفظيع ، نعوذ بالله منه ، بعد الإجماع المتيقن المقطوع به على أنه عليه السلام لم يرد كل عدد من الذهب ، ولا كل وقت من الزمان ، وأن الزكاة إنما تجب في عدد معدود ، وفي وقت محدود ، فوجب فرضا طلب ذلك العدد وذلك الوقت ؟ فوجدنا من حد في ذلك عشرين دينارا احتج بما روينا من طريق ابن وهب : أخبرني جرير بن حازم وآخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة ، والحارث الأعور عن علي عن النبي ﷺ - فذكر كلاما ، وفيه - { وليس عليك شيء حتى يكون - يعني في الذهب - لك عشرون دينارا فإذا كان لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار ، فما زاد فبحساب ذلك } . قال : لا أدري ، أعلي يقول " بحساب ذلك ، " أو رفعه إلى النبي ﷺ ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال قال رسول الله ﷺ : { ومن كل عشرين دينارا نصف دينار } . ومن طريق ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال : { ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب ولا في أقل من مائتي درهم صدقة } . ومن طريق أبي عبيد عن يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري { أن في كتاب رسول الله ﷺ وفي كتاب عمر في الصدقة أن الذهب لا يؤخذ منها شيء حتى تبلغ عشرين دينارا ، فإذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار } . وذكر فيه قوم من طريق عبد الله بن واقد عن ابن عمر عن عائشة عن النبي ﷺ : { إن في عشرين دينارا الزكاة } . قال علي : هذا كل ما ذكروا في ذلك عن رسول الله ﷺ . وأما عمن دونه عليه السلام فروينا من طريق الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس قال : ولاني عمر الصدقات ، فأمرني أن آخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار ، فما زاد فبلغ أربعة دنانير ففيه درهم ؟ ومن طريق - وكيع : ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : ليس في أقل من عشرين دينارا شيء ، وفي عشرين دينارا نصف دينار ، وفي أربعين دينارا دينار ؟ ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال : كان لامرأة عبد الله بن مسعود طوق فيه عشرون مثقالا فأمرها أن تخرج عنه خمسة دراهم ومن طريق وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن الشعبي قال : في عشرين مثقالا نصف مثقال ؛ وفي أربعين مثقالا مثقال ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : ثنا هشيم ، والمعتمر بن سليمان قال هشيم : أنا منصور ، ومغيرة ، قال منصور : عن ابن سيرين وقال مغيرة : عن إبراهيم وقال المعتمر : عن هشام عن الحسن ، ثم اتفق الحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم ؛ قالوا كلهم : في عشرين دينارا ، وفي أربعين دينارا دينار ؟ وقد ذكرناه في أول الباب عن عمر بن عبد العزيز ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية عن أبيه عن الحكم هو ابن عتيبة - أنه كان لا يرى في عشرين دينارا زكاة حتى تكون عشرين مثقالا ، فيكون فيها نصف مثقال ؟ وقد ذكرناه قبل عن عطاء ، وعمرو بن دينار ، وذكرنا رجوع عطاء عن ذلك قال أبو محمد : ما نعلم عن أحد من التابعين غير ما ذكرنا فأما كل ما ذكروا فيه عن رسول الله ﷺ فلا يصح منه شيء ولو صح لما استحللنا خلافه ؛ وأعوذ بالله من ذلك ؟ أما حديث علي - الذي صدرنا به - فإن ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق قرن فيه بين عاصم بن ضمرة وبين الحارث الأعور ، والحارث كذاب ، وكثير من الشيوخ يجوز عليهم مثل هذا ، وهو أن الحارث أسنده وعاصم لم يسنده ، فجمعهما جرير ، وأدخل حديث أحدهما في الآخر . وقد رواه عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي : شعبة ، وسفيان ، ومعمر ، فأوقفوه على علي ، وهكذا كل ثقة رواه عن عاصم . وقد روى حديث الحارث ، وعاصم : زهير بن معاوية فشك فيه . كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا زهير بن معاوية ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة ، وعن الحارث عن علي . قال زهير : أحسبه عن النبي ﷺ فذكر صدقة الورق ، { إذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فعلى حساب ذلك } . وقال في البقر : { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة ، وليس على العوامل شيء } . وقال في الإبل ، { في خمس وعشرين خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض ، فإن لم تكن فابن لبون ذكر } . قال زهير : وفي حديث عاصم : { إذا لم يكن في الإبل بنت مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان } . قال علي : قد ذكرنا أنه حديث مالك ؛ ولو أن جريرا أسنده عن عاصم وحده لأخذنا به ؛ لكن لم يسنده إلا عن الحارث معه ، ولم يصح لنا إسناده من طريق عاصم ، ثم لما شك زهير فيه بطل إسناده . ثم يلزم من صححه أن يقول بكل ما ذكرنا فيه ، وليس من المخالفين لنا طائفة إلا وهي تخالف ما فيه ، ومن الباطل أن يكون بعض ما في الخبر حجة وبعضه غير حجة ؛ فبطل تعلقهم بهذا الخبر ؟ أما خبر الحسن بن عمارة فالحسن مطرح وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فصحيفة مرسلة . ورواه أيضا ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ . فإن لجوا على عاداتهم وصححوا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافقهم فليستمعوا ؟ روينا من طريق داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ : { لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها } . ومن طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ : { لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها } . ومن طريق العلاء بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام : { أنه قضى في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية } . وعن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ﷺ ثمانمائة دينار ثمانية آلاف درهم ، ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلم ، وكانت كذلك حتى استحلف عمر ، فقام خطيبا ففرضها على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة ، وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية } . وعن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ، ثلاثون بنت مخاض ، وثلاثون بنت لبون وعشرون ابن لبون ذكر ، وعشرون حقة ، وقضى رسول الله ﷺ على أهل البقر مائتي بقرة - يعني في الدية - ومن كانت ديته في الشاء فألفا شاة } ؟ وكل هذا فجميع الحنفية ، والمالكية ، والشافعية : مخالفون لأكثره ، ولو أردنا أن نزيد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لأمكن ذلك ، وفي هذا كفاية ؟ ولا أرق دينا ممن يوثق رواية إذا وافقت هواه ، ويوهنها إذا خالفت هواه فما يتمسك فاعل هذا من الدين إلا بالتلاعب وحديث محمد بن عبد الرحمن مرسل وعن مجهول أيضا . وأما حديث ابن عمر فعبد الله بن واقد مجهول . فسقط كل ما في هذا عن النبي ﷺ ولم يصح منه شيء وأما ما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم فلا يصح عن عمر ، لأن راويه يحيى بن أيوب ، وهو ضعيف . وقد روينا عن عمر ما هو أصح من هذا ؛ وكلهم يخالفونه ؟ - : كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن هشام بن حسان وسفيان الثوري ، ومعمر قال هشام : عن أنس بن سيرين ، وقال سفيان ، ومعمر : عن أيوب السختياني عن أنس بن سيرين ، ثم اتفقوا كلهم عن أنس بن سيرين قال : بعثني أنس بن مالك على الأبلة فأخرج إلي كتابا من عمر بن الخطاب " خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما " . فهذا أنس ، وعمر بأصح إسناد يمكن ؛ فإن تأولوا فيه تأويلا يقتضيه ظاهره فما هم بأقوى على ذلك من غيرهم فيما يحتجون به ، وما يعجز أحد عن أن يقول : إنما أمر عمر في العشرين دينارا بنصف دينار كما أمر في الرقيق والخيل بعشرة دراهم من كل رأس - : إذا طابت نفس مالك كل ذلك به ، وإلا فلا وأما الخبر في ذلك عن ابن مسعود فمرسل ؛ ولا يأخذ به المالكيون ، ولا الشافعيون ، ومن الباطل أن يكون قول ابن مسعود حجة في بعض حكمه ذلك ولا يكون حجة في بعضه ، والمسامحة في الدين هلاك وأما قول علي فهو صحيح ، وقد روينا عن علي من هذه الطريق نفسها أشياء كثيرة قد ذكرناها - : منها : في كل خمس وعشرين من الإبل خمسا من الغنم ، وكلهم مخالف لهذا . ومن الباطل أن يكون قول علي حجة في مكان غير حجة في آخر ؟ فبطل كل ما تعلقوا به من آثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم . ثم حتى لو صحت هذه الآثار كلها عن النبي ﷺ وعن الصحابة رضي الله عنهم - : لكانوا مخالفين لها ؛ لأن الحنفيين ، والمالكيين يقولون : إن كانت عشرة دنانير ومائة درهم ففيها الصدقة ، وكل هذه الآثار تبطل الزكاة عن أقل من عشرين دينارا ؛ وهم يوجبونها في أقل من عشرين دينارا ؛ فصارت كلها حجة عليهم ، وعاد ما صححوا من ذلك قاطعا بهم أقبح قطع ونعوذ بالله من الخذلان والمالكيون : يوجبونها في عشرين دينارا ناقصة إذا جازت جواز الموازنة ، وهذا خلاف ما في هذه الأخبار كلها ؟ وأما التابعون فقد اختلفوا كما ذكرنا ، وصح عن الزهري ، وعطاء : أنه لا يزكى من الذهب بالذهب إلا أربعين دينارا ، لا أقل ؛ ثم كذلك إذا زادت أربعين دينارا ، ورأوا الزكاة فيما دون ذلك وما بين كل أربعين وأربعين بعدها القيمة ؛ وكانت القيمة قولا لا يوجبه قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا دليل أصلا ؛ فسقط هذا القول . وقد حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حماد بن مسعدة عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن البصري قال : ليس في أقل من أربعين دينارا شيء ؟ قال أبو محمد : فصحت الزكاة في أربعين من الذهب ثم في كل أربعين زائدة - : بالإجماع المتيقن المقطوع به فوجب القول به ولم يكن في إيجاب الزكاة في أقل من ذلك ولا فيما بين النصابين - : قرآن ولا سنة صحيحة ولا إجماع ، ولا يجوز أن تؤخذ الشرائع في دين الإسلام إلا بأحد هذه الثلاثة - وبالله تعالى التوفيق ؟ قال علي : فليس إلا هذا القول ، أو قول من قال : قد صح أن في الذهب زكاة بالنص الثابت ؛ فالواجب أن يزكى كل ذهب ، إلا ذهبا صح الإجماع على إسقاط زكاتها فمن قال هذا : فواجب عليه أن يزكي كل ما دون العشرين بالقيمة ، وأن يزكي حلي الذهب ، وأن يزكي كل ذهب حين يملكه مالكه - فكل هذا قد قال به جماعة من الأئمة الذين هم أجل من أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ؟ قال أبو محمد : ولم نقل بهذا لما قدمناه من أنه لا يحل أن ينسب إلى الله تعالى ولا إلى رسوله ﷺ قول إلا بيقين نقل صحيح من رواية الإثبات أو بنقل تواتر أو مجمع عليه ، وليس شيء من هذه الأحوال موجودا في شيء من هذه الأقوال ؟ وقد قلنا : إن الإجماع قد صح على أنه عليه السلام لم يوجب الزكاة في كل عدد من الذهب ، ولا في كل وقت من الدهر - وبالله التوفيق ؛ قال أبو محمد : وأما قول أبي حنيفة فما تعلق بما روي في ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ؛ لأن الرواية عن عمر رضي الله عنه بأن ما زاد على عشرين دينارا فإنه يزكى بالدراهم . وعن ابن مسعود : تزكية الذهب بالدراهم ، وهذا يخرج على قول الزهري ، وعطاء ، وما وجدنا عن أحد من الصحابة ولا من التابعين أن الوقص في الذهب يزكى بالذهب فخرج قوله عن أن يكون له سلف ؟ ونسألهم أيضا : من أين جعلتم الوقص في الذهب أربعة دنانير ؟ وليس هذا في شيء من الآثار التي احتججتم بها ؛ بل الأثر الذي روي عن علي في ذلك إلى النبي ﷺ بأن ما زاد على عشرين دينارا فإنه يزكى بالحساب ؛ وإنما جاء عن عمر في ذلك قول لا يصح ومع ذلك فقد خالفتموه ، ورأيتم تزكيته بالذهب ورآه هو بالورق بالقيمة ، وقد خالفه علي ، وابن عمر برواية أصح من الرواية عن عمر ؟ فلا ملجأ لهم إلا أن يقولوا : قسناه على الفضة ؟ قول علي : وهذا قياس والقياس كله باطل ؛ ثم لو صح القياس لكان هذا منه قياسا للخطأ على الخطأ وعلى أصل غير صحيح - ولم يأت به قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا إجماع من أن كل عشرة دراهم بإزاء دينار ، وإنما هو شيء قالوه في الزكاة ، والقطع في السرقة . والدية ، والصداق ، وكل ذلك خطأ منهم ، ليس شيء منه صحيحا على ما بيناه ونبين - إن شاء الله تعالى ؛ إذ ليس في شيء من ذلك قرآن ولا سنة صحيحة ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق وبالدليل الذي ذكرنا وجب أن لا يزكى الذهب إلا حتى يتم عند مالكه حولا كما قدمنا ؟ ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير بن حازم مسند صحيح لا يجوز خلافه وأن الاعتلال فيه بأن عاصم بن ضمرة ، أو أبا إسحاق ، أو جريرا خلط إسناد الحارث بإرسال عاصم - : هو الظن الباطل الذي لا يجوز ، وما علينا من مشاركة الحارث لعاصم ، ولا لإرسال من أرسله ؛ ولا لشك زهير فيه شيء وجرير ثقة ؛ فالأخذ بما أسنده لازم - وبالله تعالى التوفيق .
==============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 683) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 684)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689)
كتاب الزكاة
684 - مسألة : والزكاة واجبة في حلي الفضة والذهب إذا بلغ كل واحد منهما المقدار الذي ذكرنا وأتم عند مالكه عاما قمريا . ولا يجوز أن يجمع بين الذهب والفضة في الزكاة ولا أن يخرج أحدهما عن الآخر ولا قيمتهما في عرض أصلا ، وسواء كان حلي امرأة أو حلي رجل ، وكذلك حلية السيف والمصحف والخاتم وكل مصوغ منهما حل اتخاذه أو لم يحل ؟ وقال أبو حنيفة : بوجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة وقال مالك : إن كان الحلي لامرأة تلبسه أو تكريه أو كان لرجل يعده لنسائه فلا زكاة في شيء منه ، فإن كان لرجل يعده لنفسه عدة ففيه الزكاة ولا زكاة على الرجل في حلية السيف ، والمنطقة ، المصحف ، والخاتم ؟ وقال الشافعي : لا زكاة في حلي ذهب ، أو فضة ؟ وجاء في ذلك عن السلف ما قد ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن ابن مسعود عن إيجابه الزكاة في حلي امرأته . وهو عنه في غاية الصحة وروينا من طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال قالت امرأة لعبد الله بن مسعود : لي حلي ؟ فقال لها : إذا بلغ مائتين ففيه الزكاة ؟ وعن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي موسى : مر نساء المسلمين يزكين حليهن - : ومن طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : كان عبد الله بن عمرو بن العاص يأمر بالزكاة في حلي بناته ونسائه ؟ ومن طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سالم عن عبد الله بن عمر أنه كان يأمره بذلك كل عام ؟ وعن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت : لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته ؟ وهو قول مجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، وجابر بن زيد ، وميمون بن مهران ، وعبد الله بن شداد ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وذر الهمداني وابن سيرين ، واستحبه الحسن . قال الزهري : مضت السنة أن في الحلي الزكاة ؟ وهو قول ابن شبرمة ، والأوزاعي ، والحسن بن حي . وقال الليث : ما كان من حلي يلبس ويعار فلا زكاة فيه ، وما كان من حلي اتخذ ليحرز من الزكاة ففيه الزكاة ؟ وقال جابر بن عبد الله ، وابن عمر : لا زكاة في الحلي ؟ وهو قول أسماء بنت أبي بكر الصديق ؛ وروي أيضا عن عائشة ، وهو عنهما صحيح ، وهو قول الشعبي ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، وأبي جعفر محمد بن علي ؛ وروي أيضا عن طاوس ، والحسن ، وسعيد بن المسيب . واختلف فيه قول سفيان الثوري ، فمرة رأى فيه الزكاة ، ومرة لم يرها قال أبو محمد : وهنا قول أنس : إن الزكاة فيه مرة واحدة ، ثم لا تعود فيه الزكاة . وروينا عن أبي أمامة الباهلي وخالد بن معدان : أن حلية السيف من الكنوز . وعن إبراهيم النخعي وعطاء : لا زكاة في قدح مفضض ولا في منطقة محلاة ولا في سيف محلى . قال علي : أما قول مالك فتقسيم غير صحيح ، وما علمنا ذلك التقسيم عن أحد قبله ، ولا تقوم على صحته حجة من قرآن ولا سنة ولا إجماع ، ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي له وجه والعجب أنهم احتجوا في ذلك بأن الزكاة إنما سقطت عن الحلي المتخذ للنساء لأنه مباح لهن ، وكذلك عن المنطقة ، والسيف ، وحلية المصحف ، والخاتم للرجال قال أبو محمد : فكان هذا الاحتجاج عجبا ولقد علم كل مسلم أن الدنانير والدراهم ونقار الذهب والفضة - : مباح اتخاذ كل ذلك للرجال والنساء فينبغي على هذا أن تسقط الزكاة عن كل ذلك ، إن كانت هذه العلة صحيحة ويلزم على هذه العلة أن من اتخذ ما لا زكاة فيه - مما لم يبح له اتخاذه - أن تكون فيه الزكاة عقوبة له ، كما أسقط الزكاة عما فيه الزكاة من الذهب والفضة إذا اتخذ منه حلي مباح اتخاذه فإن قالوا : إنه يشبه متاع البيت الذي لا زكاة فيه من الثياب ونحوها ؟ قلنا لهم : فأسقطوا بهذه العلة نفسها - إن صححتموها - الزكاة عن الإبل المتخذة للركوب والسني والحمل والطحن ، وعن البقر المتخذة للحرث ؟ وقبل كل شيء وبعد ، فمع فساد هذه العلة وتناقضها ، من أين قلتم بها ؟ ومن أين صح لكم أن ما أبيح اتخاذه من الحلي تسقط عنه الزكاة ؟ وما هو إلا قولكم جعلتموه حجة لقولكم ولا مزيد ثم أين وجدتم إباحة اتخاذ المنطقة المحلاة بالفضة والمصحف المحلى بالفضة للرجال دون السرج واللجام ، والمهاميز المحلاة بالفضة ؟ فإن ادعوا في ذلك رواية عن السلف ادعوا ما لا يجدونه وأوجدناهم عن السلف بأصح طريق من طريق البخاري محمد بن إسماعيل في تاريخه عن عبد الله بن محمد المسندي عن سفيان عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عمه مصعب بن سعد قال : رأيت على سعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، وصهيب خواتيم ذهب ؟ وصح أيضا عن البراء بن عازب . فأسقطوا لهذا الزكاة عن خواتيم الذهب للرجال ؛ أو قيسوا حلية السرج واللجام والدرع والبيضة على المنطقة والسيف ؛ وإلا فلا النصوص اتبعتم ، ولا القياس استعملتم فسقط هذا القول بيقين ؟ وأما قول الليث ففاسد أيضا ، لأنه لا يخلو حلي النساء من أن تكون فيه الزكاة أو لا تكون فيه الزكاة ، فإن كانت فيه الزكاة ففي كل حال فيه الزكاة وإن كان لا زكاة فيه فما علمنا على من اتخذ ما لا زكاة فيه ليحرزه من الزكاة زكاة ولو كان هذا لوجب على من اشترى بدراهمه دارا أو ضيعة ليحرزها من الزكاة أن يزكيها ، وهو لا يقول بهذا ؟ وأما الشافعي فإنه علل ذلك بالنماء . فأسقط الزكاة عن الحلي وعن الإبل ؛ والبقر والغنم غير السوائم ؟ قال أبو محمد : وهذا تعليل فاسد ؛ لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا نظر صحيح ؛ وقد علمنا أن الثمار والخضر تنمي ، وهو لا يرى الزكاة فيها وكراء الإبل ، وعمل البقر ينمي ، وهو لا يرى الزكاة فيها والدراهم لا تنمي إذا بقيت عند مالكها ، وهو يرى الزكاة فيها ، والحلي ينمي كراؤه وقيمته ، وهو لا يرى الزكاة فيه ؟ وأما أبو حنيفة - فأوجب الزكاة في الحلي ، وأسقط الزكاة عن المستعملة من الإبل ، والبقر ، والغنم ؛ وهذا تناقض واحتج له بعض مقلديه بأن الذهب ، والفضة قبل أن يتخذ حليا كانت فيهما الزكاة ، ثم قالت طائفة : قد سقط عنهما حق الزكاة . وقال آخرون : لم يسقط ، فوجب أن لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف ؟ فقلنا : هذه حجة صحيحة ؛ إلا أنها لازمة لكم في غير السوائم ؛ لاتفاق الكل على وجوب الزكاة فيها قبل أن تعلف ، فلما علفت اختلفوا في سقوط الزكاة أو تماديها ، فوجب أن لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف ؟ وقال هذا القائل : وجدنا المعلوفة ننفق عليها ونأخذ منها ، ووجدنا السوائم نأخذ منها ولا ننفق عليها ؛ والحلي يؤخذ كراؤه وينتفع به ولا ينفق عليه ، فكان أشبه بالسوائم منه بالمعلوفة ؟ فقيل له : والسائمة أيضا ينفق عليها أجر الراعي . وهذه كلها أهواس وتحكم في الدين بالضلال ؟ قال أبو محمد : واحتج من رأى إيجاب الزكاة في الحلي بآثار واهية ، لا وجه للاشتغال بها ، إلا أننا ننبه عليها تبكيتا للمالكيين المحتجين بمثلها وبما هو دونها إذا وافق تقليدهم وهي - : خبر رويناه من طريق خالد بن الحارث عن الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن امرأة دخلت على رسول الله ﷺ وفي يدها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها : أتؤدين زكاة هذا ؟ قالت : لا ، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ فألقتهما ، وقالت : هما لله ولرسوله } . والمالكيون يحتجون برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافق أهواءهم ، ولم يروه هاهنا حجة ؟ - : وخبر من طريق عتاب عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن { أم سلمة أم المؤمنين قالت كنت ألبس أوضاحا لي من ذهب ، فقلت : يا رسول الله أكنز هو ؟ قال : ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز } . وعتاب مجهول ، إلا أن المالكيين يحتجون بمثل حرام بن عثمان ، وسوار بن مصعب ، وهذا خير منه ؟ - : ومن طريق يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر : أن محمد بن عمرو هو ابن عطاء - أخبره [ عن ] عبد الله بن شداد بن الهاد قال : { دخلنا على عائشة أم المؤمنين فقالت دخل علي رسول الله ﷺ فرأى في يدي سخابا من ورق فقال : أتؤدين زكاته ؟ قلت : لا ، أو ما شاء الله تعالى ، فقال : هو حسبك من النار } . قال أبو محمد : يحيى بن أيوب ضعيف ، والمالكيون يحتجون بروايته ، إذا وافق أهواءهم . ونقول للحنفيين : أنتم قد تركتم رواية أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا من أجل أنكم رويتم من طريق لا خير فيها أنه خالف ما روي من ذلك لا حجة لكم في ترك ذلك الخبر الثابت إلا بهذا ، ثم أخذتم براوية عائشة هذه التي لا تصح ؛ وهي قد خالفته من أصح طريق ، فما هذا التلاعب بالدين ؟ فإن قالوا : قد روي عنها الأخذ بما روت من هذا ؟ قلنا لهم : وقد صح عن أبي هريرة الأخذ بما روى في غسل الإناء من ولوغ الكلب ؟ فإن قالوا : قد روى زكاة الحلي كما أوردتم غير عائشة ، وهو عبد الله بن عمرو . قلنا لهم : وقد روى غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا غير أبي هريرة ، وهو عبد الله بن مغفل ؛ وهذا ما لا انفكاك لهم منه ؟ قال أبو محمد : لو لم يكن إلا هذه الآثار لما قلنا بوجوب الزكاة في الحلي ؛ ولكن لما صح عن رسول الله ﷺ { في الرقة ربع العشر } { وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم } وكان الحلي ورقا وجب فيه حق الزكاة ، لعموم هذين الأثرين الصحيحين ؟ وأما الذهب فقد صح عن رسول الله ﷺ { ما من صاحب ذهب لا يؤدي ما فيها إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها } فوجبت الزكاة في كل ذهب بهذا النص ، وإنما تسقط الزكاة من الذهب عمن لا بيان في هذا النص بإيجابها فيه ؛ وهو العدد والوقت ، لإجماع الأمة كلها - بلا خلاف منها أصلا - على أنه عليه الصلاة والسلام لم يوجب الزكاة في كل عدد من الذهب ، ولا في كل وقت من الزمان ، فلما صح ذلك ولم يأت نص في العدد والوقت وجب أن لا يضاف إلى رسول الله ﷺ إلا ما صح عنه بنقل آحاد أو بنقل إجماع ؛ ولم يأت إجماع قط بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد إلا بعض أحوال الذهب وصفاته ، فلم يجز تخصيص شيء من ذلك بغير نص ولا إجماع ؟ فإن قيل : فهلا أخذتم بقول أنس في الحلي بهذا الدليل نفسه ، فلم توجبوا فيه الزكاة إلا مرة واحدة في الدهر ؟ قلنا لهم : لأنه قد صح عن النبي ﷺ إيجاب الزكاة في الذهب عموما ، ولم يخص الحلي منه بسقوط الزكاة فيه ، لا بنص ولا بإجماع ، فوجبت الزكاة بالنص في كل ذهب وفضة ، وخص الإجماع المتيقن بعض الأعداد منهما وبعض الأزمان ، فلم تجب الزكاة فيهما إلا في عدد أوجبه نص أو إجماع وفي زمان أوجبه نص أو إجماع ، ولم يجز تخصيص شيء منهما ؛ إذ قد عمهما النص ؛ فوجب أن لا يفرق بين أحوال الذهب بغير نص ولا إجماع ، وصح يقينا - بلا خلاف - أن رسول الله ﷺ كان يوجب الزكاة في الذهب والفضة كل عام ، والحلي فضة أو ذهب ، فلا يجوز أن يقال " إلا الحلي " بغير نص في ذلك ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق . وأما الجمع بين الفضة والذهب في الزكاة فإن مالكا ، وأبا يوسف ، ومحمد بن الحسن ، قالوا : من كان معه من الدراهم والدنانير ما إذا حسبهما على أن كل دينار بإزاء عشرة دراهم فاجتمع من ذلك عشرون دينارا أو مائتا درهم - زكى الجميع زكاة واحدة ، مثل أن يكون له دينار ومائة وتسعون درهما ، أو عشرة دراهم وتسعة عشر دينارا أو عشرة دنانير ومائة درهم وعلى هذا الحكم أبدا . فإن كان له أقل من ذلك فلا زكاة عليه ، ولم يلتفتوا إلى غلاء قيمة الدنانير ، أو الدراهم أو رخصها - وهو قول أبي حنيفة الأول ؟ ثم رجع فقال : يجمع بينهما بالقيمة ، فإذا بلغ قيمة ما عنده منهما جميعا عشرين دينارا أو مائتي درهم فعليه الزكاة ، وإلا فلا ، فيرى على من عنده دينار واحد يساوي - لغلاء الذهب - مائتي درهم غير درهم وعنده درهم واحد - : أن الزكاة واجبة عليه ، ولم ير على من عنده تسعة عشر دينارا ومائتي درهم غير درهم - لا تساوي دينارا - زكاة وقال ابن أبي ليلى ؛ وشريك ؛ والحسن بن حي ، والشافعي ، وأبو سليمان : لا يضم ذهب إلى ورق أصلا ؛ لا بقيمة ولا على الأجزاء ، فمن عنده مائتا درهم غير حبة وعشرون دينارا غير حبة - : فلا زكاة عليه فيهما ، فإن كمل أحدهما نصابا زكاه ولم يزك الآخر ؟ قال أبو محمد : واحتج من رأى الجمع بينهما بأنهما أثمان الأشياء ؟ قال علي : فيقال له : والفلوس قد تكون أثمانا أيضا ، فزكها على هذا الرأي الفاسد . والأشياء كلها قد يباع بعضها ببعض ، فتكون أثمانا ، فزك العروض بهذه العلة وأيضا : فمن لكم بأنهما لما كانا أثمانا للأشياء وجب ضمهما في الزكاة ؟ فهذه علة لم يصححها قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية فاسدة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس يعقل ، ولا رأي سديد وإنما هي دعوى في غاية الفساد ؟ وأيضا : فإذ صححتموها فاجمعوا بين الإبل والبقر في الزكاة ، لأنهما يؤكلان وتشرب ألبانهما ، ويجزئ كل واحد منهما عن سبعة في الهدي نعم ، واجمعوا بينهما وبين الغنم في الزكاة ، لأنها كلها تجوز في الأضاحي وتجب فيها الزكاة فإن قيل : النص فرق بينهما ؟ قلنا : والنص فرق بين الذهب ، والفضة في الزكاة ، لا يخلو الذهب ، والفضة من أن يكونا جنسا واحدا أو جنسين ، فإن كانا جنسا واحدا فحرموا بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ، وإن كانا جنسين فالجمع بين الجنسين لا يجوز ، إلا بنص وارد في ذلك ويلزمهم الجمع بين التمر ، والزبيب في الزكاة ، وهم لا يقولون هذا ، لأنهما قوتان حلوان فظهر فساد هذا القول بيقين ؟ وأيضا : فيلزم من رأى الجمع بينهما بالقيمة أن يزكي في بعض الأوقات دينارا أو درهما فقد شاهدنا الدينار يبلغ بالأندلس أزيد من مائتي درهم ، وهذا باطل شنيع جدا ويلزم من رأى الجمع بينهما بتكامل الأجزاء أنه إن كان الذهب رخيصا أو غاليا فإنه يخرج الذهب عن الذهب ، والفضة بالقيمة . أو تخرج الفضة عن الذهب والفضة بالقيمة وهذا ضد ما جمع به بينهما ، فمرة راعى القيمة لا الأجزاء ، ومرة راعى الأجزاء لا القيمة ، في زكاة واحدة وهذا خطأ بيقين ولا فرق بين هذا القول وبين من قال : بل أجمع الذهب مع الفضة بالقيمة وأخرج عنهما أحدهما بمراعاة الأجزاء ؛ وكلاهما تحكم بالباطل ؟ وأيضا : فيلزمه إذا اجتمع له ذهب وفضة تجب فيهما عنده الزكاة - وكان الدينار قيمته أكثر من عشرة دراهم - فإنه إن أخرج ذهبا عن كليهما فإنه يخرج ربع دينار وأقل عن زكاة عشرين دينارا ، وهذا باطل عندهم ، وإن أخرج دراهم عن كليهما - وكان الدينار لا يساوي إلا أقل من عشرة دراهم - وجب أن يخرج أكثر من عشرة دراهم عن مائتي درهم ، وهذا باطل بإجماع ؟ فإن قالوا : إنكم تجمعون بين الضأن والماعز في الزكاة ، وهما نوعان مختلفان ؟ قلنا نعم ، لأن الزكاة جاءت فيهما باسم يجمعهما ، وهو لفظ " الغنم " " والشاء " ولم تأت الزكاة في الذهب ، والفضة بلفظ يجمعهما ولو لم تأت الزكاة في الضأن إلا باسم " الضأن " ولا في الماعز إلا باسم " الماعز " لما جمعنا بينهما ، كما لم نجمع بين البقر ، والإبل ولو جاءت الزكاة في الذهب ، والفضة بلفظ واسم جمع بينهما لجمعنا بينهما ؟ قال أبو محمد : وهم مجمعون على أن الذهب غير الفضة ، وأنه يجوز بيع درهم من أحدهما بمائة من الآخر ، وأن أحدهما حلال للنساء والرجال ، والآخر حلال للنساء حرام على الرجال ، وهم مقرون أن الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ، ولا في أقل من عشرين دينارا ثم يوجبونها في عشرة دنانير ومائة درهم وهذا تناقض لا خفاء به ؟ قال أبو محمد : وحجتنا في أنه لا يحل الجمع بينهما في الزكاة هو قول رسول الله ﷺ : { ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة } فكان من جمع بين الذهب ، والفضة قد أوجب الزكاة في أقل من خمس أواق وهذا خلاف مجرد لأمر رسول الله ﷺ وشرع لم يأذن الله تعالى به ؛ وهم يصححون الخبر في إسقاط الزكاة في أقل من عشرين دينارا ثم يوجبونها في أقل . وهذا عظيم جدا وقد صح عن علي ، وعمر ، وابن عمر : إسقاط الزكاة في أقل من مائتي درهم ، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم - وبالله تعالى التوفيق . وأما إخراج الذهب عن الورق ، والورق عن الذهب ، فإن مالكا ، وأبا حنيفة أجازاه ومنع منه الشافعي ، وأبو سليمان ، وبه نأخذ ؛ لأن رسول الله ﷺ قال : { في الرقة ربع العشر ، وفي مائتي درهم خمسة دراهم } فمن أخرج غير ما أمر رسول الله ﷺ بإخراجه فقد تعدى حدود الله . { ومن يطع الرسول فقد أطاع الله } . { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . ولم يأت بما أمر ، ومن لم يأت بما أمر فلم يزك ؟ ( وأما الذهب فالأمة كلها مجمعة على أنه إن أخرج في زكاتها الذهب ) فقد أدى ما عليه ، ووافق ما أمره به رسول الله ﷺ ؟ واختلفوا فيمن أخرج فضة عن ذهب ، أو عرضا عن أحدهما ، أو غير ما جاء به النص ( عن رسول الله ﷺ ) فيما عداهما فلا يجوز أن ينسب إلى رسول الله ﷺ حكما بغير نص ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .
===============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 684) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695)
كتاب الزكاة
685 - مسألة : قال أبو محمد : صح عن ابن عباس إيجاب الزكاة في كل مال يزكى حين يملكه المسلم ؟ وصح عن ابن عمر : لا زكاة فيه حتى يتم حولا ؟ وقال أبو حنيفة : لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا إلا إن كان عنده مال يجب في عدد ما عنده منه الزكاة في أول الحول - : فإنه إن اكتسب بعد ذلك - لو قبل تمام الحول بساعة شيئا - قل أو كثر - من جنس ما عنده : فإنه يزكي المكتسب مع الأصل ، سواء عنده الذهب ، والفضة ، والماشية ، والأولاد ، وغيرها ؟ وقال مالك : لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا ، وسواء كان عنده ما فيه الزكاة من جنسه أو لم يكن ، إلا الماشية ؛ فإن من استفاد منها شيئا بغير ولادة منها ، فإن كان الذي عنده منها نصابا - : زكى الجميع عند تمام الحول ، وإلا فلا ، وإن كانت من ولادة زكى الجميع بحول الأمهات سواء كانت الأمهات نصابا أو لم تكن ؟ وقال الشافعي : لا يزكى مال مستفاد مع نصاب كان عند الذي استفاده من جنسه ألبتة ، إلا أولاد الماشية مع أمهاتها فقط إذا كانت الأمهات نصابا وإلا فلا ؟ قال أبو محمد : وقد ذكرنا قبل فساد هذه الأقوال كلها ؛ ويكفي من فسادها أنها كلها مختلفة وكلها دعاو مجردة ، وتقاسيم فاسدة متناقضة لا دليل على صحة شيء منها . لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من إجماع ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه وقال أبو حنيفة : من كان عنده مائتا درهم في أول الحول فلما كان بعد ذلك بيوم تلفت كلها أو أنفقها إلا درهما واحدا واحدا فإنه بقي عنده ؛ فلما كان قبل تمام الحول بساعة اكتسب مائة درهم وتسعة وتسعين درهما - : فالزكاة عليه في الجميع لحول التي تلفت ، فلو لم يبق منها ولا درهم فلا زكاة عليه فيما اكتسب ولو أنها مائة ألف درهم - حتى يتم لها حول ؟ فيا ليت شعري ما شأن هذا الدرهم ؟ وما قوله لو لم يبق منها إلا فلس ؟ وكذلك قوله فيمن عنده نصاب من ذهب ، أو من بقر ، أو من إبل ، أو من غنم ؛ ثم تلفت كلها إلا واحدة ؛ ثم اكتسب من جنسها قبل الحول ما يتم بما بقي عنده النصاب ؟ وهذا قول يغني ذكره عن تكلف الرد عليه ؟ ولئن كانت الزكاة باقية في الدرهم الباقي فإن الزكاة واجبة فيه وإن لم يكتسب غيره ؛ نعم ، وفيما اكتسب إليه ولو أنه درهم آخر ولئن كانت الزكاة غير باقية فيه فإن الواجب عليه استئناف الحول بما اكتسب معه ؟ وممن روي عنه تعجيل الزكاة من الفائدة : ابن مسعود ، ومعاوية ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والزهري وممن صح عنه : لا زكاة في مال حتى يتم له حول - : علي ، وأبو بكر الصديق ، وعائشة أم المؤمنين ، وابن عمر ، وقد ذكرناها في باب ذكرنا أولاد الماشية ؟ . وأما تقسيم أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي فلا يحفظ عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم نعم ، ولا عن أحد من التابعين . قال أبو محمد : كل فائدة فإنما تزكى لحولها ، لا لحول ما عنده من جنسها وإن اختلطت عليه الأحوال ؟ تفسير ذلك : لو أن امرأ ملك نصابا - وذلك مائتا درهم من الورق أو أربعين دينارا من الذهب ، أو خمسا من الإبل ، أو خمسين من البقر - ثم ملك بعد ذلك بمدة - قريبة أو بعيدة ، إلا أنها قبل تمام الحول - من جنس ما عنده أقل مما ذكرنا ، أو ملك أربعين شاة ثم ملك في الحول تمام مائة وعشرين - : فإن كان ما اكتسب لا يغير ما كان عليه من الزكاة فإنه يضم التي ملك إلى ما كان عنده ؛ لأنها لا تغير حكم ما كان عليه من الزكاة ، فيزكى ذلك لحول التي كانت عنده ثم يستأنف الجميع حولا ، فإن استفاد في داخل الحول ما يغير الفريضة فيما عنده ، إلا أن تلك الفائدة لو انفردت لم تجب فيها الزكاة - وليس ذلك إلا في الورق خاصة - على كل حال ، وفي سائر ذلك في بعض الأحوال - : فإنه يزكي الذي عنده وحده لتمام حوله ، وضم حينئذ الذي استفاد إليه - لا قبل ذلك - واستأنف بالجميع حولا ؟ مثل : من كان عنده مائة شاة وعشرين شاة ثم استفاد شاة فأكثر ، أو كان عنده تسع وتسعون بقرة فأفاد بقرة فأكثر ، أو كان عنده تسع من الإبل فأفاد واحدة فأكثر أو تسع وسبعون دينارا فأفاد دينارا فأكثر ، لأن الذي يبقى بعد الذي زكى لا زكاة فيه ، ولا يجوز أن يزكى مال مرتين في عام واحد فلو ملك نصابا - كما ذكرنا - ثم ملك في داخل الحول نصابا أيضا من الورق أو الذهب أو الماشية فإنه يزكي كل مال لحوله ؛ فإن رجع الأول منهما إلا ما لا زكاة فيه فإذا حال حول الفائدة زكاها ثم ضم الأول حينئذ إلى الآخر ، لأن الأول قد صار لا زكاة فيه ، ولا يجوز أن يزكيه مع ما قد زكاه من المال الثاني ، فيكون يزكي الثاني مرتين في عام ؛ ويستأنف بالجميع حولا ؟ فإن رجع المال الثاني إلى ما لا زكاة فيه وبقي الأول نصابا فإنه يزكيه إذا حال حوله ، ثم يضم الثاني إلى الأول حينئذ لما قد ذكرنا فيستأنف بهما حولا ؟ فلو خلطهما فلم يتميزا فإنه يزكي كل عدد منهما لحوله ، ويجعل ما أخرج من ذلك كله نقصانا من المال الثاني ؛ لأنه لا يوقن بالنقص إلا بعد إخراج الزكاة من الثاني ، وأما قبل ذلك فلا يقين عنده بأن أحدهما نقص ؛ فلا يزال كذلك حتى يرجع كلاهما إلى ما يوقن أن أحدهما قد نقص - ولا بد - عما فيه الزكاة وذلك مثل : أن يرجع الغنمان إلى أقل من عشرين ومائة ؛ لأنه لا يجوز أن يزكي عن هذا العدد بشاتين ، أو أنه قد رجع البقران إلى أقل من مائة ، والذهبان إلى أقل من ثمانين دينارا ، والإبلان إلى أقل من عشرة ، والفضتان إلى أقل من أربعمائة درهم ؟ فإذا رجع المالان إلى ما ذكرنا فقد يمكن أن النقص دخل في كليهما ، ويمكن أن يكون دخل في أحدهما ، إلا أنه بلا شك قد كان عنده مال تجب فيه الزكاة ؛ فلا تسقط عنه بالشك فإذا كان هذا : ضم المال الثاني إلى الأول فزكي الجميع لحول الأول أبدا ، حتى يرجع الكل إلى ما لا زكاة فيه فلو اقتنى خمسا من الإبل أو أكثر - إلا أنه عدد يزكى بالغنم - ثم اقتنى في داخل الحول عددا يزكى وحده لو انفرد - إما بالغنم ، وإما بالإبل - فإنه يزكي ما كان عنده عند تمام حوله بالغنم ؛ ثم ضمه إثر ذلك إلى ما استفاد ؛ إذ لا يجوز أن يكون إنسان واحد عنده إبل له قد تم لجميعها حول فيزكي بعضها بالغنم وبعضها بالإبل ؛ لأنه خلاف أمر رسول الله ﷺ في زكاة الإبل فلو ملك خمسا وعشرين من الإبل ثم ملك في الحول إحدى عشرة زكى الأول لحولها بنت مخاض ؛ ثم ضمها إلى الفائدة من حينئذ على كل حال فزكي الجميع لحول - من حينئذ مستأنف - ببنت لبون ؛ لما ذكرنا من أنه لا تختلف زكاة إبل واحدة لمالك واحد . وهكذا في كل شيء ؟ فإن قيل : فإنكم تؤخرون زكاة بعضها عن بعض عن حوله شهورا ؟ قلنا : نعم : لأننا لا نقدر على غير ذلك ألبتة ، إلا بإحداث زكاتين في مال واحد ، وهذا خلاف النص ؛ وتأخير الزكاة إذا لم يمكن التعجيل مباح لا حرج فيه - وبالله تعالى التوفيق .
686 - مسألة : من اجتمع في ماله زكاتان فصاعدا هو حي ؟ قال أبو محمد : تؤدى كلها لكل سنة على عدد ما وجب عليه في كل عام ؛ وسواء كل ذلك لهروبه بماله ؛ أو لتأخير الساعي ؛ أو لجهله ، أو لغير ذلك ؛ وسواء في ذلك العين ، والحرث ، والماشية ، وسواء أتت الزكاة على جميع ماله أو لم تأت ، وسواء رجع ماله بعد أخذ الزكاة منه إلى ما لا زكاة فيه أو لم يرجع ، ولا يأخذ الغرماء شيئا حتى تستوفي الزكاة وقال مالك : إن كان ذلك عينا - ذهبا أو فضة - فإنه تؤخذ منه زكاة كل سنة حتى يرجع الوزن إلى مائتي درهم ، والذهب إلى عشرين دينارا ، فتؤخذ الزكاة لسنة واحدة ، ثم لا شيء عليه لما بعد ذلك من السنين ؟ وإن كانت زكاة زرع فرط فيها سنين أخذت كلها وإن اصطلمت جميع ماله ؟ وإن كانت ماشية . فإن كان هو هرب أمام الساعي فإن الزكاة تؤخذ منه على حسب ما كان عنده في كل عام ؛ فإذا رجع ماله بإخراج الزكاة إلا ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شيء لسائر ما بقي من الأعوام ، وإن كان الساعي هو الذي تأخر عنه فإنه تؤخذ منه زكاة ما وجد بيده لكل عام خلا - سواء كان بيده فيما خلا أكثر أو أقل ما لم يخرج إلى ما لا زكاة فيه ؛ فإذا رجع إلى ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شيء ؟ وقال أبو حنيفة فيمن كان له عشر من الإبل عامين لم يؤد زكاتها : إنه يزكي للعام الأول شاتين . وللعام الثاني شاة واحدة وقال هو ومحمد بن الحسن فيمن كان عنده مائتا درهم - لا مال له غيرها - فلم يزكها سنتين فصاعدا : إنه لا زكاة عليه ؛ لأن الزكاة صارت عليه دينا فيها هذا نص كلامه وقال أبو يوسف : عليه زكاتها لعام واحد فقط ؟ وقال زفر : عليه زكاتها لكل عام أبدا . وبه يقول أبو سليمان ، وأصحابنا ؟ قال أبو محمد : أما قول مالك فظاهر التناقض ، وتقسيم فاسد ، لا برهان على صحته ؛ لأنه دعوى بلا دليل . وما العجب إلا من رفقهم بالهارب أمام المصدق وتحريهم العدل فيه وشدة حملهم على من تأخر عنه الساعي ، فيوجبون عليه زكاة ألف ناقة لعشر سنين ؛ ولم يملكها إلا سنة واحدة ، وإنما ملك في سائر الأعوام خمسا من الإبل فقط . واحتجوا في هذا بأن هكذا زكى الناس إذ أجمعوا على معاوية ؟ قال أبو محمد : وهم قد خالفوا معاوية في أخذ الزكاة من الأعطية ومعه ابن مسعود ؛ وقلدوا هاهنا سعاة من لا يعتد به ، كمروان ، وسعيد بن العاص ، وما هنالك ومعاذ الله أن تؤخذ الزكاة من إبل لم يملكها المسلم وتعطل زكاة قد أوجبها الله تعالى ؟ وأما قول أبي يوسف فإنه محمول على أن الزكاة - في العين وغيره - في المال نفسه ، ولا في الذمة ، وهذا أمر قد بينا فساده قبل ؛ وأوضحنا أنها في الذمة لا في العين ، ولو كانت في العين لما أجزأه أن يعطي الزكاة من غير ذلك المال نفسه ؛ وهذا أمر مجمع على خلافه ؛ وعلى أنه له أن يعطيها من حيث شاء ؛ فإذا صح أنها في الذمة فلا يسقطها عنه ذهاب ماله ، ولا رجوعه إلى ما لا زكاة فيه ؟ واحتج بعضهم بأن امرأ لو باع ماشيته بعد حلول الزكاة فيها أن للساعي أخذ الزكاة من تلك الماشية المبيعة ؟ قال أبو محمد : وهذا باطل ؛ وما له ذلك ؛ لأنها قد صارت مالا من مال المشتري ؛ ولا يحل أن تؤخذ زكاة من عمر ولم تجب عليه وإنما وجبت على زيد ؛ ولكن يتبع البائع بها دينا في ذمته وبالله تعالى التوفيق .
687 - مسألة : فلو مات الذي وجبت عليه الزكاة سنة أو سنتين فإنها من رأس ماله ، أقر بها أو قامت عليه بينة ، ورثه ولده أو كلالة ، لا حق للغرماء ولا للوصية ولا للورثة حتى تستوفي كلها ؛ سواء في ذلك العين والماشية والزرع . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهما . وقال أبو حنيفة : من مات بعد وجوب الزكاة في ذهبه وفضته فإنها تسقط بموته ، لا تؤخذ أصلا ، سواء مات إثر الحول بيسير أو كثير ، أو كانت كذلك لسنين . وأما زكاة الماشية فإنه روى عنه ابن المبارك : أنه يأخذها المصدق منها ، وإن وجدها بأيدي ورثته . وروى عنه أبو يوسف : أنها تسقط بموته واختلف قوله في زكاة الثمار والزرع : فروى عنه عبد الله بن المبارك أنها تسقط بموته ، وروى عنه محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة : أنها تؤخذ بعد موته ، ويرى أن قوله المذكور في الماشية ، والزرع إنما هو في زكاة تلك السنة فقط ؛ فأما زكاة فرط فيها حتى مات فإنه يقول : بأنها تسقط عنه . وقال مالك فيمن مات بعد حلول الزكاة في ماله أي مال كان حاشا المواشي - : فإنها تؤخذ من رأس ماله ، فإن كان فرط فيها أكثر من عام فلا تخرج عنه إلا أن يوصي بها ، فتكون من ثلثه مبداة على سائر وصاياه كلها ، حاشا التدبير في الصحة ، وهي مبداة على التدبير في المرض قال : وأما المواشي فإنه إن حال الحول عليها ثم مات قبل مجيء الساعي ثم جاء الساعي فلا سبيل للساعي عليها ، وقد بطلت ، إلا أن يوصي بها ، فتكون في الثلث غير مبداة على سائر الوصايا . واختلف قول الأوزاعي في ذلك : فمرة رآها من الثلث ، ومرة رآها من رأس المال قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ، ومالك ؛ ففي غاية الخطأ ؛ لأنهما أسقطا بموت المرء دينا لله تعالى وجب عليه في حياته ، بلا برهان أكثر من أن قالوا : لو كان ذلك لما شاء إنسان أن لا يورث ورثته شيئا إلا أمكنه فقلنا : فما تقولون في إنسان أكثر من إتلاف أموال الناس ليكون ذلك دينا عليه ولا يرث ورثته شيئا ، ولو أنها ديون يهودي ، أو نصراني لا في خمور أهرقها لهم . فمن قولهم : إنها كلها من رأس ماله ، سواء ورث ورثته أو لم يرثوا ، فنقضوا علتهم بأوحش نقض وأسقطوا حق الله تعالى - الذي جعله للفقراء والمساكين من المسلمين ، والغارمين منهم ، وفي الرقاب منهم ، وفي سبيله تعالى ، وابن السبيل فريضة من الله تعالى - : وأوجبوا ديون الآدميين وأطعموا الورثة الحرام . والعجب أنه من إيجابهم الصلاة بعد خروج وقتها على العامد لتركها ، وإسقاطهم الزكاة ووقتها قائم عن المتعمد لتركها . ثم تقسيم مالك بين المواشي وغير المواشي ، وبين زكاة عامه ذلك وسائر الأعوام ، فرأى زكاة عامه من رأس المال ، وإن لم يبق للورثة شيء يعيشون منه ، ولم ير زكاة سائر الأعوام إلا ساقطة . ثم تفريقه بين زكاة الناض يوصي بها فتكون في الثلث وتبدى على الوصايا إلا على التدبير في الصحة وتبدى على التدبير في المرض - : وبين زكاة الماشية يوصي بها فتكون في الثلث ولا تبدى الوصايا ، وهذه أشياء غلط فيها من غلط وقصد الخير ، وإنما العجب ممن انشرح صدره لتقليد قائلها . ثم استعمل نفسه في إبطال السنن الثابتة نصرا لها . قال أبو محمد : وبين صحة قولنا وبطلان قول المخالفين قول الله عز وجل ( في المواريث ) { من بعد وصية يوصي بها أو دين } فعم - عز وجل - الديون كلها ، والزكاة دين قائم لله تعالى وللمساكين ، والفقراء والغارمين وسائر من فرضها تعالى لهم في نص القرآن - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أحمد بن عمر الوكيعي وأبو سعيد الأشج . قال الوكيعي : ثنا حسين بن علي عن زائدة ؛ وقال أبو سعيد ثنا أبو خالد الأحمر ثم اتفق زائدة ، وأبو خالد الأحمر كلاهما عن الأعمش عن مسلم البطين والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل ، قال مسلم البطين : عن سعيد بن جبير وقال الحكم ، وسلمة : سمعنا مجاهدا ثم اتفق سعيد بن جبير ، ومجاهد عن ابن عباس قال { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى } . قال أبو خالد : في روايته عن الأعمش عن مسلم البطين ، والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء عن ابن عباس ، وذكر زائدة في حديثه أن الأعمش سمعه من الحكم ، وسلمة ومسلم ورويناه أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية قال : سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ﷺ فذكره ، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال { : فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء } فهؤلاء : عطاء ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد يروونه عن ابن عباس ، فقال : هؤلاء بآرائهم ، بل دين الله تعالى ساقط ودين الناس أحق أن يقضى والناس أحق بالوفاء قال أبو محمد : ويسألون عن الزكاة أفي الذمة هي أم في عين المال . ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث . فإن قالوا : في عين المال ، فقد صح أن أهل الصدقات شركاء في ذلك المال ، فمن أين وجب أن يبطل حقهم وتبقى دين اليهود والنصارى ؟ وإن قالوا : في الذمة فمن أين أسقطوها بموته ؟ ولا يختلفون أن إقرار الصحيح لازم في رأس المال فمن أين وقع لهم إبطال إقرار المريض ؟ فإن قالوا : لأنه وصية ، كذبوا وتناقضوا لأن الإقرار إن كان وصية فهو من الصحيح أيضا في الثلث ، وإلا فهاتوا فرقا بين المريض ، والصحيح . وإن قالوا : لأننا نتهمه . قلنا : فهلا اتهمتم الصحيح فهو أحق بالتهمة ؟ لا سيما المالكيين الذين يصدقون قول المريض في دعواه : إن فلانا قتله ، ويبطلون إقراره في ماله ، وهذه أمور كما ترى ونسأل الله العافية . روينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري في الرجل يموت ولم يؤد زكاة ماله : أنها تؤخذ من ماله إذا علم بذلك . وقال ربيعة : لا تؤخذ وعليه ما تحمل - : ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا جرير عن سليمان التيمي عن الحسن ، وطاوس : أنهما قالا في حجة الإسلام ، والزكاة : هما بمنزلة الدين قال علي : وللشافعي قول آخر : إن كل ذلك يتحاص مع ديون الناس . قال علي : وهذا خطأ ، لقول رسول الله ﷺ { دين الله أحق أن يقضى . } قال علي : هذا مما خالفوا فيه القرآن والسنن الثابتة - التي لا معارض لها - والقياس ، ولم يتعلقوا بقول صاحب نعلمه .
688 - مسألة : ولا يجزئ أداء الزكاة إذا أخرجها المسلم عن نفسه أو وكيله بأمره إلا بنية أنها الزكاة المفروضة عليه ، فإن أخذها الإمام ، أو ساعيه ، أو أميره ، أو ساعيه فبنية كذلك ، لقول الله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ولقول رسول الله ﷺ { : إنما الأعمال بالنيات . } فلو أن امرأ أخرج زكاة مال له غائب فقال : هذه زكاة مالي إن كان سالما ، وإلا فهي صدقة تطوع - : لم يجزه ذلك عن زكاة ماله إن كان سالما ، ولم يكن تطوعا لأنه لم يخلص النية للزكاة محضة كما أمر ، وإنما يجزئه إن أخرجها على أنها زكاة ماله فقط ؛ فإن كان المال سالما أجزأه ، لأنه أداها كما أمر مخلصا لها ، وإن كان المال قد تلف ، فإن قامت له بينة فله أن يسترد ما أعطى ، وإن فاتت أدى الإمام إليه ذلك من سهم الغارمين ، لأنهم أخذوها وليس لهم أخذها ، فهم غارمون بذلك ، وهذا كمن شك : عليه يوم من رمضان أم لا ؟ وهل عليه صلاة فرض أم لا ؟ فصلى عدد ركعات تلك الصلاة وقال : إن كنت أنسيتها فهي هذه ، وإلا فهي تطوع ؛ وصام يوما فقال : إن كان علي يوم فهو هذا ؛ وإلا فهو تطوع ؛ فإن هذا لا يخرجه عن تلك الصلاة ولا عن ذلك اليوم إن ذكر بعد ذلك أنهما عليه .
689 - مسألة : من خرج المال عن ملكه في داخل الحول قبل تمامه - بأي وجه خرج عن ملكه - ثم رجع إليه - بأي وجه رجع إليه ، ولو إثر خروجه بطرفة عين أو أكثر - : فإنه يستأنف به الحول من حين رجوعه ، لا من حين الحول الأول ، لأن ذلك الحول قد بطل ببطلان الملك ، ومن الباطل أن يعد عليه وقت كان فيه المال لغيره . وكذلك من باع إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو فضة بفضة ، أو ذهبا بذهب - : فإن حول الذي خرج عن ملكه ، من ذلك قد بطل ، ويستأنف الحول الذي صار في ملكه من ذلك لما ذكرنا . وسواء في كل ذلك فعل ذلك فرارا من الزكاة أو لغير فرار ، فهو عاص بنيته السوء في فراره من الزكاة . وقال بعض الناس : إن كان فعل ذلك فرارا من الزكاة فعليه الزكاة ، ثم ناقض من قرب فقال : من اشترى بدراهمه أو بدنانيره عقارا أو متاعا فرارا من الزكاة فلا زكاة عليه فيما اشترى . قال أبو محمد : ومن المحال الذي لم يأمر الله تعالى به أن يزكي الإنسان مالا هو في يد غيره [ ما ] لم يحل حوله عنده . قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . وقولنا في هذا كله هو قول أبي حنيفة والشافعي ، وأبي سليمان . وقال مالك : إن بادل إبلا ببقر أو بغنم أو بقرا بغنم فكذلك سواء فعله فرارا من الزكاة أو لغير فرار ، وإن بادل إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو ذهبا بذهب ، أو فضة بفضة - : فعليه الزكاة عند انقضاء الحول الذي خرج عن يده ؟ قال أبو محمد : وهذا خطأ ظاهر ، ودعوى لا دليل على صحتها ، لا من قرآن ، ولا سنة ( صحيحة ) ولا رواية سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ولا قياس ، ولا رأي يصح ونسأل من قال بهذا : أهذه التي صارت إليه هي التي خرجت عنه ؟ أم هي غيرها ؟ فإن قال : هي غيرها ؟ قيل : فكيف يزكي عن مال لا يملكه ؟ ولعلها أموات ، أو عند كافر . وإن : قال بل هي تلك ، كابر العيان ، وصار في مسلاخ من يستسهل الكذب جهارا ، فإن قال : ليست هي ، ولكنها من نوعها ؟ قلنا نعم ، فكان ماذا ؟ ومن أين لكم زكاة غير المال الذي ابتدأ الحول في ملكه إذا كان من نوعه ؟ ثم يسألون إن كانت الأعداد مختلفة : أي العددين يزكي العدد الذي خرج عن ملكه ؟ أم العدد الذي اكتسب ؟ ولعل أحدهما ليس نصابا ؟ وهذا كله خطأ لا خفاء به ، وبالله تعالى التوفيق . وأي شيء قالوا في ذلك كان تحكما وباطلا بلا برهان . فإن قالوا : إنه لم يزل مالكا لمائة شاة أو لعشر من الإبل أو لمائتي درهم حولا كاملا متصلا ؟ قلنا : إنما الزكاة تجب في ذمة المسلم عن مال ملكه بعينه حولا كاملا من كل ما ذكرنا بلا خلاف ؛ فعليكم البرهان في وجوب الزكاة عن عدد بغير عينه لكن في أعيان مختلفة ، وهذا ما لا سبيل إلى وجوده ، إلا بالدعوى - وبالله تعالى التوفيق .
============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703)
كتاب الزكاة
690 - مسألة : ومن تلف ماله أو غصبه أو حيل بينه وبينه فلا زكاة عليه فيه أي نوع كان من أنواع المال ، فإن رجع إليه يوما ما استأنف ( به ) حولا من حينئذ ، ولا زكاة ( عليه ) لما خلا ؛ فلو زكاه الغاصب ضمنه كله ، وضمن ما أخرج منه في الزكاة ؛ لأنه لا خلاف بين الأمة كلها في أن صاحب المال إن أحب أن يؤدي الزكاة من نفس المال الذي وجبت فيه الزكاة - لا من غيره - كان ذلك له ، ولم يكلف الزكاة ( من سواه ) ما لم يبعه هو أو يخرجه عن ملكه باختياره ، فإنه حينئذ يكلف أداء الزكاة من عند نفسه ، فسقط بهذا الإجماع تكليفه أداء زكاة من عند نفسه ؛ ثم لما صح ذلك ، وكان غير قادر على أداء الزكاة من نفس المال المغصوب ، أو المتلف ، أو الممنوع منه : سقط عنه ما عجز عنه من ذلك ، بخلاف ما هو قادر على إحضاره واستخراجه من مدفنه هو أو وكيله ، وما سقط ببرهان لم يعد إلا بنص أو إجماع ، وقد كانت الكفار يغيرون على سرح المسلمين في حياة رسول الله ﷺ ؛ فما كلف قط أحدا زكاة ما أخذه الكفار من ماله . وقد يسرق المال ويغصب فيفرق ولا يدري أحد مكانه ، فكان تكليف أداء الزكاة عنه من الحرج الذي قد أسقطه الله تعالى ، إذ يقول : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وكذلك تغلب الكفار على بلد نخل فمن المحال تكليف ربها أداء زكاة ما أخرجت ، وأما الغاصب فإنه محرم عليه التصرف في مال غيره ، يقول رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فإعطاؤه الزكاة من مال غيره تعد منه ، فهو ضامن لما تعدى فيه - قال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقال أبو حنيفة : بمثل هذا كله ، إلا أنه قال : إن كان المال المدفون بتلف مكانه في منزله أدى زكاته ؛ وإن كان خارج منزله فلا زكاة عليه فيه . وهذا تقسيم فاسد ما نعلم أحدا قاله قبله ، وقال مالك : لا زكاة عليه فيه ، فإن رجع إليه زكاه لسنة واحدة فقط وإن غاب عنه سنين . وهذا قول ظاهر الخطأ ، وما نعلم لهم حجة إلا أنهم قلدوا في ذلك عمر بن عبد العزيز في قول له رجع إليه ، وكان قال قبل ذلك : يأخذ الزكاة منه لكل سنة خلت ؟ والعجب أنهم قلدوا عمر هاهنا ، ولم يقلدوه في رجوعه إلى القول بالزكاة في العسل ؛ وإنما قال عمر بالقول الذي قلدوه فيه لأنه كان يرى الزكاة في المال المستفاد حين يفاد فخالفوه هاهنا وهذا كله تخليط ، وقال سفيان : - في أحد قوليه - وأبو سليمان : عليه الزكاة لكل سنة خلت ؟ وقد جاء عن عثمان ، وابن عمر : إيجاب الزكاة في المقدور عليه ، فدل ( ذلك ) على أنهما لا يريان الزكاة في غير المقدور عليه ، ولا مخالف لهما من الصحابة رضي الله عنهم ؟ وقولنا في هذا هو قول قتادة ، والليث وأحد قولي سفيان ، وروي أيضا عن عمر بن عبد العزيز كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن همام بن يحيى ثنا أبو عثمان عامل عمر بن عبد العزيز قال : كتب إلي عمر بن عبد العزيز في مال رده على رجل كان ظلمه : أن خذ منه الزكاة لما أتت عليه ، ثم صبحني بريد عمر : لا تأخذ منه زكاة ، فإنه كان ضمارا أو غورا .
691 - مسألة : ومن رهن ماشية ، أو ذهبا ، أو فضة ، أو أرضا فزرعها ، أو نخلا فأثمرت ، وحال الحول على الماشية ، والعين - : فالزكاة في كل ذلك ولا يكلف الراهن عوضا عما خرج من ذلك في زكاته ، أما وجوب الزكاة ؛ فلأنه مال من ماله ، عليه فيه الزكاة المفروضة ؛ ولم ينتقل ملكه عنه ، ولم يأت نص ولا إجماع بتكليفه أداء الزكاة من غيره ولا بد ، وأما المنع من تكليفه العوض فإنه لم يخرج ما أخرج منه بباطل وعدوان ، فيقضي عليه برده وإنما أخرجه بحق مفترض إخراجه ؛ فتكليفه حكما في ماله باطل ، ولا يجوز إلا بنص ، أو إجماع ، قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام }
692 - مسألة : وليس على من وجب عليه الزكاة إيصالها إلى السلطان لكن عليه أن يجمع ماله للمصدق ويدفع إليه الحق ، ثم مؤنة نقل ذلك من نفس الزكاة وهذا ما لا خلاف فيه من أحد ؛ وبالله تعالى التوفيق . وكذلك { كان رسول الله ﷺ يبعث المصدقين - وهم السعاة فيقبضون الواجب ويبرأ أصحاب الأموال من ذلك } فإن لم يكن مصدق فعلى من عليه الزكاة إيصالها إلى من يحضره من أهل الصدقات ولا مزيد ؛ لأن تكليف النقل مؤنة وغرامة لم يأت بها نص ولا إجماع ، وبالله تعالى التوفيق ؛ ولا فرق بين من كلفه ذلك ميلا أو ( من ) كلفه إلى خراسان أو أبعد .
693 - مسألة : ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول ولا بطرفة عين فإن فعل لم يجزه ، وعليه إعادتها ، ويرد إليه ما أخرج قبل وقته ؛ لأنه أعطاه بغير حق وصح تعجيل الزكاة قبل وقتها عن سعيد بن جبير ، وعطاء ، وإبراهيم ، والضحاك ، والحكم ، والزهري وأجازه الحسن لثلاث سنين ، وقال ابن سيرين : في تعجيل الزكاة قبل أن تحل : لا أدري ما هذا ، وقال أبو حنيفة : وأصحابه بجواز تعجيل الزكاة قبل وقتها ؟ ثم لهم في ذلك تخليط كثير - : مثل قول محمد بن الحسن : لا يجوز ذلك في مال عنده ، ولا في زرع قد زرعه ، ولا في نخل قد أطلعت . وقال أبو يوسف يجوز ذلك ( كله ) قبل اطلاع النخل وقبل زرع الأرض ، ولو عجل زكاة ثلاث سنين أجزأه . وأكثر من هذا سنذكره - إن شاء الله تعالى - في ذكر تخاليط أقوالهم في كتاب الأعراب " و الله المستعان . قال الشافعي : بتعجيل الزكاة عن مال عنده ، لا عن مال لم يكتسبه بعد وقال : إن استغنى المسكين مما أخذ مما عجله صاحب المال قبل الحول أجزأ صاحب المال ؛ فإن استغنى من غير ذلك لم يجزئ عن صاحب المال . وقال مالك : يجزئ تعجيل الزكاة بشهرين أو نحو ذلك ، لا أكثر ، في رواية ابن القاسم عنه - وأما رواية ابن وهب عنه فكما قلنا نحن ، وهذه ( كلها ) تقاسيم في غاية الفساد ، لا دليل على صحتها من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب يصح ، ولا قياس . وقول الليث ، وأبي سليمان : كقولنا . واحتج من أجاز تعجيلها بحجج - : منها : الخبر الذي ذكرناه في زكاة المواشي ، في هل تجزئ قيمة أم لا ؟ من { أن النبي ﷺ استسلف بكرا فقضاه من إبل الصدقة جملا رباعيا } ؟ وهذا لا دليل فيه على تعجيل الصدقة ، لأنه استسلاف كما ترى ، لا استعجال صدقة ؛ بل فيه دليل على أن تعجيلها لا يجوز ، إذ لو جاز لما احتاج عليه الصلاة والسلام إلى الاستقراض ؛ بل كان يستعجل زكاة لحاجته إلى البكر ، وذكروا ما رويناه من طريق أبي داود : ثنا سعيد بن منصور ثنا إسماعيل بن زكرياء عن الحجاج بن دينار عن الحكم بن عيينة عن حجية عن علي بن أبي طالب { أن العباس سأل رسول الله ﷺ في تعجيل صدقته قبل أن تحل فأذن له . } قال أبو داود روى هذا الحديث هشيم عن منصور عن زاذان عن الحكم عن الحسن عن أنس عن النبي ﷺ . ومن طريق وكيع عن إسرائيل عن الحكم { أن النبي ﷺ بعث عمر مصدقا وقال له عن العباس : إنا قد استسلفنا زكاته لعام عام الأول } ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يزيد أبو خالد قال " قال عمر للعباس : أد زكاة مالك فقال العباس : قد أديتها قبل ذلك ، فذكر عمر ذلك للنبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ : صدق " . هذا كل ما شغبوا به من الآثار . وقالوا : حقوق الأموال كلها جائز تعجيلها قبل أجلها ، قياسا على ديون الناس المؤجلة وحقوقهم ، كالنفقات وغيرها . وقالوا : إنما أخرت الزكاة إلى الحول فسحة على الناس فقط . وهذا كل ما موهوا به من النظر والقياس . وهذا كله لا حجة لهم في شيء منه . أما حديث حجية : فحجية غير معروف بالعدالة ، ولا تقوم الحجة إلا برواية العدول المعروفين . وأما حديث هشيم فلم يذكر أبو داود من بينه وبين هشيم ، ولو كان فيه لبند به ، فصار منقطعا ، ثم لم يذكر أيضا لفظ أنس ولا كيف رواه ، فلم يجز القطع به على الجهالة ، وأما سائر الأخبار فمرسلة . وهذا مما ترك فيه المالكيون المرسل ، وهم يقولون - إذا وافق تقليدهم - : إنه كالمسند ، وردوا فيه رواية المجهول ، وهم يأخذون بها إذا وافقتهم فبطل كل ما موهوا به من الآثار . ؟ وأما قياسهم الزكاة على ديون الناس المؤجلة : فالقياس كله باطل ؛ ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأن تعجيل ديون الناس المؤجلة قد وجب بعد ، ثم اتفقا على تأجيلها والزكاة لم تجب بعد ، فقياس ما لم يجب على ما قد وجب في الأداء باطل . وأيضا : فتعجيل ديون الناس المؤجلة لا يجوز إلا برضا من الذي له الدين ، وليست الزكاة كذلك ؛ لأنها ليست لإنسان بعينه ، ولا لقوم بأعيانهم دون غيرهم ، فيجوز الرضا منهم بالتعجيل ، وإنما هي لأهل صفات تحدث فيمن لم يكن من أهلها ، وتبطل عمن كان من أهلها ، ولا خلاف في أن القابضين لها الآن - عند من أجاز تعجيلها - لو أبرءوا منها دون قبض لم يجز ذلك ، ولا برئ منها من تلزمه الزكاة بإبرائهم بخلاف إبراء من له دين مؤجل ، وكذلك إن دفعها إلى الساعي ، فقد يأتي وقت الزكاة والساعي ميت أو معزول ، والذي بعثه كذلك ، فبطل قياسهم ذلك على ديون الناس ، وكذلك قياسهم على النفقات الواجبة ، ولو أن امرأ عجل نفقة لامرأته أو من تلزمه نفقته ، ثم جاء الوقت الواجبة فيه النفقة ، والذي تجب له مضطر - : لم يجزئه تعجيل ما عجل ، وألزم الآن النفقة ، وأمر باتباعه بما عجل له دينا ، لاستهلاكه ما لم يجب له بعد ، بل لو كان القياس حقا لكان قياس تعجيل الزكاة قبل وقتها على تعجيل الصلاة قبل وقتها والصوم قبل وقته أصح ، لأنها كلها عبادات محدودة بأوقات لا يجوز تعديها وهذا مما تركوا فيه القياس . فإن ادعوا إجماعا على المنع من تعجيل الصلاة أكذبهم الأثر الصحيح عن ابن عباس والحسن ، وهبك لو صح لهم الإجماع لكان هذا حجة عليهم ، لأن من أصلهم أن قياس ما اختلف فيه على ما أجمع عليه هو القياس الصحيح . وأما قولهم : إن الزكاة وجبت قبل ، ثم فسح للناس في تأخيرها - : فكذب وباطل ودعوى بلا برهان ، وما وجبت الزكاة قط إلا عند انقضاء الحول ، لا قبل ذلك ، لصحة النص بإخراج رسول الله ﷺ المصدقين عند الحول ، لا قبل ذلك ، وما كان عليه السلام ليضيع قبض حق قد وجب ولإجماع الأمة على وجوبها عند الحول ولم يجمعوا على وجوبها قبله ، ولا تجب الفرائض إلا بنص أو إجماع ، فبطل كل ما موهوا به من أثر ونظر . ثم نسألهم : أوجبت الزكاة قبل الحول أم لم تجب فإن قالوا : لم تجب ؟ قلنا : فكيف تجيزون أداء ما لم يجب ؟ وما لم يجب فعله تطوع ، ومن تطوع فلم يؤد الواجب وإن قالوا : قد وجبت ؟ قلنا : فالواجب إجبار من وجب عليه حق على أدائه ، وهذا برهان لا محيد عنه أصلا ، ونسألهم : كيف الحال إن مات الذي عجل الصدقة قبل الحول ؟ أو تلف المال قبل الحول ؟ أو مات الذين أعطوها قبل الحول ؟ أو خرجوا عن الصفات التي بها تستحق الزكوات ؟ فصح أن تعجيلها باطل ، وإعطاء لمن لا يستحقها ، ومنع لمن يستحقها ، وإبطال الزكاة الواجبة ؛ وكل هذا لا يجوز . والعجب من إجازة الحنفيين تعجيل الزكاة ومنعهم من تعجيل الكفارة قبل الحنث وكلاهما مال معجل ، إلا أن النص قد يصح بتعجيل ما منعوا تعجيله ، ولم يأت بتعجيل ما أباحوا تعجيله ، فتناقضوا في القياس ، وصححوا الآثار الفاسدة ، وأبطلوا الأثر الصحيح ، وأما المالكيون فإنهم - مع ما تناقضوا - خالفوا في هذه الجمهور من العلماء ، وهما يعظمون هذا إذا وافقهم ، وخالف الشافعيون فيه القياس ، وقبلوا المرسل الذي يردونه - وبالله تعالى التوفيق .
694 - مسألة : ومن عليه دين دراهم أو دنانير أو ماشية تجب الزكاة في مقدار ذلك لو كان حاضرا فإن كان حاضرا عنده لم يتلف وأتم عنده حولا منه ما في مقداره الزكاة - : زكاه ، وإلا فلا زكاة عليه فيه أصلا ، ولو أقام عليه سنين وقال قوم : يزكيه - : روينا من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن بكر عن ابن جريج عن يزيد بن يزيد بن جابر أن عبد الملك بن أبي بكر أخبره أن عمر قال : إذا حلت - يعني الزكاة - فاحسب دينك وما عندك واجمع ذلك جميعا ثم زكه . ( وبه إلى ) عبد الرزاق عن ابن جريج : أخبرني يزيد بن يزيد بن جابر عن عبد الملك بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو جد عبد الملك أبو أبيه قال : قال رجل لعمر : يجيء إبان صدقتي فأبادر الصدقة فأنفق على أهلي وأقضي ، ديني ؟ قال عمر : لا تبادر بها ، واحسب دينك وما عليك ، وزك ذلك أجمع وهو قول الحسن بن حي ، وروينا من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي في الدين يكون للرجل على الرجل فيمطله ؟ قال : زكاته على الذي يأكل مهنأة ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء أو غيره نحوه . وممن قال بقولنا - في إسقاط الزكاة عن الذي عليه الدين فيما عليه منه - : ابن عمرو وغيره . كما روينا من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وسفيان الثوري قالا : ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه ولي مال يتيم فكان يستسلف منه ، يرى أن ذلك أحرز له : ويؤدي زكاته من مال اليتيم ، فهذا ابن عمر عليه الدين لا يزكيه عن نفسه ، وعن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن : إذا كان للرجل على الرجل الدين فالزكاة على الذي له الدين ، وعن الحجاج بن المنهال عن يزيد بن إبراهيم عن مجاهد : إذا كان عليك دين فلا زكاة عليه ؛ إنما زكاته على الذي هو له ، وعن وكيع عن سفيان عن المغيرة عن الفضيل عن إبراهيم النخعي قال : زك ما في يديك من مالك ، وما لك على المليء ولا تزك ما للناس عليك ؟ وهو قول سفيان : ومالك ، وأبي حنيفة ، وأصحابه ، ووكيع ؟ قال أبو محمد : إنما وافقنا ( قول ) هؤلاء في سقوط الزكاة عن الذي عليه الدين فقط . ومن طريق عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين ، ليس في الدين زكاة ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن عكرمة قال : ليس في الدين زكاة ، ومن طريق وكيع عن مسعر عن الحكم بن عتيبة قال : خالفني إبراهيم في الدين ، كنت أقول : لا يزكي ، ثم رجع إلى قولي - : وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا أبو معاوية عن حجاج عن عطاء قال : ليس على صاحب الدين الذي هو له ولا على الذي هو عليه زكاة . وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن عطاء قال : ليس في الدين زكاة . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : قلت لعطاء : السلف يسلفه الرجل . قال : ليس على سيد المال ولا على الذي استسلفه زكاة ؟ ومن طريق أبي عبيد عن أبي زائدة عن عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح : لا يزكي الذي عليه الدين الدين ، ولا يزكيه الذي هو له حتى يقبضه ؟ وهو قول أبي سليمان ، وأصحابنا . قال أبو محمد : إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه فهو معدوم عنده ، ومن الباطل المتيقن أن يزكي عن لا شيء ، وعما لا يملك ، وعن شيء لو سرقه قطعت يده ؛ لأنه في ملك غيره .
695 - مسألة : ومن عليه دين - كما ذكرنا وعنده مال تجب في مثله الزكاة سواء كان أكثر من الدين الذي عليه أو مثله أو أقل منه ، من جنسه كان أو من غير جنسه - : فإنه يزكي ما عنده ، ولا يسقط من أجل الدين الذي عليه شيء من زكاة ما بيده - : وهو قول الشافعي وأبي سليمان وغيرهما . وقال مالك : يجعل الدين في العروض التي عنده التي لا زكاة فيها ، ويزكي ما عنده فإن لم يكن عنده عروض جعل دينه فيما بيده مما فيه الزكاة ، وأسقط بذلك الزكاة ، فإن فضل عن دينه شيء يجب في مقداره الزكاة زكاه وإلا فلا ، وإنما هذا عنده في الذهب والفضة فقط . وأما المواشي والزرع والثمار فلا ؛ ولكن يزكي كل ذلك ، سواء كان عليه دين مثل ما معه من ذلك أو أكثر أو أقل ؟ وقال آخرون : يسقط الدين زكاة العين والمواشي ، ولا يسقط زكاة الزرع والثمار . وقال أبو يوسف ، ومحمد : يجعل ما عليه من الدين في مال تجب فيه الزكاة ، سواء في ذلك الذهب ، والفضة ، والمواشي ، والحرث ، والثمار ، وعروض التجارة ، ويسقط به زكاة كل ذلك . ولا يجعل دينه في عروض القنية ما دام عنده مال تجب فيه الزكاة ، أو ما دام عنده عروض للتجارة ؛ وهو قول الليث بن سعد وسفيان الثوري . وقال زفر : لا يجعل دين الزرع إلا في الزرع ، ولا يجعل دين الماشية إلا في الماشية ، ولا يجعل دين العين إلا في العين ، فيسقط بذلك ما عنده مما عليه دين مثله ، ومن طريق ابن جريج : قلت لعطاء : حرث لرجل دينه أكثر من ماله ، أيؤدي حقه ؟ قال : ما نرى على رجل دينه أكثر من ماله صدقة ، لا في ماشية ولا في أصل ، قال ابن جريج : سمعت أبا الزبير ، سمعت طاوسا يقول ليس عليه صدقة . قال أبو محمد : إسقاط الدين زكاة ما بيد المدين لم يأت به قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ؛ بل قد جاءت السنن الصحاح بإيجاب الزكاة في المواشي ، والحب ، والتمر ، والذهب ، والفضة ، بغير تخصيص من عليه دين ممن لا دين عليه ، وأما من طريق النظر فإن ما بيده له أن يصدقه ويبتاع منه جارية يطؤها ويأكل منه وينفق منه ؛ ولو لم يكفي له لم يحل له التصرف فيه بشيء من هذا ؛ فإذا هو له ولم يخرجه عن ملكه ويده ما عليه من الدين فزكاة ماله عليه بلا شك . وأما تقسيم مالك : ففي غاية التناقض ، وما نعلمه عن أحد قبله ؛ وكذلك قول أصحاب أبي حنيفة أيضا - وبالله التوفيق . والمالكيون : ينكرون على أبي حنيفة هذا بعينه في إيجابه للزكاة في زرع اليتيم وثماره دون ماشيته وذهبه وفضته ، فإن احتجوا بأن قبض زكاة المواشي والزرع إلى المصدق . قيل : فكان ماذا ؟ وكذلك أيضا قبض زكاة العين إلى السلطان إذا طلبها ولا فرق .
==========
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 704)
كتاب الزكاة
696 - مسألة : ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالا أو مؤجلا عند مليء مقر يمكنه قبضه أو منكر ، أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء ، ولا زكاة فيه على صاحبه ، ولو أقام عنه سنين حتى يقبضه فإذا قبضه استأنف حولا كسائر الفوائد ولا فرق . فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه ، لا حينئذ ولا بعد ذلك - الماشية ، والذهب ، والفضة في ذلك سواء - وأما النخل ، والزرع فلا زكاة فيه أصلا ؛ لأنه لم يخرج من زرعه ولا من ثماره . وقالت طائفة : يزكيه - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن جرير عن الحكم بن عتيبة قال : سئل علي عن الرجل يكون له الدين على آخر ؟ فقال : يزكيه صاحب المال ، فإن خشي أن لا يقضيه فإنه يمهل ، فإذا خرج الدين زكاه لما مضى ، ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا يزيد بن هارون أنا هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني : سئل علي عن الدين الظنون : أيزكيه ؟ قال : إن كان صادقا فليزكه لما مضى وهذا في غاية الصحة ، والظنون : هو الذي لا يرجى . ومن طريق طاوس : إذا كانت لك دين فزكه . ومن طريق أشعث عن الزبير عن جابر قال : يزكيه - يعني : ماله من الدين على غيره ، ومن طريق عمر بن الخطاب كما ذكرنا قبل - احسب دينك وما عليك وزك ذلك أجمع ومن طريق ابن جريج قال : كان سعيد بن المسيب يقول : إذا كان الدين على مليء فعلى صاحبه أداء زكاته ، فإن كان على معدم فلا زكاة فيه حتى يخرج ؛ فيكون عليه زكاة السنين التي مضت ، ومن طريق معمر عن الزهري مثل قول سعيد بن المسيب سواء سواء . وعن مجاهد : إذا كان لك الدين فعليك زكاته ؛ وإذا كان عليك فلا زكاة عليك فيه ؟ وهو قول سفيان الثوري ، والحسن بن حي وقالت طائفة : لا زكاة فيه حتى يقبضه ، فإذا قبضه أو قبض منه مقدار ما فيه الزكاة زكاه لسنة واحدة ، وإن بقي سنين - وهو قول مالك . وقالت طائفة : إن كان على ثقة زكاه ؛ وإن كان على غير ثقة فلا زكاة عليه فيه حتى يقبضه - وهو قول الشافعي ، وروينا من طريق عبد الله بن عمر أنه قال : زكوا أموالكم من حول إلى حول ، فما كان في دين في ثقة فاجعلوه بمنزلة ما كان في أيديكم ، وما كان من دين ظنون فلا زكاة فيه حتى يقبضه صاحبه . وعن طاوس من طريق ثابتة : إذا كان لك دين تعلم أنه يخرج فزكه ، وعن إبراهيم من طريق صحيحة : زك ما في يديك ومالك على المليء ، ولا تزك ما للناس عليك . ثم رجع عن هذا . وعن ميمون بن مهران : ما كان من دين في مليء ترجوه فاحسبه ، ثم أخرج ما عليك وزك ما بقي ؟ وعن مجاهد : إن كنت تعلم أنه خارج فزكه . وعن محمد بن علي بن الحسن ليس في الدين زكاة حتى يقبضه ، وأما قولنا فقد روينا قبل عن عائشة أم المؤمنين مثله ، وعن عطاء ، وروينا أيضا عن ابن عمر : ليس في الدين زكاة . قال أبو محمد : أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ ؛ لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له ، وعلى الذي هو عليه . فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد ، فحصل في العين نصف العشر ، وفي خمس من الإبل شاتان ، وكذلك ما زاد . وأما تقسيم مالك فما نعلمه عن أحد إلا عن عمر بن عبد العزيز ، وقد صح عنه خلاف ذلك ومثل قولنا . وأما أبو حنيفة فإنه قسم ذلك تقاسيم في غاية الفساد ، وهي : أنه جعل كل دين ليس عن بدل ، أو كان عن بدل ما لا يملك ، كالميراث ، والمهر ، والجعل ، ودية الخطأ ، والعمد إذا صالح عليها ، والخلع : أنه لا زكاة على مالكه أصلا حتى يقبضه ، فإذا قبضه استأنف به حولا ، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقي في ملكه لوجبت فيه الزكاة كقرض الدراهم وفيما وجب في ذمة الغاصب والمتعدي ، وثمن عبد التجارة - : فإنه لا زكاة فيه - كان على ثقة أو غير ثقة - حتى يقبض أربعين درهما فإذا قبضها زكاها لعام خال ، ثم يزكي كل أربعين يقبض ، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقي في يده لم تجب فيه الزكاة كالعروض لغير التجارة يبيعها - : قسما آخر ، فاضطرب فيه قوله ، فمرة جعل ذلك بمنزلة قوله في الميراث ، والمهر ، ومرة قال : لا زكاة عليه حتى يقبض مائتي درهم ، فإذا قبضها زكاها لعام خال ، وسواء عنده ما كان عند عديم أو مليء إذا كانا مقرين . وأما قول أبي حنيفة فتخليط لا خفاء به . قال أبو محمد : إنما لصاحب الدين عند غريمه عدد في الذمة وصفة فقط ، وليس له عنده عين مال أصلا ، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد ، والفضة تراب بعد ، ولعل المواشي التي له عليه لم تخلق بعد ، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته ؟ فصح أنه لا زكاة عليه في ذلك - وبالله تعالى التوفيق . واعلم أن تقسيم أبي حنيفة ، ومالك : لا يعرف عن أحد قبلهما ، لأن الرواية عن عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين وبالله تعالى التوفيق .
697 - مسألة : وأما المهور والخلع ، والديات ، فبمنزلة ما قلنا ؛ ما لم يتعين المهر ؛ لأن كل ذلك دين ، فإن كان المهر فضة معينة - دراهم أو غير ذلك - أو ذهبا بعينه - دنانير أو غير ذلك - أو ماشية بعينها ، أو نخلا بعينها ، أو كان كل ذلك ميراثا - : فالزكاة واجبة على من كل ذلك له ؛ لأنها أموال صحيحة ظاهرة موجودة ، فالزكاة فيها ، ولا معنى للقبض في ذلك ما لم يمنع صاحبه شيء من ذلك ، فإن منع صار مغصوبا وسقطت الزكاة كما قدمنا - وبالله تعالى التوفيق .
698 - مسألة : ومن كان له دين على بعض أهل الصدقات - وكان ذلك الدين برا ، أو شعيرا ، أو ذهبا ، أو فضة ، أو ماشية - فتصدق عليه بدينه قبله ، ونوى بذلك أنه من زكاته أجزأه ذلك ، وكذلك لو تصدق بذلك الدين على من يستحقه وأحاله به على من هو له عنده ونوى بذلك الزكاة فإنه يجزئه ؟ برهان ذلك - : أنه مأمور بالصدقة الواجبة ، وبأن يتصدق على أهل الصدقات من زكاته الواجبة بما عليه منها ، فإذا كان إبراؤه من الدين يسمى صدقة فقد أجزأه . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث - هو ابن سعد - عن بكير - هو ابن الأشج - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال : { أصيب رجل على عهد رسول الله ﷺ في ثمار ابتاعها فكثر دينه ، فقال رسول الله ﷺ تصدقوا عليه } وذكر الحديث . وهو قول عطاء بن أبي رباح وغيره .
699 - مسألة : ومن أعطى زكاة ماله من وجبت له من أهلها ، أو دفعها إلى المصدق المأمور بقبضها فباعها من قبض حقه فيها أو من له قبضها نظرا لأنها لأهلها - : فجائز للذي أعطاها أن يشتريها ، وكذلك لو رجعت إليه بهبة ، أو هدية ، أو ميراث ، أو صداق أو إجارة أو سائر الوجوه المباحة ، ولا يجوز له شيء من ذلك ألبتة قبل أن يدفعها ؛ لأنه ابتاع شيئا غير معين ؛ وهذا لا يجوز ؛ لأنه لا يدري ما الذي ابتاع ، ولم يعط الزكاة التي افترض الله تعالى عليه أن يؤديها إلى أهلها ، وبهذا نفسه يحرم عليه أن يعطي غير ما لزمه القيمة ، وأما بعد أن يؤديها إلى أهلها فإن الله تعالى قال : { وأحل الله البيع } فهو قد أدى صدقة ماله كما أمر ، وباعها الآخذ كما أبيح له ، ولم يجز ذلك أبو حنيفة ؛ وكرهه مالك ؛ وأجازه الليث بن سعد ، واحتج من منع من ذلك بالحديث الذي رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت { عمر يقول : حملت على فرس في سبيل الله ، فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه ، وظننت أنه بائعه برخص فقال له رسول الله ﷺ لا تشتره ، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه } . ومن طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي " أن الزبير حمل على فرس في سبيل الله تعالى ، فوجد فرسا من ضئضئها يعني من نسلها - فأراد أن يشتريه ، فنهي " ونحو هذا أيضا عن أسامة بن زيد ، ولا يصح ، قال أبو محمد وكل هذا لا حجة لهم فيه ؛ لأن فرس عمر - كان بنص الحديث - حمل عليه في سبيل الله ، فصار حبسا في هذا الوجه ، فبيعه إخراج له عما سبل فيه ، ولا يحل هذا أصلا ؛ فابتياعه حرام على كل أحد ، وكذلك القول في الخبرين الآخرين ، لو صحا ، لا سيما ، وفي حديث أبي عثمان النهدي أنه نهى نتاجها ، وهذه صفة الحبس . وأما ما لم يحرم بيعه وكان صدقة مطلقة يملكها المتصدق بها عليه ويبيعها إن شاء - فليس ابتياع المتصدق بها عودا في صدقته ، لا في اللغة ، ولا في الديانة ؛ لأن العود في الصدقة هو انتزاعها وردها إلى نفسه بغير حق ، وإبطال صدقته بها فقط ، والحاضرون من المخالفين يجيزون أن يملكها المتصدق بها بالميراث ، وقد عادت إلى ملكه كما عادت بالشراء ولا فرق ؛ فصح أن العود هو ما ذكرنا فقط . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود { عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : أتي رسول الله ﷺ بلحم ، فقلت : هذا مما تصدق به على بريرة . فقال : هو لها صدقة ولنا هدية } حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري أنه سمع عبيد الله السباق أنه سمع { جويرية أم المؤمنين تقول : دخل علي رسول الله ﷺ فقال : هل من طعام ؟ فقلت : لا ، إلا عظما أعطيته مولاة لنا من الصدقة فقال : قربيه فقد بلغت محلها } . ولا خلاف في أن الصدقة حرام عليه ﷺ فقد استباحها بعد بلوغها محلها ، إذ رجعت إليه بالهدية . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا أبو داود ثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : { لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين ، فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني . } فهذا نص من النبي ﷺ بجواز ابتياع الصدقة ، ولم يخص المتصدق بها من غيره . وروينا عن أبي هريرة قال : لا تشتر الصدقة حتى تعقل - : يعني حتى تؤديها - : وهذا نص قولنا ، وعن ابن عباس في الصدقة قال : إن اشتريتها أو ردت عليك ، أو ورثتها حلت لك ، وعن عمر بن الخطاب قال : من تصدق بصدقة فلا يبتاعها حتى تصير إلى غير الذي تصدق بها عليه قال أبو محمد : فهذا عمر يجيز للمتصدق بالصدقة ابتياعها إذا انتقلت عن الذي تصدق بها عليه إلى غيره ؛ ولا فرق عندنا بين الأمرين ، وقولنا هذا هو قول عكرمة ، ومكحول وبه يقول أبو حنيفة ، والأوزاعي ، وأجازه الشافعي ولم يستحبه ، ومنع منه مالك ، وأجاز رجوعها إليه بالميراث . وروينا عن ابن عمر : أنه كان إذا تصدق بشيء فرجع إليه بالميراث تصدق به ، ويفتي بذلك ، فخرج قول مالك عن أن يكون له من الصحابة رضي الله تعالى عنهم موافق .
700 - مسألة : قال أبو محمد : ولا شيء في المعادن ، وهي فائدة ، لا خمس فيها ولا زكاة معجلة ، فإن بقي الذهب ، والفضة عند مستخرجها حولا قمريا ، وكان ذلك مقدار ما تجب فيه الزكاة - : زكاه ، وإلا فلا . وقال أبو حنيفة : عليه في معادن الذهب ، والفضة ، والنحاس ، والرصاص ، والقزدير ، والحديد - : الخمس ، سواء كان في أرض عشر أو في أرض خراج ، سواء أصابه مسلم ، أو كافر ، عبد ، أو حر . قال : فإن كان في داره فلا خمس فيه ، ولا زكاة ، ولا شيء فيما عدا ذلك من المعادن - واختلف قوله في الزئبق ، فمرة رأى فيه الخمس ، ومرة لم ير فيه شيئا ، وقال مالك : في معادن الذهب ، والفضة : الزكاة معجلة في الوقت إن كان مقدار ما فيه الزكاة ولا شيء في غيرها ، ولا يسقط الزكاة في ذلك دين يكون عليه ؛ فإن كان الذي أصاب في معدن الذهب ، أو الفضة ندرة بغير كبير عمل ففي ذلك الخمس . قال أبو محمد : احتج من رأى فيه الخمس بالحديث الثابت : { وفي الركاز الخمس } وذكروا حديثا من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ سئل عن الركاز . فقال : هو الذهب الذي خلقه الله في الأرض يوم خلق السماوات والأرض } . قال أبو محمد : هذا حديث ساقط ؛ لأن عبد الله بن سعيد متفق على إطراح روايته ثم لو صح لكان في الذهب خاصة . فإن قالوا : قسنا سائر المعادن المذكورة على الذهب . قلنا لهم : فقيسوا عليه أيضا معادن الكبريت ، والكحل ، والزرنيخ ، وغير ذلك ؟ فإن قالوا : هذه حجارة . قلنا : فكان ماذا ؟ ومعدن الفضة ، والنحاس أيضا حجارة ولا فرق وأما الركاز فهو دفن الجاهلية فقط ؛ لا المعادن ، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك . والعجب كله احتجاج بعضهم في هذا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { عن النبي ﷺ في اللقطة ما كان منها في الخراب والأرض الميتاء ففيه وفي الركاز الخمس } وهم لا يقولون بهذا ، وهذا كما ترى ، ولو كان المعدن ركازا لكان الخمس في كل شيء من المعادن ، كما أن الخمس في كل دفن للجاهلية ، أي شيء كان ؛ فظهر فساد قولهم وتناقضهم ؟ لا سيما في إسقاطهم الزكاة المفروضة بالخراج ، ولم يسقطوا الخمس في المعادن بالخراج وأوجبوا فيها خمسا في أرض العشر ، وعلى الكافر ، والعبد وفرقوا بين المعدن في الدار وبينه خارج الدار ، ولا يعرف كل هذا عن أحد قبلهم وهم يقولون : برد الأخبار الصحاح إذا خالفت الأصول وحكمهم هاهنا مخالف للأصول . فإن قالوا : قد روي عن علي : أن فيه الخمس . قلنا : أنتم أول مخالف لهذا الحكم إن كان حجة ؛ لأن الخبر إنما هو في رجل استخرج معدنا فباعه بمائة شاة ، وأخرج المشتري منه ثمن ألف شاة فرأى علي الخمس على المشتري ؛ لا على المستخرج له . وأما من رأى فيه الزكاة فاحتجوا - بحديث مالك عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطع لبلال بن الحارث معادن القبلية - وهي في ناحية الفرع } . قال : فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم . قال أبو محمد : وليس هذا بشيء لأنه مرسل ، وليس فيه مع إرساله إلا إقطاعه عليه السلام تلك المعادن فقط ، وليس فيه أنه عليه السلام أخذ منها الزكاة ، ثم لو صح لكان المالكيون أول مخالف له ؛ لأنهم رأوا في الندرة تصاب فيه بغير كبير عمل : الخمس ؛ وهذا خلاف ما في هذا الخبر . ويسألون أيضا عن مقدار ذلك العمل الكبير وحد الندرة ؟ ولا سبيل إليه إلا بدعوى لا يجوز الاشتغال بها - فظهر أيضا فساد هذا القول وتناقضه . وقالوا أيضا : المعدن كالزرع يخرج شيء بعد شيء . قال علي : قياس المعدن على الزرع كقياسه على الزكاة ، وكل ذلك باطل ولو كان القياس حقا لتعارض هذان القياسان ؛ وكلاهما فاسد ، أما قياسه على الركاز فيلزمهم ذلك في كل معدن ؛ وإلا فقد تناقضوا ، وأما قياسه على الزرع فيلزمهم أن يراعوا فيه خمسة أوسق وإلا فقد تناقضوا ، ويلزمهم أيضا أن يقيسوا كل معدن - من حديد أو نحاس - على الزرع ، واحتج كلتا الطائفتين بالخبر الثابت من طريق مسلم عن قتيبة ؛ ثنا عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع ثنا عبد الرحمن بن أبي نعم قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : { بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله ﷺ بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها ، فقسمها بين أربعة نفر : عيينة بن بدر ، والأقرع بن حابس ، وزيد الخير ، وذكر رابعا ، وهو علقمة بن علاثة } . فقال من رأى في المعدن الزكاة : هؤلاء من المؤلفة قلوبهم ، وحقهم في الزكاة لا في الخمس ؛ وقال الآخرون : علي من بني هاشم ، ولا يحل له النظر في الصدقة ، وإنما النظر في الأخماس . قال علي : كلا القولين دعوى فاسدة ، ولو كانت تلك الذهب من خمس واجب ، أو من زكاة لما جاز ألبتة أخذها إلا بوزن وتحقيق ، لا يظلم معه المعطي ولا أهل الأربعة الأخماس ؛ فلما كانت لم تحصل من ترابها صح يقينا أنها ليست من شيء من ذلك ، وإنما كانت هدية من الذي أصابها ، أو من وجه غير هذين الوجهين ، فأعطاها عليه السلام من شاء ، وقد قدمنا أنه لا زكاة في مال غير الزرع إلا بعد الحول ، والمعدن من جملة الذهب والفضة ؛ فلا شيء فيها إلا بعد الحول ، وهذا قول الليث بن سعد ، وأحد أقوال الشافعي ، وقول أبي سليمان ، ورأى مالك أن من ظهر في أرضه معدن فإنه يسقط ملكه عنه ، ويصير للسلطان ، وهذا قول في غاية الفساد ؛ بلا برهان من قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا رواية سقيمة ، ولا إجماع ؛ ولا قول صاحب ، ولا رأي له وجه ، وعلى هذا إن ظهر في مسجد أن يصير ملكه للسلطان ويبطل حكمه ولو أنه الكعبة وهذا في غاية الفساد . وقال رسول الله ﷺ { : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام . } ، فصح أن من ظهر في أرضه معدن فهو له ، يورث عنه ويعمل فيه ما شاء .
701 - مسألة : ولا تؤخذ زكاة من كافر لا مضاعفة ولا غير مضاعفة ، لا من بني تغلب ولا من غيرهم - وهو قول مالك ؟ وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، كذلك إلا في بني تغلب خاصة ؛ فإنهم قالوا : تؤخذ منهم الزكاة مضاعفة ، واحتجوا بخبر واه مضطرب في غاية الاضطراب ، رويناه من طريق أبي إسحاق الشيباني عن السفاح بن مطر عن داود بن كردوس التغلبي قال : صالحت عمر بن الخطاب عن بني تغلب - بعد أن قطعوا الفرات وأرادوا اللحوق بالروم - على أن لا يصبغوا صبيا ولا يكرهوا على غير دينهم على أن عليهم العشر مضاعفا في كل عشرين درهما درهم قال داود بن كردوس : ليس لبني تغلب ذمة ، قد صبغوا في دينهم ؟ ومن طريق هشيم عن المغيرة بن مقسم عن السفاح بن المثنى عن زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة : أنه كلم عمر في بني تغلب وقال له : إنهم عرب يأنفون من الجزية ، فلا تعن عدوك بهم ؛ فصالحهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة ، فاشترط عليهم : أن لا ينصروا أولادهم . قال مغيرة فحدثت أن علي بن أبي طالب قال : لئن تفرغت لبني تغلب لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذراريهم ؛ فقد نقضوا ، وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم . وروي أيضا من طريق عبد السلام بن حرب فقال : فيه عن داود بن كردوس عن عمارة بن النعمان ، وذكر مثله سواء سواء ، وذكر أنهم لا ذمة لهم اليوم . وروينا أيضا من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن يونس بن يزيد عن الزهري : لا نعلم في مواشي أهل الكتاب صدقة إلا الجزية غير أن نصارى بني تغلب - الذين جل أموالهم المواشي - تضعف عليهم حتى تكون مثلي الصدقة . هذا كل ما موهوا به ، ولو كان هذا الخبر عن رسول الله ﷺ لما حل الأخذ به لانقطاعه وضعف رواته ، فكيف وليس هو عن رسول الله ﷺ . فكيف وقد خالفوا هذا الخبر نفسه وهدموا به أكثر أصولهم لأنهم يقولون : لا يقبل خبر الآحاد الثقات التي لم يجمع عليها فيما إذا كثرت به البلوى ، وهذا أمر تكثر به البلوى ، ولا يعرفه أهل المدينة وغيرهم ، فقبلوا فيه خبرا لا خير فيه ، وهم قد ردوا بأقل من هذا خبر الوضوء من مس الذكر ، ويقولون : لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا كان زائدا على ما في القرآن أو مخالفا له ، وردوا بهذا حديث اليمين مع الشاهد ، وكذبوا ما هو مخالف لما في القرآن ، ولا خلاف للقرآن أكثر من قول الله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فقالوا هم : إلا بني تغلب فلا يؤدون الجزية ( ولا صغار عليهم ؛ بل يؤدون الصدقة مضاعفة ؛ فخالفوا القرآن ، والسنن المنقولة نقل الكافة ) بخبر لا خير فيه ، وقالوا : لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا خالف الأصول ، وردوا بذلك خبر القرعة في الأعبد الستة ، وخبر المصراة ، وكذبوا ما هما مخالفين للأصول بل هما أصلان من كبار الأصول ، وخالفوا هاهنا جميع الأصول في الصدقات ، وفي الجزية بخبر لا يساوي بعرة ، وتعللوا بالاضطراب في أخبار الثقات ، وردوا خبر { لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان } وخبر { لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا } وأخذوا هاهنا بأسقط خبر وأشده اضطرابا ، لأنه يقول رواية مرة : عن السفاح بن مطر ، ومرة : عن السفاح بن المثنى ، ومرة عن داود بن كردوس أنه صالح عمر عن بني تغلب ومرة : عن داود بن كردوس عن عبادة بن النعمان ، أو زرعة بن النعمان ، أو النعمان بن زرعة أنه صالح عمر ؟ ومع شدة هذا الاضطراب المفرط فإن جميع هؤلاء لا يدري أحد من هم من خلق الله تعالى ؟ وكم من قضية خالفوا فيها عمر ، ككلامه مع عثمان في الخطبة ، ونفيه في الزنى وإغرامه في السرقة قبل القطع ، وغير ذلك ، وقد صح عن عمر - بأصح طريق - من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن زياد بن حدير قال : أمرني عمر بن الخطاب أن آخذ من نصارى بني تغلب العشر ، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر . قال أبو محمد : فكما لم يسقط أخذ نصف العشر من أهل الكتاب الجزية عنهم فكذلك لا يسقط أخذ العشر من بني تغلب أيضا الجزية عنهم ، وهذا أصح قياس ، لو كان شيء من القياس صحيحا ، فقد خالفوا القياس أيضا ، ثم لو صح وثبت لكانوا قد خالفوه ؛ لأن جميع من رووه عنه - أولهم عن آخرهم - يقولون كلهم : إن بني تغلب قد نقضوا تلك الذمة ؛ فبطل ذلك الحكم ، ورووا ذلك أيضا - عن علي ، فخالفوا : عمر وعليا ، والخبر الذي به احتجوا والقرآن والسنن - في أخذ الجزية من كل كتابي في أرض العرب وغيرها ، كهجر ، واليمن ، وغيرهما - وفعل الصحابة رضي الله عنهم ، والقياس ، ونعوذ بالله من الخذلان .
702 - مسألة : ولا يجوز أخذ زكاة ولا تعشير مما يتجر به تجار المسلمين ، ولا من كافر أصلا - تجر في بلاده أو في غير بلاده - إلا أن يكونوا صولحوا على ذلك مع الجزية في أصل عقدهم ، فتؤخذ حينئذ منهم وإلا فلا ، أما المسلمون فقد ذكرنا قبل أنه لا زكاة عليهم في العروض - لتجارة كانت أو لغير تجارة - وأما الكفار فإنما أوجب الله تعالى عليهم الجزية فقط ؛ فإن كان ذلك صلحا مع الجزية فهو حق وعهد صحيح ، وإلا فلا يحل أخذ شيء من أموالهم بعد صحة عقد الذمة بالجزية والصغار ، ما لم ينقضوا العهد - وبالله تعالى التوفيق ، وقال أبو حنيفة : يؤخذ من أهل الذمة إذا سافروا نصف العشر في الحول مرة فقط ولا يؤخذ منهم من أقل من مائتي درهم شيء ، وكذلك يؤخذ من الحربي العشر إذا بلغ مائتي درهم ، وإلا فلا ؛ إلا إن كانوا لا يأخذون من تجارنا شيئا فلا نأخذ من تجارهم شيئا ؟ قال مالك : يؤخذ من أهل الذمة العشر إذا تجروا إلى غير بلادهم - مما قل أو كثر - إذا باعوا ، ويؤخذ منهم في كل سفرة كذلك ، ولو مررا في السنة ، فإن تجروا في بلادهم لم يؤخذ منهم شيء ، ويؤخذ من الحربيين كذلك إلا فيما حملوا إلى المدينة خاصة من الحنطة ، والزبيب خاصة ، فإنه لا يؤخذ منهم إلا نصف العشر فقط . قال أبو محمد : احتجوا في ذلك بما روي من طريق معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد : كنت أعشر مع عبد الله بن عتبة زمن عمر بن الخطاب ، فكان يأخذ من أهل الذمة أنصاف عشر أموالهم فيما تجروا به ؟ وبحديث أنس بن سيرين عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب : خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما ، وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما . ومن طريق زياد بن حدير : أمرني عمر بأن آخذ من بني تغلب العشر ، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر . ومن طريق مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد قال : كنت غلاما مع عبد الله بن عتبة على سوق المدينة زمان عمر بن الخطاب ، فكان يأخذ من النبط العشر ؟ قال أبو محمد : هذا كله لا حجة فيه ، لأنه ليس عن رسول الله ﷺ . وأيضا - فرب قضية خالفوا فيها عمر قد ذكرناها آنفا ، وليس يجوز أن يكون بعض حكم عمر حجة وبعضه ليس بحجة ، وأيضا - فإن هذه الآثار مختلفة عن عمر ، في بعضها العشر من أهل الكتاب ، وفي بعضها نصف العشر ، فما الذي جعل بعضها أولى من بعض ، وقد خالف المالكيون هذه الآثار في تفريقهم بين تجارتهم في أقطار بلادهم أو غيرها ، وخالفها الحنفيون في وضعهم ذلك مرة في العام فقط ، وذلك في هذه الآثار ، وذكروا في ذلك خبرا فاسدا من طريق ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران : أن عمر كتب إلى أيوب بن شرحبيل : خذ من المسلمين من كل أربعين دينارا دينارا ، ومن أهل الكتاب من كل عشرين دينارا دينارا ، إذا كانوا يديرونها ، ثم لا تأخذ منهم شيئا حتى رأس الحول ، فإني سمعت ذلك ممن سمعه ممن سمع النبي ﷺ ( قال أبو محمد : وهذا عن مجهولين ، وليس أيضا فيه بيان أنه سمع من النبي ﷺ ) قال أبو محمد : فكيف وقد روينا عن عمر رضي الله عنه بيان هذا كله ، كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا الأنصاري هو القاضي محمد بن عبد الله بن المثنى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز قال : بعث عمر : عمارا ، وابن مسعود ، وعثمان بن حنيف إلى الكوفة - فذكر الحديث وفيه - : أن عثمان بن حنيف مسح الأرض فوضع عليها كذا وكذا ، وجعل في أموال أهل الذمة الذين يختلفون بها من كل عشرين درهما درهما وجعل على رءوسهم - وعطل من ذلك النساء والصبيان - : أربعة وعشرين ثم كتب بذلك إلى عمر فأجازه . فصح أن هذا كان في أصل العهد والعقد وذمتهم ، وبه إلى أبي عبيد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن خالد العبسي قال : سألت زياد بن حدير : من كنتم تعشرون ؟ قال ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا ، كنا نعشر تجار أهل الحرب كما يعشروننا إذا أتيناهم . فصح أنه لم يكن يؤخذ ذلك ممن لم يعاقد على ذلك . وبه إلى أبي عبيد : ثنا معاوية عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن مسروق قال : والله ما عملت عملا أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا ، وما بي أن أكون ظلمت فيه مسلما أو معاهدا دينارا ولا درهما ، ولكن لا أدري ما هذا الحبل الذي لم يسنه رسول الله ﷺ ولا أبو بكر ، ولا عمر ؟ قالوا : فما حملك على أن دخلت فيه ؟ قال : لم يدعني زياد ، ولا شريح ، ولا الشيطان ، حتى دخلت فيه . قال أبو محمد : فصح أنه عمل محدث ولا يجوز أن يظن بعمر رضي الله عنه أنه تعدى ما كان في عقدهم ؛ كما لا يظن به في أمره أن يؤخذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهم أنه فيما هو أقل من مائتي درهم - وبالله تعالى التوفيق .
703 - مسألة : وليس في شيء مما أصيب من العنبر والجواهر والياقوت والزمرد - بحريه وبريه - : شيء أصلا ، وهو كله لمن وجده . وقد روي من طريق الحسن بن عمارة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب : أن في العنبر ، وفي كل ما استخرج من حلية البحر : الخمس وبه يقول أبو يوسف . قال أبو محمد : الحسن بن عمارة مطرح . وقد صح عن ابن عباس أنه قال في العنبر : إن كان فيه شيء ففيه الخمس ، من طريق سفيان بن عيينة عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس لا شيء فيه . قال أبو محمد : قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فصح أنه لا يحل إغرام مسلم شيئا بغير نص صحيح ، وكان - بلا خلاف - كل ما لا رب له فهو لمن وجده - وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 704)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718)
كتاب الزكاة
704 - مسألة : زكاة الفطر من رمضان فرض واجب على كل مسلم ، كبير أو صغير ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، وإن كان من ذكرنا جنينا في بطن أمه عن كل واحد صاع من تمر أو صاع من شعير ، وقد قدمنا أن الصاع أربعة أمداد بمد النبي ﷺ وقد فسرناه قبل ، ولا يجزئ شيء غير ما ذكرنا ، لا قمح ، ولا دقيق قمح أو شعير ، ولا خبز ولا قيمة ؛ ولا شيء غير ما ذكرنا ، حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا ابن أبي فديك أنا الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال : { فرض رسول الله ﷺ على كل نفس من المسلمين - حر أو عبد ، رجل أو امرأة ، صغير أو كبير - : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . } حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا أبو إسحاق البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أحمد بن يونس ثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال { أمر رسول الله ﷺ بزكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . } وقال مالك : ليست فرضا ، واحتج له من قلده بأن قال : معنى " فرض رسول الله ﷺ " أي قدر مقدارها . قال أبو محمد : وهذا خطأ ، لأنه دعوى بلا برهان وإحالة اللفظ عن موضوعه بلا دليل . وقد أوردنا أن رسول الله ﷺ أمر بها وأمره فرض ، قال تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وذكروا خبرا رويناه من طريق قيس بن سعد { أمرنا رسول الله ﷺ بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ، ونحن نفعله } وعنه أيضا { كنا نصوم عاشوراء ونعطي الفطر ما لم ينزل علينا صوم رمضان والزكاة ، فلما نزلا لم نؤمر ولم ننه عنه ، ونحن نفعله } وقال أبو محمد وهذا الخبر حجة لنا عليهم لأن فيه أمر رسول الله ﷺ بزكاة الفطر ، فصار أمرا مفترضا ثم لم ينه عنه فبقي فرضا كما كان ، وأما يوم عاشوراء فلولا أنه عليه السلام صح أنه قال بعد ذلك : { من شاء صامه ومن شاء تركه } لكان فرضه باقيا ، ولم يأت مثل هذا القول في زكاة الفطر ؛ فبطل تعلقهم بهذا الخبر ، وقد قال تعالى : { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وقد سمى رسول الله ﷺ زكاة الفطر : زكاة ، فهي داخلة في أمر الله تعالى بها ، والدلائل على هذا تكثر جدا ؟ وروينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن سليمان الأحول عن محمد بن محمد بن سيرين ، وأبي قلابة قالا جميعا : زكاة الفطر فريضة ، وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وغيرهما . وأجاز قوم أشياء غير ما أمر به رسول الله ﷺ فقال قوم : يجزئ فيها القمح وقال آخرون : والزبيب ، والأقط . واحتجوا بأشياء منها - : أنهم قالوا : إنما يخرج كل أحد مما يأكل ومن قوت أهل بلده ، فقلنا : هذه دعوى باطل بلا برهان ، ثم قد نقضتموها لأنه إنما يأكل الخبز لا الحب : فأوجبوا أن يعطي خبزا لأنه هو أكله ، وهو قوت أهل بلده ، فإن قالوا : هو غير ما جاء به الخبر . قلنا : صدقتم ، وكذلك ما عدا التمر ، والشعير ، وقالوا : إنما خص عليه السلام - بالذكر - التمر ، والشعير ؛ لأنهما كانا قوت أهل المدينة . قال أبو محمد : وهذا قول فاحش جدا ؛ أول ذلك أنه كذب على رسول الله ﷺ مكشوف ، لأن هذا القائل قوله عليه السلام ما لم يقل ؛ وهذا عظيم جدا ، ويقال له : من أين لك أن رسول الله ﷺ أراد أن يذكر القمح ، والزبيب ؛ فسكت عنهما وقصد إلى التمر ، والشعير ؛ أنهما قوت أهل المدينة ، وهذا لا يعلمنه إلا من أخبره عليه السلام بذلك عن نفسه ، أو من نزل عليه وحي بذلك ، وأيضا : فلو صح لهم ذلك لكان الفرض في ذلك لا يلزم إلا أهل المدينة فقط ، وأيضا : فإن الله تعالى قد علم وأنذر بذلك رسوله ﷺ أن الله تعالى سيفتح لهم الشام ، والعراق ، ومصر ، وما وراء البحار ، فكيف يجوز أن يلبس على أهل هذه البلاد دينهم ؟ فيريد منهم أمرا ولا يذكره لهم ويلزمهم بكلامه ما لا يلزمهم من التمر ، والشعير ؟ ونعوذ بالله من مثل هذا الظن الفاسد المختلط ، واحتجوا بأخبار فاسدة لا تصح - : منها خبر رويناه من طريق إسماعيل بن أمية عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري : { فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر : صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط } والحارث ضعيف ، ثم لو صح لما كان فيه إلا الأقط لا سائر ما يجيزون ؟ ومن طريق ابن وهب كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ فذكر { صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من شعير . } وكثير بن عبد الله ساقط ، لا تجوز الرواية عنه ، ثم لو صح لم يكن فيه إلا الأقط ، والزبيب . ومن طريق نصر بن حماد عن أبي معشر المدني عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ فذكر { صاعا من تمر ، أو من شعير ، أو من قمح ، ويقول أغنوهم عن تطواف هذا اليوم } . وأبو معشر المدني هذا نجيح مطرح يحدث بالموضوعات عن نافع وغيره . ومن طريق يعلى عن حماد بن زيد عن النعمان بن رشاد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه عن النبي ﷺ { صاعا من بر عن كل ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير ، غني أو فقير ، حر أو مملوك } والنعمان بن راشد ضعيف كثير الغلط ؛ ثم لو صح لكان أبو حنيفة قد خالفه ؛ لأنه لا يوجب إلا نصف صاع من بر . ومن طريق همام بن يحيى : ثنا بكر بن وائل بن داود ثنا الزهري عن عبد الله بن ثعلبة ، أو ثعلبة بن عبد الله { عن النبي ﷺ أنه أمر في صدقة الفطر : صاع تمر ، أو صاع شعير على كل واحد ، أو صاع قمح بين اثنين . } وعن ابن جريج عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن النبي ﷺ وهذان مرسلان : ومن طريق مسدد عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه { عن النبي ﷺ في صدقة الفطر : صاع من قمح على كل اثنين . } ومن طريق سليمان بن داود العتكي عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة ، أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه { عن النبي ﷺ في صدقة الفطر : صاع من بر على كل اثنين } . فحصل هذا الحديث راجعا إلى رجل مجهول الحال ، مضطرب عنه ، مختلف في اسمه ، مرة : عبد الله بن ثعلبة ، ومرة : ثعلبة بن عبد الله ولا خلاف في أن الزهري لم يلق ثعلبة بن أبي صعير ، وليس لعبد الله بن ثعلبة صحبة . وأحسن حديث في هذا الباب ما حدثناه همام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا موسى بن إسماعيل ثنا همام بن يحيى عن بكر بن وائل ، أن الزهري حدثه عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه : { أن النبي ﷺ قام خطيبا فأمر بصدقة الفطر ، صاع تمر ، أو صاع شعير عن كل واحد } ولم يذكر : " البر " ولا شيئا غير التمر والشعير : ولكنا لا نحتج به ؛ لأن عبد الله بن ثعلبة مجهول - ثم هذا كله مخالف لقول مالك ، والشافعي ، ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي يزيد المدني { أعطى رسول الله ﷺ لمظاهر شعيرا وقال : أطعم هذا ، فإن مدين من شعير يقضيان مدا من قمح } وهذا مرسل . ومن طريق ابن جرير عن عمرو بن شعيب { أن رسول الله ﷺ لما حج بعث صارخا في بطن مكة : ألا إن زكاة الفطر حق واجب على كل مسلم مدان من حنطة ، أو صاع مما سوى ذلك من الطعام } وهذا مرسل . وعن جابر الجعفي عن الشعبي { كانوا يخرجون على عهد رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر . } وهذا مرسل . ومن طريق الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، وعقيل بن خالد ، وعمرو بن الحارث قال عبد الرحمن ، وعقيل : عن الزهري ، وقال عمرو : عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ثم اتفق يزيد ، والزهري عن سعيد بن المسيب { فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر : مدين حنطة } وهذا مرسل .
ومثله أيضا - عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، كلهم عن رسول الله ﷺ وهي مراسيل . ومن طريق حميد عن الحسن عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ فرضها - يعني زكاة الفطر - صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو نصف صاع من بر } ولا يصح للحسن سماع من ابن عباس . وروي أيضا - من طريق أبي هريرة ، وأوس بن الحارث وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وكل ذلك لا يصح ، ولا يشتغل به ، ولا يعمل به إلا جاهل . قال أبو محمد : وهذا مما نقضت كل طائفة منهم فيه أصلها - : فأما الشافعيون فإنهم يقولون عن الشافعي : بأن مرسل سعيد بن المسيب حجة ، وقد تركوا هاهنا مرسل سعيد بن المسيب : وقال الشافعي : في أشهر قوليه لا تجزئ زكاة الفطر إلا من حب تخرج منه الزكاة ، وتوقف في الأقط ، وأجازه مرة أخرى - : وأما المالكيون ، فأجازوا المرسل وجعلوه كالمسند ، وخالفوا هاهنا من المراسيل ما لو جاز قبول شيء منها لجاز هاهنا ، لكثرتها وشهرتها ومجيئها من طريق فقهاء المدينة . وأما الحنفيون فإنهم - في أشهر رواياتهم عنه - جعل الزبيب كالبر في أنه يجزئ منه نصف صاع ، ولم يجز الأقط إلا بالقيمة ، ولا أجاز غير البر ، والشعير ودقيقهما وسويقهما ، والتمر ، والزبيب فقط إلا بالقيمة ، وهذا خلاف لبعض هذه الآثار وخلاف لجميعها في إجازة القيمة ، والعجب كله من إطباقهم على أن راوي الخبر إذا تركه كان ذلك دليلا على سقوط الخبر ، كما فعلوا في خبر { غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا } . وقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن ميمون الرقي عن مخلد هو ابن الحسين - عن هشام هو ابن حسان - عن ابن سيرين عن ابن عباس قال : ذكر في صدقة الفطر فقال " صاع من بر ، أو صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو صاع من سلت " . فهذا ابن عباس قد خالف ما روي بأصح إسناد يكون عنه فواجب عليهم رد تلك الرواية ، وإلا فقد نقضوا أصلهم . وذكروا في ذلك حديثا صحيحا رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : " كنا نخرج زكاة الفطر ، صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط ؛ أو صاعا من زبيب " قال أبو محمد : وهذا غير مسند ، وهو أيضا مضطرب فيه على أبي سعيد . فرويناه من طريق البخاري : ثنا معاذ بن فضالة [ حدثنا أبو عمر ] عن زيد هو ابن أسلم - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال { كنا نخرج على عهد رسول الله ﷺ يوم الفطر صاعا من طعام ، وكان طعامنا : الشعير ، والزبيب ، والأقط والتمر . } ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية أخبرني عياض بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : { كنا نخرج زكاة الفطر - ورسول الله ﷺ فينا عن كل صغير وكبير ، حر ومملوك - : من ثلاثة أصناف : صاعا من تمر ، صاعا من أقط ، صاعا من شعير . } قال أبو سعيد : فأما أنا فلا أزال أخرجه كذلك . ومن طريق سفيان بن عيينة : ثنا ابن عجلان سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبي سعيد الخدري قال : { لم نخرج على عهد رسول الله ﷺ إلا صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من دقيق ، أو صاعا من سلت ثم شك سفيان فقال : دقيق أو سلت } . ومن طريق الليث عن يزيد هو ابن أبي حبيب - عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان أن عياض بن عياض بن عبد الله حدثه أن أبا سعيد الخدري قال { كنا نخرج في عهد رسول الله ﷺ صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من أقط ، لا نخرج غيره } يعني في زكاة الفطر ، قال أبو محمد : ففي بعض هذه الأخبار إبطال إخراج " البر " جملة ، وفي بعضها إثبات الزبيب ، وفي بعضها نفيه ، وإثبات الأقط جملة ، وليس فيها شيء غير ذلك ، وهم يعيبون الأخبار المسندة - التي لا مغمز فيها - بأقل من هذا الاضطراب ، كحديث إبطال تحريم الرضعة والرضعتين وغير ذلك . ثم إنه ليس من هذا كله خبر مسند ؛ لأنه ليس في شيء منه أن رسول الله ﷺ علم بذلك فأقره ، ولا عجب أكثر ممن يقول في خبر جابر الثابت : { كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله ﷺ } وحديث أسماء بنت أبي بكر الثابت { ذبحنا على عهد رسول الله ﷺ فرسا فأكلناه } أن هذان ليسا مسندين " لأنه ليس فيهما أن رسول الله ﷺ علم بذلك فأقره ، ثم يجعل حديث أبي سعيد هذا مسندا على اضطرابه وتعارض رواته فيه فليقل كل ذي عقل : أيما أولى أن يكون لا يخفى على رسول الله ﷺ بيع رجل من أصحابه أم ولده ، أو ذبح فرس في بيت أبي بكر الصديق أو بيت الزبير ، وبيتاهما مطنبان ببيت رسول الله ﷺ وابنته عنده ، على عزة الخيل عندهم وقلتها وحاجتهم إليها ، أم صدقة رجل من المسلمين في بني خدرة في عوالي المدينة بصاع أقط ، أو صاع زبيب ، ولو ذبح فرس للأكل في جانب من جوانب بغداد ما كان يمكن أن يخفى في الجانب الآخر ، ولو تصدقت امرأة أحدنا أو جاره الملاصق بصاع أقط ؛ أو صاع زبيب وصاع قمح ، ما كاد هو يعلمه في الأغلب ؛ فاعجبوا لعكس هؤلاء القوم الحقائق ، ثم إن هذه الطوائف الثلاثة مخالفة لما في هذا الخبر . أما أبو حنيفة فأشهر أقواله أن نصف صاع زبيب يجزئ وأن الأقط لا يجزئ إلا بالقيمة . وأما الشافعي فأشهر أقواله أن الأقط لا يجزئ ، وأجاز إخراج ما منعت هذه الأخبار من إخراجه ، مما لم يذكر فيها من الذرة وغير ذلك . وأما المالكيون ، والشافعيون فخالفوها جملة ؛ لأنهم لا يجيزون إخراج شيء من هذه المذكورات في هذا الخبر إلا لمن كانت قوته ، وخبر أبي سعيد لا يختلف فيه أنه على التخيير ، وكلهم يجيز إخراج ما منعت هذه الأخبار من إخراجه ، فمن أضل ممن يحتج بما هو أول مخالف له ما هذا من التقوى ، ولا من البر ، ولا من النصح لمن أغتر بهم من المسلمين . وأما نحن فوالله لو انسند صحيحا شيء من كل ما ذكرنا من الأخبار لبادرنا إلى الأخذ به ، وما توقفنا عند ذلك ، لكنه ليس منها مسند صحيح ولا واحد ، فلا يحل الأخذ بها في دين الله تعالى ، وقال بعضهم : إنما قلنا بجواز القمح لكثرة القائلين به ، وجمح فرس بعضهم فادعى الإجماع في ذلك جرأة وجهلا ، فذكروا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر { فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر على الذكر ، والأنثى ، والحر ، والعبد : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . قال ابن عمر : فعدله الناس بعد : مدين من قمح } . ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر { فعدل الناس بعد نصف صاع من بر } وكان ابن عمر يعطي التمر ، فأعوز أهل المدينة التمر عاما فأعطى الشعير " . قال أبو محمد : لو كان فعل الناس حجة عند ابن عمر ما استجاز خلافه ، وقد قال الله تعالى : { إن الناس قد جمعوا لكم } . ولا حجة على رسول الله ﷺ بالناس ، لكنه حجة على الناس وعلى الجن معهم ، ونحن نتقرب إلى الله تعالى بخلاف الناس الذين تقرب ابن عمر إليه بخلافهم ، وذكروا ما رويناه من طريق حسين عن زائدة ثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر { كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد رسول الله ﷺ صاعا من شعير ، أو تمر ، أو زبيب ، أو سلت } قال أبو محمد : هذا لا ينسند ، لأنه ليس فيه أن رسول الله ﷺ علم ذلك وأقره ، ثم خلافهم له - لو أسند وصح - كخلافهم لسعيد الذي ذكرنا ، وإبطال تهويلهم بما فيه من " كان الناس يخرجون " بخلاف ابن عمر المخبر عنهم كما في خبر أبي سعيد سواء سواء ، وأيضا - فإن راوي هذا الخبر عبد العزيز بن أبي رواد ، وهو ضعيف منكر الحديث . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر : إن الله قد أوسع ، والبر أفضل من التمر - يعني في صدقة الفطر - فقال ابن عمر : إن أصحابي سلكوا طريقا فأنا أحب أن أسلكه . قال أبو محمد : فهذا ابن عمر قد ذكرنا أنه كان لا يخرج إلا التمر ، أو الشعير ، ولا يخرج البر ، وقيل له في ذلك ، فأخبر أنه في عمله ذلك على طريق أصحابه ؛ فهؤلاء هم الناس الذين يستوحش من خلافهم وهم الصحابة رضي الله عنهم ، بأصح طريق ، وإنهم ليدعون الإجماع بأقل من هذا إذا وجدوه . وعن أفلح بن حميد : كان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يخرج زكاة الفطر صاعا من تمر . ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه : أنه كان إذا كان يوم الفطر أرسل صدقة كل إنسان من أهله صاعا من تمر ، ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا حماد بن مسعدة عن خالد بن أبي بكر قال : كان سالم بن عبد الله لا يخرج إلا تمرا " يعني في صدقة الفطر . فهؤلاء : ابن عمر ، والقاسم ، وسالم ، وعروة : لا يخرجون في صدقة الفطر إلا التمر ، وهم يقتاتون البر بلا خلاف ، وإن أموالهم لتسع إلى إخراج صاع دراهم عن أنفسهم ، ولا يؤثر ذلك في أموالهم . رضي الله عنهم فإن قيل : هم من أهل المدينة ؟ قلنا : ما خص رسول الله ﷺ بحكم صدقة الفطر أهل المدينة من أهل الصين ، ولا بعث إلى أهل المدينة دون غيرهم . والعجب كل العجب من إجازة مالك إخراج الذرة ، والدخن ، والأرز لمن كان ذلك قوته ، وليس شيء من ذلك مذكورا في شيء من الأخبار أصلا ، ومنع من إخراج الدقيق لأنه لم يذكر في الأخبار ؛ ومنع من إخراج القطاني وإن كانت قوت المخرج ، ومنع من التين ، والزيتون ، وإن كانا قوت المخرج ، وهذا تناقض ، وخلاف للأخبار ، وتخاذل في القياس ، وإبطالهم لتعليلهم بأن البر أفضل من الشعير ، ولا شك في أن الدقيق والخبز من البر والسكر أفضل من البر وأقل مؤنة وأعجل نفعا ، فمرة يجيزون ما ليس في الخبر ، ومرة يمنعون مما ليس في الخبر ؛ وبالله تعالى التوفيق . وهكذا القول في الشافعيين ولا فرق . قال أبو محمد : وشغب الحنفيون بأخبار نذكر منها طرفا إن شاء الله تعالى - : منها خبر - رويناه من طريق سفيان ، وشعبة ، كلاهما عن عاصم بن سليمان الأحول سمع أبا قلابة قال : حدثني من أدى إلى أبي بكر الصديق نصف صاع بر في صدقة الفطر . ومن طريق الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال : { كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله ﷺ صاعا من شعير ، أو تمر ، أو سلت ، أو زبيب . قال ابن عمر : فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء } . ومن طريق حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يخطب ، فقال : في صدقة الفطر : صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو نصف صاع من بر . ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال : صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو نصف صاع من بر . ومن طريق جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت " كان الناس يعطون زكاة رمضان نصف صاع ، فأما إذ أوسع الله تعالى على الناس فإني أرى أن يتصدق بصاع " . ومن طريق وكيع عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر : كانت أسماء بنت أبي بكر الصديق تعطي زكاة الفطر - عمن تمون - صاعا من تمر ، صاعا من شعير ، أو نصف صاع من بر ، ومن طريق ابن جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : صدقة الفطر على كل مسلم مدان من قمح ، أو صاع من تمر أو شعير . ومن طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : زكاة الفطر على كل فقير وغني صاع من تمر ، أو نصف صاع من قمح . وعن ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر : زكاة الفطر مدان من قمح ، أو صاع من شعير ، أو تمر . قال عمرو بن دينار : وبلغني هذا أيضا عن ابن عباس . ومن طريق عبد الكريم أبي أمية عن إبراهيم النخعي عن علقمة . والأسود عن عبد الله بن مسعود قال : مدان من قمح ، أو صاع من تمر ، أو شعير - يعني في صدقة الفطر . ومن طريق مسلم بن الحجاج : ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا داود يعني ابن قيس - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال { كنا نخرج - إذ كان فينا رسول الله ﷺ - زكاة الفطر صاعا من أقط ، أو صاعا من طعام ، أو صاعا من زبيب ، فلم نزل نخرج ذلك حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا ؛ فكلم الناس على المنبر فقال : إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر ، فأخذ الناس بذلك . قال أبو سعيد : فأما أنا فلا أخرجه أبدا ما عشت كما كنت أخرجه } . ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن : أن مروان بعث إلى أبي سعيد : أن ابعث إلي بزكاة رقيقك ، فقال أبو سعيد : إن مروان لا يعلم ، إنما علينا أن نطعم عن كل رأس عند كل فطر صاع تمر ، أو نصف صاع بر . وروينا من طريق محمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض بن سعد قال : " ذكرت لأبي سعيد الخدري صدقة الفطر ؟ فقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله ﷺ صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاع زبيب أو صاع أقط ، فقيل له : أو مدين من قمح ؟ فقال : لا ، تلك قيمة معاوية ، لا أقبلها ، ولا أعمل بها " . فهذا أبو سعيد يمنع من " البر " جملة ؛ ومما عدا ما ذكر ، وصح عن عمر بن عبد العزيز إيجاب نصف صاع من بر على الإنسان في صدقة الفطر ، أو قيمته على أهل الديوان نصف درهم . من طريق وكيع عن قرة بن خالد قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلينا بذلك ، وصح أيضا عن طاوس ، ومجاهد ، وسعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن جبير . وهو قول الأوزاعي ، والليث ، وسفيان الثوري قال أبو محمد : تناقض هاهنا المالكيون المهولون بعمل أهل المدينة فخالفوا أبا بكر ، وعمر ، ( وعثمان ) وعلي بن أبي طالب ، وعائشة ، وأسماء بنت أبي بكر ، وأبا هريرة ، وجابر بن عبد الله وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وأبا سعيد الخدري ، وهو عنهم كلهم صحيح إلا عن أبي بكر ، وابن مسعود ، إلا أن المالكيين يحتجون بأضعف من هذه الطرق إذا وافقتهم . ثم فقهاء المدينة : ابن المسيب ، وعروة ، وأبا سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم أفلا يتقي الله من يزيد في الشرائع ما لم يصح قط ، من جلد الشارب للخمر ثمانين ، برواية لم تصح قط عن عمر ، ثم قد صح خلافها عنه ، وعن أبي بكر قبله ، وعن عثمان ، وعلي بعده ، والحسن ، وعبد الله بن جعفر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يخالفهم منهم أحد ، ومعهم السنة الثابتة - : ثم لا يلتفت هاهنا إلى هؤلاء كلهم . وأما الحنفيون - المتزينون في هذا المكان باتباعهم - فقد خالفوا أبا بكر ، وعمر ، وعلي بن أبي طالب ؛ وابن مسعود ، وابن عباس ، والمغيرة بن شعبة ، وأنس بن مالك ، وأم سلمة أم المؤمنين في المسح على العمامة ، وخالفوا علي بن أبي طالب ، وأبا مسعود ، وعمار بن ياسر والبراء بن عازب ، وبلالا وأبا أمامة الباهلي وأنس بن مالك وابن عمر ، وسهل بن سعد في جواز المسح على الجوربين ، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة من كل من يجيز المسح على الخفين ، ومثل هذا لهم كثير جدا وبالله تعالى نتأيد ، ولا حجة إلا فيما صح عن النبي ﷺ وقد ذكرناه . قال أبو محمد : وروينا عن عطاء ليس على الأعراب ، أهل البادية زكاة الفطر - وعن الحسن : أنها عليهم ، وأنهم يخرجون في ذلك اللبن . قال أبو محمد : لم يخص رسول الله ﷺ أعرابيا ولا بدويا من غيرهم ، فلم يجز تخصيص أحد من المسلمين ، ولا يجزئ لبن ولا غيره ، إلا الشعير ، أو التمر فقط . وأما الحمل فإن رسول الله ﷺ أوجبها على كل صغير أو كبير ، والجنين يقع عليه اسم : صغير ، فإذا أكمل مائة وعشرين يوما في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة الفطر وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر النمري ، ومحمد بن كثير ، قال حفص : ثنا شعبة ، وقال ابن كثير : ثنا سفيان الثوري ، ثم اتفق سفيان ، وشعبة كلاهما عن الأعمش : ثنا زيد بن وهب ثنا عبد الله بن مسعود ثنا رسول الله ﷺ { إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات ، رزقه ، وعمله ، وأجله ، ثم يكتب : شقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح } قال أبو محمد : هو قبل ما ذكرنا موات ، فلا حكم على ميت ، فأما إذا كان حيا كما أخبر رسول الله ﷺ فكل حكم وجب على الصغير فهو واجب عليه . روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل : ثنا أبي ثنا المعتمر بن سليمان التيمي عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وقتادة : أن عثمان بن عفان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير ، والكبير ، والحمل . وعن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال : كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير ، والكبير ، حتى عن الحمل في بطن أمه ، وأبو قلابة أدرك الصحابة وصحبهم وروى عنهم ، ومن طريق عبد الرزاق عن مالك عن رجل عن سليمان بن يسار : أنه سئل عن الحمل أيزكى عنه ؟ قال : نعم . ولا يعرف لعثمان في هذا مخالف من الصحابة وهم يعظمون بمثل هذا إذا وافقهم .
=============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 704) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720)
كتاب الزكاة
705 - مسألة : ويؤديها المسلم عن رقيقه ، مؤمنهم وكافرهم ، من كان منهم لتجارة أو لغير تجارة كما ذكرنا . وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان الثوري في الكفار ؟ وقال مالك ، والشافعي ، وأبو سليمان : لا تؤدى إلا عن المسلمين منهم وقال أبو حنيفة : لا تؤدى زكاة الفطر عن رقيق التجارة . وقال مالك والشافعي ، وأبو سليمان : تؤدى عنهم زكاة الفطر . وقالوا كلهم - حاشا أبا سليمان - : يخرجها السيد عنهم ، وبه نقول وقال أبو سليمان : يخرجها الرقيق عن أنفسهم . واحتج من لم ير إخراجها عن الرقيق الكفار بما روي عن رسول الله ﷺ { فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر على حر ، أو عبد ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير من المسلمين } . قال أبو محمد : وهذا صحيح ، وبه نأخذ ، إلا أنه ليس فيه إسقاطها عن المسلم في الكفار من رقيقه ولا إيجابها ، فلو لم يكن إلا هذا الخبر وحده لما وجبت علينا زكاة الفطر إلا عن المسلمين من رقيقنا فقط . ولكن وجدنا حدثناه يوسف بن عبد الله النمري قال ثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي القاضي ثنا يحيى بن مالك بن عائذ ثنا محمد بن سليمان بن أبي الشريف ثنا محمد بن مكي الخولاني ، وإبراهيم بن إسماعيل الغافقي قالا جميعا : ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا سعيد بن أبي مريم أخبرني نافع بن يزيد عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { ليس على المسلم في فرسه وعبده صدقة ، إلا صدقة الفطر في الرقيق } وقد رويناه من غير هذه الطريق . قال أبو محمد : فأوجب عليه الصلاة والسلام صدقة الفطر على المسلم في رقيقه عموما ، فكان هذا زائدا على حديث أبي سعيد الخدري ، وكان باقي حديث أبي سعيد بعض ما في هذا الحديث ، لا معارضا له أصلا ، فلم يجز خلاف هذا الخبر . وبهذا الخبر تأدية زكاة الفطر على السيد عن رقيقه ، لا على الرقيق ؟ وبه أيضا يسقط ما ادعوه من زكاة التجارة في الرقيق ، لأنه عليه السلام أبطل كل زكاة في الرقيق إلا زكاة الفطر ؟ والعجب كل العجب من أن أبا حنيفة وأصحابه أتوا إلى زكاتين مفروضتين ، إحداهما في المواشي ، والأخرى زكاة الفطر في الرقيق - : فأسقطوا بإحداهما زكاة التجارة في المواشي المتخذة للتجارة ، وأسقطوا الأخرى بزكاة التجارة في الرقيق وحسبك بهذا تلاعبا ؟ والعجب أنهم غلبوا ما روي في بعض الأخبار { في سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة } ولم يغلبوا ما جاء في بعض الأخبار في أن { صدقة الفطر على كل حر أو عبد صغير أو كبير أو أنثى من المسلمين } على ما جاء في سائر الأخبار { إلا صدقة الفطر في الرقيق } وهذا تحكم فاسد وتناقض ولا بد من تغليب الأعم على الأخص في كل موضع ، إلا أن يأتي بيان نص في الأخص بنفي ذلك الحكم في الأعم - وبالله تعالى التوفيق .
706 - مسألة : فإن كان عبد أو أمة بين اثنين فصاعدا فعلى سيديهما إخراج زكاة الفطر ، يخرج عن كل واحد من مالكيه بقدر حصته ، وكذلك إن كان الرقيق كثيرا بين سيدين فصاعدا ؟ وقال أبو حنيفة ، والحسن بن حي ، وسفيان الثوري : ليس على سيديه ولا عليه أداء زكاة الفطر ، وكذلك لو كثر الرقيق المشترك ؟ وقال مالك ، والشافعي : يخرج عنه سيداه بقدر ما يملك كل واحد منهما ، وكذلك لو كثر الرقيق ؟ قال أبو محمد : ما نعلم لمن أسقط عنه صدقة الفطر وعن سيده حجة أصلا ، إلا أنهم قالوا : ليس أحد من سيديه يملك عبدا ، ولا أمة - وقال بعضهم : من ملك بعض الصاع لم يكن عليه أداؤه ، فكذلك من ملك بعض عبد ، أو بعض كل عبد ، أو أمة من رقيق كثير ؟ قال أبو محمد : أما قولهم : لا يملك عبدا ، ولا أمة فصدقوا ، ولا حجة لهم فيه ، لأن رسول الله ﷺ لم يقل : يخرجها كل أحد عن عبده وأمته ، وإنما قال { ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } فهؤلاء رقيق ، والعبد المشترك رقيق ، فالصدقة فيه واجبة بنص الخبر المذكور على المسلم ، وهذا اسم يعم النوع كله وبعضه ، ويقع على الواحد والجميع ، وبهذا النص لم يجز في الرقبة الواجبة نصفا رقبتين ، لأنه لا يقع عليهما اسم " رقبة " والنص جاء بعتق رقبة ؟ وقال الحنفيون : من أعطى نصفي شاتين في الزكاة أجزأته ، ولو أعتق نصفي رقبتين في رقبة واحدة لم يجزه ؟ وقال محمد بن الحسن : من كان من مملوك بين اثنين فصاعدا فعلى ساداته فيه زكاة الفطر ؛ فإن كان عبدان فصاعدا عن اثنين فلا صدقة فطر على الرقيق ولا على من يملكهم ؟ وأما قولهم : إنه قياس على من لم يجد إلا بعض الصاع فالقياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأنه قياس للخطأ على الخطأ ، بل من قدر على بعض صاع لزمه أداؤه ، على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى . وقد روينا من طريق وكيع عن سفيان عن أبي الحويرث عن محمد بن عمار عن أبي هريرة قال : ليس زكاة الفطر إلا عن مملوك تملكه ، قال وكيع : يعني في المملوك بين الرجلين ، وهذا مما خالف فيه المالكيون صاحبا لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ، وهذا مما خالف فيه الحنفيون حكم رسول الله ﷺ في إيجابه صدقة الفطر على كل حر ، وعبد ، صغير ، وكبير ذكر أو أنثى ، وخالفوا فيه القياس ؛ لأنهم أوجبوا الزكاة في الغنم المشتركة وأسقطوا زكاة الفطر عن الرقيق المشترك .
707 مسألة : وأما المكاتب الذي لم يؤد شيئا من كتابته فهو عبد ، يؤدي سيده عنه زكاة الفطر . فإن أدى من كتابته ما قل أو كثر ، أو كان عبد بعضه حر وبعضه رقيق ، أو أمة كذلك - : فإن الشافعي قال فيمن بعضه حر وبعضه مملوك : على مالك بعضه إخراج صدقة الفطر عنه بمقدار ما يملك منه ؛ وعليه أن يخرج عن نفسه بمقدار ما فيه من الحرية ، ولم يرد على سيد المكاتب أن يعطي زكاة الفطر عن مكاتبه . وقال مالك : يؤدي السيد زكاة الفطر عن مكاتبه وعن مقدار ما يملك عن الذي بعضه حر وبعضه رقيق وليس على الذي بعضه رقيق وبعضه حر أن يخرج باقي الصاع عن بعضه الحر . وقال أبو حنيفة : لا تجب زكاة الفطر في شيء من ذلك ، لا على المكاتب ولا على سيده . واحتج من لم ير على السيد أداء الزكاة عن مكاتبه برواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان يؤدي زكاة الفطر عن رقيقه ورقيق امرأته ، وكان له مكاتب فكان لا يؤدي عنه ، وكان لا يرى على المكاتب زكاة . قالوا : وهذا صاحب لا مخالف له يعرف من الصحابة . قال أبو محمد : لا حجة فيمن دون رسول الله ﷺ والعجب كل العجب أن الحنفيين المحتجين بهذا الأثر أول مخالف له فلم يوجبوا على المرء إخراج صدقة الفطر عن رقيق امرأته ومن العجب أن يكون فعل ابن عمر بعضه حجة وبعضه ليس بحجة فإن قالوا : لعله كان يتطوع بإخراجها عن رقيق المرأة ؟ قيل : ولعل ذلك المكاتب كلفه إخراجها من كسبه ، كما للمرء أن يكلف ذلك عبده ، كما يكلفه الضريبة ؛ ولعله كان يرى أن يخرجها المكاتب عن نفسه ؛ ولعله قد رجع عن قوله في ذلك ، فكل هذا يدخل فيه " لعل " . وأما قول مالك فظاهر الخطأ ؛ لأنه جعل زكاة الفطر نصف صاع ؛ أو عشر صاع ، أو تسعة أعشار صاع فقط ، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى فيها ، وأوجبها على بعض إنسان دون سائره ، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى فيها ؟ وأما قول الشافعي فخطأ ؛ لأنه أوجب الزكاة في الفطر فيمن لا يقع عليه اسم رقيق ممن بعضه حر وبعضه عبد ، وهذا ما لم يأت به نص ولا إجماع . قال أبو محمد : والحق من هذا أن رسول الله ﷺ أوجبها على الحر ، والعبد ، والذكر ، والأنثى ، والصغير ، والكبير من المسلمين ، فمن بعضه حر وبعضه عبد فليس حرا ، ولا هو أيضا عبد ، ولا هو رقيق ، فسقط بذلك عن أن يجب على مالك بعضه عنه شيء ، ولكنه ذكر ، أو أنثى ، صغير ، أو كبير فوجبت عليه صدقة الفطر عن نفسه ولا بد بهذا النص . وهو قول أبي سليمان - وبالله تعالى التوفيق . وأما قولنا في المكاتب يؤدي بعض كتابته إنه يؤديها عن نفسه - : فهو لأن بعضه حر وبعضه مملوك كما ذكرنا ؛ فإذ هو كذلك كما ذكرنا فعليه إخراجها عن نفسه لما ذكرنا ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى الدمشقي ثنا يزيد هو ابن هارون - أنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني ، وقتادة ، قال قتادة : عن خلاس عن علي بن أبي طالب ، وقال أيوب : عن عكرمة عن ابن عباس ، ثم اتفق علي ، وابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال : { المكاتب يعتق منه بمقدار ما أدى ويقام عليه الحد بمقدار ما عتق منه } وهذا إسناد في غاية الصحة ؟ وهو قول علي بن أبي طالب وغيره . وروينا عن الحسن : أن على المكاتب صدقة الفطر . وعن ميمون بن مهران ، وعطاء : يؤديها عنه سيده .
708 - مسألة : ولا يجزئ إخراج بعض الصاع شعيرا وبعضه تمرا ، ولا تجزئ قيمة أصلا ؛ لأن كل ذلك غير ما فرض رسول الله ﷺ والقيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا بتراض منهما ، وليس للزكاة مالك بعينه فيجوز رضاه ، أو إبراؤه .
709 - مسألة : وليس على الإنسان أن يخرجها عن أبيه ، ولا عن أمه ، ولا عن زوجته ، ولا عن ولده ، ولا أحد ممن تلزمه نفقته ، ولا تلزمه إلا عن نفسه ، ورقيقه فقط . ويدخل في : الرقيق أمهات الأولاد ، والمدبرون ، غائبهم وحاضرهم . وهو قول أبي حنيفة ، وأبي سليمان ، وسفيان الثوري ، وغيرهم . وقال مالك ، والشافعي : يخرجها عن زوجته ، وعن خادمها التي لا بد لها منها ولا يخرجها عن أجيره . وقال الليث : يخرجها عن زوجته ، وعن أجيره الذي ليست أجرته معلومة ، فإن كانت أجرته معلومة فلا يلزمه إخراجها عنه ، ولا عن رقيق امرأته . قال أبو محمد : ما نعلم لمن أوجبها على الزوج عن زوجته وخادمها إلا خبرا رواه إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه { أن رسول الله ﷺ فرض صدقة الفطر على كل حر ، أو عبد ، ذكر ، أو أنثى ، ممن تمونون } . قال أبو محمد : وفي هذا المكان عجب عجيب وهو أن الشافعي لا يقول بالمرسل ، ثم أخذ هاهنا بأنتن مرسل في العالم ، من رواية ابن أبي يحيى . وحسبنا الله ونعم الوكيل . وأبو حنيفة وأصحابه يقولون : المرسل كالمسند ، ويحتجون برواية كل كذاب ، وساقط ؛ ثم تركوا هذا الخبر وعابوه بالإرسال وبضعف راويه وتناقضوا فقالوا : لا يزكي زكاة الفطر عن زوجته ، وعليه - فرض - أن يضحي عنها فحسبكم بهذا تخليطا . وأما تقسيم الليث فظاهر الخطأ . وأما المالكيون فاحتجوا بهذا الخبر ثم خالفوه ؛ فلم يروا أن يؤدي زكاة الفطر عن الأجير ، وهو ممن يمون ؟ قال أبو محمد : إيجاب رسول الله ﷺ زكاة الفطر على الصغير ، والكبير ، والحر ، والعبد ، والذكر ، والأنثى : هو إيجاب لها عليهم ، فلا تجب على غيرهم فيه إلا من أوجبه النص ، وهو الرقيق فقط ، قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . قال أبو محمد : وواجب على ذات الزوج إخراج زكاة الفطر عن نفسها وعن رقيقها ، بالنص الذي أوردنا - وبالله تعالى التوفيق ؟
710 - مسألة : ومن كان من العبيد له رقيق فعليه إخراجها عنهم لا على سيده ، لما ذكرنا من قول رسول الله ﷺ : { ليس على المسلم في فرسه ، ولا عبده صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } . فالعبد مسلم وهو رقيق لغيره ، وله رقيق ، فعلى من هو له رقيق أن يخرجها عنه ؛ وعليه أن يخرجها عن رقيقه بالنص المذكور - وبالله تعالى التوفيق . فإن قيل : كيف لا يلزمه عن نفسه وتلزمه عن غيره ؟ قلنا : كما حكم في ذلك رب العالمين على لسان نبيه ﷺ . ثم نقول للمالكيين ، والشافعيين : أنتم تقولون بهذا حيث تخطئون ، فتقولون : إن الزوجة لا تخرجها عن نفسها ، وعليها أن تخرجها عن رقيقها حاشا من لا بد لها منه لخدمتها ؟ ولوددنا أن نعرف ما يقول الحنفيون في نصراني أسلمت أم ولده أو عبده فحبس ليباع فجاء الفطر ، على من صدقة الفطر عنهما ؟ وهاتان المسألتان لا تقعان في قولنا أبدا ؛ لأنه ساعة تسلم أم ولده أو عبده : عتقا في الوقت .
711 - مسألة : ومن له عبدان فأكثر فله أن يخرج عن أحدهما تمرا وعن الآخر شعيرا ، صاعا صاعا . وإن شاء التمر عن الجميع ، وإن شاء الشعير عن الجميع ؛ لأنه نص الخبر المذكور ؟
712 - مسألة : وأما الصغار فعليهم أن يخرجها الأب ، والولي عنهم من مال إن كان لهم ، وإن لم يكن لهم مال فلا زكاة فطر عليهم حينئذ ، ولا بعد ذلك ؟ وقال أبو حنيفة : يؤديها الأب عن ولده الصغار الذين لا مال لهم ؛ فإن كان لهم مال ، فإن أداها من مالهم كرهت له ذلك وأجزأه ؟ قال : ويؤديها عن اليتيم وصيه من مال اليتيم ، وعن رقيق اليتيم أيضا ؟ وقال زفر ، ومحمد بن الحسن : ليس على اليتيم زكاة الفطر ، كان له مال ، أو لم يكن ؛ فإن أداها وصيه ضمنها ؟ وقال مالك : على الأب أن يؤدي زكاة الفطر عن ولده الصغار إن لم يكن لهم مال ، فإن كان لهم مال فهي في أموالهم ؛ وهي على اليتيم في ماله . وهو قول الشافعي . ولم يختلفوا في أن الأب لا يؤديها عن ولده الكبار ، كان لهم مال ، أو لم يكن . قال أبو محمد : ما نعلم لهم حجة أصلا ، إلا الدعوى : في أن القصد بذكر الصغار إنما هو إلى آبائهم لا إليهم ؟ قال أبو محمد : وهذه دعوى في غاية الفساد ، لأنه إذا لم يقصد بالخطاب إليهم في إيجاب زكاة الفطر ، وإنما قصد إلى غيرهم - : فمن جعل الآباء مخصوصين بذلك دون سائر الأولياء ، والأقارب ، والجيران ، والسلطان ؟ فإن قالوا : لأن الأب ينفق عليهم رجع الحنيفيون إلى ما أنكروا من ذلك ؟ ويلزم المالكيين ، والشافعيين في هذا أن يؤديها الأب - أحب أم كره - عنهم ، كان لهم مال ، أو لم يكن ؛ لأنه هو المخاطب بذلك دونهم . فوضح فساد هذا القول بيقين . والحق في هذا أن الله تعالى فرضها على لسان نبيه ﷺ على : الكبير ، والصغير ، فمن فرق بين حكميهما فقد قال الباطل ، وادعى على رسول الله ﷺ ما لم يقله ، ولا دل عليه ؟ ثم وجدنا الله تعالى يقول : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . فوجدنا من لا مال له - من كبير أو صغير - ليس في وسعه أداء زكاة الفطر ؛ فقد صح أنه لم يكلفها قط ، ولما كان لا يستطيعها لم يكن مأمورا بها ، بنص كلامه عليه الصلاة والسلام وهي لازمة لليتيم إذا كان له مال ، وإنما قلنا : إنها لا تلزمه بعد ذلك فلأن زكاة الفطر محدودة بوقت محدود الطرفين ، بخلاف سائر الزكوات ، فلما خرج وقتها لم يجز أن تجب بعد خروج وقتها وفي غير وقتها ؛ لأنه لم يأت بإيجابها بعد ذلك نص ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .
713 - مسألة : والذي لا يجد من أين يؤدي زكاة الفطر فليست عليه ؛ لما ذكرنا في المسألة التي قبل هذه ، ولا تلزمه وإن أيسر بعد ذلك ؛ لما ذكر أيضا ؟ فمن قدر على التمر ولم يقدر على الشعير لغلائه ، أو قدر على الشعير ولم يقدر على التمر لغلائه - : أخرج صاعا ولا بد من الذي يقدر عليه ، لما ذكرنا أيضا . فإن لم يقدر إلا على بعض صاع أداه ولا بد ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ولقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وهو واسع لبعض الصاع ، فهو مكلف إياه ، وليس واسعا لبعضه ، فلم يكلفه . وهذا مثل الصلاة ، يعجز عن بعضها ويقدر على بعضها ، ومثل الدين ، يقدر على بعضه ولا يقدر على سائره ؟ وليس هذا مثل الصوم ، يعجز فيه عن تمام اليوم ، أو تمام الشهرين المتتابعين ؛ ولا مثل الرقبة الواجبة ، والإطعام الواجب في الكفارات ، والهدي الواجب ، يقدر على البعض من كل ذلك ولا يقدر على سائره ؛ فلا يجزئه شيء منه . لأن من افترض عليه صاع في زكاة الفطر فلا خلاف في أنه جائز له أن يخرج بعضه ثم بعضه ثم بعضه . ولا يجوز تفريق اليوم ، ولا يسمى من لم يتم صوم اليوم صائم يوم ، إلا حيث جاء به النص فيجزئه حينئذ ؟ وأما بعض الرقبة فإن الله تعالى نص بتعويض الصيام من الرقبة إذا لم توجد فلم يجز تعدي النص ، وكان معتق بعض رقبة مخالفا لما أمر به وافترض عليه من الرقبة التامة ، أو من الإطعام المعوض منها ، أو الصيام المعوض منها . وأما بعض الشهرين فمن بعضها ، أو فرقهما فلم يأت بما أمر به متتابعا ، فهو عليه أو عوضه حيث جاء النص بالتعويض منه . وأما الهدي فإن بعض الهدي مع بعض هدي آخر لا يسمى هديا ، فلم يأت بما أمر به ؛ فهو دين عليه حتى يقدر عليه ؟ وأما الإطعام فيجزئه ما وجد منه حتى يجد باقيه ؛ لأنه لم يأت مرتبطا بوقت محدود الآخر - وبالله تعالى التوفيق .
714 - مسألة : وتجب زكاة الفطر على السيد عن عبده المرهون ، والآبق ، والغائب ، والمغصوب ، لأنهم رقيقه ، ولم يأت نص بتخصيص هؤلاء . وللسيد إن كان للعبد مال أو كسب أن يكلفه إخراج زكاة الفطر من كسبه أو ماله ، لأن له انتزاع مال متى شاء ، وله أن يكلفه الخراج بالنص والإجماع ، فإذا كان له ذلك فله أن يأمره بأن يصرف ما كلفه من ذلك فيما شاء .
715 - مسألة : والزكاة للفطر واجبة على المجنون إن كان له مال ؛ لأنه ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، صغير أو كبير .
716 - مسألة : ومن كان فقيرا فأخذ من زكاة الفطر أو غيرها مقدار ما يقوم بقوت يومه وفضل له منه ما يعطي في زكاة الفطر - : لزمه أن يعطيه . وهو قول عطاء ، وأبي سليمان ، والشافعي . وقال أبو حنيفة : من له أقل من مائتي درهم فليس عليه زكاة الفطر ، وله أخذها ، ومن كان له مائتا درهم فعليه أن يؤديها . وقال سفيان : من له خمسون درهما فهو غني ، ومن لم يكن له خمسون درهما فهو فقير . وقال غيرهما : من له أربعون درهما فهو غني ، فإن كان له أقل فهو فقير ؟ وقال آخرون : من له قوت يومه فهو غني ؟ قال أبو محمد : سنتكلم بعد هذا - إن شاء تعالى - في هذه الأقوال ، وأما هاهنا فإن تخصيص الفقير بإسقاط صدقة الفطر عنه - إذا كان واجدا لمقدارها أو لبعضه - قول لا يجوز ؛ لأنه لم يأت به نص ، نعني بإسقاطها عن الفقير ، وإنما جاء النص بإسقاط تكليف ما ليس في الوسع فقط ؛ فإذا كانت في وسع الفقير فهو مكلف إياها بعموم قوله عليه السلام : { على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير } . وقد روينا عن عطاء في الفقير : أنه يأخذ الزكاة ويعطيها ؟
717 - مسألة : ومن أراد إخراج زكاة الفطر عن ولده الصغار أو الكبار أو عن غيرهم - : لم يجز له ذلك إلا بأن يهبها لهم ، ثم يخرجها عن الصغير ، والمجنون ، ولا يخرجها عمن يعقل من البالغين إلا بتوكيل منهم له على ذلك . برهان ذلك - : ما قدمنا من أن الله تعالى إنما فرضها عليه فيما يجد مما هو قادر على إخراجها منه ، أو يكون وليه قادرا على إخراجها منه ، ولا يكون مال غيره مكانا لأداء الفرض عنه ؛ إذ لم يأت بذلك نص ولا إجماع ؛ فإذا وهبها له فقد صار مالكا لمقدارها ، فعليه إخراجها ، فأما من لم يبلغ ؛ ولا يعقل ؛ فلقول الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } . وأما البالغ فلقول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } وبالله تعالى التوفيق .
718 - مسألة : ووقت زكاة الفطر - الذي لا تجب قبله ، إنما تجب بدخوله ، ثم لا تجب بخروجه - : فهو إثر طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر ، ممتدا إلى أن تبيض الشمس وتحل الصلاة من ذلك اليوم نفسه ؛ فمن مات قبل طلوع الفجر من اليوم المذكور فليس عليه زكاة الفطر ، ومن ولد حين ابيضاض الشمس من يوم الفطر فما بعد ذلك ، أو أسلم كذلك - : فليس عليه زكاة الفطر ، ومن مات بين هذين الوقتين أو ولد أو أسلم أو تمادت حياته وهو مسلم - : فعليه زكاة الفطر ، فإن لم يؤدها وله من ابن يؤديها فهي دين عليه أبدا حتى يؤديها متى أداها . وقال الشافعي : وقتها مغيب الشمس من آخر يوم من رمضان ، فمن ولد ليلة الفطر أو أسلم فلا زكاة فطر عليه ، ومن مات فيها فهي عليه . وقال أبو حنيفة : وقتها انشقاق الفجر من يوم الفطر ، فمن مات قبل ذلك ، أو ولد بعد ذلك ، أو أسلم بعد ذلك فلا زكاة فطر عليه . وقال مالك مرة كقول الشافعي في رواية أشهب عنه ، ومرة قال : إن من ولد يوم الفطر فعليه زكاة الفطر . قال أبو محمد أما من رأى وقتها غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فإنه قال : هي زكاة الفطر ، وذلك هو الفطر من صوم رمضان والخروج عنه جملة . وقال الآخرون الذين رأوا وقتها طلوع الفجر من يوم الفطر : إن هذا هو وقت الفطر ، لا ما قبله ؛ لأنه في كل ليلة كان يفطر كذلك ثم يصبح صائما فإنما أفطر من صومه صبيحة يوم الفطر ، لا قبله ، وحينئذ دخل وقتها باتفاق منا ومنكم . قال أبو محمد : قال الله عز وجل : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } . فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال { أمر رسول الله ﷺ بإخراج زكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى } . قال أبو محمد : فهذا وقت أدائها بالنص ، وخروجهم إليها إنما هو لإدراكها ، ووقت صلاة الفطر هو جواز الصلاة بابيضاض الشمس يومئذ فإذا تم الخروج إلى صلاة الفطر بدخولهم في الصلاة فقد خرج وقتها ؟ وبقي القول في أول وقتها : فوجدنا الفطر المتيقن إنما هو بطلوع الفجر من يوم الفطر ؛ وبطل قول من جعل وقتها غروب الشمس من أول ليلة الفطر ؛ لأنه خلاف الوقت الذي أمر عليه السلام بأدائها فيه . قال أبو محمد : فمن لم يؤدها حتى خرج وقتها فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له ، فهي دين لهم ، وحق من حقوقهم ، وقد وجب إخراجها من مال وحرم عليه إمساكها في ماله ، فوجب عليه أداؤها أبدا ، وبالله تعالى التوفيق ، ويسقط بذلك حقهم ، ويبقى حق الله تعالى في تضييعه الوقت ، لا يقدر على جبره إلا بالاستغفار والندامة - وبالله تعالى نتأيد . ولا يجوز تقديمها قبل وقتها أصلا . فإن ذكروا خبر { أبي هريرة إذ أمره رسول الله ﷺ بالمبيت على صدقة الفطر فأتاه الشيطان ليلة ، وثانية ، وثالثة } - : فلا حجة لهم فيه ، لأنه لا تخلو تلك الليالي أن تكون من رمضان أو من شوال ، ولا يجوز أن تكون من رمضان ، لأنه ليس ذلك في الخبر ، ولا يظن برسول الله ﷺ أنه حبس صدقة وجب أداؤها عن أهلها ، وإن كانت من شوال فلا يمنع من ذلك ؛ إذ لم يكمل وحبس وجود أهلها ؛ وفي تأخيره عليه الصلاة والسلام إعطاءها برهان على أن وقت إخراجها لم يحن بعد ، فإن كان ذلك في ليالي رمضان فلم يخرجها عليه السلام . فصح أنه لم يجز تقديمها قبل وقتها ولا يجزئ ؛ وإن كانت من ليالي شوال فبلا شك أن أهلها لم يوجدوا ، فتربص عليه الصلاة والسلام وجودهم . فبطل تعلقهم بهذا الخبر ؟
==============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
كتاب الزكاة
719 - مسألة : ومن تولى تفريق زكاة ماله أو زكاة فطره أو تولاها الإمام أو أميره - : فإن الإمام ، أو أميره : يفرقانها ثمانية أجزاء مستوية : للمساكين سهم ، وللفقراء سهم ، وفي المكاتبين وفي عتق الرقاب سهم ، وفي سبيل الله تعالى سهم ، ولأبناء السبيل سهم ، وللعمال الذين يقبضونها سهم ، وللمؤلفة قلوبهم سهم . وأما من فرق زكاة ماله ففي ستة أسهم كما ذكرنا ، ويسقط : سهم العمال ، وسهم المؤلفة قلوبهم . ولا يجوز أن يعطي من أهل سهم أقل من ثلاثة أنفس ، إلا أن لا يجد ، فيعطي من وجد ؟ ولا يجوز أن يعطي بعض أهل السهام دون بعض ، إلا أن يجد ، فيعطي من وجد ؟ ولا يجوز أن يعطي منها كافرا ، ولا أحدا من بني هاشم ، والمطلب ابني عبد مناف ، ولا أحدا من مواليهم ؟ فإن أعطى من ليس من أهلها - عامدا أو جاهلا - لم يجزه ، ولا جاز للآخذ ، وعلى الآخذ أن يرد ما أخذ ، وعلى المعطي أن يوفي ذلك الذي أعطى في أهله ؟ برهان ذلك - : قول الله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } . وقال بعضهم : يجزئ أن يعطي المرء صدقته في صنف واحد منها ؟ واحتجوا بأنه لا يقدر على عموم جميع الفقراء وجميع المساكين . فصح أنها في البعض . قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . ولقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . فصح أن ما عجز عنه المرء فهو ساقط عنه ، وبقي عليه ما استطاع ، لا بد له من إيفائه ؛ فسقط عموم كل فقير وكل مسكين ، وبقي ما قدر عليه من جميع الأصناف ، فإن عجز عن بعضها سقط عنه أيضا ؛ ومن الباطل أن يسقط ما يقدر عليه من أجل أنه سقط عنه ما لا يقدر عليه ؟ وذكروا حديث الذهيبة التي قسمها عليه الصلاة والسلام بين الأربعة ؟ قال أبو محمد : وقد ذكرنا هذا الخبر ، وأنه لم تكن تلك الذهيبة من الصدقة أصلا ؛ لأنه ليس ذلك في الحديث أصلا ؛ ولا يمتنع أن يعطى عليه الصلاة والسلام المؤلفة قلوبهم من غير الصدقة ، بل قد أعطاهم من غنائم حنين . وذكروا حديث سليمان بن يسار { عن سلمة بن صخر أن رسول الله ﷺ أعطاه صدقة بني زريق } . قال أبو محمد : وهذا مرسل ، ولو صح لم يكن لهم فيه حجة ، لأنه ليس فيه : أن رسول الله ﷺ حرم سائر الأصناف من سائر الصدقات ؟ وادعى قوم : أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط ؟ قال أبو محمد : وهذا باطل ، بل هم اليوم أكثر ما كانوا ، وإنما يسقطون هم والعاملون إذا تولى المرء قسمة صدقة نفسه ؛ لأنه ليس هنالك عاملون عليها ، وأمر المؤلفة إلى الإمام لا إلى غيره . قال أبو محمد : لا يختلفون في أن من أمر لقوم بمال - وسماهم - أنه لا يحل أن يخص به بعضهم دون بعض ، فمن المصيبة قول من قال : إن أمر الناس أوكد من أمر الله تعالى - : حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ثنا عبد الله بن الحسين بن عقال ثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ثنا محمد بن الجهم ثنا محمد بن مسلمة ثنا يعقوب بن محمد ثنا رفاعة عن جده : { أن بعض الأمراء استعمل رافع بن خديج على صدقة الماشية ، فأتاه لا شيء معه فسأله ؟ فقال رافع إن عهدي برسول الله ﷺ حديث وإني جزيتها ثمانية أجزاء فقسمتها ، وكذلك كان رسول الله ﷺ يصنع } . وصح عن ابن عباس أنه قال في الزكاة : ضعوها مواضعها ؟ وعن إبراهيم النخعي ، والحسن مثل ذلك . وعن أبي وائل مثل ذلك ، وقال في نصيب المؤلفة قلوبهم رده على الآخرين . وعن سعيد بن جبير : ضعها حيث أمرك الله . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وقول ابن عمر ، ورافع ، كما أوردنا ، وروينا القول الثاني عن حذيفة ؛ وعطاء ، وغيرهما . وأما قولنا : لا يجزئ أقل من ثلاثة من كل صنف إلا أن لا يجد - : فلأن اسم الجمع : لا يقع إلا على ثلاثة فصاعدا ، ولا يقع على واحد ، وللتثنية بنية في اللغة ، تقول : مسكين للواحد ، ومسكينان للاثنين ، ومساكين للثلاثة ، فصاعدا ، وكذلك اسم الفقراء وسائر الأسماء المذكورة في الآية ؟ وهو قول الشافعي ، وغيره . وأما أن لا يعطي كافرا فلما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن زكرياء بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس { أن النبي ﷺ بعث معاذا إلى اليمن وقال له في حديث فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم } . فإنما جعلها عليه الصلاة والسلام لفقراء المسلمين فقط . وأما بنو هاشم ، وبنو المطلب فلما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب " أن رسول الله ﷺ قال له وللفضل بن عباس بن عبد المطلب { إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ القوم ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد } . قال أبو محمد : فاختلف الناس في : من هم آل محمد ؟ فقال قوم : هم بنو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقط ، لأنه لا عقب لهاشم من غير عبد المطلب ، واحتجوا بأنهم آل محمد بيقين ، لأنه لا عقب لعبد الله والد رسول الله ﷺ فلم يبق له عليه الصلاة والسلام أهل إلا ولد العباس ، وأبي طالب ، والحارث ؛ وأبي لهب : بني عبد المطلب فقط ؛ وقال آخرون : بل بنو عبد المطلب بن هاشم ، وبنو المطلب بن عبد مناف فقط ومواليهم . وقال أصبغ بن الفرج المالكي : آل محمد : جميع قريش ، وليس الموالي منهم . قال أبو محمد : فوجب النظر في ذلك - : فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع قال ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يحيى وهو ابن سعيد القطان - ثنا شعبة ثنا الحكم هو ابن عتيبة - عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه { أن رسول الله ﷺ استعمل رجلا من بني مخزوم على الصدقة ، فأراد أبو رافع أن يتبعه ، فقال رسول الله ﷺ إن الصدقة لا تحل لنا ، وإن مولى القوم منهم } . فبطل قول من أخرج الموالي من حكمهم في تحريم الصدقة . ووجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أخبرني { جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله ﷺ فيما قسم من الخمس بين بني هاشم ، وبني عبد المطلب ، فقلت : يا رسول الله ، قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا ، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة ؟ فقال رسول الله ﷺ إنما بنو هاشم ، وبنو المطلب شيء واحد } . فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكمهم في شيء أصلا ؛ لأنهم شيء واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام ؛ فصح أنهم آل محمد ، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام ؛ فيخرج بنو عبد شمس ، وبنو نوفل ابني عبد مناف ، وسائر قريش عن هذين : البطنين - وبالله تعالى التوفيق . ولا يحل لهذين البطنين صدقة فرض ولا تطوع أصلا ، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : { لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد } فسوى بين نفسه وبينهم ، وأما ما لا يقع عليه اسم صدقة مطلقة فهو حلال لهم ، كالهبة ، والعطية ، والهدية ، والنحل ، والحبس ، والصلة ، والبر ، وغير ذلك ، لأنه لم يأت نص بتحريم شيء من ذلك عليهم وأما قولنا : لا تجزئ إن وضعت في يد من لا تجوز له - فلأن الله تعالى سماها لقوم خصهم بها ؛ فصار حقهم فيها ؛ فمن أعطى منها غيرهم فقد خالف ما أمر الله تعالى به . وقال رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فوجب على المعطي إيصال ما عليه إلى من هو له ، ووجب على الآخذ رد ما أخذ بغير حق . قال تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } .
720 - مسألة : الفقراء هم الذين لا شيء لهم أصلا . والمساكين : هم الذين لهم شيء لا يقوم بهم . برهان ذلك - : أنه ليس إلا موسر ، أو غني ، أو فقير ، أو مسكين ، في الأسماء . ومن له فضل عن قوته . ومن لا يحتاج إلى أحد وإن لم يفضل عنه شيء . ومن له ما لا يقوم بنفسه منه . ومن لا شيء له فهذه مراتب أربع معلومة بالحس . فالموسر بلا خلاف : هو الذي يفضل ماله عن قوته وقوت عياله على السعة . والغني : هو الذي لا يحتاج إلى أحد وإن كان لا يفضل عنه شيء ؛ لأنه في غنى عن غيره . وكل موسر غني ، وليس كل غني موسرا - : فإن قيل : لم فرقتم بين المسكين ، والفقير ؟ قلنا : لأن الله تعالى فرق بينهما ، ولا يجوز أن يقال في شيئين فرق الله تعالى بينهما : إنهما شيء واحد ، إلا بنص أو إجماع أو ضرورة حس ؛ فإذ ذلك كذلك فإن الله تعالى يقول : { وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } سماهم الله تعالى مساكين ولهم سفينة ؛ ولو كانت تقوم بهم لكانوا أغنياء بلا خلاف . فصح اسم المسكين بالنص لمن هذه صفته . وبقي القسم الرابع : وهو من لا شيء له أصلا ؛ ولم يبق له من الأسماء إلا الفقير ، فوجب ضرورة أنه ذاك . وروينا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا نصر بن علي أخبرنا عبد الأعلى ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان ، والتمرة والتمرتان ، قالوا : فما المسكين يا رسول الله ؟ قال : المسكين الذي لا يجد غنى ، ولا يفطن لحاجته فيتصدق عليه } . قال أبو محمد : فصح أن المسكين هو الذي لا يجد غنى إلا أن له شيئا لا يقوم له ، فهو يصبر وينطوي ، وهو محتاج ولا يسأل . وقال تعالى : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } فصح أن الفقير الذي لا مال له أصلا ؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم . ولا يجوز أن يحمل ذلك على بعض أموالهم . فإن قيل : قال الله تعالى : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } . قلنا : صدق الله تعالى : وقد يلبس المرء في تلك البلاد إزارا ورداء خلقين غسيلين لا يساويان درهما ، فمن رآه كذلك ظنه غنيا ، ولا يعد مالا ما لا بد منه مما يستر العورة ، إذا لم تكن له قيمة - وذكروا قول الشاعر : أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد وهذا حجة عليهم ؛ لأن من كانت حلوبته وفق عياله فهو غني ، وإنما صار فقيرا إذا لم يترك له سبد ، وهو قولنا ؟ والعاملون عليها : هم العمال الخارجون من عند الإمام الواجبة طاعته ، وهم المصدقون ، السعاة ؟ قال أبو محمد : وقد اتفقت الأمة على أنه ليس كل من قال : أنا عامل عاملا ، وقد قال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فكل من عمل من غير أن يوليه الإمام الواجبة طاعته فليس من العاملين عليها ؛ ولا يجزئ دفع الصدقة إليه ، وهي مظلمة ، إلا أن يكون يضعها مواضعها ، فتجزئ حينئذ ؛ لأنها قد وصلت إلى أهلها . وأما عامل الإمام الواجبة طاعته فنحن مأمورون بدفعها إليه ؛ وليس علينا ما يفعل فيها ؛ لأنه وكيل ، كوصي اليتيم ولا فرق ، وكوكيل الموكل سواء سواء . والمؤلفة قلوبهم : هم قوم لهم قوة لا يوثق بنصيحتهم للمسلمين فيتألفون بأن يعطوا من الصدقات ، ومن خمس الخمس والرقاب : هم المكاتبون ، والعتقاء ؛ فجائز أن يعطوا من الزكاة . وقال مالك : لا يعطى منها المكاتب . وقول غيره : يعطى منها ما يتم به كتابته . وقال أبو محمد : وهذان قولان لا دليل على صحتهما ؟ وبأن المكاتب يعطى من الزكاة يقول أبو حنيفة ، والشافعي ؟ وجاز أن يعطى منها مكاتب الهاشمي ، والمطلبي ؛ لأنه ليس منهما ، ولا مولى لهما ما لم يعتق كله ؟ وإن أعتق الإمام من الزكاة رقابا فولاؤها للمسلمين لأنه لم يعتقها من مال نفسه ولا من مال باق في ملك المعطي الزكاة . فإن أعتق المرء من زكاة نفسه فولاؤها له ؛ لأنه أعتق من ماله ، وعبد نفسه ؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام : { إنما الولاء لمن أعتق } وهو قول أبي ثور . وروينا عن ابن عباس : أعتق من زكاتك . فإن قيل : إنه إن مات رجع ميراثه إلى سيده . قلنا : نعم هذا حسن ، إذا بلغت الزكاة محلها فرجوعها بالوجوه المباحة حسن ، وهم يقولون فيمن تصدق من زكاته على قريب له ثم مات فوجب ميراثه للمعطي : إنه له حلال ، وإن كان فيه عين زكاته . والغارمون : هم الذين عليهم ديون لا تفي أموالهم بها ، أو من تحمل بحمالة وإن كان في ماله وفاء بها ؛ فأما من له وفاء بدينه فلا يسمى في اللغة غارما ؟ - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن النضر بن مساور ثنا حماد بن سلمة عن هارون بن رئاب حدثني كنانة بن نعيم عن قبيصة بن المخارق قال : { تحملت بحمالة فأتيت النبي ﷺ أسأله فيها ؟ فقال : أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، أو قال : سدادا من عيش } وذكر الحديث . وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ - : { لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني } . وقد روي هذا الحديث عن غير معمر فأوقفه بعضهم ، ونقص بعضهم مما ذكر فيه معمر ، وزيادة العدل لا يحل تركها ؟ فإن قيل : قد روي عن رسول الله ﷺ أن الحج من سبيل الله . وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج . قلنا : نعم ، وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى ، إلا أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات ، فلم يجز أن توضع إلا حيث بين النص ، وهو الذي ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق . وابن السبيل : هو من خرج في معصية فاحتاج ؟ وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة : ثنا أبو جعفر عن الأعمش عن حسان عن مجاهد عن ابن عباس : أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل زكاته في الحج وأن يعتق منها النسمة ؟ وهذا مما خالف فيه الشافعيون ، والمالكيون ، والحنفيون : صاحبا ، لا يعرف منهم له مخالف .
============
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
المؤلف: ابن حزم كتاب الصيام
كتاب الزكاة
721 - مسألة : وجاز أن يعطي المرء منها مكاتبه ومكاتب غيره ، لأنهما من البر ، والعبد المحتاج الذي يظلمه سيده ولا يعطيه حقه ؛ لأنه مسكين ، وقد روينا عن إسماعيل بن علية أنه : أجاز ذلك ؟ ومن كان أبوه ؛ أو أمه ؛ أو ابنه ، أو إخوته ، أو امرأته من الغارمين ، أو غزوا في سبيل الله ؛ أو كانوا مكاتبين - : جاز له أن يعطيهم من صدقته الفرض ؛ لأنه ليس عليه أداء ديونهم ولا عونهم في الكتابة والغزو وكما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء ، ولم يأت نص بالمنع مما ذكرنا . وروينا عن أبي بكر : أنه أوصى عمر فقال : من أدى الزكاة إلى غير أهلها لم تقبل منه زكاة ، ولو تصدق بالدنيا جميعها ، وعن الحسن : لا تجزئ حتى يضعها مواضعها وبالله تعالى التوفيق .
722 - مسألة : وتعطي المرأة زوجها من زكاتها ؛ إن كان من أهل السهام ، صح { عن رسول الله ﷺ أنه أفتى زينب امرأة ابن مسعود إذ أمر بالصدقة فسألته : أيسعها أن تضع صدقتها في زوجها ، وفي بني أخ لها يتامى ؟ فأخبرها عليه الصلاة والسلام أن لها أجرين : أجر الصدقة وأجر القرابة } ؟ .
723 - مسألة : قال أبو محمد : من كان له مال مما يجب فيه الصدقة ، كمائتي درهم أو أربعين مثقالا أو خمس من الإبل أو أربعين شاة أو خمسين بقرة ، أو أصاب خمسة أوسق من بر ، أو شعير ، أو تمر وهو لا يقوم ما معه بعولته لكثرة عياله أو لغلاء السعر - : فهو مسكين ، يعطى من الصدقة المفروضة ، وتؤخذ منه فيما وجبت فيه من ماله ؟ وقد ذكرنا أقوال من حد الغنى بقوت اليوم ، أو بأربعين درهما ، أو بخمسين درهما ، أو بمائتي درهم ؟ واحتج من رأى الغنى بقوت اليوم بحديث رويناه من طريق أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية عن النبي ﷺ : { من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار ، فقيل : وما حد الغنى يا رسول الله ؟ قال : شبع يوم وليلة } . وفي بعض طرقه : { إن يكن عند أهلك ما يغديهم أو ما يعشيهم } . ومن طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل عن أبي كليب العامري عن أبي سلام الحبشي عن سهل بن الحنظلية عن النبي ﷺ : { من سأل مسألة يتكثر بها عن غنى فقد استكثر من النار ، فقيل : ما الغنى ؟ قال : غداء أو عشاء } . قال أبو محمد : وهذا لا شيء ، لأن أبا كبشة السلولي مجهول وابن لهيعة ساقط . واحتج من حد الغنى بأربعين درهما بما رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد : أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : { من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا } . ومن طريق هشام بن عمار عن عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن رسول الله ﷺ أنه قال : { من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف } . قال : " وكانت الأوقية على عهد رسول الله ﷺ أربعين درهما " . ومن طريق ميمون بن مهران : أن امرأة أتت عمر بن الخطاب تسأله من الصدقة . فقال لها : إن كانت لك أوقية فلا تحل لك الصدقة ، قال ميمون : والأوقية حينئذ أربعون درهما . قال أبو محمد : الأول عمن لم يسم ، ولا يدرى صحة صحبته ، والثاني عن عمارة بن غزية وهو ضعيف . وقد كان يلزم المالكيين - المقلدين عمر رضي الله عنه في تحريم المنكوحة في العدة على ذلك الناكح في الأبد ، وقد رجع عمر عن ذلك ، وفي سائر ما يدعون أن خلافه فيه لا يحل كحد الخمر ثمانين ، وتأجيل العنين سنة - : أن يقلدوه هاهنا ، وكذلك الحنفيون ، ولكن لا يبالون بالتناقض واحتج من حد الغنى بخمسين درهما بخبر رويناه من طريق سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ : { من سأل وله ما يغنيه جاءت خموشا أو كدوحا في وجهه يوم القيامة ، وقيل : يا رسول الله ، وما يغنيه . قال : خمسون درهما أو حسابها من الذهب } قال سفيان : وسمعت زبيدا يحدث عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه روينا من طريق هشيم عن الحجاج بن أرطاة عمن حدثه ، وعن الحسن بن عطية ، وعن الحكم بن عتيبة ، قال من حدثه : عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود . وقال الحسن بن عطية : عن سعد بن أبي وقاص ، وقال الحكيم : عن علي بن أبي طالب ، قالوا كلهم ؛ لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما ، قال علي بن أبي طالب : أو عدلها من الذهب ؟ وهو قول النخعي - وبه يقول سفيان الثوري : والحسن بن حي . قال أبو محمد : حكيم بن جبير ساقط ، ولم يسنده زبيد ، ولا حجة في مرسل . ولقد كان يلزم الحنفيين والمالكيين - القائلين بأن المرسل كالمسند والمعظمين خلاف الصاحب ، والمحتجين بشيخ من بني كنانة عن عمر في رد السنة الثابتة من أن المتبايعين لا بيع بينهما حتى يفترقا - : أن لا يخرجوا عن هذين القولين ؛ لأنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة في هذا الباب خلاف لما ذكر فيه عن عمر ، وابن مسعود ، وسعد ، وعلي رضي الله عنهم ، مع ما فيه من المرسل . وأما من حد الغنى بمائتي درهم ، وهو قول أبي حنيفة ، وهو أسقط الأقوال كلها لأنه لا حجة لهم إلا أن قالوا : إن الصدقة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء ، فهذا غني : فبطل أن يكون فقيرا . قال أبو محمد : ولا حجة لهم في هذه لوجوه . أولها : أنهم يقولون بالزكاة على من أصاب سنبلة فما فوقها ، أو من له خمس من الإبل ؛ أو أربعون شاة ، فمن أين وقع لهم أن يجعلوا حد الغنى مائتي درهم ، دون السنبلة ؛ أو دون خمس من الإبل ، أو دون أربعين شاة ، وكل ذلك تجب فيه الزكاة . وهذا هوس مفرط . وهكذا روينا عن حماد بن أبي سليمان قال : من لم يكن عنده مال تبلغ فيه الزكاة أخذ من الزكاة ؟ والثاني : أنهم يلزمهم أن من له الدور العظيمة ، والجوهر ولا يملك مائتي درهم أن يكون فقيرا يحل له أخذ الصدقة . والثالث : أنه ليس في قوله عليه السلام : { تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم } دليل ولا نص بأن الزكاة لا تؤخذ إلا من غني ولا ترد إلا على فقير ، وإنما فيه أنها تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء فقط ، وهذا حق ، وتؤخذ أيضا - بنصوص أخر - من المساكين الذين ليسوا أغنياء ، وترد بتلك النصوص على أغنياء كثير ، كالعاملين ؛ والغارمين ؛ والمؤلفة قلوبهم ، وابن السبيل وإن كان غنيا في بلده . فهذه خمس طبقات أغنياء ، لهم حق في الصدقة ؟ وقد بين الله تعالى ذلك في الصدقة في تفريقه بينهم إذ يقول : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها } إلى آخر الآية فذكر الله تعالى الفقراء والمساكين ثم أضاف إليهم من ليس فقيرا ، ولا مسكينا ؟ وتؤخذ الصدقة من المساكين الذين ليس لهم إلا خمس من الإبل ، وله عشرة من العيال ، وليس له إلا مائتا درهم ، وله عشرة من العيال ، وممن لم يصب إلا خمسة أوسق - لعلها لا تساوي خمسين درهما - وله عشرة من العيال في عام سنة . فبطل تعلقهم بالخبر المذكور ، وظهر فساد هذا القول الذي لا يعلم أن أحدا من الصحابة رضي الله عنهم قاله . وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة عن حفص هو ابن غياث عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال : قال عمر بن الخطاب : إذا أعطيتم فأغنوا - يعني من الصدقة ، ولا نعلم لهذا القول خلافا من أحد من الصحابة . وروينا عن الحسن : أنه يعطى من الصدقة الواجبة من له الدار ، والخادم ، إذا كان محتاجا ؟ وعن إبراهيم نحو ذلك ؟ وعن سعيد بن جبير : يعطى منها من له الفرس ، والدار ؛ والخادم ؟ وعن مقاتل بن حبان : يعطى من له العطاء من الديوان وله فرس ؟ قال أبو محمد : ويعطى من الزكاة الكثير جدا والقليل ، لا حد في ذلك ، إذ لم يوجب الحد في ذلك قرآن ولا سنة ؟
724 - مسألة : قال أبو محمد : إظهار الصدقة - الفرض والتطوع - من غير أن ينوي بذلك رياء : حسن ، وإخفاء كل ذلك أفضل ، وهو قول أصحابنا . وقال مالك : إعلان الفرض أفضل . قال أبو محمد : وهذا فرق لا برهان على صحته . قال الله عز وجل : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } . فإن قالوا : نقيس ذلك على صلاة الفرض ؟ قلنا : القياس كله باطل ؛ فإن قلتم : هو حق ، فأذنوا للزكاة كما يؤذن للصلاة ومن الصلاة غير الفرض ما يعلن بها كالعيدين ، والكسوف ، وركعتي دخول المسجد ، فقيسوا صدقة التطوع على ذلك ؟
725 - مسألة : قال أبو محمد : وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ، ويجبرهم السلطان على ذلك ، إن لم تقم الزكوات بهم ، ولا في سائر أموال المسلمين ، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ، وبمسكن يكنهم من المطر ، والصيف والشمس ، وعيون المارة . وبرهان ذلك : قول الله تعالى : { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } . وقال تعالى : { وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم } . فأوجب تعالى حق المساكين ، وابن السبيل ، وما ملكت اليمين مع حق ذي القربى وافترض الإحسان إلى الأبوين ، وذي القربى ، والمساكين ، والجار ، وما ملكت اليمين ، والإحسان يقتضي كل ما ذكرنا ، ومنعه إساءة بلا شك ؟ وقال تعالى : { ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين } . فقرن الله تعالى إطعام المسكين بوجوب الصلاة . وعن رسول الله ﷺ من طرق كثيرة في غاية الصحة أنه قال : { من لا يرحم الناس لا يرحمه الله } . قال أبو محمد : ومن كان على فضلة ورأى المسلم أخاه جائعا عريان ضائعا فلم يغثه - : فما رحمه بلا شك . وهذا خبر رواه نافع بن جبير بن مطعم ، وقيس بن أبي حاتم ، وأبي ظبيان وزيد بن وهب ، وكلهم عن جرير بن عبد الله عن رسول الله ﷺ . روى أيضا معناه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ . وحدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا موسى بن إسماعيل هو التبوذكي - ثنا المعتمر هو ابن سليمان - عن أبيه ثنا أبو عثمان النهدي أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حدثه { أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء ، وأن رسول الله ﷺ قال : من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس } أو كما قال فهذا هو نفس قولنا . ومن طريق الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن الزهري أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله ﷺ قال : { المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه } . قال أبو محمد : من تركه يجوع ويعرى - وهو قادر على إطعامه وكسوته - فقد أسلمه . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو الأشهب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال : { من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له ، قال : فذكر من أصناف المال ما ذكر ، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل } . قال أبو محمد : وهذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم يخبر بذلك أبو سعيد ، وبكل ما في هذا الخبر نقول . ومن طريق أبي موسى عن النبي ﷺ : { أطعموا الجائع وفكوا العاني } . والنصوص من القرآن ، والأحاديث الصحاح في هذا تكثر جدا . وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين ؟ هذا إسناد في غاية الصحة والجلالة . ومن طريق سعيد بن منصور عن أبي شهاب عن أبي عبد الله الثقفي عن محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن علي بن أبي طالب أنه سمع علي بن أبي طالب يقول : إن الله تعالى فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم ، فإن جاعوا أو عروا وجهدوا فمنع الأغنياء ، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة ، ويعذبهم عليه ؟ وعن ابن عمر أنه قال : في مالك حق سوى الزكاة . وعن عائشة أم المؤمنين ، والحسن بن علي ، وابن عمر أنهم قالوا كلهم لمن سألهم : إن كنت تسأل في دم موجع ، أو غرم مفظع أو فقر مدقع فقد وجب حقك . وصح عن أبي عبيدة بن الجراح وثلاثمائة من الصحابة رضي الله عنهم أن زادهم فني فأمرهم أبو عبيدة فجمعوا أزوادهم في مزودين ، وجعل يقوتهم إياها على السواء ؟ فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة رضي الله عنهم ، لا مخالف لهم منهم . وصح عن الشعبي ، ومجاهد ، وطاوس ، وغيرهم ، كلهم يقول : في المال حق سوى الزكاة . قال أبو محمد : وما نعلم عن أحد منهم خلاف هذا ، إلا عن الضحاك بن مزاحم ، فإنه قال : نسخت الزكاة كل حق في المال . قال أبو محمد : وما رواية الضحاك حجة فكيف رأيه . والعجب أن المحتج بهذا أول مخالف له فيرى في المال حقوقا سوى الزكاة ، منها النفقات على الأبوين المحتاجين ، وعلى الزوجة ، وعلى الرقيق ، وعلى الحيوان ، والديون ، والأروش ، فظهر تناقضهم . فإن قيل : فقد رويتم من طريق ابن أبي شيبة : ثنا أبو الأحوص عن عكرمة عن ابن عباس قال : من أدى زكاة ماله فليس عليه جناح أن لا يتصدق . ومن طريق الحكم عن مقسم عن ابن عباس في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } نسختها : العشر ، ونصف العشر . فإن رواية مقسم ساقطة لضعفه ؛ وليس فيها ولو صحت خلاف لقولنا ؟ وأما رواية عكرمة فإنما هي أن لا يتصدق تطوعا ؛ وهذا صحيح ؟ وأما القيام بالمجهود ففرض ودين ، وليس صدقة تطوع . ويقولون : من عطش فخاف الموت ففرض عليه أن يأخذ الماء حيث وجده وأن يقاتل عليه . قال أبو محمد : فأي فرق بين ما أباحوا له من القتال على ما يدفع به عن نفسه الموت من العطش ، وبين ما منعوه من القتال عن نفسه فيما يدفع به عنها الموت من الجوع والعري . وهذا خلاف للإجماع ، وللقرآن ، وللسنن ، وللقياس . قال أبو محمد : ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة ، أو لحم خنزير وهو يجد طعاما فيه فضل عن صاحبه ، لمسلم أو لذمي ؛ لأن فرضا على صاحب الطعام إطعام الجائع فإذا كان ذلك كذلك فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير - وبالله تعالى التوفيق . وله أن يقاتل عن ذلك ، فإن قتل فعلى قاتله القود ، وإن قتل المانع فإلى لعنة الله ؛ لأنه منع حقا ، وهو طائفة باغية ، قال تعالى : { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } ومانع الحق باغ على أخيه الذي له الحق ؛ وبهذا قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانع الزكاة - وبالله تعالى التوفيق . تم كتاب الزكاة بحمد الله تعالى وحسن عونه .
==================
 ======================================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطلاق

  النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق / مدونة الطلاق للعدة / مدونة ديوان الطلاق // المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة